المصدر -
قال موقع "دويتشه فيلة" الألماني في تقرير مفصل له، إن مصر تشهد أوضاعا اقتصادية غير مسبوقة. ومن يتجول في المدينة الصناعية بـ 15 مايو سيرصد العشرات من المصانع المتوقفة والمغلقة. ومن نحو 300 مصنع توقف نحو 200 عن العمل، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الجنيه المصري.
وفي لقاءات خاصة للموقع الألماني الشهير، يقول الحاج عفيفي صاحب مصنع لتصنيع المكرونة وتعبئة وتغليف المواد الغذائية:*"كل شيء ارتفع سعره بشكل غير مسبوق، فالقمح نشتريه بسعر مبالغ فيه لأن التجار يقولون إنهم اشتروه بسعر الدولار في السوق السوداء، بالرغم أن أولويات عطاء البنك المركزي لاستيراد القمح. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز وهو ما أدى إلى ارتفاع التكلفة". ويشير الحاج عفيفي إلى أن الأزمة بدأت بعد ثورة 25 يناير ولكنها ازدادت استفحالا مؤخرا.
وأضاف: كان السعر*الرسمي للدولار الأميركي*في البنوك المصرية هو*8.88 جنيها للدولار الواحد. بيد أنه لم يكن متوفرا إلا بحد معين ولأسباب محددة. والسعر المتأرجح في السوق الموازية وصل في بعض الأحيان إلى ضعف السعر الرسمي، إلا أن البنك المركزي قرر الخميس (الثالث من نوفمبر تحرير سعر صرف الجنيه المصري أو ما أطلق عليه "تعويم الجنيه"، ليفقد رسميا من جديد 48 في المئة*من قيمته مقابل الدولار؛ ويصبح*سعر*الدولار رسميا*13 جنيها، علما بأن*الجنيه كان قد فقد في مارس رسميا نحو 15 في المئة*من قيمته.
ويشير الحاج عفيفي إلى أنه قرر التوقف نهائيا حتى في مجال تعبئة وتغليف المنتجات الغذائية بعد أن قام مفتشو التموين بتحرير محضر ضد نجله لضبطهم 20 طنا من الأرز في المصنع منذ 3 أشهر. وصدر حكم غيابي في القضية بالحبس سنة، بالرغم من أن المصنع له الحق في تعبئة المواد الغذائية. وبعد غياب سلع أساسية كالسكر عن السوق، قامت الحكومة بمداهمات لمخازن الأرز والسكر مؤخرا واستولت عليها، متهمة التجار باحتكار السلع، إلا أن التجار يقولون إنهم توقفوا عن الاستيراد بسبب شح العملة الصعبة وزيادة أسعار السكر عالميا.
ويقول صاحب محل بقالة لـ DW عربية إنه تمت مداهمة مخزنه والاستيلاء على 350 طن سكر. كما اتهمته السلطات المعنية بالاحتكار رغم تقديمه لفواتير تثبت أنه اشترى كمية السكر مؤخرا. وفي النيابة أبلغوه بأنه حتى لو تمت تبرئته، لكنه لن يحصل على الكمية المضبوطة وإنما سيحصل على أموال مقابلها.*وبالفعل اطّلعت*DW*على فواتير البضاعة، وتوضح أنه كان قد اشتراها قبلها بيومين فقط.
وتوقف صاحب المحل عن بيع السكر خوفا من إعادة مصادرة بضاعته. ومثله فعل الكثيرون من التجار مما أدى إلى غياب السلعة عن السوق وأصبح لها سوق سوداء، إلا أن وزارة التموين نفسها رفعت سعر كيلو السكر الواحد على الفقراء من خمسة إلى سبعة جنيهات. ويقول الحاج عفيفي 67 عاما، وهو من مؤيدي السيسي، إنه يتمنى أن تتحسن الأحوال بدلا من الجلوس كل يوم على مكتبه لقراءة الجرائد وشرب الشاي فقط.
ويصف مدير وحدة البحوث والبيانات بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية محمد جاد بأن مصر في "لحظة شديدة السوء". ويشرح جاد وجهة نظره بالقول إن مصر على مشارف أزمة مالية فضلا عن الازمة الاقتصادية، بسبب وجود معدلات بطالة مرتفعة وتزايد للتضخم، وزيادة الضرائب بعد إقرار قانون القيمة المضافة، وركود اقتصادي في ظل غياب شبكة أمان اجتماعي حقيقية وفاعلة.
ويوضح جاد أنه "بسبب أزمة العملة الصعبة أصبح هناك أزمة في الاستيراد وأصبحت المضاربات لها حضور قوي".*ويضيف أنه عندما*ينتشر هذا النوع من المضاربات يدخل الاقتصاد في أزمة*"الاقتصاد يكاد يكون داخل في حالة من الشلل بسبب الفشل الاقتصادي وأخطاء متراكمة"، حسب قول مدير وحدة البحوث والبيانات بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت الموقع إلى أن مرتب محمد حمدي قبل ثورة 25 يناير 4 آلاف جنيه (692 دولار بالسعر الرسمي في 2010 و307 دولارات بالسعر الرسمي الحالي)، إلا أنه بعد الثورة انخفض مرتبه بسبب الأوضاع الاقتصادية إلى 3 آلاف جنيه. والآن رغم زيادة التضخم وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق يحصل على ألفي جنيه فقط أي 154 دولارا فقط، رغم أنه يعيش في شبرا الخيمة أي مسافة 40 كيلو مترا تقريبا من مكان عمله.
ويعذر حمدي صاحب المصنع (الحاج عفيفي) ويرى أنه "رجل طيب" لأنه لم يتخل عنه، "لو تركت العمل في الغالب لن أجد عملا آخر لأن كلمة مفيش*(لا يوجد) أقل من الواقع الحالي." ويضيف محمد حمدي*"75 في المئة من الصنايعية في بيوتهم وعلى المقاهي". أما*الحاج عفيفي فيقول عن حمدي إنه من أفضل "الصنايعية" في صناعة المكرونة في مصر.
ويحذر حمدي، الذي انتخب السيسي رئيساً، من ثورة جياع قادمة مشيرا إلى الدعوات للمظاهرات تحت شعار "ثورة الغلابة" في 11 نوفمبر الجاري، لأنه يخشى أن يزداد الوضع سوءا إذا حدثت أي اضطرابات.*ويضيف "أكبر خطأ للمسئولين حاليا أنهم يتناسون الفقراء"، محذرا من أن "الفقراء قد يهبون فجأة وحينها سنكون أسوأ من سوريا والعراق". ويتساءل حمدي قائلا: "رأينا الجيش اشترى الكثير من الأسلحة بمليارات الدولارات.. ألم يكن من الأولى صرفها على الفقراء.
البنك المركزي قام بتحرير سعر الصرف في إطار حزمة من الإجراءات الاقتصادية وتعديل بعض القوانين من أجل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي تم الاتفاق عليه بـ 12 مليار دولار.
ويتوقع جاد ألا تنخفض أسعار السلع في مصر بسبب تخفيض قيمة الجنيه، مشيرا إلى أن تعويم الجنيه وحزمة صندوق النقد الدولي قد تهدئ المضاربات في أسعار الدولار، أما على الأجل المتوسط فإن التعويم لا بد أن يكون مصاحبا بحل المشاكل الهيكلية الخاصة بتدفق النقد الأجنبي. لكن*من الصعب في مصر أن تنخفض أسعار أي سلعة بعد ارتفاعها.