المصدر -
في حوار أجرته "غرب الإخبارية" مع المبتعث في بريطانيا "معتز بن ذايب المغيري" أخصائي علم النفس بجامعة الإمام، وعضو هيئة التدريب في معهد الإدارة سابقا، والمشرف الإعلامي في كل من الجمعية السعودية بجامعة مانشستر متروبولتان البريطانية والجمعية العلمية السعودية في جامعة بانقور - وذلك حول أهمية التوعية في الجانب الأمني والنفسي والإجتماعي والتربوي والتكنولوجي .. حيث جاء نص الحوار على النحو التالي:
كيف تقرأ كمتخصص بعلم النفس، الأعمال الإجرامية لتنظيم داعش الإرهابي كالتعذيب والحرق وقتل الوالدين .. خصوصا أعمالهم الإجرامية بالمملكة التي طالت المسجد النبوي الشريف؟
في الحقيقة أن تنظيم داعش الذي ولد قبل سنوات لديه من الضعف والعشوائية والتخبط الكبير في (أعماله الميدانية الإجرامية) خاصة هنا في السعودية، حتى أنهم أصبحوا يأمرون جنودهم بقتل أقاربهم وتفجير المصلين في المساجد وهذا يدل على حالة اليأس (لإثبات الوجود ولفت الأنظار ) ورغبة منهم في زعزعة ثقة المجتمع والأسر خصوصا في أبنائهم وهو الذي لم يستطيعوا التوصل إليه ، وذلك لأنهم وجدوا مجتمع مؤمن متماسك لا يفرقه مجموعة مراهقين عقولهم مختطفة من قبل ( قياديين ) مجرمين يعشقون القتل والتدمير ولا أشك أن الكثير من هؤلاء القياديين لديه إضطرابات نفسية وخاصة إضطراب الشخصية السيكوباتية
" psychopathic personality disorder " المضادة للمجتمع والعدوانية بدون ضمير يحكمها وهي التي تستمتع في إيلام الآخرين وإبتكار طرق جديدة للتعذيب.
لماذا تعتقد بأن هؤلاء الإرهابيين لديهم هذه الاضطرابات النفسية؟
في الحقيقة أنني لم أحكم عليهم عبثا فهم يعملون بناء على نظرية " إدارة التوحش " هذا الكتاب الذي يفضح فكرهم وشخصيات من يقودهم والمؤلَّف من أحد أعضاء تنظيم القاعدة إلا إنه من الواضح أن منهج الداعشيين وسلوكياتهم الإجرامية مرتبطة فيه ، فداعش خرجت من رحم القاعدة ، هذا الكتاب الذي ترجمه مركز مكافحة الإرهاب الأمريكية للغة للإنجليزية ووزعه على أعضاء الحكومة والضباط الكبار في وزارة الدفاع الأمريكية والإستخبارات وذلك دليل على أهميته في فهم طريقة تفكيرهم ومنهجهم ، حيث يبين الكتاب طريقة التنظيم المتطرف في التدمير والخراب والتكفير ، ويوضح هذا الكتاب أن قياديي هذا التنظيم ليسُ إلا حفنة من عشاق الدماء والأشلاء وأن لهم دين آخر وهو القتل والتدمير ، ويدعو إلى العنف الوحشي والمرتجل والعشوائي وهذا ما نشاهده في كثير من الدول ، وشاهدناه هنا في السعودية عندما تم استهداف المسجد النبوي الشريف وفي زمن قريب منه تم عدة تفجيرات في جدة والمنطقة الشرقية .
وأيضا أشار مؤلف الكتاب أن فتنة الدماء أحب إلى النفس من فتنة السجون ، وأن النفس البشرية تستطيع أن تتقبل بل سوف تحب الدماء والأشلاء مع الوقت ، وأن الدعوات لا تقام بالسياسة والكياسة بل بالدماء والأشلاء والجماجم ، في إشارة إلى أنه يجب على كل من يتبعهم إثارة الرعب والقتال حتى الموت وأن يعثوا في الأرض فسادا ، هذا التفكير المضطرب والذي يحمل عدوانية وحوش البراري يدل على مدى إضطراب سلوكهم وعدوانيتهم التي لا تمت للشخصية السويّة بصلة.
كيف ترى وسائل التجنيد لدى هذا التنظيم الإرهابي وما مدى نفوذه من وجهة نظركم كـمهتم بهذه الظاهرة؟
حسب التقارير تستخدم داعش الجانب الإلكتروني في التجنيد، وبالنسبة للجانب الإلكتروني (وهو ما يجب أن نركز عليه) حيث الحروب الآن تطورت وأصبحت جلّها حروبا إلكترونية فلا الجيوش الميدانية تنفع ولا الصواريخ كذلك مجدية ، حيث آمن العالم المتقدم بقوة الإنترنت في تغيير المعتقدات والتأثير على العقول وتشجيع العنف ، فالإحصائيات تشير إلى عدد كبير تجاوز ال ٣٠,٠٠٠ من حول العالم إنضموا إلى داعش من أكتوبر ٢٠١٤ م ، حيث إنضم من أمريكا لوحدها أكثر من ٢٥٠ شخص ، وهناك دراسة بريطانية في عام ٢٠١٤ م أكدت وللأسف أن أكثر دولة تستخدم فيها داعش حسابات في تويتر هي السعودية بنسبة تجاوزت ٢٠٪ ، وهذا تأكيد أنه في الإنترنت تكمن ( قوة داعش) ، ولأجل هذا أنصح الأباء والأمهات أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم خاصة في مواقع التواصل الإجتماعي ليراقبوا أفكارهم وتوجهاتهم.
وذلك حسب ما إطلعت عليه من التقارير وتحديدا من مقال لمارك والاس في الواشنطن بوست أنه قبل أكثر من سنتين أطلق مشروع مناهضة التطرف الهاشتاغ CEPDigitalDisruption -وهو حملة متواصلة وجهد بحثي كشف وشرع في تقدير حجم تجنيد “داعش” لوسائل الإعلام الاجتماعي، وبشكل خاص “تويتر”؛ حيث يتعرض الأشخاص الضعفاء أول الأمر لمحتوى دعائي متطرف. وهناك فريق من باحثي المشروع الذين يعرفون بوضوح ويتعقبون المتطرفين وداعميهم الذين يغردون باللغات الانجليزية والعربية والتركية والفرنسية والألمانية والإيطالية ، وذكر مشروع مناهضة التطرف أن هناك مئات الحالات من التهديد المباشر والتحريض على العنف، وأنه بالرغم من أن شركة “تويتر” قد عدلت من شروط خدمتها، فإنها لا تتخذ بعد إجراءات فعالة ضد رسائل العنف المؤيدة لمجموعة “داعش”. وقال المشروع ومشاريع أخرى إنه حتى لو أغلقت “تويتر” الحسابات مساءة الاستخدام، فإن المتطرفين يستطيعون فتح غيرها خلال دقائق ، لذا تشير الآراء والتقارير التي أصدرت عن داعش على أننا نواجه عدو معقد التركيب، غني الموارد، وبارع في التطبيقات الرقمية الضرورية لتسويق إيديولوجية تعود للعصور الوسطى و في جميع أنحاء العالم.
وما هي السبل المثلى لمواجهة التنظيم واجتثاث وسائله في التجنيد؟
يجب أن تكون المعركة الكبرى مع داعش عن طريق الشبكة العنكبوتية وذلك بشل قدرتهم على الدعاية والتجنيد وتخطيط الهجمات ، بالإضافة إلى قطع دابر دعاية الإرهاب التي تبثها المجموعة على الإنترنت، والتكنولوجيا التي تستخدمها للتواصل- وأعتقد أنها هي المعركة الأكثر حسماً وفصلاً.
كمتخصص بعلم النفس، كيف يستطيع هذا التنظيم التأثير على الفرد والسيطرة عليه للقيام بأعمال دنيئة مثل قتل الوالدين واستهداف المسجد النبوي؟
هم لديهم طرق يقومون بناء عليها بعملية غسيل المخ ( washing minds) هذا المصطلح الذي إستخدمه الصحفي الامريكي “ادوارد هنتر” “Edward hunter” في ترجمته للكلمة الصينية (هسى ناو) (hsi nao) المستخدمة للتعبير عن النظرية الصينية “اصلاح الفكر” او “اعادة التشكيل الايديولوجي” في مجال (سزو هسينج كاي تساو) اي "برنامج التثقيف السياسي الذي يقوم اساس على ان كل الناس الذين لم يثقفوا في المجتمع الشيوعي لابد ان يكون لديهم اتجاهات ومعتقدات بورجوازية ومن ثم يجب اعادة تثقيفهم قبل ان يحتلوا مكانهم في المجتمع الشيوعي" لذلك هذه الطريقة التي تتبعها داعش على الإنترنت تتمتع بآليات دقيقة ومنظمة للسيطرة على الفرد ، فهم يقومون بإستخدام وتفسير التراث الديني الإسلامي ( القرآن والسنة ) ونشرها حسب أهواءهم وأهدافهم والتي من الممكن أن يتقبلها من لم يعمل بعقله وليس لديه علم شرعي ، أيضا هم يركزون في عملية غسيل المخ على إستثارة العواطف وتشويه الحقائق وإستغلال الحماس الشبابي المرتبط بالجهل المعرفي وأيضاً التعزيز المادي والمعنوي ، المختصين في علم النفس يعلمون أن عملية غسيل المخ لا تنفع مع جميع العقول بل مع البعض وخاصة ممن لا يملكون أساس ديني وعلمي قوي.
وتتميز طريقة داعش بعد جذب الشباب إليهم عن طريق المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي أو عن طريق بعض الأشخاص بسياسة ( تدمير ذات الفرد وإعادة بناؤه والسيطرة عليه ).
وهل تتم عملية (تدمير ذات الفرد وإعادة بناءه ) بشكل ممنهج وفقاً لخطوات محددة، أم بشكل عشوائي؟
نعم ، هم يقومون بهذه العملية وفقاً لخطوات محددة تدريجياً وتنقسم إلى مرحلتين، المرحلة الأولى:
١- التركيز المنظم على هدم مفهوم الفرد الذاتي بجعله يعتقد بأنه شخص يجهل أمور كثيرة في الدين وأنه شخص مخدوع وأن إتجاهاته الفكرية والسلوكية خاطئة ومشوهه وإستثارة عواطفه وإستغلال حماسه وأيضا جعله يعترف بذنوبه ليجعلونه مستقبلا يكفر عنها.
٢- التشكيك في توجهات القيادة والعلماء والمجتمع وتكفيرهم والبحث عن السلبيات وأيضا التشكيك في معتقد الفرد الذي يعتنقه ومبادئه وقيمه وقدواته ومجتمعه.
٣- التأكد من شعور الفرد بالنظرة الدونية لنفسه ومعتقده وقدواته ولمجتمعه.
ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي:
١- إعادة بناء مفهوم الفرد الذاتي وتعزيزها ماديا ومعنويا بحيث يجعلون هذا المفهوم يتوافق مع أهداف التنظيم وأن يكون أداة فعالة لهم وتوجه بحسب ما يأمرون.
٢- تغذيته بالعقيدة التي بنوها وذلك بالتفسير الخاطئ للتراث الديني ( القرآن والسنة ) وجعل هذه التفاسير تتناسب مع أهداف وأهواء التنظيم.
٣- جعل الفرد يقوم بعمليات معينة يقوم من خلالها بتكفير ذنوبه والوصول للجنة بأيسر الطرق على حد قولهم والأهم أن يثبت من خلالها ولائه للتنظيم وقيادته.
لماذا يحرص هذا التنظيم الإرهابي على بث العديد من مقاطع الفيديو والصور لعمليات القتل والتفجير؟
داعش تسّوق مقاطع الفيديو وتنشره لهدف منشود وهو التأثير على المراهقين والصغار ، وهذا ما يجب أن ينتبه له المسؤولين بوزارة الداخلية ووزارة الإعلام والمجتمع عموما ، يجب حظر ومنع تداول مثل هذه المقاطع وصور العمليات الإرهابية خاصة ما تقوم بها داعش وإيقاف من ينشرها والتي تصوّرهم كأبطال أمام الصغار ، لأن عرض وتكرار مثل هذه المشاهد أمامهم ، قد يخلط بين الخيال والواقع ، فيصبح الخيال واقعا ينفذونه تلقائيا، وبإمكانك أي شخص الدخول لليوتيوب ومشاهدة الأطفال والمراهقين وهم يقومون بتقليدهم ، وأضيف أن الدراسات النفسية تؤكد أن الطفل إذا تلقى في مدة زمنية قصيرة تعليما غير مباشر، فإن ذلك يشكل سلوكه بنسبة 70%.
إن الطفل بطبعه يميل للتقليد والمحاكاة و عندما يشاهد مثل هذه المقاطع تسيطر عليه حالة لا إرادية من التقليد فكما نلاحظ في سلوك الأطفال ( تقليدهم حركة للاعبين كرة القدم مثلا عند تسجيل هدف ) ، لذا على المربّين الإنتباه لهذه النقطة لئلا ينشأ لدينا جيلاً عنيفا يحمل نزعات سلوكية عدوانية.
هم يركزون على المراهقين ( صغار السن ) لأنه يسهل التأثير عليهم ، وتستغل الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الإجتماعي والألعاب الإلكترونية مثل ( call of duty - clash of clans )
وهذه الألعاب للأسف يكون فيه اتصال مباشر بأطفالنا من قبل التنظيم.
يتردد ببعض وسائل الإعلام، ادعاءات بأن هناك قصوراً دينياً في مناهجنا التعليمية والتي بدورها ساهمت بانضمام الشباب لداعش، كيف ترى ذلك؟
في الحقيقة لا توجد علاقة بين المناهج الدراسية والإنضمام للجماعات الإرهابية فالمناهج جميعنا درسناها ولم نتحول جميعا إلى إرهابيين وكما ذكرت التقارير كثير من الأفراد ومن جنسيات مختلفة إنظموا إلى داعش وهم لم يدرسوا من مناهجنا ، ولكن هذا يجعلنا نطالب بضرورة التركيز على من يدرّس المواد الدينية ،لأن المواد الدينية خاصة كالسيف وتحتاج إلى مؤهلين يشرحون مسائلها والإبتعاد عن الأساليب التقليدية مثل ( التلقين ) هذا الأسلوب الذي أخرج جيلا لا يفكّر ولا يتقبّل الإختلاف ويستخدم أسلوب الإقصاء حتى أنه قد يصل للتكفير ( وفي وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة شاهدنا هذه العينات ) ، نحتاج إلى مؤهلين يستطيعون التفسير الصحيح لهذا التراث المعتدل ، لأن الخطأ في نظري يقع عندما يبحث الطالب عن إجابة وعندما لا يجد إجابة لسؤاله يشعر بعدم الإرتياح والتوتر وهذا ما أثبتته الدراسات النفسية ( لذلك نحن غالبا إذا لم نحصل على إجابة لسؤال ما ولنبتعد عن التوتر ( نعزو ) الأمر لله وهذا يشعرنا بالإرتياح ) فقد تؤدي علامات الإستفهام الموجودة عند الشخص للخوض في نقاشات مع المتطرفين والذين يحملون طرق خطيرة في الحوار وذلك بإستدراج السائل حتى السيطرة عليه ، أو قد يذهب الشاب إلى من ليس بكفؤ للتثقيف الديني ويقع في أشخاص متطرفين يعبثون بعقولهم ويزودونهم بأفكارهم السامة ، فكما هو معروف في علم النفس " العقل هو القائد للسلوك " أي أن سلوك (شخص ما) هو نتيجة لأفكاره وتوجهاته.
وكيف ترى دور الإعلام والأسرة في مواجهة الإرهاب؟
للإعلام دور كبير في هذه المسألة من خلال ما يطرح وهو يستطيع التأثير على سلوك الأفراد وشاهدنا ذلك في الثورات العربية ، وكما نعرف أن الإعلام الجديد أيضا فتح الأبواب ، فالشخصية الساذجة التي إعتادت التلقين بدون تفكّر سوف تسقط في الفخ ، إذا لم تجد من يوعّيها ويحميها من إتباع الشخص الخطأ سواء " متطرّف أو متحرّر " فالوسطية منهجنا ، يجب أن تعتني القنوات في إختيار موادها وضيوفها ، وهذه رسالتي للإعلام " لا تعينوا علينا من سيخطف أبناءنا ومن سيهدم قيم مجتمعنا " .
وبالنسبة لدور الأسرة ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) هنا دور الأسرة هو الأهم ، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ..." وهذا يدل على أن الأسرة لها الدور الأكبر في تشكيل سلوك وشخصية وتوجهات إبنهم ، طريقة التربية تحتاج إلى دقة في التعامل والإحتواء والتقدير والإحترام ، يجب التثقيف في طريقة التنشئة الأسرية لا سيما ونحن نسابق الزمن ، وأشير إلى نقطة مهمة يجب أن ننتبه لها كأسرة وكأفراد في المجتمع وهي يجب أن نزرع الثقة في الأبناء وأن نعلّمهم أن الإختلاف موجود ويجب أن نحترمه ، يجب أن نعطي أبناءنا الثقة حتى في أدق الأشياء مثلا ( جعل الطفل يختار ملابسه ) هذا الأسلوب ينمّي القدرة على إتخاذ القرار وعدم الإعتماد على الآخرين ، وهناك أساليب أخرى في التربية مثلا علماء النفس يحذّرون من ( العقاب الزائد ، الدلال الزائد ، الحماية الزائدة ، التفريط الزائد" لأنها قد تصنع شخصيات عدوانية أو لا يمكن الإعتماد عليها وكما قيل " ما زاد عن حدّه إنقلب ضدّه " ، على العموم هناك مبدأ جميل في التربية " لاعبوهم سبعًا وأدبوهم سبعًا وصادقوهم سبعًا ، ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب ".
هل يبحث تنظيم داعش عن تجنيد فئات عمرية محددة بسمات نفسية خاصة؟
ينبغي أن نعرف أنه بحسب التقارير الأمنية التي تؤكد أن أكثر من ينظم لهذه الجماعات هم من المراهقين وخاصة أصحاب السوابق ، داعش في الأصل تستهدفهم لسهولة التحكم بهم ولأنهم غالبا في هذه المرحلة يمرّون على كثير من التغيرات النفسية وغالبا هناك من يبحث عن هويته ، وكذلك لأن الشخص المذنب قد يشعر بالنظرة الدونية من المجتمع وتتكون لديه خيبة أمل وإنكسار داخلي مما يجعله لقمة سائغة في أفواه المجرمين والمتطرفين ، هذه النقطة لم يفوتوها فقد ورد في كتابهم ( إدارة التوحش ) "أن إمكانية ضم عدد من شباب أمة المليار على ما لديهم من معاصي أسهل من ضم شباب يتبعون علماء ومشائخ " يجب أن نحتوي أبناءنا وإن أخطؤوا فالدين قبل العلم والنظريات علمنا أن ( نجُب ما قبل ) ، إن ثقافة الإقصاء والحرمان بشتى أنواعه وخاصة العاطفي قد يسهم في صناعة الشخصية التي تتسم بالقابلية للإنحراف والقيام بسلوكيات عدوانية كما نشاهدها من أفراد التنظيم وغيرهم.
وأريد أن أؤكد أن مرحلة الطفولة هي أهم مرحلة من مراحل النمو التي يمر بها الإنسان كما أشار علماء النفس فهي مرحلة ( بناء الشخصية والقناعات ) فمثلا : إذا أعطيت إبنك الهاتف الذكي ( الجوال ) بدون مراقبة فأنت هنا قد تسمح لغيرك أن يبني شخصيته ومعتقداته ، وأيضا تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ،ولأنه هناك تغيرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده من هم في عمره، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق فهي مرحلة البحث عن الهوية وتشكيل الشخصية ومحاولة اثبات الذات .
ختاماً أستاذ معتز، ما هو الدور الواجب على كل المسؤولين والأفراد في المجتمع لمواجهة الإرهاب؟
بالتأكيد أن وحدة القيادة والمجتمع تغيضهم وتقهرهم ، هم وغيرهم يعملون على تفكيكها من عشرات السنين ولم يستطيعوا وذلك للجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة الحزم بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وولي ولي عهده حفظهم الله، لذلك أقترح الآتي:
* التركيز على الوقاية من الفكر المتطرف بحيث تصل الوقاية لكل بيت وكل مواطن/ة وينبغي أن يشارك فيها الجميع.
* إقامة برامج تثقيفية نفسية وإجتماعية وتربوية للمجتمع في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية وتكون متنوعة وجاذبة يقوم بها مجموعة من المتخصصين في المجالات الدينية والنفسية والإجتماعية والإلكترونية و الذين يجب أن يستغلوا خبراتهم العلمية والعملية في التصدي لهذا الوباء .
*مراقبة الألعاب الإلكترونية ومحاولة صنع ألعاب إلكترونية تنمّي الوطنية لدى أطفالنا ولكي نحميهم من خطر الوقوع في المصيدة ولكي نعوضهم بألعاب نعرف محتواها الإيجابي
* بناء برامج حوار بين الشباب والعلماء ، نحتاج أن نناقش الشباب والصغار خاصة ونفسر لهم ونثقفهم وأن نساعدهم في إعمال عقولهم ليستطيعوا أن يعرفوا الصحيح والخاطئ لئلا يأتي من يخطف صغارنا من أيدينا ويستخدمهم أدوات لضرب وحدة مجتمعنا ، ففي الدول المتقدمة يقومون ببرامج وقائية يقوم بها مختصين كل في مجاله و تتمثل في أنه بعد كل ( حدث مهم ) يتم مناقشة الشباب والشابّات ويوضحون لهم ويجعلونهم يفصحون عن تساؤلاتهم التي لم تجد إجابة ويجيبوا عنها.
كيف تقرأ كمتخصص بعلم النفس، الأعمال الإجرامية لتنظيم داعش الإرهابي كالتعذيب والحرق وقتل الوالدين .. خصوصا أعمالهم الإجرامية بالمملكة التي طالت المسجد النبوي الشريف؟
في الحقيقة أن تنظيم داعش الذي ولد قبل سنوات لديه من الضعف والعشوائية والتخبط الكبير في (أعماله الميدانية الإجرامية) خاصة هنا في السعودية، حتى أنهم أصبحوا يأمرون جنودهم بقتل أقاربهم وتفجير المصلين في المساجد وهذا يدل على حالة اليأس (لإثبات الوجود ولفت الأنظار ) ورغبة منهم في زعزعة ثقة المجتمع والأسر خصوصا في أبنائهم وهو الذي لم يستطيعوا التوصل إليه ، وذلك لأنهم وجدوا مجتمع مؤمن متماسك لا يفرقه مجموعة مراهقين عقولهم مختطفة من قبل ( قياديين ) مجرمين يعشقون القتل والتدمير ولا أشك أن الكثير من هؤلاء القياديين لديه إضطرابات نفسية وخاصة إضطراب الشخصية السيكوباتية
" psychopathic personality disorder " المضادة للمجتمع والعدوانية بدون ضمير يحكمها وهي التي تستمتع في إيلام الآخرين وإبتكار طرق جديدة للتعذيب.
لماذا تعتقد بأن هؤلاء الإرهابيين لديهم هذه الاضطرابات النفسية؟
في الحقيقة أنني لم أحكم عليهم عبثا فهم يعملون بناء على نظرية " إدارة التوحش " هذا الكتاب الذي يفضح فكرهم وشخصيات من يقودهم والمؤلَّف من أحد أعضاء تنظيم القاعدة إلا إنه من الواضح أن منهج الداعشيين وسلوكياتهم الإجرامية مرتبطة فيه ، فداعش خرجت من رحم القاعدة ، هذا الكتاب الذي ترجمه مركز مكافحة الإرهاب الأمريكية للغة للإنجليزية ووزعه على أعضاء الحكومة والضباط الكبار في وزارة الدفاع الأمريكية والإستخبارات وذلك دليل على أهميته في فهم طريقة تفكيرهم ومنهجهم ، حيث يبين الكتاب طريقة التنظيم المتطرف في التدمير والخراب والتكفير ، ويوضح هذا الكتاب أن قياديي هذا التنظيم ليسُ إلا حفنة من عشاق الدماء والأشلاء وأن لهم دين آخر وهو القتل والتدمير ، ويدعو إلى العنف الوحشي والمرتجل والعشوائي وهذا ما نشاهده في كثير من الدول ، وشاهدناه هنا في السعودية عندما تم استهداف المسجد النبوي الشريف وفي زمن قريب منه تم عدة تفجيرات في جدة والمنطقة الشرقية .
وأيضا أشار مؤلف الكتاب أن فتنة الدماء أحب إلى النفس من فتنة السجون ، وأن النفس البشرية تستطيع أن تتقبل بل سوف تحب الدماء والأشلاء مع الوقت ، وأن الدعوات لا تقام بالسياسة والكياسة بل بالدماء والأشلاء والجماجم ، في إشارة إلى أنه يجب على كل من يتبعهم إثارة الرعب والقتال حتى الموت وأن يعثوا في الأرض فسادا ، هذا التفكير المضطرب والذي يحمل عدوانية وحوش البراري يدل على مدى إضطراب سلوكهم وعدوانيتهم التي لا تمت للشخصية السويّة بصلة.
كيف ترى وسائل التجنيد لدى هذا التنظيم الإرهابي وما مدى نفوذه من وجهة نظركم كـمهتم بهذه الظاهرة؟
حسب التقارير تستخدم داعش الجانب الإلكتروني في التجنيد، وبالنسبة للجانب الإلكتروني (وهو ما يجب أن نركز عليه) حيث الحروب الآن تطورت وأصبحت جلّها حروبا إلكترونية فلا الجيوش الميدانية تنفع ولا الصواريخ كذلك مجدية ، حيث آمن العالم المتقدم بقوة الإنترنت في تغيير المعتقدات والتأثير على العقول وتشجيع العنف ، فالإحصائيات تشير إلى عدد كبير تجاوز ال ٣٠,٠٠٠ من حول العالم إنضموا إلى داعش من أكتوبر ٢٠١٤ م ، حيث إنضم من أمريكا لوحدها أكثر من ٢٥٠ شخص ، وهناك دراسة بريطانية في عام ٢٠١٤ م أكدت وللأسف أن أكثر دولة تستخدم فيها داعش حسابات في تويتر هي السعودية بنسبة تجاوزت ٢٠٪ ، وهذا تأكيد أنه في الإنترنت تكمن ( قوة داعش) ، ولأجل هذا أنصح الأباء والأمهات أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم خاصة في مواقع التواصل الإجتماعي ليراقبوا أفكارهم وتوجهاتهم.
وذلك حسب ما إطلعت عليه من التقارير وتحديدا من مقال لمارك والاس في الواشنطن بوست أنه قبل أكثر من سنتين أطلق مشروع مناهضة التطرف الهاشتاغ CEPDigitalDisruption -وهو حملة متواصلة وجهد بحثي كشف وشرع في تقدير حجم تجنيد “داعش” لوسائل الإعلام الاجتماعي، وبشكل خاص “تويتر”؛ حيث يتعرض الأشخاص الضعفاء أول الأمر لمحتوى دعائي متطرف. وهناك فريق من باحثي المشروع الذين يعرفون بوضوح ويتعقبون المتطرفين وداعميهم الذين يغردون باللغات الانجليزية والعربية والتركية والفرنسية والألمانية والإيطالية ، وذكر مشروع مناهضة التطرف أن هناك مئات الحالات من التهديد المباشر والتحريض على العنف، وأنه بالرغم من أن شركة “تويتر” قد عدلت من شروط خدمتها، فإنها لا تتخذ بعد إجراءات فعالة ضد رسائل العنف المؤيدة لمجموعة “داعش”. وقال المشروع ومشاريع أخرى إنه حتى لو أغلقت “تويتر” الحسابات مساءة الاستخدام، فإن المتطرفين يستطيعون فتح غيرها خلال دقائق ، لذا تشير الآراء والتقارير التي أصدرت عن داعش على أننا نواجه عدو معقد التركيب، غني الموارد، وبارع في التطبيقات الرقمية الضرورية لتسويق إيديولوجية تعود للعصور الوسطى و في جميع أنحاء العالم.
وما هي السبل المثلى لمواجهة التنظيم واجتثاث وسائله في التجنيد؟
يجب أن تكون المعركة الكبرى مع داعش عن طريق الشبكة العنكبوتية وذلك بشل قدرتهم على الدعاية والتجنيد وتخطيط الهجمات ، بالإضافة إلى قطع دابر دعاية الإرهاب التي تبثها المجموعة على الإنترنت، والتكنولوجيا التي تستخدمها للتواصل- وأعتقد أنها هي المعركة الأكثر حسماً وفصلاً.
كمتخصص بعلم النفس، كيف يستطيع هذا التنظيم التأثير على الفرد والسيطرة عليه للقيام بأعمال دنيئة مثل قتل الوالدين واستهداف المسجد النبوي؟
هم لديهم طرق يقومون بناء عليها بعملية غسيل المخ ( washing minds) هذا المصطلح الذي إستخدمه الصحفي الامريكي “ادوارد هنتر” “Edward hunter” في ترجمته للكلمة الصينية (هسى ناو) (hsi nao) المستخدمة للتعبير عن النظرية الصينية “اصلاح الفكر” او “اعادة التشكيل الايديولوجي” في مجال (سزو هسينج كاي تساو) اي "برنامج التثقيف السياسي الذي يقوم اساس على ان كل الناس الذين لم يثقفوا في المجتمع الشيوعي لابد ان يكون لديهم اتجاهات ومعتقدات بورجوازية ومن ثم يجب اعادة تثقيفهم قبل ان يحتلوا مكانهم في المجتمع الشيوعي" لذلك هذه الطريقة التي تتبعها داعش على الإنترنت تتمتع بآليات دقيقة ومنظمة للسيطرة على الفرد ، فهم يقومون بإستخدام وتفسير التراث الديني الإسلامي ( القرآن والسنة ) ونشرها حسب أهواءهم وأهدافهم والتي من الممكن أن يتقبلها من لم يعمل بعقله وليس لديه علم شرعي ، أيضا هم يركزون في عملية غسيل المخ على إستثارة العواطف وتشويه الحقائق وإستغلال الحماس الشبابي المرتبط بالجهل المعرفي وأيضاً التعزيز المادي والمعنوي ، المختصين في علم النفس يعلمون أن عملية غسيل المخ لا تنفع مع جميع العقول بل مع البعض وخاصة ممن لا يملكون أساس ديني وعلمي قوي.
وتتميز طريقة داعش بعد جذب الشباب إليهم عن طريق المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي أو عن طريق بعض الأشخاص بسياسة ( تدمير ذات الفرد وإعادة بناؤه والسيطرة عليه ).
وهل تتم عملية (تدمير ذات الفرد وإعادة بناءه ) بشكل ممنهج وفقاً لخطوات محددة، أم بشكل عشوائي؟
نعم ، هم يقومون بهذه العملية وفقاً لخطوات محددة تدريجياً وتنقسم إلى مرحلتين، المرحلة الأولى:
١- التركيز المنظم على هدم مفهوم الفرد الذاتي بجعله يعتقد بأنه شخص يجهل أمور كثيرة في الدين وأنه شخص مخدوع وأن إتجاهاته الفكرية والسلوكية خاطئة ومشوهه وإستثارة عواطفه وإستغلال حماسه وأيضا جعله يعترف بذنوبه ليجعلونه مستقبلا يكفر عنها.
٢- التشكيك في توجهات القيادة والعلماء والمجتمع وتكفيرهم والبحث عن السلبيات وأيضا التشكيك في معتقد الفرد الذي يعتنقه ومبادئه وقيمه وقدواته ومجتمعه.
٣- التأكد من شعور الفرد بالنظرة الدونية لنفسه ومعتقده وقدواته ولمجتمعه.
ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي:
١- إعادة بناء مفهوم الفرد الذاتي وتعزيزها ماديا ومعنويا بحيث يجعلون هذا المفهوم يتوافق مع أهداف التنظيم وأن يكون أداة فعالة لهم وتوجه بحسب ما يأمرون.
٢- تغذيته بالعقيدة التي بنوها وذلك بالتفسير الخاطئ للتراث الديني ( القرآن والسنة ) وجعل هذه التفاسير تتناسب مع أهداف وأهواء التنظيم.
٣- جعل الفرد يقوم بعمليات معينة يقوم من خلالها بتكفير ذنوبه والوصول للجنة بأيسر الطرق على حد قولهم والأهم أن يثبت من خلالها ولائه للتنظيم وقيادته.
لماذا يحرص هذا التنظيم الإرهابي على بث العديد من مقاطع الفيديو والصور لعمليات القتل والتفجير؟
داعش تسّوق مقاطع الفيديو وتنشره لهدف منشود وهو التأثير على المراهقين والصغار ، وهذا ما يجب أن ينتبه له المسؤولين بوزارة الداخلية ووزارة الإعلام والمجتمع عموما ، يجب حظر ومنع تداول مثل هذه المقاطع وصور العمليات الإرهابية خاصة ما تقوم بها داعش وإيقاف من ينشرها والتي تصوّرهم كأبطال أمام الصغار ، لأن عرض وتكرار مثل هذه المشاهد أمامهم ، قد يخلط بين الخيال والواقع ، فيصبح الخيال واقعا ينفذونه تلقائيا، وبإمكانك أي شخص الدخول لليوتيوب ومشاهدة الأطفال والمراهقين وهم يقومون بتقليدهم ، وأضيف أن الدراسات النفسية تؤكد أن الطفل إذا تلقى في مدة زمنية قصيرة تعليما غير مباشر، فإن ذلك يشكل سلوكه بنسبة 70%.
إن الطفل بطبعه يميل للتقليد والمحاكاة و عندما يشاهد مثل هذه المقاطع تسيطر عليه حالة لا إرادية من التقليد فكما نلاحظ في سلوك الأطفال ( تقليدهم حركة للاعبين كرة القدم مثلا عند تسجيل هدف ) ، لذا على المربّين الإنتباه لهذه النقطة لئلا ينشأ لدينا جيلاً عنيفا يحمل نزعات سلوكية عدوانية.
هم يركزون على المراهقين ( صغار السن ) لأنه يسهل التأثير عليهم ، وتستغل الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الإجتماعي والألعاب الإلكترونية مثل ( call of duty - clash of clans )
وهذه الألعاب للأسف يكون فيه اتصال مباشر بأطفالنا من قبل التنظيم.
يتردد ببعض وسائل الإعلام، ادعاءات بأن هناك قصوراً دينياً في مناهجنا التعليمية والتي بدورها ساهمت بانضمام الشباب لداعش، كيف ترى ذلك؟
في الحقيقة لا توجد علاقة بين المناهج الدراسية والإنضمام للجماعات الإرهابية فالمناهج جميعنا درسناها ولم نتحول جميعا إلى إرهابيين وكما ذكرت التقارير كثير من الأفراد ومن جنسيات مختلفة إنظموا إلى داعش وهم لم يدرسوا من مناهجنا ، ولكن هذا يجعلنا نطالب بضرورة التركيز على من يدرّس المواد الدينية ،لأن المواد الدينية خاصة كالسيف وتحتاج إلى مؤهلين يشرحون مسائلها والإبتعاد عن الأساليب التقليدية مثل ( التلقين ) هذا الأسلوب الذي أخرج جيلا لا يفكّر ولا يتقبّل الإختلاف ويستخدم أسلوب الإقصاء حتى أنه قد يصل للتكفير ( وفي وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة شاهدنا هذه العينات ) ، نحتاج إلى مؤهلين يستطيعون التفسير الصحيح لهذا التراث المعتدل ، لأن الخطأ في نظري يقع عندما يبحث الطالب عن إجابة وعندما لا يجد إجابة لسؤاله يشعر بعدم الإرتياح والتوتر وهذا ما أثبتته الدراسات النفسية ( لذلك نحن غالبا إذا لم نحصل على إجابة لسؤال ما ولنبتعد عن التوتر ( نعزو ) الأمر لله وهذا يشعرنا بالإرتياح ) فقد تؤدي علامات الإستفهام الموجودة عند الشخص للخوض في نقاشات مع المتطرفين والذين يحملون طرق خطيرة في الحوار وذلك بإستدراج السائل حتى السيطرة عليه ، أو قد يذهب الشاب إلى من ليس بكفؤ للتثقيف الديني ويقع في أشخاص متطرفين يعبثون بعقولهم ويزودونهم بأفكارهم السامة ، فكما هو معروف في علم النفس " العقل هو القائد للسلوك " أي أن سلوك (شخص ما) هو نتيجة لأفكاره وتوجهاته.
وكيف ترى دور الإعلام والأسرة في مواجهة الإرهاب؟
للإعلام دور كبير في هذه المسألة من خلال ما يطرح وهو يستطيع التأثير على سلوك الأفراد وشاهدنا ذلك في الثورات العربية ، وكما نعرف أن الإعلام الجديد أيضا فتح الأبواب ، فالشخصية الساذجة التي إعتادت التلقين بدون تفكّر سوف تسقط في الفخ ، إذا لم تجد من يوعّيها ويحميها من إتباع الشخص الخطأ سواء " متطرّف أو متحرّر " فالوسطية منهجنا ، يجب أن تعتني القنوات في إختيار موادها وضيوفها ، وهذه رسالتي للإعلام " لا تعينوا علينا من سيخطف أبناءنا ومن سيهدم قيم مجتمعنا " .
وبالنسبة لدور الأسرة ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) هنا دور الأسرة هو الأهم ، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ..." وهذا يدل على أن الأسرة لها الدور الأكبر في تشكيل سلوك وشخصية وتوجهات إبنهم ، طريقة التربية تحتاج إلى دقة في التعامل والإحتواء والتقدير والإحترام ، يجب التثقيف في طريقة التنشئة الأسرية لا سيما ونحن نسابق الزمن ، وأشير إلى نقطة مهمة يجب أن ننتبه لها كأسرة وكأفراد في المجتمع وهي يجب أن نزرع الثقة في الأبناء وأن نعلّمهم أن الإختلاف موجود ويجب أن نحترمه ، يجب أن نعطي أبناءنا الثقة حتى في أدق الأشياء مثلا ( جعل الطفل يختار ملابسه ) هذا الأسلوب ينمّي القدرة على إتخاذ القرار وعدم الإعتماد على الآخرين ، وهناك أساليب أخرى في التربية مثلا علماء النفس يحذّرون من ( العقاب الزائد ، الدلال الزائد ، الحماية الزائدة ، التفريط الزائد" لأنها قد تصنع شخصيات عدوانية أو لا يمكن الإعتماد عليها وكما قيل " ما زاد عن حدّه إنقلب ضدّه " ، على العموم هناك مبدأ جميل في التربية " لاعبوهم سبعًا وأدبوهم سبعًا وصادقوهم سبعًا ، ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب ".
هل يبحث تنظيم داعش عن تجنيد فئات عمرية محددة بسمات نفسية خاصة؟
ينبغي أن نعرف أنه بحسب التقارير الأمنية التي تؤكد أن أكثر من ينظم لهذه الجماعات هم من المراهقين وخاصة أصحاب السوابق ، داعش في الأصل تستهدفهم لسهولة التحكم بهم ولأنهم غالبا في هذه المرحلة يمرّون على كثير من التغيرات النفسية وغالبا هناك من يبحث عن هويته ، وكذلك لأن الشخص المذنب قد يشعر بالنظرة الدونية من المجتمع وتتكون لديه خيبة أمل وإنكسار داخلي مما يجعله لقمة سائغة في أفواه المجرمين والمتطرفين ، هذه النقطة لم يفوتوها فقد ورد في كتابهم ( إدارة التوحش ) "أن إمكانية ضم عدد من شباب أمة المليار على ما لديهم من معاصي أسهل من ضم شباب يتبعون علماء ومشائخ " يجب أن نحتوي أبناءنا وإن أخطؤوا فالدين قبل العلم والنظريات علمنا أن ( نجُب ما قبل ) ، إن ثقافة الإقصاء والحرمان بشتى أنواعه وخاصة العاطفي قد يسهم في صناعة الشخصية التي تتسم بالقابلية للإنحراف والقيام بسلوكيات عدوانية كما نشاهدها من أفراد التنظيم وغيرهم.
وأريد أن أؤكد أن مرحلة الطفولة هي أهم مرحلة من مراحل النمو التي يمر بها الإنسان كما أشار علماء النفس فهي مرحلة ( بناء الشخصية والقناعات ) فمثلا : إذا أعطيت إبنك الهاتف الذكي ( الجوال ) بدون مراقبة فأنت هنا قد تسمح لغيرك أن يبني شخصيته ومعتقداته ، وأيضا تعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ،ولأنه هناك تغيرات تجعل المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده من هم في عمره، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق فهي مرحلة البحث عن الهوية وتشكيل الشخصية ومحاولة اثبات الذات .
ختاماً أستاذ معتز، ما هو الدور الواجب على كل المسؤولين والأفراد في المجتمع لمواجهة الإرهاب؟
بالتأكيد أن وحدة القيادة والمجتمع تغيضهم وتقهرهم ، هم وغيرهم يعملون على تفكيكها من عشرات السنين ولم يستطيعوا وذلك للجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة الحزم بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وولي ولي عهده حفظهم الله، لذلك أقترح الآتي:
* التركيز على الوقاية من الفكر المتطرف بحيث تصل الوقاية لكل بيت وكل مواطن/ة وينبغي أن يشارك فيها الجميع.
* إقامة برامج تثقيفية نفسية وإجتماعية وتربوية للمجتمع في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية وتكون متنوعة وجاذبة يقوم بها مجموعة من المتخصصين في المجالات الدينية والنفسية والإجتماعية والإلكترونية و الذين يجب أن يستغلوا خبراتهم العلمية والعملية في التصدي لهذا الوباء .
*مراقبة الألعاب الإلكترونية ومحاولة صنع ألعاب إلكترونية تنمّي الوطنية لدى أطفالنا ولكي نحميهم من خطر الوقوع في المصيدة ولكي نعوضهم بألعاب نعرف محتواها الإيجابي
* بناء برامج حوار بين الشباب والعلماء ، نحتاج أن نناقش الشباب والصغار خاصة ونفسر لهم ونثقفهم وأن نساعدهم في إعمال عقولهم ليستطيعوا أن يعرفوا الصحيح والخاطئ لئلا يأتي من يخطف صغارنا من أيدينا ويستخدمهم أدوات لضرب وحدة مجتمعنا ، ففي الدول المتقدمة يقومون ببرامج وقائية يقوم بها مختصين كل في مجاله و تتمثل في أنه بعد كل ( حدث مهم ) يتم مناقشة الشباب والشابّات ويوضحون لهم ويجعلونهم يفصحون عن تساؤلاتهم التي لم تجد إجابة ويجيبوا عنها.