بواسطة :
24-03-2014 04:33 صباحاً
9.8K
المصدر - *
عن الجارديان – باتريك كينجسلي
ترجمة: ملكة بدر
باتريك كينجسلي يتسائل في الجارديان عن حدود القوة الفعلية للسيسي، *تحت عنوان: هل اكتملت الثورة المضادة؟
علاء عبد الفتاح واحد من 16 ألف معتقل سياسي على الأقل في مصر الآن، يقبعون في السجون المصرية*. كان علاء قد كتب من زنزانته يقول إن “الكل يعلم أن النظام القائم لا يقدم شيئا لأغلبية شباب الوطن، والكل يعلم أن أغلبية المعتقلين من الشباب، وأن القمع يستهدف الجيل كله لإخضاعه لنظام يدرك انفصاله عنهم ولا يرغب.. ولا يقدر أصلا على استيعابهم.“
ما كتبه علاء ماهو إلا تقييم قاتم لمصر المعاصرة، بعد ثلاث سنوات وشهرين من الثورة التي كان من المفترض أن تقوم بتمكين علاء عبد الفتاح ومن مثله ممن معه في السجون. يشير عبد الفتاح في خطابه إلى الطبيعة العشوائية لكثير من عمليات الاعتقال والتعذيب التي يتعرض لها الآلاف تقريبًا، واللامبالاة بل والحماس أحيانًا لمثل هذه الممارسات بين الناس.
ولم يعد غريبًا في أوساط الثوريين والمحامين الحقوقيين في مصر أن تتردد أصداء جملة أن البلاد عادت لحقبة حسني مبارك، أو ربما لما هو أسوأ منها، فبالنسبة لعبد الفتاح، انقلبت الصورة رأسًا على عقب، وربما يضيف البعض أشياء أخرى مثل وحشية الشرطة التي لم يعد من الممكن السيطرة عليها، وحبس الصحفيين ومنع كافة المظاهرات التي تشبه تلك التي بدأت بها ثورة يناير 2011، ونفي محمد البرادعي ووائل غنيم، وهما من أهم السياسيين والنشطاء الذين ارتبط بهم سقوط مبارك، فضلا عن احتمال انتخاب قائد الجيش عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد، بالرغم من ارتباطه بقمع يشبه ذلك الذي ساد في عهد مبارك.
يقول يحيى حامد، وزير الاستثمار في عهد محمد مرسي الذي استمر في الرئاسة عامًا واحدًا قبل أن يطاح به، “لم يعد هناك هناك الآن أي صلة بثورة 25 يناير”. وما يقوله حامد مثير للجدل، ليس فقط لأن ممارسات حكومة مرسي نفسها كانت استبدادية، أو لأن مدى مشاركة الإخوان المسلمين في بداية الثورة مشكوكًا فيه، وإنما أيضًا لأن فرضية حامد تستند على أساس أن التغيير الوزاري الأخير شهد رحيل معظم الأصوات المعتدلة في الحكومة، ومنهم العلمانيون الليبراليون الذين دعموا الإطاحة بمرسي في يوليو الماضي، ليس على أساس أنهم أرادوا استبدادًا أكبر، ولكن لأنهم أرادوا استبدادًا أقل.
ولكن السؤال هو: إلى أي مدى يشير كل هذا إلى العودة للديكتاتورية الدائمة؟ وإلى أي مدى تشبه تلك الديكتاتورية ما كان يحدث في عهد مبارك؟ أحيانًا تبدو قبضة السيسي على السلطة كاملة، وبالتأكيد يتمتع بنفوذ أكبر من أي مصري الآن، ويتبعه الكثيرون، لكن ماهو فعلا مقدار السلطة المباشرة التي يتمتع بها، وماهو مدى التنسيق بين جيشه والمخابرات والحكومة والقضاء، كل هذا مازال مجهولًا حتى الآن.
يقول ميشيل حنا، محلل السياسة المصرية، “بالنسبة لي، فإن أهم ما يميز هذه اللحظة هو أنه لا أحد يملك زمام الأمور، الجيش ليس مسؤولا فعلا ولا يتخذ قرارات منهجية، حتى لو كان السيسي مسؤولا عنه، إلا أن التفكير السائد هو أنه ربما لا يكون مسؤولا بشكل مباشر عن القمع في مصر، ربما يكون ذلك نتيجة لتعدد فصائل الدولة المصرية، مما يتسبب في ثغرة قيادية يستغلها البعض لإثبات ذاته”، مشيرًا إلى أن “الاختبار الحقيقي يأتي بعد الانتخابات”.
وتساءل “هل السيسي الرئيس، ومعه دعم الجيش، والتوافق الشعبي، سيتمكن من اتخاذ القرارات؟”
وبغض النظر عن أي طريقة يتصرف بها، لا يجب أبدًا افتراض أن النخبة التي يمثلها السيسي هي نفس النخبة التي كان مبارك يمثلها، ربما بلغ السيسي منصب رئيس المخابرات الحربية في عهد الديكتاتور المخلوع، وربما ينحدر رئيس وزراء مصر الآن من حزب مبارك الحاكم، الحزب الوطني الديمقراطي، لكن سنوات مبارك الأخيرة، اتسمت بأن قيادات الجيش رفيعي المستوى كانوا على خلاف مع قادة الحزب الوطني الحاكم، الذي بدأت نوازعه النيوليبرالية في تهديد امبراطورية الجيش الاقتصادية الضخمة. وعندما سقط مبارك، تاركًا ورائه قادة الجيش يحكمون البلاد، كان أول من نال عقابه هم رجال الحزب الوطني، ومنهم نجل الرئيس، جمال مبارك.
يقول أحد قادة الجيش رفيعي المستوى وهو يحاول تشبيه الجيش كأنه المخلّص، “الحزب الوطني تجاهل المجتمع وفساده كان السبب في معاناة الناس، هؤلاء لن يعودوا وعهد مبارك لن يعود أبدًا لأننا نبدأ عهد جديد”.
وكما توضح خطابات علاء عبد الفتاح، يخشى الكثيرون من أن العهد الجديد الذي يبدأ محفوف بعلامات القمع التي سادت في العهد القديم، وفي المقابل يرى آخرون أن الحالة الاقتصادية المتردية للبلاد لن تسمح لأي حكومة جديدة باستخدام القمع لسحق المعارضة.
يقول سمير رضوان، أول وزير مالية في حقبة ما بعد مبارك “لا أعتقد أننا يمكن أن نفقد مكتسباتنا الليبرالية التي جنيناها على مدار الأعوام القليلة السابقة”. ويعتقد رضوان أن المجتمع المدني في مصر الآن حاله أفضل مما كان عليه منذ أربعة أعوام مضت.
أما هالة شكر الله، أول رئيسة حزب سياسي في مصر، فتعتبر أن صعودها لرئاسة حزب الدستور “معبرًا عن تغييرات حقيقية وعميقة في فكر المصريين والشباب المصري”.
بالمثل، كان عدد من النشطاء قد اعتقلوا لأنهم شنوا حملة مناهضة الدستور المصري الجديد، الذي تم تمريره في يناير الماضي، بالرغم من أن الدستور نفسه كان يحمل بين طياته عددًا من المواد الجيدة ذات الطابع الليبرالي نسبيًا عن سابقيه.
ورغم أن المعتقلين الذين يدخلون قسم الشرطة يتوقعون التعرض للضرب والتعذيب، إلا أن الأيام الماضية تضمنت أيضًا إدانة لضابطي الشرطة الذين قتلا خالد سعيد في 2010، كما حكم بالسجن 10 سنوات على أحد الضباط المسؤولين عن مقتل 37 شخصًا في سيارة الترحيلات في أغسطس الماضي. هذه الإدانات نادرة، وتتناقض مع الأحكام الصادرة على مؤيدي مرسي، لكنها مازالت تشير إلى أنه وسط النفوذ المرعب للشرطة، يظل هناك قاض أو اثنان مستقلين بما يكفي لإدانة ضباط بجرائمهم.
ومن المدهش أيضًا رؤية وجه المستشار هشام جنينة يظهر من العدم في الأسابيع الماضية وهو ينتقد وزارة الداخلية ويتهمها بإخفاء سجلاتها عن الجهاز المركزي للمحاسبات، بل واتهم الداخلية أيضا بتقديم رشاوى للمحاسبين المدققين في حسابات الوزارة. ورغم أن خطوة كتلك لا تعتبر ثورية للغاية، إلا إنها ووسط هذا المناخ السياسي، لا يستهان بها.
بالرغم من كل هذا، يظل ما يحدث بالنسبة للآلاف في السجن، والإسلاميين الغاضبين من الشباب في مظاهراتهم الهزيلة في الشوارع معبرًا عن بيئة كاملة من القمع، أو كما يقول علاء “ربما لهذا تصر السلطة على مسرحياتها، رغم إدراك الجميع زيفها، تساهم المسرحية فى تطبيع الوضع وقبوله، فى تشتيت الجهود فى مسارات ثانوية قانونية وتفاوضية وإصلاحية وإعلامية غير مجدية. إلى أن يصبح الأصل فى الأمور الإدانة، يحمل الثوار مسؤولية تفادى القتل والاعتقال، بل يدينكم رفاق الأمس على تحدى المسرحية ويحمّلونكم ذنب الضحايا!”
ويختتم علاء خطابه قائلا “الكل يعلم أنه لا أمل لنا نحن السابقون فى المعتقلات.. إلا بكم أنتم اللاحقين.. فماذا أنتم فاعلون؟!”
ما سيحدث مستقبلا، ومصير الرئيس المقبل في مصر، يتوقف بالتحديد على إجابة هذا السؤال.