بواسطة :
06-03-2015 05:13 صباحاً
23.7K
المصدر - الغربية - مساعدالعتيبي
بعد تداول الفيديو الذي يظهر تدمير مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية لما يُعتقد أنه تحف أثرية قديمة في العراق، دعت مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، ومنذ أعوام يُبدي علماء وخبراء آثار مخاوفهم على مصير مواقع أثرية بعضها على لائحة التراث العالمي تحتضنها أراضي سوريا والعراق التي احتضنت مهد الحضارة البشرية وصُنّفت كأقدم مواقعها، حين كانت*منطقة سوريا*التاريخية تشير إلى بلاد الشام، أو*الهلال الخصيب. هذه الأرض التي حفظت آثارًا بشرية تعود لنحو مليون عام تقريبًا، وشُيدت فيها أقدم مدن العالم، وازدهرت بها الحضارات منذ*العصر الحجري، مرورًا*بالحضارة الآرامية، والدولة الأموية والعباسية*وحتى العثمانية. تتعرض ضمن ما تشهده البلدان من أحداث للدمار، وكما لم ينجُ البشر من براثن الحروب، لم تنجُ المواقع الأثرية أيضًا وخسرت الإنسانية – خلال الأعوام القليلة السابقة- آلاف السنين من تراثها، وستتوقف الدراسة العلمية لملامح هذه الحضارات والشخصيات المؤثرة فيها باختفاء القطع الأثرية الأصلية لها، المواقع التالية هي أبرز ما تعرض للدمار في بلاد الشام والعراق، والتي لم يعد بإمكان أحد في العالم أن يراها إلا من خلال الصور.
حلب المدينة القديمة
تعد حلب التي تحمل لقب “الشهباء” أقدم المدن التاريخية، وقد جمعت على أرضها أجمل المواقع التاريخية، فأسواق المدينة التي يعود تاريخها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، سجلت في موسوعة “غينيس” كأطول سوق مسقوفة متفرعة إلى مجموعة أسواق، لكن الدمار جرَّاء الأحداث في سوريا طال معظم المواقع، إذ دمرت الأسواق، وتعرّض جامع السلطانية لتدمير جزئي، إلى جانب بيوت المدينة الأثرية، كما تعرّضت قلعتها لبعض الأضرار عند بابها وفي بعض المواقع فيها جراء سقوط القذائف عليها، إضافة إلى تخلخل أساسها نتيجة التفجيرات التي طالت معظم المباني المحيطة بها.
“حلب واحدة من بين ستّة مواقع سوريّة، مسجّلة في لائحة التراث العالمي. بعض المواقع المدمّرة غير قابل للإصلاح، ومهدد بالضياع إلى الأبد”.
لا يكفّ أبناء مدينة حلب عن رصد ما طالها من دمار، ويبذلون ما بوسعهم لحمايتها، ومؤخرًا تم تصوير المدينة من الأعلى وتفاجأ حتى أبناؤها بكم الدمار الذي أتى على أغلب تراث المدينة.
المسجد الأموي
طاله الدمار كذلك، أحد أكبر جوامع المدينة في حلب، وأحد المعالم الإسلامية التاريخية فيها، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 96هـ – 716م في العهد الأموي، ويٌقال إن من شيده هو الخليفة الأموي*سليمان بن عبد الملك*ليماثل جامع بني أمية في دمشق الذي شيده شقيقه*الوليد، ويطلق عليه البعض اسم*جامع زكريا إذ يُعتقد بوجود قطعة من جسد النبي*زكريا*في الجامع. الذي كان يشغل مساحة واسعة بلغ طولها 105 أمتار، وعرضها نحو 77.75 متر، وكان يشبه إلى حد كبير في مخططه وطرازه الجامع الأموي الكبير.
تميز المسجد بالزخرفة في فن العمارة الإسلامية وبطرازه العمراني القديم، وعلى مر العصور التاريخية المتعاقبة ارتبطت بالمسجد قرارات مصيرية وأحداث أكسبته أهمية خاصة، واغتنى بإضافات كثيرة عبر العصور التاريخية الإسلامية واحتفظ منها بشاهد لكل عصر، فالمنبر يعود إلى عصر الملك*الناصر محمد، وهو من أجمل المنابر، مُزخرف بالرقش العربي الهندسي المركب من خشب الأبنوس، والمحراب يعود إلى عصر*السلطان قلاوون*وهو مبني بالحجر ذي الزخارف الهندسية الرائعة، إلى جانب الضريح الذي يطلق عليه اسم الحضرة النبوية، ويُقال إنه يحوي قبر النبي زكريا، وكانت به أشياء ثمينة محفوظة، منها مصاحف كتبها كبار الخطاطين السوريين والأتراك، وقناديل قديمة مذهبة ومفضضة وقواعد شمعدان، وكان أروع ما يحويه هذا المسجد مئذنته المربعة المرتفعة لخمسين مترًا، والتي جددت سنة*1094 *م.
قلعة الحصن*
كانت من أجمل القلاع العسكرية في الشرق، تقع ضمن سلاسل جبال الساحل السوري ضمن محافظة حمص، ومنذ بناها المرداسيون عام 1031م، لحماية طريق القوافل التجارية القادمة من سواحل بلاد الشام إلى داخل بلاد الشام، شهدت أحداثًا تاريخية كبيرة خلال الحملات الصليبية على الشرق، وكانت محل نزاع دائم بين العرب والصليبين، حيث استولى عليها الصليبيون في بداية قدومهم ثم استرجعها أمير حمص، ووقعت في يد الصليبيين مرة أخرى واستردها العرب، ويُميز القلعة لون حجارتها الكلسية التي كانت تُجلب من بلدة مجاورة تدعى عمار الحصن؛ لتكون طيعة وخفيفة الوزن أثناء النحت. وبلغت مساحتها الإجمالية حوالي 30000م٢، وكانت ترتفع عن سطح البحر بحوالي 750 مترًا، ولهذه القلعة حصن خارجي وآخر داخلي. ولأهميتها التاريخية والعمرانية اعتبرتها منظمة اليونيسكو قلعة تاريخية هامة لاحتوائها على تراثٍ إنساني عظيم، وسُجلت القلعة على لائحة التراث العالمي.
*مدينة تدمر
كانت مملكة تدمر من أهم الممالك العربية القديمة التي ازدهرت في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، خاصة في عهد ملكتها زنوبيا، ونافست حضارتها حضارة الإمبراطورية الرومانية القديمة، إذ*كانت محطة تجارية مهمة بين آسيا وأوروبا حيث تقع بين نهر الفرات والبحر الأبيض المتوسط.
* كانت مدينة تدمر الأثرية عاصمة المملكة من أجمل المدن وكانت تحمل طابع المدن الإغريقية والرومانية بأبنيتها الملكية ومساكن الإدارة وطراز الأبنية العامة والخاصة وعرفت بفخامتها حيث كانت المدينة إحدى أغنى المدن وأكثرها ثراء.
وعبرها كان يمر طريق الحرير التاريخي من بلاد ما وراء النهرين آنذاك إلى أفريقيا والجزيرة، وكانت من أولى الممالك التي كانت تتسم بالتسامح الديني حيث عثرت البعثات الأثرية على الكنائس وأيضًا الكنس اليهودي، كما عثرت على معابد النار والشمس والخمر حيث يوجد في متحفها إلى الآن تمثال زاخوس إله الخمر وعشتار إلهة الخير وأيضًا حامي المدينة إله الشمس.
وكانت القوافل الواردة إليها والمنطلقة منها لا تتوقف ليل نهار، وفي الفترة الإسلامية لم يعد للمدينة دور يذكر فانزوت في موقعها الذي يبعد 235 كيلو مترًا شمال مدينة دمشق، وبقيت آثار تدمر على بقعة واسعة من الأرض من البوابات وأقواس النصر والشارع المستقيم، وآثار معابد كثيرة على امتداد الموقع.
على قائمة الخطر في العراق:
على قائمة الخطر تم وضع عدة مواقع أثرية عراقية منذ الحرب الأمريكية عام 2003، منها باب الشمس وسور نينوى والحصن العبوري ومدينة سامراء، ومؤخرًا في ظل سيطرة تنظيم الدولة على مناطق واسعة، تحاول القوات العراقية والكردية على الأرض استعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش. إلا أن حماية الآثار الواقعة في مناطق بعيدة عن متناول القوات الأمنية، تبدو شبه مستحيلة.
ففي منطقة الموصل قام التنظيم بتدمير آثار يعود تاريخها إلى آلاف السنين في متحف مدينة الموصل. وشوه تمثال آشوري ضخم لثور مجنّح، يقع عند بوابة نركال في الموصل. كما طال الدمار مسجد الخضر الأثري وسط مدينة الموصل وأحرقت كتبا في مكتبة الموصل، ودُمرت مزارات تراثية عدة في المدينة التي تعد من أقدم المدن في الشرق الأوسط.
جامع النبي يونس
يعتقد مؤرخون أن هذا مكان أحد الأنبياء السابقين حينما كانت نينوى مركزا دينيا، فيما يقول آخرون أنه جزء من قصر آسرحدون الذي توجد آثاره تحت بقايا المسجد القديم. وتوجد عين ماء تسمى “عين الدملماجة”، وكانت من المنابع التي يزورها أهل الموصل ويعتقدون أنها عين يونس، وأن شجرة اليقطين التي أظلته كانت فوق هذه العين.
ومنذ تأسيسه في القرن السابع الهجري في أعلى المدينة بحيث يصعد إليه قاصده عبر طريق متدرج يبدأ من الأسفل ليصل به للأعلى شيئا فشيئا في رحلة تبدو وكأنها تطهره من أدران الحياة الدنيا، إلى أعلى قطة حيث يقع الضريح، ظلت أنوار المسجد تزين المكان وكان مستثنى من القطع الكهربائي، قبل أن يقوم تنظيم الدولة بتفجير المسجد بحجة أنه أصبح مكانًا للمرتدين وليس للعبادة.
أثارت عملية تدمير الآثار مخاوف على ما تبقى من مواقع أثرية في محافظة نينوى، ومركزها مدينة الموصل فما يزال على قائمة الخطر في الموصل حوالي 1800 من أصل 12 ألف موقع أثري في البلاد، في المنطقة التي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة في العراق.
“وأبلغ عناصر التنظيم حراس بوابة نركال، أن هدفهم المقبل سيكون مدينة نمرود الأثرية جنوب الموصل”
آثار مدينة نمرود
تقع أطلال مدينة نمرود في الجانب الشرقي من نهر دجلة في الجنوب الشرقي من مدينة الموصل. وتُعد من المراكز الحضرية المهمة، وقام بتشييدها الملك الآشوري شلمنصر الأول عام 1260 *تقريبا قبل الميلاد، وهي منطقة أثرية معزولة جدا وسط الصحراء وبعد التنقيب فيها عُثر على عدد من القصور والمعابد الآشورية القديمة جدا، ومن أبرز معالم مدينة نمرود الأثرية: البرج المدرج وأهم معابد المدينة*معبد عشتار، ومعبد نابو (إيزيدا): إله الحكمة والمعرفة والفنون والعلوم والرسائل، وكبير الآلهة الآشورية. كما يضم الموقع عددا من القصور منها *قصر الملك آشور ناصر بال الثاني *الذي بني *884 تقريبا قبل الميلاد ويقع في جنوب حارة المعابد، وقصر الملك شلمنصر الثالث وقصر الملك آسرحدون الذي يقع في الجهة الجنوبية الغربية من المدينة.
ما الذي سيقدمه العالم؟
دعت اليونيسكو إذن لعقد اجتماع لمجلس الأمن وطالبت الإنتربول الدولي بملاحقة الآثار المهربة من سوريا والعراق لوقف عملية الإتجار هذه والتعاون مع كبرى المتاحف العالمية لمراقبة عملية تهريب الآثار.
ورغم هذه النداءات التي *تثير التساؤل ربما عما بقي في جعبة المجتمع الدولي لإنقاذ هذه المواقع، ولم يقدمه لحماية البشر فيها، فإن أصواتًا أخرى كخبيرة الآثار مارغريتا فان إس مدير قسم المشرق في “المعهد الألماني للآثار” ببرلين، تقر بأن هذه الجرائم التي أضاعت الآثار لا تنفصل عن تهجير وقتل البشر، والتي تبدو مواجهتها غير ممكنة إلا عن طريق تدخل عسكري، وإلى جانب هذا تقول:*
“أقصى ما يمكن فعله هنا هو أرشفة ومعرفة ما تم بيعه وتدميره للقيام بإعادة بنائه وترميمه لاحقًا. ولكن هذا لا ينقذ القطع الأصلية”.