المصدر -
نجحت المملكة العربية السعودية في تفادي أزمة اقتصادية، نتيجة هبوط أسعار النفط هذا العام
لكن من المرجح أن تظل التوقعات غامضة على مدى الأشهر المقبلة فيما يتعلق بالمالية العامة وآفاق النمو حسبما يرى رجال أعمال واقتصاديون بارزون.
وبعد ستة أشهر من إطلاق "رؤية 2030" والتي شملت عددا كبيرا من الإصلاحات الهيكلية في أكبر تغيير جذري للسياسة الاقتصادية منذ عقود تمكنت المملكة من تحقيق عدد من الانتصارات.
ويبدو أن الخفض الكبير للإنفاق الحكومي هذا العام سيقلص عجز الموازنة -الذي بلغ 367 مليار ريال (98 مليار دولار) العام الماضي- بصورة كبيرة عن التقديرات الأولية المعلنة من قبل الحكومة.
كما ساعد إصدار سندات سيادية بقيمة 17.5 مليار دولار الشهر الماضي على فتح آفاق الاقتراض الخارجي أمام الرياض وهو ما قد يحد من عملية السحب من الاحتياطيات الأجنبية ويساعد على انحسار مخاوف خفض قيمة العملة ويمنح الحكومة مزيدا من الوقت كي يتكيف الاقتصاد مع عصر النفط الرخيص في المستقبل القريب.
وتمكنت الحكومة من تحقيق هذه الانتصارات دون رد فعل سياسي كبير. فبينما يعبر المواطنون العاديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من قرارات التقشف يبدي آخرون تفهما للضرورة التي
استدعت اتخاذ هذه الإجراءات فيما يثني رجال الأعمال على السلطات لتبني مثل هذه الإجراءات الحاسمة.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الحكومة من مواصلة خفض عجز الموازنة بوتيرة سريعة دون الدفع بالاقتصاد إلى الركود؟
يقول مازن السديري رئيس الأبحاث لدى الاستثمار كابيتال "السنة المقبلة سيكون فيها قدر كبير من الضبابية لكن من غير الواضح أنه سيكون هناك نزول كبير...ربما لن يكون هناك تحسن كبير لكن الأوضاع
لن تكون أسوأ."
ويضيف "القطاع الخاص يواجه الكثير من التحديات التي قد تقف عائقا أمام النمو."
واتفق مصرفي سابق في الرياض تحدث لرويترز مشترطا عدم الكشف عن هويته على أن الاقتصاد تجنب أزمة مالية وأخرى تتعلق بالعملة لاحت في الأفق أوائل 2016 وقال إن بيانات البنك المركزي السعودي توضح عدم وجود إشارات على هروب رؤوس الأموال من البلاد.
ويضيف "لكن هذا لا يعني أنه تم القضاء على المشاكل الأساسية. العام المقبل سيكون صعبا للغاية."
من جانبه يقول الاقتصادي فضل البوعينين "أعتقد ان العام 2017 سيكون امتدادا لما قبله فيما يتعلق بخفض الإنفاق الحكومي لكن أتوقع أن يكون في نهايته بداية للإنفراج."
ويضيف "من المتوقع استمرار التباطؤ في العام القادم غير أن تحسن أسعار النفط ربما يعكس التوقعات إضافة إلى أن أي تحسن في الدخل سينعكس على الإنفاق وبالتالي سيساعد كثيرا في الإنفراج."
يتوقع مصرفيون على تواصل مع المسؤولين الاقتصاديين في المملكة، أن يأتي عجز الموازنة لعام 2016 -والذي سيعلن عنه مع إعلان موازنة 2017 أواخر ديسمبر- أقل كثيرا من التقديرات الأولية البالغة 326 مليار ريال.
وبحسب الأهلي كابيتال انكمش القطاع غير النفطي على أساس سنوي خلال ربعين من الأرباع الثلاثة حتى يونيو *بينما انكمشت أرباح الشركات السعودية المدرجة اثنين بالمئة في الربع الثالث من
العام الجاري.
وربما يعقب ذلك أداء أسوأ. فبعدما خفضت الحكومة في سبتمبر، علاوات وبدلات القطاع العام الذي يعمل فيه نحو ثلثي العاملين السعوديين يقدر محللون أن يؤدي ذلك لخفض الدخل القابل للإنفاق بنحو عشرين بالمئة.
وأحال البنك المركزي قدرا من هذا الألم للبنوك بعدما أمرها بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية والعقارية.
يقول أحد كبار مديري الصناديق في الرياض "خفض رواتب العاملين بالقطاع العام كان صدمة سينعكس أثرها على الاقتصاد في الأشهر القليلة المقبلة... بالنسبة لقطاع الشركات سيكون الربع الأول من
العام المقبل هو الأسوأ."
وأضاف أن من المتوقع بدء تعافي الاقتصاد في النصف الثاني من 2017. لكن ثمة عدة عوامل تشير إلى أن التعافي ربما سيكون بطيئا.
ويبقى سؤال مهم لم تتضح إجابته بعد: كيف ستتجه السلطات لتنفيذ قدر كبير من الإصلاحات لدعم القطاع الخاص الذي لا يعتمد على إيرادات النفط في الوقت الذي تحد فيه إجراءات التقشف من الطلب؟
فعلى سبيل المثال تسعى الحكومة لدعم قطاع الإسكان وتمنحه أولوية كبرى لكن جميل غزنوي رئيس مكتب السعودية لشركة الاستشارات العقارية العالمية جونز لانج لاسال في السعودية قال خلال مقابلة مع رويترز إن قرارات التقشف الحكومية قد تفرض ضغوطا على قدرة المواطنين على شراء المساكن.
وأضاف غزنوي أن شركات التطوير العقاري الصغيرة والمتوسطة الحجم التي وفرت نحو 85 بالمئة من المعروض في السوق شهدت تباطؤا في نشاطها على مدى العام ونصف العام الماضيين مع تراجع القوة الشرائية لدى المواطنين وصعوبة حصول شركات البناء على التمويل.