اعداد وبحث الدكتور/ محمد المختار جي.
المصدر -
كتب الدكتور/ محمد المختار جي. أحد علماء السنغال بحثا تحدث فيه عن دور الاسلام في نشر الحضارة وانتشار اللغة العربية بدولة السنغال واسهب في الوصف كما وسنعرض تلك المكتوبة قال فيها :
المقدمة:
دخل الإسلام في السنغال منذ القرن الحادي عشر الميلادي أو قبله- حسب بعض المؤرخين- وقد ساعد نجاح الإسلام في السنغال على انتشار ثقافته هناك.
ويعتبر تأسيس رباط عبد الله بن ياسن على ضفاف نهر السنغال أو في جزيرة اندر Ndar سين لويس Saint- Louis حاليا أول بادرة رسمية في تركيز دعائم الإسلام والثقافة العربية الإسلامية في هذه المناطق، وذلك يعني بإقامة حكومة إسلامية تسهر على رعاية مصالح الإسلام، وتسعى إلى نشره بإنشاء مؤسسات علمية ثقافية دينية كالمساجد والرباطات والمحاضر والمدارس القرآنية التي أصبحت من أهم المنارات التي يشع منها نور العلم والمعرفة والثقافة في هذه البلاد.
وفي الواقع فإن انتشار الثقافة العربية الإسلامية في السنغال يرجع بوجه عام إلى أهم العناصر التالية:
دور الشيوخ وبعض المراكز العلمية والبعثات الإسلامية والجمعيات الإسلامية؛ وكذلك المنصفات والمؤلفات العلمية.
دور الشيوخ في إرساء الإسلام والثقافة العربية:
إن الحقيقة التاريخية التي لا يستطيع أي باحث في تاريخ إفريقيا أن ينكرها؛ هي أن الشيوخ في القارة الإفريقية لعبوا دورا كبيرا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وكان لهؤلاء الشيوخ الذي في آثارهم البعيدة في كل جوانب الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية.
ويرى بعض الباحثين أنه لا يمكن فهم تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء من الناحية الإسلامية، وخصوصا في العصر الحديث، دون التعرض للشيوخ المتصوفين أو الدعاة، فقد كان لهم دور عظيم في نشر الدين الإسلامي وإرسائه في كثير من مجتمعات القارة الإفريقية. ([1])
ويبدو أن الدين الإسلامي لم يعرف مناطق كثيرة في القارة الإفريقية إلا من خلال جهود بعض زعماء التصوف أو الشيوخ الذين تصدوا للمجتمعات الوثنية، وقاموا بنشر الدين الإسلامي بين أناس وثنيين وبين حكام أفارقة وثنيين حاربوا هذا الدين الحنيف، وبفضل هؤلاء انتشر الإسلام، وخاصة الإسلام في مجتمعات الصحراء الكبرى، وكانت للزوايا القادرية والتيجانية والسنوسية والشاذلية دور كبير في نشر الإسلام في القارة الإفريقية. ([2])
ومنذ القرن التاسع الميلادي ظهر في غرب إفريقيا شيوخ ودعاة إصلاحيون؛ قاموا بنشر الدعوة الإسلامية، وتوسيع دائرة الثقافة العربية الإسلامية في مناطقهم، وذلك على غرار الشيخ عثمان دان فودي (1754-1817م) الذي نشر الإسلام والثقافة العربية الإسلامية في بلاد هوسا الوثنية، وكان جهود الجبارة عبر سنوات طوال في الكفاح والنضال أثرها البالغ في تأسيس دولة إسلامية قوية.
كما ظهر في السنغال؛ وبالتحديد في فوتا السنغالية شيوخ ساهموا في إرساء دعائم الإسلام وثقافته، وكان من بينهم شيوخ دولة الأئمة كالشيخ سليمان بال المولود في فوتا حوالي (1720- 1721) وكان شيخا مجاهدا أسس مدارس قرآنية، ومحاضر كان يدرس فيها اللغة العربية والعلوم الإسلامية، كما كان يخرج إلى بلاد المجاورة للدعوة والإرشاد، فيقضي فيها أياما وسنوات، وقد أطاع الشيخ سليمان بال بمسلكه دينامكية الوثنية عام 1770م، ويؤسس فور سقوطها دولة تحكم حسب تعاليم الشريعة الإسلامية. ([3])
وبعد وفاة الشيخ سليمان بال ورثه الشيخ عبد القادر كان؛ وكان شيخا ورعا وعالما مر بجامعة بر وجامعة كوكي القديمتين، ويعتبر الشيخ سليمان بال من أكبر الشيوخ والدعاة الفوتيين الذين سعوا أيضا إلى نشر تعاليم وتوسيع نطاق العلم والمعرفة والثقافة الإسلامية في مناطق فوتا وما جاورها.
وقد نجح شيوخ دولة الأئمة في فوتا السنغالية في تطبيق الشريعة الإسلامية، وتحقيق ازدهارها في شتى مجالات الحياة الدينية والثقافية والسياسية، وقد صدرت دعوة من أوساط العلماء والفقهاء والمشايخ في بلاد شنقيط لإقامة دولة سنية على غرار دولة فوتا السنغالية. ([4])
ويبدو أن هذا الدور الايجابي الذي كان يلعبه الشيوخ الأفارقة لم ينقطع، فقد جاء فيما بعد الشيخ الحاج عمر الفوتي تال (1794-1864م) وقام بدور جبار ومشهود في إرساء الإسلام والطريقة التيجانية، فقد استطاع في غضون سنوات قليلة أن يكون دولة إسلامية واسعة في أرجاء تمتد من نهر السنغال إلى نهر النيجر.
يقول الشيخ موسى كامرا؛ وهو واحد من كبار المؤرخين السنغاليين: { يعتبر الشيخ عمر بحق أعظم شخصية وطنية إسلامية تاريخية في غرب إفريقيا، وأكبر مجاهد لنصرة العقيدة، وتبليغ الدعوة ونشر مبادئ الدين الصحيحة، وأخطر محارب على رؤوس الكفر والشرك، والوثنية، وإليه يعود فضل انتشار الإسلام في غرب القارة الإفريقية. ([5])
وعلى هذا فقد لعب الشيخ عمر الفوتي دورا كبيرا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في غرب إفريقيا بصفة عامة، وفي السنغال بصفة خاصة، ولذلك مهما تباينت الآراء بين المؤرخين حول منهج الشيخ عمر وأسلوبه في الدعوة، فهم متفقون على أن التاريخ سجل له على صفحاته النتائج التالية:
• ساهم في انتشار الإسلام في إفريقيا الغربية.
• نجح في تحويل بعض الوثنيين إلى التمسك بالعقيدة المحمدية.
• نشر الطريقة التيجانية في السنغال، وفي بلدان غرب إفريقيا
• أثرى المكتبة العربية الإسلامية بمصنفاته ومدوناته
وعلى كل حال فقد قام هؤلاء الشيوخ بدور كبير لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وذلك في خدمة الإسلام وثقافته، وكان من هؤلاء أيضا الشيخ ماباجخو باه (1809- 1867م) والشيخ الإمام فودي كبا (1818-1901م) والشيخ الحاج مالك سي 1850- 1922م) والشيخ أحمد بمبا (1855- 1827م) والشيخ أحمد الكبير امباي، والشيخ أحمد دم السوكوني، والشيخ إبراهيم انياس 1900-1977م)، وغيرهم.
دور المراكز العلمية والثقافية والتعليمية في السنغال في إشعاع الإسلام
منذ بروز الإسلام في غرب إفريقيا ظهرت مراكز علمية وثقافية هامة، وكانت هذه المراكز قبلة للطلبة المتعطشين للعلم والمعرفة يفدون إليها كل وقت وحين، وكان من أبرز هذه المراكز في غرب إفريقيا تمبكت- وجني- وغوى. وقد خرّجت هذه المراكز أجيالا عديدة ساهمت بدور ثقافي كبير، ويبدو أن أحمد بابا التمبكتي خير شاهد على ذلك.
أما في السنغال فقد كانت هناك مراكز علم وثقافة شمل تأثيرها أيضا مناطق واسعة في غرب إفريقيا، وكان من بين المراكز مركز بير Pir ، أو بالأحرى جامعة بير، وكانت جامعة شعبية تقليدية ساهمت مساهمة كبيرة في إشعاع الإسلام والمعرفة الدينية في السنغال.
ويرى أحد الباحثين أن تأسيس أول جامعة إسلامية بالمعنى الصحيح على التراب السنغالي هي جامعة بير الإسلامية التي تم تأسيسها من طرف القاضي عمر فال المعروف بعمات فال. ([6]) وقد بقيت هذه الجامعة طيلة قرون مركزا ثقافيا ومعقلا دينيا إلى مجيء الاستعمار الفرنسي الذي عمد إلى إحراق الجامعة على يد الجنرال فيدرب
وتجدر الإشارة أنه مرّ بهذه الجامعة الإسلامية الشعبية العديد من مشايخ وعلماء السنغال؛ وذلك أمثال الشيخ سليمان بال، والشيخ عبد القادر كن، والشيخ مباجاخو باه، والشيخ عمر الفوتي تال.
أما جامعة كوكي فلا تقل أهمية عن جامعة بير، فقد كانت أيضا مركز إشعاع علمي فكري يرتاده العديد من الأفارقة، وقد تم تأسيس هذه الجامعة على يدي مختار ندومب جوب.
إضافة إلى هاتين الجامعتين العريقتين فقد كانت مدارس قرآنية أخرى ساهمت في انتشار الثقافة العربية الإسلامية، وذلك مثل مدارس فوتا وسالم وجامبر واندر.
ومنذ فترة قبل الاستعمار تحول العديد من المدارس القرآنية إلى مدارس عربية نظامية شاركت أيضا في توطيد اللغة العربية والثقافية الإسلامية في العلوم، وفي بعث أولادها إلى الخارج لمتابعة دراساتهم في الجامعات العربية الإسلامية.
وكان من أبرز هذه المؤسسات التعليمية مدارس الشيخ أحمد امباكي بجوربل، ومدارس الشيخ إبراهيم انياس بكولاخ، ومدارس جامعة عباد الرحمان ومدارس الفلاح مركز التعليم الإسلامي للأستاذ أحمد مجمد جي ، وغيرها..
وهذه المدارس كلها كان لها دور كبير ومشهود في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في البلاد.
ومن المدارس القرآنية ما تستحق التنويه والتقدير لما تخرج كل سنة من عدد كبير من حملة كتاب الله العزيز؛ وذلك على غرار مدرسة كوكي القرآنية التابعة للشيخ أحمد الصغير لوح، وهي مدرسة قرآنية تعتبر نموذجا في السنغال بصفة خاصة، وفي غرب إفريقيا بصفة عامة.
دراسة تاريخ وأهمية البعثات الطلابية السنغالية إلى العالم العربي
إنه من الصعوبة بمكان تأريخ تاريخ البعثات الطلابية السنغالية إلى العالم العربي، لكنه يرى بعض المؤرخين أن الشيخ الحاج مالك سي كانت له فكرة إبعاث جماعة من طلبته إلى العالم العربي لمواصلة دراساتهم. ([7])
ولكن ما يمكن تسجيله هو أن السنغاليين كانوا يتوجهون إلى بلاد شنقيط المجاورة لمتابعة دراساتهم، وذلك قبل الشيخ الحاج ملك سي، فقد واصل العديد من شيوخ فوتا تعاليمهم في بلاد شنقيط، فقد ارتحل الشيخ سليمان بال إلى شنقيط ومكث في زاويا قبيلة ادّو علي مدة طويلة، وتأثر بأفكاره، وخاصة ما يهم مسألة الجهاد.
وفي نهاية الأربعينات كان يقوم بعض الأفراد بمبادرات السفر إلى العالم العربي لمتابعة دراساتهم، وذلك على حسابهم الخاص وكمغامرات شديدة مات بعضهم أثناء الطريق.
ويعتبر الحاج محمود باه من الرواد الأوائل الذين نجحوا في السفر إلى الحجاز ثم التحق إلى مدرسة الفلاح السلفية لمكة المكرمة، وعند عودته أسس مدارس قرآنية إسلامية في عدد من بلاد السنغال وموريتانيا، ومالي، وقد تمكن من إرسال بعض طلبته إلى العالم العربي لمواصلة دراساتهم، وما إن أدركت السلطة الاستعمارية بذلك حتى وجهت أمرا بإعادة الطلاب فورا، وعلى ذلك سعى الاستعمار الفرنسي إلى عرقلة هذه المسيرة، وأنشأ معهدا إسلاميا ببلدة تمبكت بموريتانيا ليحول دون توجه الطلاب لسنغاليين إلى الجامعات العربية الإسلامية الكبرى، ولكن منذ الاستقلال وفي عهد الرئيس ليوبول سدار سيغور بدأت الحكومة السنغالية وبالتعاون مع بعض البلدان العربية تسمح بعض المستعربين للخروج إلى البلدان العربية الإسلامية، وكان لمحمد جاه الوزير الأول في حكومة سيغور فضل كبير في تحقيق ذلك، ومع تلك الفترة بدأت الوفود إلى العالم العربي تزداد، وخاصة إلى جامعة الأزهر بمصر، وإلى جامعات المغرب العربي، مثل جامعة القرويين بفاس، وجامعة الزيتونة بتونس، كما قامت منذ الثمانينات كلية الدعوة الإسلامية بالجماهير العربية الليبية، وكذلك بعض جامعات الخليج العربي بتكوين عدد كبير من المثقفين بالثقافة العربية الإسلامية.
وقد لعبت هؤلاء الخريجون دورا كبيرا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في البلاد السنغالية، فأسس بعضهم مدارس خاصة، كما تم توظيف في المدارس الحكومية لتعليم اللغة العربية وآدابها، كما سعى بعضهم أيضا إلى تأسيس جمعيات ومنظمات إسلامية لنشر الدعوة الإسلامية، وتوسيع دائرة لغة الضاد في البلاد.
مساهمة الجمعيات الإسلامية في الكفاح لتعليم اللغة العربية
لاشك أنه لا يمكن التحدث عن انتشار اللغة العربية والثقافة الإسلامية في السنغال دون ذكر الجمعيات والمنظمات الإسلامية.
ويبدو أنه ما قبل الخمسينات لا نجد جمعية ذات أهمية يمكن ذكرها تاريخيا، وإذا كان يرى البعض أن أول جمعية إسلامية في السنغال هي الجمعية الثقافية التي تم تأسيسها سنة 1930م في مدينة سين لويس Saint- Louis، إلا أننا لا نعرف منها الكثير لأنه في ظل الاستعمار الفرنسي لم تنجح أي جمعية إسلامية.
وتعتبر الجمعية التي سميت باسم (الإخوان المسلمون) والتي تم تأسيسها حوالي 1935م برئاسة عبد القادر جانج أول جمعية إسلامية في السنغال، وكان هدفها:
• إصلاح التعليم في السنغال وإدخال التعليم العربي في المدارس الحكومية
• إصلاح الطرق الصوفية
• مقاومة حركة المبشرين المسيحيين
• رفض الحضارة القائمة على الثقافة الغربية ([8])
ومنذ الخمسينات انتشرت فكرة تأسيس الجمعيات، وقد تم تأسيس الاتحاد الثقافي الإسلامي حوالي 1953م، على أيدي جماعة تأثروا بالحركة الإصلاحية السائدة في العالم العربي في بداية القرن العشرين، وكان لهذا الاتحاد فروع في كل من مالي وغينيا وبوركنا فاسو، وساحل العاج، وكان هدف هذا الاتحاد:
(1) نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في السنغال
(2) تطهير الإسلام من البدع والخرافات
(3) محاربة الطرق الصوفية
وبعد الاستقلال تم تأسيس جمعيات أخرى وذلك مثل جمعية (الاتحاد الوطني للجمعيات الثقافية الإسلامية في السنغال) حوالي 1962م، وذلك بتشجيع وتأييد من حكومة الرئيس سنغور ، وكان يضم هذا الاتحاد جمعيات إسلامية كانت تصطنع بصبغة صوفية، وكان يرأس هذا الاتحاد السيد عبد العزيز سي التيجاني .
وقد ظهرت أيضا جمعية (الاتحاد التقدمي الإسلامي في السنغال) وهي جمعية ذات صبغة سياسية، وكان يرأسها السيد مصطفى نيانغ الذي كان صديقا وحليفا للرئيس ليوبول سدار سنغور.
وتعتبر حركة عباد الرحمان من أكبر الجمعيات الإسلامية في السنغال، والتي كان لها تأثير كبير في البلاد السنغالية، وقد تم تأسيسها في السبعينات في مدينة تيس؛ وذلك على أيدي جماعة من المثقفين بالثقافة العربية الإسلامية، ومن بين تلك الجمعيات الإسلامية التي كان لها أثر كبير في أوساط السنغاليين جمعية وحركة الفلاح للثقافة الإسلامية السلفية بالسنغال، وهي حركة سلفية قبلية، ومعظم أعضائها فولانيون وسراخوليون، وقد تأثرت جمعية الفلاح بالحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، وكان يتزعم هذه الحركة الحاج محمد باه الذي سافر إلى مكة المكرمة، وتأثر بمبادئ أهلها.
وفي الواقع منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ظهرت في السنغال جمعيات ومنظمات إسلامية عديدة لا حصر لها، وكان من أهدافها الأساسية نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية عبر وسائل من أهمها:
1) تأسيس مدارس إسلامية عربية
2) تنظيم تظاهرات ثقافية
3) تقديم منح إلى أبناء الوطن لمواصلة دراساتهم في العالم العربي
4) بناء مساجد وجوامع ومجمعات إسلامية
5) بناء مستشفيات ومراكز صحة لأبناء الوطن
6) كفالة ورعاية اليتامى فاقدي السند
إن اللغة العربية منذ ظهورها في البلاد السنغالية كانت لغة الفكر والأدب والثقافة والكتابة. وقد نبغ كثير من السنغاليين فأبدعوا فيها وألفوا مصنفات ومدونات عديدة كان لها أثر كبير في انتشار اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية.
ورغم ندرة المصادر والمراجع العلمية آنذاك فقد اجتهد العلماء السنغاليون، وحققوا شيئا كبيرا في مجال التأليف والتصنيف، ففي مجال النشر تناولوا العديد من مواضيعه فكتبوا في العلوم الإسلامية كالفقه والتوحيد والتصوف، كما كتبوا في الأدب واللغويات كالنحو والصرف، أما في مجال النشر فقد نظموا كثيرا من القصائد والقرائض وكانت مواضيعهم تدور خاصة حول مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ومدح شيوخهم المتصوفين، والأخلاقيات غير أننا تأريخيا لم نعثر على مؤلفات سنغالية كتبت باللغة العربية ما قبل فترة الحاج عمر، وربما تم إحراق الكثير منها أيام إحراق جامعة بر القديمة ومكتبتها، وعلى كل فقد كان الحاج عمر الفوتي من الطراز الرفيع في الكتابة والأليف في وقته، وذلك نثرا ونظما، وكان من أهم مؤلفاته؛ والتي تم طبعها:
- كتاب رماح على نحو حزب الرجيم
- كتاب المقاصد السنية لكل موقن من الدعاة إلى الله في الراعي والراعية
- كتاب تذكرة المسترشدين وفلاح الطالبين
- ديوان سفينة السعادة لأهل الضعف والنجادة، وغيره من مؤلفات.
وإلى جانب مؤلفات الشيخ عمر الفوتي فإن شيوخ وعلماء السنغاليين كرسوا حياتهم كلها في التأليف والتصنيف، وأثروا بها المكتبة العربية الإسلامية، وما يلاحظ هو أن أغلبها مازال مخطوطا.
فقد كتب الحاج مالك سي والشيخ أحمد بامبا، والشيخ الخليفة محمد نياس، والشيخ إبراهيم نياس، والشيخ امباكي بوصو كتبا عديدة في شتى المجالات.
ويعتبر الشيخ موسى كمرا (1866- 1955م) آية في التأليف، وقد ترك من المؤلفات في الفقه واللغة والعروض والتصوف والتاريخ، وكتابه زهور البساتين في تاريخ السواد ين، من أكبر المصادر التاريخية في إفريقيا جنوب الصحراء إلا أنه للأسف الشديد مازال مخطوطا في رفوف المعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء بدكار.
كما نجد أيضا الشيخ أحمد دم السوكوني من الأفارقة الأوائل الذين قاموا بتفسير القرآن في مجلدات عديدة، وقد تم طبعها أخيرا.
وفي الحقيقة والواقع فقد ساهم العلماء السنغاليون في ميدان الكتابة والتأليف، كما ساعد تلك المؤلفات على نشر اللغة العربية وتوطيد دعائمها، فكانت لمصنفاتهم الأثر البالغ والفضل الأكبر في توسيع دائرة الثقافة الإسلامية، وإرساء ركائز الفكر الإسلامي في البلاد السنغالية.
نبذه عن الدكتور
- دكتوراه في الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة بتونس،
- باحث في الدراسات العربية الإسلامية في غرب إفريقيا
- رئيس مركز البحوث والدراسات الافريقيةفي السنغال
- مستشار بيداغوجي في التعليم الإعدادي والثانوي بالسنغال
البريد الالكتروني [email protected]
ص ب: 649 كولخ السنغال
Bp: 649 Kaolack Senegal
______________
[1] د. محمد عبد الرزاق إبراهيم، أضواء على الطرق الصوفية في القارة الإفريقية، مكتبة مدبولي 1989م ص 3.
[2] د. محمد المختار جي، الفكر الصوفي عند الشيخين: أحمد بمبا والحاج مالك سي، أطروحة دكتوراه في العلوم الإسلامية المعهد الأعلى لأصول الدين جامعة الزيتونة تونس 2006م ص 20.
[3] د. محمد المختار جي، فوتا السنغالية ودورها في نشر الحضارة الإسلامية في غرب إفريقيا، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة 2000م ص 56.
[4] النحوي (الخليل) بلاد شنقيط المنارة... الرباط- تونس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1987 ص 312.
[5] جوف (محمد) أعلام الهدى مر قون ص 210
[6] جوف (محمد) تاريخ المدارس القرآنية في غرب إفريقيا ، دكار، ص 50.
[7] سيلا محمد، المسلمون في السنغال، مطبعة الأمة، قطر 1989م، ص ...
[8] جي ( أحمد) فلسفة الدعوة في قارة الفطرة والصحوة، مرقون ص 36.
كتب الدكتور/ محمد المختار جي. أحد علماء السنغال بحثا تحدث فيه عن دور الاسلام في نشر الحضارة وانتشار اللغة العربية بدولة السنغال واسهب في الوصف كما وسنعرض تلك المكتوبة قال فيها :
المقدمة:
دخل الإسلام في السنغال منذ القرن الحادي عشر الميلادي أو قبله- حسب بعض المؤرخين- وقد ساعد نجاح الإسلام في السنغال على انتشار ثقافته هناك.
ويعتبر تأسيس رباط عبد الله بن ياسن على ضفاف نهر السنغال أو في جزيرة اندر Ndar سين لويس Saint- Louis حاليا أول بادرة رسمية في تركيز دعائم الإسلام والثقافة العربية الإسلامية في هذه المناطق، وذلك يعني بإقامة حكومة إسلامية تسهر على رعاية مصالح الإسلام، وتسعى إلى نشره بإنشاء مؤسسات علمية ثقافية دينية كالمساجد والرباطات والمحاضر والمدارس القرآنية التي أصبحت من أهم المنارات التي يشع منها نور العلم والمعرفة والثقافة في هذه البلاد.
وفي الواقع فإن انتشار الثقافة العربية الإسلامية في السنغال يرجع بوجه عام إلى أهم العناصر التالية:
دور الشيوخ وبعض المراكز العلمية والبعثات الإسلامية والجمعيات الإسلامية؛ وكذلك المنصفات والمؤلفات العلمية.
دور الشيوخ في إرساء الإسلام والثقافة العربية:
إن الحقيقة التاريخية التي لا يستطيع أي باحث في تاريخ إفريقيا أن ينكرها؛ هي أن الشيوخ في القارة الإفريقية لعبوا دورا كبيرا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وكان لهؤلاء الشيوخ الذي في آثارهم البعيدة في كل جوانب الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية.
ويرى بعض الباحثين أنه لا يمكن فهم تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء من الناحية الإسلامية، وخصوصا في العصر الحديث، دون التعرض للشيوخ المتصوفين أو الدعاة، فقد كان لهم دور عظيم في نشر الدين الإسلامي وإرسائه في كثير من مجتمعات القارة الإفريقية. ([1])
ويبدو أن الدين الإسلامي لم يعرف مناطق كثيرة في القارة الإفريقية إلا من خلال جهود بعض زعماء التصوف أو الشيوخ الذين تصدوا للمجتمعات الوثنية، وقاموا بنشر الدين الإسلامي بين أناس وثنيين وبين حكام أفارقة وثنيين حاربوا هذا الدين الحنيف، وبفضل هؤلاء انتشر الإسلام، وخاصة الإسلام في مجتمعات الصحراء الكبرى، وكانت للزوايا القادرية والتيجانية والسنوسية والشاذلية دور كبير في نشر الإسلام في القارة الإفريقية. ([2])
ومنذ القرن التاسع الميلادي ظهر في غرب إفريقيا شيوخ ودعاة إصلاحيون؛ قاموا بنشر الدعوة الإسلامية، وتوسيع دائرة الثقافة العربية الإسلامية في مناطقهم، وذلك على غرار الشيخ عثمان دان فودي (1754-1817م) الذي نشر الإسلام والثقافة العربية الإسلامية في بلاد هوسا الوثنية، وكان جهود الجبارة عبر سنوات طوال في الكفاح والنضال أثرها البالغ في تأسيس دولة إسلامية قوية.
كما ظهر في السنغال؛ وبالتحديد في فوتا السنغالية شيوخ ساهموا في إرساء دعائم الإسلام وثقافته، وكان من بينهم شيوخ دولة الأئمة كالشيخ سليمان بال المولود في فوتا حوالي (1720- 1721) وكان شيخا مجاهدا أسس مدارس قرآنية، ومحاضر كان يدرس فيها اللغة العربية والعلوم الإسلامية، كما كان يخرج إلى بلاد المجاورة للدعوة والإرشاد، فيقضي فيها أياما وسنوات، وقد أطاع الشيخ سليمان بال بمسلكه دينامكية الوثنية عام 1770م، ويؤسس فور سقوطها دولة تحكم حسب تعاليم الشريعة الإسلامية. ([3])
وبعد وفاة الشيخ سليمان بال ورثه الشيخ عبد القادر كان؛ وكان شيخا ورعا وعالما مر بجامعة بر وجامعة كوكي القديمتين، ويعتبر الشيخ سليمان بال من أكبر الشيوخ والدعاة الفوتيين الذين سعوا أيضا إلى نشر تعاليم وتوسيع نطاق العلم والمعرفة والثقافة الإسلامية في مناطق فوتا وما جاورها.
وقد نجح شيوخ دولة الأئمة في فوتا السنغالية في تطبيق الشريعة الإسلامية، وتحقيق ازدهارها في شتى مجالات الحياة الدينية والثقافية والسياسية، وقد صدرت دعوة من أوساط العلماء والفقهاء والمشايخ في بلاد شنقيط لإقامة دولة سنية على غرار دولة فوتا السنغالية. ([4])
ويبدو أن هذا الدور الايجابي الذي كان يلعبه الشيوخ الأفارقة لم ينقطع، فقد جاء فيما بعد الشيخ الحاج عمر الفوتي تال (1794-1864م) وقام بدور جبار ومشهود في إرساء الإسلام والطريقة التيجانية، فقد استطاع في غضون سنوات قليلة أن يكون دولة إسلامية واسعة في أرجاء تمتد من نهر السنغال إلى نهر النيجر.
يقول الشيخ موسى كامرا؛ وهو واحد من كبار المؤرخين السنغاليين: { يعتبر الشيخ عمر بحق أعظم شخصية وطنية إسلامية تاريخية في غرب إفريقيا، وأكبر مجاهد لنصرة العقيدة، وتبليغ الدعوة ونشر مبادئ الدين الصحيحة، وأخطر محارب على رؤوس الكفر والشرك، والوثنية، وإليه يعود فضل انتشار الإسلام في غرب القارة الإفريقية. ([5])
وعلى هذا فقد لعب الشيخ عمر الفوتي دورا كبيرا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في غرب إفريقيا بصفة عامة، وفي السنغال بصفة خاصة، ولذلك مهما تباينت الآراء بين المؤرخين حول منهج الشيخ عمر وأسلوبه في الدعوة، فهم متفقون على أن التاريخ سجل له على صفحاته النتائج التالية:
• ساهم في انتشار الإسلام في إفريقيا الغربية.
• نجح في تحويل بعض الوثنيين إلى التمسك بالعقيدة المحمدية.
• نشر الطريقة التيجانية في السنغال، وفي بلدان غرب إفريقيا
• أثرى المكتبة العربية الإسلامية بمصنفاته ومدوناته
وعلى كل حال فقد قام هؤلاء الشيوخ بدور كبير لا يمكن تجاهله أو إنكاره، وذلك في خدمة الإسلام وثقافته، وكان من هؤلاء أيضا الشيخ ماباجخو باه (1809- 1867م) والشيخ الإمام فودي كبا (1818-1901م) والشيخ الحاج مالك سي 1850- 1922م) والشيخ أحمد بمبا (1855- 1827م) والشيخ أحمد الكبير امباي، والشيخ أحمد دم السوكوني، والشيخ إبراهيم انياس 1900-1977م)، وغيرهم.
دور المراكز العلمية والثقافية والتعليمية في السنغال في إشعاع الإسلام
منذ بروز الإسلام في غرب إفريقيا ظهرت مراكز علمية وثقافية هامة، وكانت هذه المراكز قبلة للطلبة المتعطشين للعلم والمعرفة يفدون إليها كل وقت وحين، وكان من أبرز هذه المراكز في غرب إفريقيا تمبكت- وجني- وغوى. وقد خرّجت هذه المراكز أجيالا عديدة ساهمت بدور ثقافي كبير، ويبدو أن أحمد بابا التمبكتي خير شاهد على ذلك.
أما في السنغال فقد كانت هناك مراكز علم وثقافة شمل تأثيرها أيضا مناطق واسعة في غرب إفريقيا، وكان من بين المراكز مركز بير Pir ، أو بالأحرى جامعة بير، وكانت جامعة شعبية تقليدية ساهمت مساهمة كبيرة في إشعاع الإسلام والمعرفة الدينية في السنغال.
ويرى أحد الباحثين أن تأسيس أول جامعة إسلامية بالمعنى الصحيح على التراب السنغالي هي جامعة بير الإسلامية التي تم تأسيسها من طرف القاضي عمر فال المعروف بعمات فال. ([6]) وقد بقيت هذه الجامعة طيلة قرون مركزا ثقافيا ومعقلا دينيا إلى مجيء الاستعمار الفرنسي الذي عمد إلى إحراق الجامعة على يد الجنرال فيدرب
وتجدر الإشارة أنه مرّ بهذه الجامعة الإسلامية الشعبية العديد من مشايخ وعلماء السنغال؛ وذلك أمثال الشيخ سليمان بال، والشيخ عبد القادر كن، والشيخ مباجاخو باه، والشيخ عمر الفوتي تال.
أما جامعة كوكي فلا تقل أهمية عن جامعة بير، فقد كانت أيضا مركز إشعاع علمي فكري يرتاده العديد من الأفارقة، وقد تم تأسيس هذه الجامعة على يدي مختار ندومب جوب.
إضافة إلى هاتين الجامعتين العريقتين فقد كانت مدارس قرآنية أخرى ساهمت في انتشار الثقافة العربية الإسلامية، وذلك مثل مدارس فوتا وسالم وجامبر واندر.
ومنذ فترة قبل الاستعمار تحول العديد من المدارس القرآنية إلى مدارس عربية نظامية شاركت أيضا في توطيد اللغة العربية والثقافية الإسلامية في العلوم، وفي بعث أولادها إلى الخارج لمتابعة دراساتهم في الجامعات العربية الإسلامية.
وكان من أبرز هذه المؤسسات التعليمية مدارس الشيخ أحمد امباكي بجوربل، ومدارس الشيخ إبراهيم انياس بكولاخ، ومدارس جامعة عباد الرحمان ومدارس الفلاح مركز التعليم الإسلامي للأستاذ أحمد مجمد جي ، وغيرها..
وهذه المدارس كلها كان لها دور كبير ومشهود في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في البلاد.
ومن المدارس القرآنية ما تستحق التنويه والتقدير لما تخرج كل سنة من عدد كبير من حملة كتاب الله العزيز؛ وذلك على غرار مدرسة كوكي القرآنية التابعة للشيخ أحمد الصغير لوح، وهي مدرسة قرآنية تعتبر نموذجا في السنغال بصفة خاصة، وفي غرب إفريقيا بصفة عامة.
دراسة تاريخ وأهمية البعثات الطلابية السنغالية إلى العالم العربي
إنه من الصعوبة بمكان تأريخ تاريخ البعثات الطلابية السنغالية إلى العالم العربي، لكنه يرى بعض المؤرخين أن الشيخ الحاج مالك سي كانت له فكرة إبعاث جماعة من طلبته إلى العالم العربي لمواصلة دراساتهم. ([7])
ولكن ما يمكن تسجيله هو أن السنغاليين كانوا يتوجهون إلى بلاد شنقيط المجاورة لمتابعة دراساتهم، وذلك قبل الشيخ الحاج ملك سي، فقد واصل العديد من شيوخ فوتا تعاليمهم في بلاد شنقيط، فقد ارتحل الشيخ سليمان بال إلى شنقيط ومكث في زاويا قبيلة ادّو علي مدة طويلة، وتأثر بأفكاره، وخاصة ما يهم مسألة الجهاد.
وفي نهاية الأربعينات كان يقوم بعض الأفراد بمبادرات السفر إلى العالم العربي لمتابعة دراساتهم، وذلك على حسابهم الخاص وكمغامرات شديدة مات بعضهم أثناء الطريق.
ويعتبر الحاج محمود باه من الرواد الأوائل الذين نجحوا في السفر إلى الحجاز ثم التحق إلى مدرسة الفلاح السلفية لمكة المكرمة، وعند عودته أسس مدارس قرآنية إسلامية في عدد من بلاد السنغال وموريتانيا، ومالي، وقد تمكن من إرسال بعض طلبته إلى العالم العربي لمواصلة دراساتهم، وما إن أدركت السلطة الاستعمارية بذلك حتى وجهت أمرا بإعادة الطلاب فورا، وعلى ذلك سعى الاستعمار الفرنسي إلى عرقلة هذه المسيرة، وأنشأ معهدا إسلاميا ببلدة تمبكت بموريتانيا ليحول دون توجه الطلاب لسنغاليين إلى الجامعات العربية الإسلامية الكبرى، ولكن منذ الاستقلال وفي عهد الرئيس ليوبول سدار سيغور بدأت الحكومة السنغالية وبالتعاون مع بعض البلدان العربية تسمح بعض المستعربين للخروج إلى البلدان العربية الإسلامية، وكان لمحمد جاه الوزير الأول في حكومة سيغور فضل كبير في تحقيق ذلك، ومع تلك الفترة بدأت الوفود إلى العالم العربي تزداد، وخاصة إلى جامعة الأزهر بمصر، وإلى جامعات المغرب العربي، مثل جامعة القرويين بفاس، وجامعة الزيتونة بتونس، كما قامت منذ الثمانينات كلية الدعوة الإسلامية بالجماهير العربية الليبية، وكذلك بعض جامعات الخليج العربي بتكوين عدد كبير من المثقفين بالثقافة العربية الإسلامية.
وقد لعبت هؤلاء الخريجون دورا كبيرا في نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في البلاد السنغالية، فأسس بعضهم مدارس خاصة، كما تم توظيف في المدارس الحكومية لتعليم اللغة العربية وآدابها، كما سعى بعضهم أيضا إلى تأسيس جمعيات ومنظمات إسلامية لنشر الدعوة الإسلامية، وتوسيع دائرة لغة الضاد في البلاد.
مساهمة الجمعيات الإسلامية في الكفاح لتعليم اللغة العربية
لاشك أنه لا يمكن التحدث عن انتشار اللغة العربية والثقافة الإسلامية في السنغال دون ذكر الجمعيات والمنظمات الإسلامية.
ويبدو أنه ما قبل الخمسينات لا نجد جمعية ذات أهمية يمكن ذكرها تاريخيا، وإذا كان يرى البعض أن أول جمعية إسلامية في السنغال هي الجمعية الثقافية التي تم تأسيسها سنة 1930م في مدينة سين لويس Saint- Louis، إلا أننا لا نعرف منها الكثير لأنه في ظل الاستعمار الفرنسي لم تنجح أي جمعية إسلامية.
وتعتبر الجمعية التي سميت باسم (الإخوان المسلمون) والتي تم تأسيسها حوالي 1935م برئاسة عبد القادر جانج أول جمعية إسلامية في السنغال، وكان هدفها:
• إصلاح التعليم في السنغال وإدخال التعليم العربي في المدارس الحكومية
• إصلاح الطرق الصوفية
• مقاومة حركة المبشرين المسيحيين
• رفض الحضارة القائمة على الثقافة الغربية ([8])
ومنذ الخمسينات انتشرت فكرة تأسيس الجمعيات، وقد تم تأسيس الاتحاد الثقافي الإسلامي حوالي 1953م، على أيدي جماعة تأثروا بالحركة الإصلاحية السائدة في العالم العربي في بداية القرن العشرين، وكان لهذا الاتحاد فروع في كل من مالي وغينيا وبوركنا فاسو، وساحل العاج، وكان هدف هذا الاتحاد:
(1) نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في السنغال
(2) تطهير الإسلام من البدع والخرافات
(3) محاربة الطرق الصوفية
وبعد الاستقلال تم تأسيس جمعيات أخرى وذلك مثل جمعية (الاتحاد الوطني للجمعيات الثقافية الإسلامية في السنغال) حوالي 1962م، وذلك بتشجيع وتأييد من حكومة الرئيس سنغور ، وكان يضم هذا الاتحاد جمعيات إسلامية كانت تصطنع بصبغة صوفية، وكان يرأس هذا الاتحاد السيد عبد العزيز سي التيجاني .
وقد ظهرت أيضا جمعية (الاتحاد التقدمي الإسلامي في السنغال) وهي جمعية ذات صبغة سياسية، وكان يرأسها السيد مصطفى نيانغ الذي كان صديقا وحليفا للرئيس ليوبول سدار سنغور.
وتعتبر حركة عباد الرحمان من أكبر الجمعيات الإسلامية في السنغال، والتي كان لها تأثير كبير في البلاد السنغالية، وقد تم تأسيسها في السبعينات في مدينة تيس؛ وذلك على أيدي جماعة من المثقفين بالثقافة العربية الإسلامية، ومن بين تلك الجمعيات الإسلامية التي كان لها أثر كبير في أوساط السنغاليين جمعية وحركة الفلاح للثقافة الإسلامية السلفية بالسنغال، وهي حركة سلفية قبلية، ومعظم أعضائها فولانيون وسراخوليون، وقد تأثرت جمعية الفلاح بالحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، وكان يتزعم هذه الحركة الحاج محمد باه الذي سافر إلى مكة المكرمة، وتأثر بمبادئ أهلها.
وفي الواقع منذ الاستقلال إلى يومنا هذا ظهرت في السنغال جمعيات ومنظمات إسلامية عديدة لا حصر لها، وكان من أهدافها الأساسية نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية عبر وسائل من أهمها:
1) تأسيس مدارس إسلامية عربية
2) تنظيم تظاهرات ثقافية
3) تقديم منح إلى أبناء الوطن لمواصلة دراساتهم في العالم العربي
4) بناء مساجد وجوامع ومجمعات إسلامية
5) بناء مستشفيات ومراكز صحة لأبناء الوطن
6) كفالة ورعاية اليتامى فاقدي السند
إن اللغة العربية منذ ظهورها في البلاد السنغالية كانت لغة الفكر والأدب والثقافة والكتابة. وقد نبغ كثير من السنغاليين فأبدعوا فيها وألفوا مصنفات ومدونات عديدة كان لها أثر كبير في انتشار اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية.
ورغم ندرة المصادر والمراجع العلمية آنذاك فقد اجتهد العلماء السنغاليون، وحققوا شيئا كبيرا في مجال التأليف والتصنيف، ففي مجال النشر تناولوا العديد من مواضيعه فكتبوا في العلوم الإسلامية كالفقه والتوحيد والتصوف، كما كتبوا في الأدب واللغويات كالنحو والصرف، أما في مجال النشر فقد نظموا كثيرا من القصائد والقرائض وكانت مواضيعهم تدور خاصة حول مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ومدح شيوخهم المتصوفين، والأخلاقيات غير أننا تأريخيا لم نعثر على مؤلفات سنغالية كتبت باللغة العربية ما قبل فترة الحاج عمر، وربما تم إحراق الكثير منها أيام إحراق جامعة بر القديمة ومكتبتها، وعلى كل فقد كان الحاج عمر الفوتي من الطراز الرفيع في الكتابة والأليف في وقته، وذلك نثرا ونظما، وكان من أهم مؤلفاته؛ والتي تم طبعها:
- كتاب رماح على نحو حزب الرجيم
- كتاب المقاصد السنية لكل موقن من الدعاة إلى الله في الراعي والراعية
- كتاب تذكرة المسترشدين وفلاح الطالبين
- ديوان سفينة السعادة لأهل الضعف والنجادة، وغيره من مؤلفات.
وإلى جانب مؤلفات الشيخ عمر الفوتي فإن شيوخ وعلماء السنغاليين كرسوا حياتهم كلها في التأليف والتصنيف، وأثروا بها المكتبة العربية الإسلامية، وما يلاحظ هو أن أغلبها مازال مخطوطا.
فقد كتب الحاج مالك سي والشيخ أحمد بامبا، والشيخ الخليفة محمد نياس، والشيخ إبراهيم نياس، والشيخ امباكي بوصو كتبا عديدة في شتى المجالات.
ويعتبر الشيخ موسى كمرا (1866- 1955م) آية في التأليف، وقد ترك من المؤلفات في الفقه واللغة والعروض والتصوف والتاريخ، وكتابه زهور البساتين في تاريخ السواد ين، من أكبر المصادر التاريخية في إفريقيا جنوب الصحراء إلا أنه للأسف الشديد مازال مخطوطا في رفوف المعهد الفرنسي لإفريقيا السوداء بدكار.
كما نجد أيضا الشيخ أحمد دم السوكوني من الأفارقة الأوائل الذين قاموا بتفسير القرآن في مجلدات عديدة، وقد تم طبعها أخيرا.
وفي الحقيقة والواقع فقد ساهم العلماء السنغاليون في ميدان الكتابة والتأليف، كما ساعد تلك المؤلفات على نشر اللغة العربية وتوطيد دعائمها، فكانت لمصنفاتهم الأثر البالغ والفضل الأكبر في توسيع دائرة الثقافة الإسلامية، وإرساء ركائز الفكر الإسلامي في البلاد السنغالية.
نبذه عن الدكتور
- دكتوراه في الحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة بتونس،
- باحث في الدراسات العربية الإسلامية في غرب إفريقيا
- رئيس مركز البحوث والدراسات الافريقيةفي السنغال
- مستشار بيداغوجي في التعليم الإعدادي والثانوي بالسنغال
البريد الالكتروني [email protected]
ص ب: 649 كولخ السنغال
Bp: 649 Kaolack Senegal
______________
[1] د. محمد عبد الرزاق إبراهيم، أضواء على الطرق الصوفية في القارة الإفريقية، مكتبة مدبولي 1989م ص 3.
[2] د. محمد المختار جي، الفكر الصوفي عند الشيخين: أحمد بمبا والحاج مالك سي، أطروحة دكتوراه في العلوم الإسلامية المعهد الأعلى لأصول الدين جامعة الزيتونة تونس 2006م ص 20.
[3] د. محمد المختار جي، فوتا السنغالية ودورها في نشر الحضارة الإسلامية في غرب إفريقيا، رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة 2000م ص 56.
[4] النحوي (الخليل) بلاد شنقيط المنارة... الرباط- تونس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1987 ص 312.
[5] جوف (محمد) أعلام الهدى مر قون ص 210
[6] جوف (محمد) تاريخ المدارس القرآنية في غرب إفريقيا ، دكار، ص 50.
[7] سيلا محمد، المسلمون في السنغال، مطبعة الأمة، قطر 1989م، ص ...
[8] جي ( أحمد) فلسفة الدعوة في قارة الفطرة والصحوة، مرقون ص 36.