حذر الدكتور فهد بن عبدالعزيز الخريجي-أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود- من تناول بعض أفراد المجتمع مفردة الوطنية بتميع واستخدامها في غير محلها واتهام البعض بعدم مواطنته على الرغم من عدم وضوح مفهومها الحقيقي لدى الكثير منا.وأكد* د.الخريجي على أن المواطنة هي قيم وأخلاقيات يحملها الإنسان بإخلاص تجاه موطنه تضمن له كافة الحقوق وتقيم عليه واجبات من مشاركات واهتمام بقضايا وطنية. جاء ذلك خلال مشاركته في الندوة السادسة التي نظمها البرنامج الوطني الوقائي"فطن" بعنوان"التعليم ودوره في بناء الهوية الوطنية" بجمعية الثقافة والفنون يوم الثلاثاء 1437/5/21 في حيث أدار هذه الندوة أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود والمشرف العام على المركز الإعلامي ل"فطن"الدكتور تركي بن فهد العيار. وأشار د. الخريجي بأن مفهوم المواطنة موجود في ديننا منذ أكثر من 1400عام كما هو مذكور لدينا في كتب السيرة والشعر العربي،لافتا إلى أن المواطن هي المواقع التي* يعود وينتمي إليها الناس،ونوه على أن الأصل في كل العملية التي يدور عليها الإسلام في هذا الجانب هي خلق مواطنا مسلما مخلصا في كل مكان غير أن الإعلام لا يتناول المواطنة بهذا المفهوم مما يضعف من قوة الشعور بالانتماء.وتابع د.الخريجي حديثه عن دور الإعلام في تعزيز مفهوم المواطنة متهما إياه بتعزيز الإشكال للمعنى الحقيقي للمواطنة وأن دوره في بناء الوطنية ضعيف جدا حتى لدى العاملين فيه،مؤكدا أنه اذا فهم الإعلام معنى المواطنة على حقيقته فإنه سيساهم بنشر مفهومه وتعزيزه في المجتمع.وشدد د. الخريجي على عدم وجود أي تعارض بين المواطن والدين ،بل الوطنية تراعي جميع مقاصد الشريعة كإعطاء الطريق حقه وإماطة الأذى عن الطريق وحب الخير للناس،موضحا أن هذه الأفعال جزء من التطبيق العملي للمواطنة وتعبير عنها مطالبا بربط المواطنة بالقيم الثقافية والدينية. من جهته طالب الدكتور صالح بن حمد* الصقري-أستاذ التاريخ بجامعة الإمام- مؤسسات التعليم من الخروج من دائرة التنظير الممل حول الكثير من المفاهيم -ومن أهمها مفهوم الانتماء للوطن -والانتقال إلى التطبيق العملي لهذا المفهوم وإلا فإن التنظير لا يمكن أن يكون له دور في تعزيز الهوية الوطنية في نفوسنا.وتعجب د.الصقري من استخدام التعليم دائما كشماعة رئيسية في عدم فهمنا للمواطنة الحقيقية،منوها لعدم تحمل التعليم العبء وحده في تعزيز المواطنة لدى الأبناء،بل يجب على كافة مؤسسات المجتمع المدني أن تتكامل ويتقن كل منها دوره حينها سنرى تطبيقا عمليا لمفهوم المواطنة في مجتمعنا.وأثنى د.الصقري على ما تحتويه مناهجنا من الكثير من معاني الوطنية ،بل خصصت لها مادة كاملة تدرس يوميا لتغرس مفهوم الوطن والانتماء إليه على حقيقته في أذهان أبنائنا الطلاب.وعزا د.الصقري بداية عملية تعزيز الهوية الوطنية إلى ولادة الطفل ونشأته بين أسرته حيث أنها تعد منطلقا لغرس مفهوم المواطنة لديه مرورا بالمدارس والبيئة المحيطة به،مطالبا الآباء والمعلمين بتكريس فكرة أن حب الوطن لا يتعلق بما يجلبه لنا من منافع فقط بل يظل حب الوطن موجود في قلوبنا حتى لو ظلمنا وسلبت فيه بعض حقوقنا. وأبان الصقري أن كل الخلل الذي نعانيه من تناقض نظرياتنا وتطبيقها عمليا يكمن في الانفصام الجلي في شخصياتنا ،فتجد البائع يصلي معكو على أتم وجه ثم يخرج ويغش المسلمين ويغرر بهم في بضاعته،كذلك المواطنة نتفنن في تنظيرها ولا نجد طرقا عملية تطبقها وعلى هذا تقاس جميع جوانب حياتنا.وأشار د.الصقري في ختام حديثه إلى ضرورة وضع مشاريع تطبيقية على غرار مشروع "فطن"من شأنه أن يعزز الهوية الوطنية،كما طالب بإزالة جميع المعوقات التي تنخر في الوطنية كالتعصب المناطقي والقبلي وكذلك التعصب الرياضي . وفي مداخلة له أثناء هذه الندوة أكد المدير العام للبرنامج الوطني الوقائي "فطن" الدكتور ناصر العريني أن الأدب العربي هو الأسرع في توصيف المواطنة حيث كان شعراء العرب سابقة يؤكدون على مسألة الحنين للوطن وأن الإنسان إذا لم يكن لديه حنينا حقيقيا ومشاعر فياضة تترجم هذا الحنين فلا يعتبر لديه مواطنة حقيقية ،مستشهدا بالأبيات المشهورة لأبي نواس: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل بالأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل وقول ابن الرومي:
ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له الدهر مالكا وأضاف بأنه يجب علينا أن نحزن إذا ما حدث أي خلل في هذا الوطن الذي ننتمي إليه،مطالبا بأن تشاع ثقافة حب الوطن وتنشر على أوسع نطاق،لأن حب الوطن من الإيمان،مستشهدا بقوله صلى الله عليه وسلم حين أخرج من مكة"والله إنك لأحب البقاع إلي ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت"أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وعول د.العريني على دور الجانب التاريخي الكبير* في تقديم المواطنة بكافة مراحلها عبر التاريخ وتعزيز ذلك التاريخ بترغيب الأجيال في حب الوطن وتوضيح خصوصيته وقدسيته بما حباه الله من نعمة تواجد الحرمين ثم تواجد هذه القيادة الرشيدة وترسيخ هذا الانتماء.*