حلّت الحرب في تعز وسط اليمن، وبدأت فصول المعاناة تتنوع، لدى النساء هناك، منذ دخول المليشيا الانقلابية المحافظة في مارس/ آذار 2015م.
وأصبحت المرأة قتيلة، وجريحة، ومكلومة على فقدان زوج أو ابن، أو قريب، ليس هذا فحسب بل صارت نازحة، أو حبيسة في المنزل، بعد أن أصبح الخروج منه صعبا للغاية، في ظل تساقط القذائف على المدينة من حين لآخر، فلم يبقَ ألماً، إلا وجربته النساء في تعز.*
معركة ضد الحياة في معركة المليشيا الانقلابية التي تخوضها في تعز ضد الحياة، تضاعفت معاناة النساء في المحافظة، فإضافة إلى الخوف والقلق الذي تعيشه المرأة، صرن يتحملن أعباء شاقة.
أم محمد نجيب، تروي لنا أنها في يونيو/حزيران 2015، قتلت والدتها برصاص قناصة، استهدفتها أمام منزلها الكائن في شارع الأربعين شمال المدينة، فاضطرت الأسرة بعد أن اقترب الخطر منهم كثيرا، إلى النزوح إلى قريتهم في مديرية شرعب بالمحافظة.
تقول أم محمد، إن نزوحهم إلى القرية، جعلها تقوم بأعمال شاقة كثيرة، كإحضار الماء من البئر الذي يقع بعيداً عن المنزل، وكذا جلب الحطب من الجبل، نتيجة لانعدم الغاز المنزلي أو ارتفاع أسعاره بشكل كبير.
وتضيف، أن العديد من أسرتهم نزحوا إلى قريتهم، ونتيجة لوجود العديد من العائلات داخل المنزل الواحد، زادت المشكلات بينهم، وسبب هذا ألما نفسيا كبيرا عليها كامرأة.
ونتيجة لكل تلك الظروف القاسية، قررت أم محمد أن تعود إلى وسط المدينة، وسكنت في شارع التحرير، اعتقادا منها، أنها يمكن أن تحتمل عذابات الخوف والقلق، أكثر من عذابات الجهد الجسدي، والمشكلات التي كانت تواجهها في قريتها، إلا أن ما لاقته في المدينة كان أشد وأقسى عليها، فلقد اغتالت قذيفة أطلقتها المليشيا على حي المسبح بتعز، إحدى ابنتيها، وجرحت الأخرى جراحا متوسطة في رأسها.
تتذكر كل هذه المآسي أم محمد، وتغرورق عينيها بالدموع، في الوقت الذي تنتظر فيه بقلق اتصال ابنها، الشاب العشريني" رشيد" الذي توجه إلى جبهات القتال، للدفاع عن مدينته، وليمنح أسرته الحق في الحياة، بعد أن حرمتهم من هذا المليشيا الانقلابية، التي حاربت كل أشكال الحياة في المدينة.
واقع مؤلم تشير تقارير حقوقية، عن استهداف المليشيا لـ ٢٤٨٩ من المدنيين ، منهم ٢٤٧ طفلا و٨١ امرأة، بينما بلغ عدد الجرحى 20 ألف جريحا، بينهم 806 طفلا، و 390 امرأة.وكشفت إحصائية صدرت في مايو/ آيار الماضي، عن المركز اليمني للعدالة والتنمية، عن مقتل 7 نساء وجرح 33 أخرى، خلال شهر أبريل/ نيسان الفائت.*
وقبل أيام قالت منظمتا اليونيسف والصحة العالمية، إن 65 في المائة من الحوامل في اليمن، لا يحصلن على الخدمات الخاصة بالرعاية الصحية.وتشهد نسبة الوفيات في صفوف الحوامل ارتفاعا ملحوظا، خصوصا في المناطق الريفية حيث يعيش أكثر من 75 في المائة من سكان اليمن المقدر عددهم بـ26 مليون نسمة.*
آلام كثيرة تعانيها المرأة في تعز بين التهجير والنزوح وتحمل أعباء كثيرة كانت نتيجة الحرب التي شنها الانقلابيون على المدينة من عام وأشهر.
وضع مأساوي انتهكت المليشيات الحوثية*حقوق النساء في تعز، فأبسط الاحتياجات لم تعد متاحة أمام المرأة، فميادة عبد الله، واحدة من عشرات النساء اللاتي أجهضن، جراء الخوف والظروف الصعبة التي تعيشها المرأة في تعز.
تقول" ميادة": إن قذيفة استهدفت منزلهم في حوض الأشراف بتعز، وكانت حاملا في الشهر السابع. ,وتضيف : لا أستذكر شيئا سوى أني سمعت انفجارا قويا دوى في أرجاء المنزل، ولم أفق إلا وأنا في المستشفى.
واستدركت، صحيت على الجراح والألم، فطفلي لم نتمكن من إنقاذ حياته، بسبب عدم توفر اسطوانات غاز الأكسجين في أحد المستشفيات، أما زوجي فتعرض لجرح خطير في رقبته *جراء إصابته بشظية.
وختمت حديثها والغصة تكاد تخنقها، بالقول" يكفينا وجع، نريد أن نعيش الحياة بشكل طبيعي".*الفاعلية رغم الوجع في السياق ذكرت رئيسة مؤسسة نحن هنا للإغاثة والتنمية صباح الشرعبي، أنه في ظل الحرب*التي وصفتها بـ"الغاشمة" التي شنتها مليشيا الانقلاب على محافظة تعز، تحملت المرأة في تعز العبء الأكبر من المعاناة في مختلف جوانب الحياة.*
موضحة أن النساء في تعز، منهن الشهيدات، والجريحات، والمعوقات حركيا، مضيفة، إلى أن المرأة تحملت عبئا اقتصاديا نتيجة وفاة رب الأسرة وعائلها الوحيد، وعبئا اجتماعيا في تربية الأبناء.*
كما أكدت الناشطة اليمنية" الشرعبي" أن المرأة في تعز هي أكثر من تعرض للانتهاكات التي مارستها المليشيا الانقلابية ضد أبناء تعز، فاضطرت إلى تحدي كل ظروف الحرب، والخروج لإعالة أسرتها بعد أن دُمر بيتها وشردت أسرتها، وفقدت أحبتها.
لافتة إلى أن المرأة تحملت مسئولية وطنية وأخلاقية في عدم صمتها عن كل تلك الانتهاكات ضد أبناء تعز، فخرجت تضمد الجراح، وتساعد المحتاج، وتقدم الدعم والإغاثة، وترصد الانتهاكات، وتقول لا للظلم، وكانت وما زالت وستظل- وفقا لـ" الشرعبي" المرأة في تعز رغم الجراح والألم منارة في التحدي والصبر والكرامة.
امتهان للكرامة من جهتها قالت الناشطة في تعز منال الذبحاني، إن الحرب أثرت على كل شرائح المجتمع، لكن ما كان صادما، هو ما لاقته المرأة اليمنية بشكل عام والتعزية بشكل خاص، من محاولات حاقدة لامتهان كرامتها وحتى شرفها.*
وتابعت، الحرب أسقطت كل القيم الأخلاقية، والتي كنا نعول عليها، وبأنها ثوابت يستحيل الاقتراب منها، وتجلى ذلك في معبر الدحي في الحصار الأول لمدينة تعز، حيث تم استهداف المرأة التعزية بشكل مباشر، يوضح لنا كيف أن الشعارات الدينية والقبلية هي للاستهلاك الإعلامي فقط.
وأكدت الناشطة اليمنية، أن هذه الحرب صنعت من المرأة أرملة ويتيمة، وهدف سهل للابتزاز، من خلال ممارسات لا تمت للرجولة والشهامة العربية بصلة، وزادت هذه الممارسات من معاناة المرأة، وضغط عليها نفسياً وجسديا، فتحولت كثير إلى مشردات مع أطفالهن، وأخريات تقطعت بهن السبل، فلم يستطعن الوصول إلى أسرهن وأبنائهن، بسبب قطع الطرقات والاختطافات، ناهيك عن قتلن في منازلهن.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أن المرأة اليمنية، ذاقت الويل والأمرين في هذه الحرب، وأصبح من الواجب أن تكون من أهم أولويات الدولة، هو الاهتمام بهذه الشريحة المطحونة قبل وبعد الحرب.