سفر وترحال وعلم وعطاء .. جوهرة العتيبي .. بين لندن وروما وجنيف وكانبرا .. العديد من المواقف والمشاهد .. وفي التالي هذه الرواية و ( حوار بين السطور ) ..
أسمي جوهرة العتيبي .. انا ولدت في مدينة الدمام وتربيت فيها طفولتي وأتممت بها تعليمي الثانوي وكنت اسافر في الصيف الى مدينة (الازبري) خارج لندن لأن والدي مقيم في مصحة للعلاج الطبيعي لعدة سنوات.
اجيد اللغة الفرنسية والأنجليزية واللغة العربية الفصحى ، بينما بناتي اللغة الام لهن هي الأنجليزية ومازالوا يتعلمون الحروف الابجدية للعربية وهذا مايحزنني ويشعرني بالذنب اتجاه لغتنا.
مرحلتي الجامعية كانت في الرياض بجامعة الملك سعود - كلية العلوم الإدارية - وفِي الاجازات اذهب الى زيارة والدي في بريطانيا ، وهناك تعرفت على زوجي وبعد تخرجي تزوجت وذهبت للعيش معه في جنيف والتحقت بجامعة جنيف لدراسة اللغة الفرنسية وتعرفت على بروفسور سيدة وهي تعلم اللغة العربية وحدث اتفاق تبادل التعلم معها مقابل ان اعلمها العربية وهي تساعدني على إتقان اللغة الفرنسية.
*اثناء اقامتي في سويسرا انجبت طفلتين ، ثم رجعنا للسعودية والتحقت بعدد من الدورات الثقافية والعلمية ، *ثم انتقلنا الى لندن والتحقت بجامعة وستمنستر في لندن ودرست دراسة اكاديمية للغة الأنجليزية واجتزتها ورزقت بطفلين ولد وبنت اثناء دراستي في لندن.
حينما انتقلت الى لندن والتحقت بجامعة وستمنستر لدراسة اللغة دراسة أكاديمية لم اشعر بعدم الاستقرار لان هناك من يشاركني حب السفر والمغامرة صديقي ورفيق دربي كانت أوقاتي منظمة بين أطفالي ودراستي ورحلاتي الأسبوعية للدول والمدن المحيطة بنا.
وكان زوجي هو عوني بعد الله في تربية أطفالي كنت اصحى باكرا عند الساعة الخامسة واحضر الاطفال للمدرسة وإعداد افطارهم ثم اتركهم لزوجي لايصالهم للمدرسة عند الساعة التاسعة ، بينما انا اخرج لمحطة القطار الساعة السادسة وانزل الى محطة في السنتر لأخذ الأندر قراوند ( قطار الأنفاق ) *الى ان أصل الى الجامعة الساعة الثامنة صباحاً واعود للمنزل عند الساعة الثانية بعد الظهر واعمل طعام الغداء ثم اذهب للحضانة واحضر الطفلين ونذهب سوية الى المدرسة لأحضر البنتين ونعود للبيت.
بالنسبة لي لم يحدث لي صدمة حضارية لأنني وجدت انني اتفوق حضارة على حضارة الغرب لأنني افتخر بانجاز الحضارة الاسلامية وان اكبر مسجد على الارض يكون في بلدي لقد ألقيت درساً نوذجيا عن المسجد الحرام في جامعة وستمنستر وكم سعة هذا المسجد والخدمات التي توفرها دولتنا للحج وفِي فترة زمنية وإعداد هائلة من البشر ، اما المجتمع السعودي مجتمع في الغرب محافظ ويحب ان يكون مجتمع سعودي داخل هذا المجتمع وهذا انا اعتبره لا يخدم المبتعثين ولا الوطن لابد من الانفتاح مع الثقافات مع الحفاظ على قيمنا ونأخذ الصالح من تعاملاتهم وإنسانيتهم وطرق تطور الذات.
بعد حصولي على الدبلوم في اللغة قدمت لدراسة الماستر ولكن لظروف انتقال زوجي للعمل في بلد اخر أجلت طلب الدراسة وذهبنا روما وهناك درست الماستر في الاقتصاد والتسويق وحصلت على الدرجة بعد ثلاث سنوات وهي ماتشكل الفارق الزمني بنحو خمسة عشر عاما طيلة هذه السنوات بين دراستي البكالوريوس بجامعة الملك سعود بالرياض وحتى حصولي على الماستر من إيطاليا ، وهنا اتذكر بالخير الملحق الثقافي السعودي في روما الدكتور فهد المغلوث لدعمه لنا وإرشاده وكذلك الاستاذ بخش كانوا عوناً المبتعثين ودائما يقومون بزيارة للطلبة ومناقشة مشاكلهم وحلها.
انتقلنا للعيش في استراليا والإقامة في مدينة كانبر وهي مدينة هادئة وجميلة واهلها طيبين وأكثر شئ فيها آمان لدرجة الأطفال يذهبون للمدرسة بدون مرافقة الأهل وكذلك الاطفال يستخدمون النقل العام في توصيلهم للمدارس ، واستخدم بدوري سيارتي في تنقالاتي ، كما أن المجتمع الأسترالي مجتمع راقي ومتحضر وهو مجتمع منتج اكثر من استهلاكي ولديهم اواصر الترابط الاسري يفوق المجتمعات الأوروبية ومن ناحية غلاء المعيشة تعتبر نوعاً ما غالية وهنا قدمت لدراسة الدكتوراه في مجال تخصصي الاقتصاد والتسويق ، وابنتي التحقت هذه السنة في دراسة الطب والاخرى في اخر سنة في المدرسة الدولية ـ واعتمدت على نفسي في تربية أطفالي ودراستي حيث لم يكن هناك مساعدة لي بعد الله الا القطاع التعليمي المحلي*الذي وفر الحضانات والمدارس لأولادي* وتفرغت للدراسة والبحث ، والفضل الكبير الذي**قدمه رفيق دربي لتشجيعي دون التدخل في طريقة الحياة التي اخترتها* ومن العيش في عدة بلدان أوروبية فاقت العشرين عام* جعلت من العالم بيتي وليس لدي شعور بالغربة بل بالانتماء لهذا العالم لاني كونت عدة صداقات في العالم ومن كل الاجناس مما جعلني ليس لدي خوف من الغربة بل أصبحت متعة والاطلاع على ثقافات الشعوب وتقديم خدمة لكل مجتمع عشت فيه*فهو بلدي الثاني*وأكن العزة والشموخ لبلدي ووطني السعودية هناك يأخذني الحنين لتقبيل ترابه الطاهر.
في استراليا كل حي يوجد فية مكتبة عامة ولها أنشطة أسبوعية بالاضافة للقراءة والإعارة كذلك ركن لتعليم أطفال الحضانه حب الكتاب وهناك نشاط المحادثة كل يوم في حي للطلبة والأجانب لاجراء حوار عن عدة مواضيع تهم الحي ومنها اكتساب المحادثة وهذا يقوم به بعض متطوعين من برفسيور واساتذة وطلبة ليفيد الجميع ولي مساهمة معهم.
بالتالي انتقالي من مجتمع عربي الى مجتمع غربي لم يشكل لي اي عقبة لأنني لدي حب الاطلاع على الثقافات والشعوب وكان المجتمع السويسري مجتمع راق وودود واجتماعي يرحب بالغريب ويحاول ان يدمجه في نسيجه الاجتماعي ، بينما لندن ميزتها المواصلات على التايم كذلك الخدمات الصحية لكل مواطن ومقيم.
وبالإضافة أن لكل مدينة ذكريات واصحاب وأحبة عشت في كل مدينة وجعلتها وطني الاخر لم أكن منعزلة عنهم بل ساهمت في الأنشطة الاجتماعية وفِي المعارض التي تقام وتشارك فيها السعودية كان لنا مساهمات لنشر الثقافة السعودية وتقاليدنا العريقة انا احب مدينة جنيف لان حس النظافة سلوك مجتمع واحترام المواعيد.
وهنا بين هذه التنقلات والسفر طيلة هذه السنوات أيضا هناك مدينة الدمام مسقط راسي وذكرياتي عنهم هي عطف وحنان اب عظيم ومحب لوطنه ومجتمعه واماً علمتني معنى ان يكون كل مافي الوجود ان يكون جميلا ولا يرى مني الناس الا كل جميلا كانت سيدة مثقفة رغم انها لا تجيد القرأة لكن كانت تجلب الكتب وتجعل أخي يقرأ لها مافيها وتذهب للمجالس الثقافية في ذلك الحين نخبة نساء المجتمع.
وحصيلة تنقلاتي انني جمعت ثروة من الأصدقاء حول العالم نتواصل من حين الى حين وهذا شكل تغير نظرتي للحياة وجعلني اكثر إنسانية لهذا العالم وجعله بيتي الكبير.
وتعد المجتمعات الأوربية مجتمعات تهتم بما يحقق رفاهيتها وليس بمراقبة الشعوب الاخرى وأغلبهم لا يعرفون عن الاخر الا من وسائل الاعلام والذي احيانا هو غير منصف لذا عندما اندمجت في المجتمع الاوروبي مع احتفاظي بتعاليم ديني وتقاليدي هم من بدأو بالاطلاع على ثقافاتنا بعدما كانوا يروا اننا شعب غني وبترول وصحراء خرج لهم جيل من شباب السعودي المبتعث الذي يحرص على العلم والمشاركة في المجتمعات الموجود فيها.
ومما يشكل لي نقطة التحول في مشواري هي عند*حصولي على درجة الماجستير بعد خمسة عشر سنة من حصولي على البكالوريوس وهذا من فضل الله ثم برنامج الملك عبدالله رحمه الله.*
وهنا أشير إلى أن الطلبة المبتعثين طلبة يشرفون الوطن بأخلاقهم وتعاملاتهم ونشاطاتهم داخل المجتمع شئ يشرف ،*لكن هناك بعض التصرفات ولبعض الطلبة وهي عدم معرفة قوانين البلاد التي يدرسون بها انها صارمة وقد يؤدي ذلك لإنهاء بعثته مثلاً تعنيف الزوجة مما يجعل الشرطة تتدخل وهذا محرج للدولة لان القانون هنا لا يتعاطف مع احد.
وبدوري انا الان في مرحلة الدكتوراة ومن خلال بحثي واطلاعي على رؤية المملكة 2030 اعتقد انها حلم كل سعودي ان يعرف على ماذا نحن مقبلون على عصر جديد لاقتصاد جديد وراسخ يعتمد على سواعد أبناء هذا الوطن لانهم هم ثروته الحقيقية وان البترول مصدر ولكن ليس هو الوحيد لقيام اقتصاد هذا الوطن ولقد أهملنا جوانب عديدة في ارضنا الطيبة يجب علينا البحث فيها في ارض النخلة المباركة لكرمه والسيفين لشجاعة رجاله وكل شي جميل في الغرب تمنيت ان يكون في وطني اولا احترام قانون المرور والالتزام بالسرعة المحددة لان الطريق ليس ملك لك وإنما هناك ارواح تسير معك اعتماد المرأة الغربية على نفسها في إدارة حياتها دون وجود خدم هذا شئ تمنيته لبنات وطني و*ممارسة الرياضة كنوع من الحياة وليس ترفيه لصحة كبار السن ،*انا تدربني سيدة تجاوزت السبعين وكأنها طفلة في حركاتها في استراليا اعجبني انهم دولة لديها اكتفاء ذاتي ومنتجة ويمنعون الاستيراد من خارجها والمجتمع هنا غير مسرف ولديهم حس الادخار.
وعليه رسالتي الى اخوتي المبتعثين وبناتي المبتعثات ان يستغلوا فرصة الابتعاث لتطوير نظرتهم للحياة والاستفادة من المجتمع الذين هم فيه وأخذ الصالح لحياتنا من سلوك وتحضر وجعلها سلوك لهم مع تمسكهم بمعتقداتهم الاسلامية وكونوا خير من يمثل وطننا الحبيب فهو ليس كأي وطن ، وأدعو الله*أن يعز*وطني ويجعله منارة للإسلام والسلام والمحبة والنور وينعم برخاء وآمان.
وفي الختام*كان من المواقف المؤثرة في حياتي هي*وفاة والدي , وكنت*في جنيف في المستشفي اجري عملية جراحية وحينها رحل والدي دون ان أراه ،*ولكن إحساسي مازال انني في سفري وسوف التقي به في جنان الخلد.
*
*
*