المصدر - فايننشال تايمز - كريس جايلز
يتفق رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على أن إدارة البنك المركزي الأمريكي هي أعظم وظيفة حكومية. إلا أن أسباب كل منهما مختلفة.
فقبل فوزه في الانتخابات، أدلى ترامب بتصريح ساخر كعادته، مشيراً إلى أن الميزة الأساسية لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي هي تلك الشهرة الكبيرة التي ترافق هذا المنصب. وقال: «إنها أعظم وظيفة في الحكومة.
تظهر في المكتب مرة واحدة في الشهر وتقول: «دعونا نرى.. لنرم عملة معدنية في الهواء ولنقرر على أي وجه تستقر»، ثم بعدها يتحدث الجميع عنك وكأنك إله».
والأسبوع الماضي، رد باول على هذه الإشارة، رافضاً تماماً فكرة رمي العملة في الهواء، وقائلاً: «من المميز أن تدرك أن عملك يحدث فرقاً حقيقياً للناس». لكن دعونا نتجاوز مسألة رمي العملة في الهواء، فتصريحات ترامب تثير سؤالاً مهماً: إلى أي مدى يمكن أتمتة صنع السياسات النقدية وتحليلها؟
إن وضع قواعد السياسة النقدية من حيث المبدأ ينبغي أن يكون عملية بسيطة. لديك نظرية متماسكة، وبيانات دقيقة، وبمجرد تطبيق النظرية على البيانات، تحصل على المسار الأمثل للسياسة، سواء لأسعار الفائدة أم عرض النقد إذا كنت تتبع النهج النقدي. ومع ذلك، لم تعمل هذه القواعد بشكل جيد أبداً.
وأشهر خوارزمية للسياسة النقدية هي «قاعدة تايلور»، التي تربط أسعار الفائدة بانحراف التضخم عن الهدف المحدد ودرجة الطاقة الإنتاجية الفائضة في الاقتصاد. ووفقاً لقاعدة تايلور، إذا كان التضخم مرتفعاً وجميع الموارد مستغلة بالكامل، يجب أن تكون أسعار الفائدة مرتفعة.
وعلى العكس، إذا كان هناك بطالة أو كان التضخم أقل بكثير من الهدف، تكون هناك حاجة إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد. والنظرية الأساسية وراء هذه القاعدة تعتمد على نهج كينزي جديد يفترض إمكانية قياس فجوات الإنتاج وانحرافات التضخم بدقة. لكن بحثاً جديداً أجراه بنك التسويات الدولية يظهر ضعف قاعدة تايلور في التنبؤ بأسعار الفائدة في معظم الاقتصادات المتقدمة.
لكن هناك نقطة مهمة لم يفحصها بنك التسويات الدولية: هل يمكن للروبوتات أن تحل محل صانعي السياسات باستخدام قواعد سياسية غير متماثلة؟ وفقاً لرئيس الأبحاث في بنك التسويات الدولية هيون سونغ شين، فإن الإجابة هي «لا». وعلل ذلك بقوله: «استراتيجيات السياسة النقدية في الواقع أكثر تعقيداً من قاعدة تايلور غير المتماثلة».
وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو عدم دقة البيانات المتاحة، فلا توجد اتفاقية واضحة على أساليب تقسيم التضخم إلى مكونات مدفوعة بالطلب وأخرى مدفوعة بالعرض. قد تبدو البيانات الحديثة منطقية في أن التضخم الحالي ناتج بشكل رئيسي عن عوامل العرض، لكنها ليست حصرية. علاوة على ذلك، أظهرت أبحاث أخرى نتائج معاكسة تماماً، خصوصاً في أوروبا، مما يبرز التباين في النماذج الاقتصادية ودرجة عدم التيقن المرتبطة بها، خصوصاً عند قياسها في الوقت الفعلي.
وتظل المشكلات المتعلقة بالبيانات قائمة، خصوصاً فيما يتعلق بمكون التضخم. إذ يتطلب الوضع المثالي وجود توقع دقيق للتضخم بدلاً من الاعتماد على المعدلات المقاسة حديثاً، وذلك لتجنب اتباع قاعدة تستند إلى البيانات التاريخية فقط. كما أن النهج الذي يعتمد على تقدير فجوة الناتج يستند إلى بيانات افتراضية لا يمكن تحديدها بدقة. علاوة على ذلك، قد تكون النظريات المستخدمة غير صحيحة بالكامل، وقد تتأثر بعوامل مثل مدى العلاقة المفترضة بين التضخم والقدرة الإنتاجية الفائضة.
وفي الواقع، تحدث العديد من الأحداث خارج نطاق النماذج الصارمة، مما يجعل الحكم البشري والنقاش ضروريين لفترة طويلة قادمة، حتى مع تحسن فهمنا لطريقة عمل البنوك المركزية.
أما فيما يتعلق بإمكانية فهم الروبوتات للسياسات النقدية، فإن التساؤل يطرح نفسه: إذا كان من الصعب استبدال صناع القرار المركزيين بالروبوتات، فهل يمكن لهذه الروبوتات تفسير السياسات النقدية بكفاءة البشر نفسها أو أفضل؟ أشار تقرير لبنك التسويات الدولية إلى مقال مثير للاهتمام حول كيفية استخدام النماذج اللغوية الكبيرة في مجال الاقتصاد.
وبدلاً من إعادة سرد نتائج التقرير، يبرز هنا تحليل مهم أجراه فريق عمل في صحيفة فاينانشال تايمز بقيادة جويل سوس. واستخدم الفريق نموذجاً لغوياً كبيراً لتحليل خطابات صانعي السياسات النقدية وتصنيفها على مقياس «الصقور - الحمائم».
وقد أظهرت النتائج كفاءة عالية للنموذج، حيث تم تصنيف خطابات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بدقة على أنها «صقورية» عند رفع أسعار الفائدة، و«حمائمية» عند التحضير لخفضها.
لكن هناك بعض التحفظات على النتائج، إذ إن النموذج قد يبدو وكأنه يقدم استنتاجات بديهية، مثل أن الخطابات كانت «صقورية» أثناء رفع أسعار الفائدة و«حمائمية» أثناء خفضها، مما يثير تساؤلات حول القيمة المضافة للنموذج. رغم ذلك، يجب ألا نقلل من أهمية هذه التقنية.
فقد أثبت النموذج فعاليته في معالجة كميات كبيرة من النصوص بدقة مذهلة، ما يتيح لنا فهم الخطابات بسرعة واستخلاص المعلومات القيمة. ويمكن للبنوك المركزية أن تجعل خطاباتها معقدة وطويلة كما تشاء، لكن لدينا الآن أدوات يمكنها استخراج الإشارات المهمة من هذا السرد المطول.
فقبل فوزه في الانتخابات، أدلى ترامب بتصريح ساخر كعادته، مشيراً إلى أن الميزة الأساسية لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي هي تلك الشهرة الكبيرة التي ترافق هذا المنصب. وقال: «إنها أعظم وظيفة في الحكومة.
تظهر في المكتب مرة واحدة في الشهر وتقول: «دعونا نرى.. لنرم عملة معدنية في الهواء ولنقرر على أي وجه تستقر»، ثم بعدها يتحدث الجميع عنك وكأنك إله».
والأسبوع الماضي، رد باول على هذه الإشارة، رافضاً تماماً فكرة رمي العملة في الهواء، وقائلاً: «من المميز أن تدرك أن عملك يحدث فرقاً حقيقياً للناس». لكن دعونا نتجاوز مسألة رمي العملة في الهواء، فتصريحات ترامب تثير سؤالاً مهماً: إلى أي مدى يمكن أتمتة صنع السياسات النقدية وتحليلها؟
إن وضع قواعد السياسة النقدية من حيث المبدأ ينبغي أن يكون عملية بسيطة. لديك نظرية متماسكة، وبيانات دقيقة، وبمجرد تطبيق النظرية على البيانات، تحصل على المسار الأمثل للسياسة، سواء لأسعار الفائدة أم عرض النقد إذا كنت تتبع النهج النقدي. ومع ذلك، لم تعمل هذه القواعد بشكل جيد أبداً.
وأشهر خوارزمية للسياسة النقدية هي «قاعدة تايلور»، التي تربط أسعار الفائدة بانحراف التضخم عن الهدف المحدد ودرجة الطاقة الإنتاجية الفائضة في الاقتصاد. ووفقاً لقاعدة تايلور، إذا كان التضخم مرتفعاً وجميع الموارد مستغلة بالكامل، يجب أن تكون أسعار الفائدة مرتفعة.
وعلى العكس، إذا كان هناك بطالة أو كان التضخم أقل بكثير من الهدف، تكون هناك حاجة إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد. والنظرية الأساسية وراء هذه القاعدة تعتمد على نهج كينزي جديد يفترض إمكانية قياس فجوات الإنتاج وانحرافات التضخم بدقة. لكن بحثاً جديداً أجراه بنك التسويات الدولية يظهر ضعف قاعدة تايلور في التنبؤ بأسعار الفائدة في معظم الاقتصادات المتقدمة.
لكن هناك نقطة مهمة لم يفحصها بنك التسويات الدولية: هل يمكن للروبوتات أن تحل محل صانعي السياسات باستخدام قواعد سياسية غير متماثلة؟ وفقاً لرئيس الأبحاث في بنك التسويات الدولية هيون سونغ شين، فإن الإجابة هي «لا». وعلل ذلك بقوله: «استراتيجيات السياسة النقدية في الواقع أكثر تعقيداً من قاعدة تايلور غير المتماثلة».
وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو عدم دقة البيانات المتاحة، فلا توجد اتفاقية واضحة على أساليب تقسيم التضخم إلى مكونات مدفوعة بالطلب وأخرى مدفوعة بالعرض. قد تبدو البيانات الحديثة منطقية في أن التضخم الحالي ناتج بشكل رئيسي عن عوامل العرض، لكنها ليست حصرية. علاوة على ذلك، أظهرت أبحاث أخرى نتائج معاكسة تماماً، خصوصاً في أوروبا، مما يبرز التباين في النماذج الاقتصادية ودرجة عدم التيقن المرتبطة بها، خصوصاً عند قياسها في الوقت الفعلي.
وتظل المشكلات المتعلقة بالبيانات قائمة، خصوصاً فيما يتعلق بمكون التضخم. إذ يتطلب الوضع المثالي وجود توقع دقيق للتضخم بدلاً من الاعتماد على المعدلات المقاسة حديثاً، وذلك لتجنب اتباع قاعدة تستند إلى البيانات التاريخية فقط. كما أن النهج الذي يعتمد على تقدير فجوة الناتج يستند إلى بيانات افتراضية لا يمكن تحديدها بدقة. علاوة على ذلك، قد تكون النظريات المستخدمة غير صحيحة بالكامل، وقد تتأثر بعوامل مثل مدى العلاقة المفترضة بين التضخم والقدرة الإنتاجية الفائضة.
وفي الواقع، تحدث العديد من الأحداث خارج نطاق النماذج الصارمة، مما يجعل الحكم البشري والنقاش ضروريين لفترة طويلة قادمة، حتى مع تحسن فهمنا لطريقة عمل البنوك المركزية.
أما فيما يتعلق بإمكانية فهم الروبوتات للسياسات النقدية، فإن التساؤل يطرح نفسه: إذا كان من الصعب استبدال صناع القرار المركزيين بالروبوتات، فهل يمكن لهذه الروبوتات تفسير السياسات النقدية بكفاءة البشر نفسها أو أفضل؟ أشار تقرير لبنك التسويات الدولية إلى مقال مثير للاهتمام حول كيفية استخدام النماذج اللغوية الكبيرة في مجال الاقتصاد.
وبدلاً من إعادة سرد نتائج التقرير، يبرز هنا تحليل مهم أجراه فريق عمل في صحيفة فاينانشال تايمز بقيادة جويل سوس. واستخدم الفريق نموذجاً لغوياً كبيراً لتحليل خطابات صانعي السياسات النقدية وتصنيفها على مقياس «الصقور - الحمائم».
وقد أظهرت النتائج كفاءة عالية للنموذج، حيث تم تصنيف خطابات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بدقة على أنها «صقورية» عند رفع أسعار الفائدة، و«حمائمية» عند التحضير لخفضها.
لكن هناك بعض التحفظات على النتائج، إذ إن النموذج قد يبدو وكأنه يقدم استنتاجات بديهية، مثل أن الخطابات كانت «صقورية» أثناء رفع أسعار الفائدة و«حمائمية» أثناء خفضها، مما يثير تساؤلات حول القيمة المضافة للنموذج. رغم ذلك، يجب ألا نقلل من أهمية هذه التقنية.
فقد أثبت النموذج فعاليته في معالجة كميات كبيرة من النصوص بدقة مذهلة، ما يتيح لنا فهم الخطابات بسرعة واستخلاص المعلومات القيمة. ويمكن للبنوك المركزية أن تجعل خطاباتها معقدة وطويلة كما تشاء، لكن لدينا الآن أدوات يمكنها استخراج الإشارات المهمة من هذا السرد المطول.