المصدر - (ترجمة خاصة)
لقد إستمرت الحرب الأهلية اليمنية والتدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية أكثر بكثير من توقعات وإرادة أي شخص، حيث أصبحت هذه النقطة جلية من خلال ما خلفه الصراع على كِلا البلدين.
في نهاية 2015 وبعد تسعة أشهر من تكوين المملكة العربية السعودية لتحالف من 10 دول لمحاربة توسع المتمردين الحوثيين في اليمن ، سجلت المملكة العربية السعودية الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 700 مليار دولار ،حيث سٌجلت كأعلى عجز للميزانية ،وهذه إشارة إلى أن الأثار الإقتصادية لهذه الحرب لم تأخذ على محمل الجد.
وفي الوقت نفسة فقد سجلت اليمن أعلى إجمالي للناتج المحلي في 2014 بحوالي 37 مليار دولار ، حيث شهدت إنكماش في الناتج المحلي بنسبة 35% خلال عام 2015. وقد قُدر دمار الحرب بحوالي 19 مليار دولار، وتوقع إفلاس وشيك للمؤسسات العامة. مازالت المؤسسات العامة بما في ذلك البنك المركزي والوزارات في العاصمة صنعاء تحت سيطرة الحوثيين الذين إستولوا على العاصمة في سبتمبر 2014 . وقد أدى ذلك إلى مغادرة الرئيس عبدربه منصور هادي البلاد في أوائل 2015 متجهاً إلى المملكة العربية السعودية.
وبسبب أزمة السيولة فقد علق البنك المركزي في شهر يوليو من عام 2016 جميع العناصر في الموازنة العامة للدولة بإستثناء أجور الموظفين الحكوميين وتسديد الديون المحلية. وفي الوقت الحالي ومع النقص الشديد في العملة المحلية في النظام المصرفي ، يزداد خطر تقصير الدولة في دفع الأجور وتسديد المقرضين المحليين.
ويوضح تقرير صادر في شهر أغسطس من قِبل وزارة التعاون والتخطيط الدولي وتم التأكد منة عبر الصحيفة بأنه تم سحب مايقارب من 300 مليار ريال ( حوالي 1.19 مليار دولار ) خلال النصف الأول من عام 2016 ، وقد تم إخراج أيضاً 44% من هذا المبلغ في شهر يونيو. مقارنةً بأقل من 50 مليار ريال يمني ( حوالي 200 مليون دولار) كان يتم إخرجها من البنك طوال عام 2014. وفي مثل هذه الأوقات المضطربة ،فهذا لايدل على إنعدام الثقة من قِبل الشعب في النظام المصرفي فحسب، ولكنه يدل أيضاً على وجود إقتصاد موازي في الدولة.
وقد إعتمدت جماعة التمرد الحوثية التي هي أصلاً خارجة عن القانون على الإقتصاد الموازي والمصادر الغير رسمية للدعم في تمويل نفسها. وقد كانت هذه الجماعة ناجحة في الإستفادة من سيطرتها على أجهزة الدولة والتوسع في المحافظات وذلك لتكبير حجم الإقتصاد الموازي، وبهذه الطريقة تتنوع المصادر المحلية للدخل. وقد قُيدت مصادر الدعم الأجنبية لجماعة الحوثيين مع بدء التدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015.
وقد إنخفضت إرادات الدولة بنسبة 53.7% في عام 2015 والتي تسيطر إلى حد كبير عليها جماعة الحوثيين ،وذلك نتيجة لتوقف صادرات النفط التي كانت تساهم بنسبة 45% من دخل الدولة في عام 2014. ايضاً هناك إنخفاض بنسبة 19.2% في الإيرادات الضريبية وذلك مع إنهاء الشركات لتداولاتها وتسريحها للموظفين.
لاشئ من هذا قد أوقف الحوثيين من قطع ميزانيات الوزارات وإعادة توجيه المدخرات لصالح مايسمى " المجهود الحربي". حيث تم فرض ضريبة الحرب بنسبة 20% على موظفي الخدمة المدنية الذين يشكلون مليون عامل من إجمالي 4.2 مليون عامل في اليمن. وفي الشهر الماضي ومحاولةً لخفض النفقات غير المتعلقة بالحرب ،فقد قامت وزارة التعليم العالي التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين وبدون سابق إنذار بتوقيف التمويل لدراسة 800 مستفيد من المنح في الخارج.
كانت جماعة الحوثيين وقبل فترة طويلة من الحرب الحالية تقوم بجمع الزكاة والتبرعات النقدية لتمويل العديد من المواجهات مع الجيش اليمني في عهد الرئيس السابق وحليفهم الحالي " علي عبدالله صالح". وقد تلقى الحوثيين بعد السيطرة على العاصمة صنعاء مبالغ نقدية ضخمة عبر الطائرات جواً قادمة من حزب الله وإيران. وقد إستمروا أيضاً في جمع التبرعات المحلية للحرب ضد السعوديين.
كما وضعت جماعة الحوثيين سوق سوداء ضخمة للسلع الأساسية اليومية للمواطنين كالوقود وغاز الطهي حينما قامت بإصدار التراخيص للأفراد لإستيراد الوقود. وكان ذلك بعد أن تم رفع الدعم عن الوقود ،وهي الخطوة التي تتناقض تماماً عن الموقف الذي إتخذوه ضد رفع الدعم والذي إعتمدوة في إسقاط الحكومة في سبتمبر 2014.
وفي الوقت نفسه، فقد تحركت الحكومة في المنفى للحرب خارج ساحة المعركة من خلال محاولة منع البنك المركزي اليمني من الحصول على الأموال اليمنية في الخارج وذلك لغرض وقف التمويل لجماعة الحوثي المتمردة. ولكن قد يبدوا ذلك صعباً ،لأن جماعة الحوثيين كانت قادرة على تمويل نفسها من خلال المصادر المحلية غير الرسمية قبل السيطرة على أجهزة الدولة. الخطر الجسيم يكمن الآن في عدم قدرة البنك المركزي اليمني على دفع رواتب موظفي الخدمة العامة حتى بعد أن بدأت بضخ الأوراق المشوهة في الإقتصاد، وثمة خطر آخر يكمن في تسريع وتيرة نقل الثروة إلى الحوثيين وهي الحالة التي من شأنها فقط أن تطيل بقاء الجماعة المتمردة.
يتم نقل الثروة من أيدي الخاسرين إلى أيدي الرابحين كما يحصل في أي صراع آخر، حيث سيضطر اليمنيين المحتاجين إلى مساعدة لبيع أصولهم بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية. ومع إستيلاء الحوثيين على الدولة حالياً وبإعتبارهم أغنى مجوعة في البلاد سيقومون بشراء هذه الأصول بأسعار منافسة. وهذا يعني المزيد من تركيز الثروة في أيدي جماعة الحوثيين.
الحوثيين مسؤولون إلى حد كبير عن سحب 300 مليار ريال يمني من النظام المصرفي وذلك عن طريق إخفاء الأوراق النقدية خارج القنوات الرسمية. ونظراً لهيمنتهم على الإقتصاد الموازي ، فإن الحوثيين لن يتأثروا كثيراً من إفلاس المؤسسات العامة. هذا يعني بأن النجاة من الحرب في الأشهر المقبلة يعتبر أمر يمكن الحصول علية بواسطة الحوثيين ، في حين سيبقى اليمنيين الآخرين في أمس الحاجة للمساعدات الإنسانية.
فشل الدولة يعتبر بمثابة حجر الأساس لإزدهار جماعة الحوثيين المتمردة. لقد خطط الحوثيين للبقاء لعقدين من الزمن قبل أن يصبحوا حكاماً من العاصمة اليمنية، وسوف تكون هذه الجماعة قادرة في البقاء على قيد الحياة طالما بقيت الدولة ضعيفة. هذا يعني بأن تقوية الدولة ومؤسساتها وعدم السماح لها بالفشل هو الطريق الوحيد والممكن لإضعاف موقف حركة التمرد الحوثية.**
نقلا عن صحيفة المونيتور الامريكية