المصدر -
واصلت الصحف العربية، الصادرة الأسبوع الماضية، جل اهتماماتها بالحديث عن الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة التي لا يحمد عقباها أحد، بعد مرور أكثر من 5 سنوات على اندلاع الثورة ضد بشار الأسد ونظامه. فمن جهتها، قالت بعض الصحف إن ثورات الربيع العربي قامت لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية، بينما ما حدث هو سقوط الأوطان، بدليل أن الذي سقط في سوريا فعلاً هو سوريا الوطن، الذي تشرد هو وسوريا الشعب، بينما ما زال النظام جاثماً على صدور السوريين، ليس لأن ضباع العالم يحبونه، بل لأنهم يستخدمونه أداة تدمير وتخريب.
هذا وقد أشارت بعض الصحف إلى مشروع الفوضى الخلاقة، أو بالأحرى الهالكة الأمريكية الذي بشرتنا به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، التي كانت تهدف أمريكا من خلاله إلى نشر الفوضى بهدف إعادة رسم الخرائط وإعادة توزيع المصالح وتدويرها، وقد وجدت أمريكا في بعض الطواغيت الطريقة الأمثل لتنفيذ الفوضى، باختصار لقد أرادتها الشعوب ثورات لإسقاط الطغاة والطغيان، بينما أرادتها القوى الخارجية معولاً لإسقاط الأوطان.
وعن التدخل الروسي العسكري في سوريا ومن يحكم سوريا، تساءلت بعض الصحف: ماذا تريد روسيا من تدخلها في سوريا؟ وتابعت: يجيب القريبون من طهران و”حزب الله” اللبناني على أنفسهم بقولهم: “إنها لا تريد البقاء في المخاض السوري 10 سنوات أو أكثر، لذلك فإنها ستقول يوماً ما للرئيس الأسد، إذا توصلت إلى اتفاق مع أميركا، ما يجب أن تقوله، وهو يتعلق باستمراره في السلطة أو بتخليه عنها. ففي هذا الشأن، قالت صحيفة الرياض السعودية في إحدى افتتاحياتها: مَن منا يعتقد أن بشار الأسد يحكم سوريا فعلاً؟ الجواب الواقعي لا أحد يعتقد ذلك ولا حتى الدائرة الضيقة لرئيس النظام السوري، وحتى قبل أن تتدخل روسيا - حفاظاً على مصالحها وليس من أجل الأسد - كانت إيران هي من تسيِّر الأمور كما تريد وليس للنظام السوري الذي أصبح وضعه هامشياً في كلتا الحالتين، حتى اللحظة.
وأضافت أن بشار الأسد، في تصريح لصحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، اعترف أن التدخل الروسي في الأزمة السورية كان بمثابة طوق النجاة الذي أنقذ نظامه من الانهيار، زاعماً أنهم لم يطلبوا منه أن يكون “رئيساً دمية”، وكان صادقاً في قوله لأنهم ليسوا في حاجة أن يؤكدوا المؤكَّد، فتلك هي الحقيقة بعينها لأنه بعد التدخل الإيراني في الشأن السوري - ومن بعده التدخل الروسي - أصبح النظام السوري مجرداً من كل صلاحياته ولم يعد سوى منفِّذ للأوامر التي تملَى عليه، وينفذها بحذافيرها دون تفكير، حتى التفكير لم يعد مسموحاً له به، فسوريا أصبحت رهينة في أيدي الروس والإيرانيين على التوالي، ومن يعتقد أن النظام له في الأمر شيء فهو مخطئ تماماً، فالنظام السوري كان مستعداً لأن يعقد أي تحالفات وبأي شروط من أجل البقاء على كرسي السلطة، ذلك النظام لم يتورع عن قتل الشعب السوري بطرق مبتكرة ومنها البراميل المتفجرة التي لا تفرق على مَن تسقط، فقط من أجل البقاء في الحكم، لم يطرف له جفن من مقتل أكثر من 300 ألف سوري أو يزيد نتيجة لحرب هو من كان البادئ بها.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها إنه لا يعرف أي إحساس من الأحاسيس الإنسانية لمسؤوليته عن تهجير أكثر من 10 ملايين سوري داخل سوريا وخارجها، كل ذلك لا يعنيه كما يعني له البقاء في السلطة حتى إن كان بالفعل “رئيساً دمية”.
وعن العلاقة بين نظام السيسي في مصر وعلاقته بنظام الأسد، قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها، إنه حسب مصادر إعلامية إيرانية وما تداوله موالون للنظام السوري على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن مجموعة من ضباط الجيش المصري زارت القاعدة العسكرية الروسية في محافظة طرطوس على الساحل السوري، وقالت هذه المصادر إن بعض الجنرالات المصريين قاموا بجولة عسكرية عبر طائرات النظام المروحية على عدة جبهات عسكرية، تتبع الثوار، في عدة مناطق لم تأت على ذكر أسمائها.
وتابعت: لقد زعمت هذه المصادر نفسها أن هؤلاء الجنرالات يتبعون الجيش المصري الميداني الثاني، الذي يوجد مقره الرئيسي في الضفة الغربية من قناة السويس، وبأن هذه الزيارة تأتي بعد أيام من وصول عتاد عسكري وذخائر مصرية مؤخرا.
وتابعت: إن توقيت الزيارة إلى القاعدة الروسية يجيء بعد شهر تقريبا من زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري إلى القاهرة، التي التقى فيها بقيادات سياسية وأمنية مصرية، كما يأتي بعد فترة غير طويلة من دعم مصر القرار الروسي حول سوريا في مجلس الأمن.
وأضافت القدس: إن تواتُر هذه الحوادث يكشف في الحقيقة ترابطاً واضحاً فيها، ويبيِّن أن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي لا يفعل غير أن يكشف علاقته الوثيقة مع النظام السوري تحت رعاية تشجيع روسي وتشجيع إيراني، أدَّيا - بضغط من موسكو وطهران - لحضور مصر الاجتماع الدولي الشهر الماضي في لوزان حول سوريا. وأضافت: تنتظم الحادثة الأخيرة إذن في نهج متكامل، يتزايد حدُّه، ويتمحور إقليميا ضد “التحالف العربي” الذي ينتظم دول الخليج العربي (باستثناء عُمان) في اليمن، ويضم السعودية وقطر وتركيا في الشأنين السوري والعراقي، والمغرب في الشأن المغاربي (استقبال وفد البوليساريو)، وقد أضافت القاهرة على هذه السلسلة رعايتها مع روسيا مؤتمرا في مدينة غروزني التي استباحتها القوات الروسية بين 1994 و1999، حول الإسلام، أخرجت بموجبه الوهابيين و”الإخوان المسلمين” من حظيرة الإسلام!
وأضافت الصحيفة: إذن بالخطوة الأخيرة يكون النظام المصري قد جمع “المحاسن”، وشكَّل حلفاً عقائدياً مع روسيا وإيران حول تعريف (مَن هم المسلمون؟)، وسياسيا (عبر دعم القرار الروسي في مجلس الأمن واتخاذ خطوات استفزازية ضد السعودية وقطر وتركيا والمغرب)، وانتهاء بالتدخل العسكري في الشأن السوري وهي نقلة غير خطيرة بكل المقاييس، وتلمِّح إلى إمكانيات تصعيد وانخراط أكبر في المحور الروسي ـ الإيراني، ضد بلدان عربية “شقيقة”!
وشددت الصحيفة على أن التشجيع الإيراني والروسي لمصر السيسي يضرب عدة عصافير بحجر واحد، لكنَّ فائدته الكبرى تكمن في تغطية أهداف السيطرة الإيرانية (التي أججت أوار النزاع الشيعي ـ السني)، والروسية (التي تعزز نفوذها وتنقل معركتها من أوكرانيا وأوروبا الشرقية إلى سوريا وليبيا وتفتح جغرافيتها على البحر المتوسط)، فبانضمام مصر يتوسع قوس الأزمة العربية لتصبح صراعا بين أغنى وأكبر دولتين “سنِّيتين”، (بالتالي يخف الضغط على مشروع الهيمنة الطائفية الشيعية لإيران)، ويضمن الروس رواجاً لاستراتيجيتهم في المنطقة العربية. وتابعت: يأتي هذا التصعيد المصري في مطلع أزمة اقتصادية ومعيشية مفتوحة المصاريع، بعد “تعويم” الجنيه وبَدء رفع الدعم عن السلع الأساسية والوقود، وقد يكون المرتجى منه تصدير مشاكل مصر الداخلية عبر افتعال أزمات خارجية، أو هو ببساطة مجرد انسجام سياسي وعسكري مع النفس. واختتمت القدس افتتاحيتها بقولها: إنه في كل الأحوال، فإن هذا الاتجاه قد يُثبِت، وبسرعة، أنه خطأ كارثي، فما الحكمة من ربط أكبر دولة عربية بنظام وحشي دمَّر بلده وأصبح ألعوبة في يد دولتين أجنبيتين لا تُكنَّان، بالتأكيد، أي خير للعرب؟!
في أحد مقالاته بصحيفة الشروق الجزائرية، تحت عنوان “ما أطول ليل حلب”، قال الكاتب صالح عوض: “لا حرب بدون سوريا، وأيضا لا سلام بدون سوريا”، وتابع: “هكذا قال هنري كيسنجر الاستراتيجي الأمريكي الشهير”. وتابع: “لكن ما لم يعلمه كيسنجر وأصحابه في المؤسسة الأمريكية، أو ما لا يصرحون به: أنه لا استقرار في العالم إن دخلت سوريا معمعة الحرب والعنف. فمن سوريا ينطلق السلام العالمي ومنها تندلع الحروب. لأن بلاد الشام هي رمز التتويج بالعز والمجد، فلا مجد لمن لا ينال السيطرة عليها، وفيها كانت جولات رسالات السماء وخطوات الأنبياء، فكل ذرة تراب فيها سجلٌّ لتاريخ حافل بالقداسة والحروب. وخصها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوات الطيبات، أن تكون معقل الإيمان والكرم والبركة”. وأضاف عوض: “مِن هنا لم يكن لذي عقل أن يتخيل أن تمضي الحروب سهلة إذا استهدفت سوريا وبلاد الشام عموما. فهي المطاحنة المستميتة بين أصحاب الأرض الطيبين والمرابطين بحكم القرار الإلهي، وأولئك شذاذ الآفاق المستجلَبون مرتزقة، يقتلون ويدمرون ويخربون، إنها معركة تطول ليميز الله الخبيث من الطيب، ولكي يبتلي الجميع بمحنة الوفاء للعهود وللشرف والكرامة. لكي يقيم الحجة على الأشرار الذين لا هَم لهم إلا التخريب من أجل مصالحهم الشريرة وجشعهم الاستعماري العنصري”.
وأضاف: “إنها حلب ولا أجمل ولا أحلى ولا أبهى مدينة الحضارة والإنسان والإرادة الفذة في صياغة الحياة، كما نبغي أن تكون، وفيها تتجلى مهمة الإنسان المزود بالعلم والتفاني في الإتقان. حلب في ليل دامس منذ أراد تجار الحروب ومرتزقة البنادق أن يلفوها بالأكفان الكريهة. فجاسوا خلال هوائها وبين مسارب دروبها يبثون السموم والأحقاد والدمار يرفعون لحروبهم رايات عديدة، لكنها تلتقي في التخريب والتدمير”.
وشدد الكاتب على أنه في حلب اليوم يستمر التصارع على كل بناية وكل شارع وكل حي وكل جهة، فنكتشف أن هذه المدينة العصية تستفزنا جميعا وتحاكم ضمائرنا جميعا وتلقي علينا الأسئلة الثقيلة، فيما هي برموشها تقاوم الفناء وبقلبها النابض تصر على الحياة. وتقول للجميع إن ثمن حلب أغلى مما يتوقع أي أحد. ولكن الشمس الواقفة خلف ركام الخراب والدمار لن تتأخر كثيرا رغم تلبد السماء ورغم الدروب السرية التي تمد القتلة بكل أنواع الدمار.
وأضاف: “ما أطول ليل حلب! أهلها الطيبون أين هم بعد رغد العيش؟ وشعبها الكريم الوادع والعزيز أين هو اليوم؟ ما أطول ليل حلب وما أقساه! قنابل وصواريخ ودم ودخان، لكنها الساعات الأخيرة للموت وساعات الليل الدامس الأخيرة. إنها ساعات ما قبل الفجر ليس على حلب وحدها ولكن بسبب حلب وحدها”.
واختتم عوض مقالته بقوله: “إنها ساعات ما قبل الفجر على كل بلاد الشام، بسبب صمود حلب وعدم فقدانها اليقين بالانتصار على المجرمين مرتزقة الحروب. إنها ساعة ما قبل الفجر للعرب والمسلمين والأحرار ترد كيد الاستعماريين وتقول للإدارة الأمريكية والفرنسية والغرب الاستعماري جملة: إن هذه المدن تمتلك من الأسرار ما لا يمكن الإحاطة به. إنها مدن الروح والحضارة والإنسان. فهل يمكن إلا أن تنتصر!”.