المصدر - يعد «اليوم الوطني» السعودي من الأحداث التاريخية المهمة، فمنذ 93 عاماً في السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351 هـجرية، تم إعلان المملكة العربية السعودية، بعد توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، يرحمه الله.
لقد كان هذا اليوم بداية الانطلاق نحو بوادر التنمية التي كانت هي اللبنات الرئيسة لتطوير كيان الوطن، وبناء دولة عصرية، كوّنت مع مرور الأعوام نهضة شاملة في مختلف الميادين التنموية.
لذا يعد هذا اليوم الذي يصادف الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام ذكرى للماضي المجيد، وحاضراً مشرقاً حافلاً بالمزيد من الإنجازات الدالة على استمرارية النمو والتطور في مختلف مناطق المملكة، ما كان له أثر طيب في تطور الحياة المعيشية، يلمسه ويراه ويتمتع به كل من يوجد على أرض الوطن، فجاءت الحضارة المدنية الحديثة للمجتمع السعودي، التي لا تتعارض مع المبادئ والقيم والمثل والآداب الإسلامية.
ويعتبر «اليوم الوطني» فرصة مهمة لتأمل أعمال مؤسس هذا الكيان، يرحمه الله، الذي حافظ على تمسكه بقيمه الإسلامية، وتقاليده العربية العريقة، ولم يكن همّه إلا جمع شتات الأمة، وبسط أمنها وأمانها، حتى بنى دولة متماسكة وقوية، فوحّد البلاد من الشتات والتخلف والتناحر، وحولها إلى واحة أمن، وملأ القلوب بالحب والإخلاص لهذه البلاد.
وسار على النهج، القائم على سياسة الاعتدال والاتزان والحكمة وبعد النظر على الصعد كافة، أبناؤه الملوك الميامين: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، رحمهم الله.
وها هي المملكة السعودية تعيش اليوم - ولله الحمد - عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، الذي نذر نفسه لخدمة شعبه، وحرص على خدمة الإسلام والمسلمين، وتعميق الروابط الأخوية بين الدول الشقيقة ودول العالم الإسلامي، لكي تبقى المملكة نبراساً ونموذجاً لدولة عصرية ذات حضارة حقيقية، تجمع بين إنجازات تنموية ذات عمق وشموخ ــ من الأخذ بأساليب النمو والتطور المعاصر ــ والأصالة الحقيقية للمبادئ والقيم والآداب الإسلامية، التي تتحلى بها المملكة، ويشهد بها الكثير من الدول، ويحتفل السعوديون في هذا الموعد في كل عام من أجل المزيد من النمو والتطور لحاضر مشرق، يزيد المملكة قوة ويقيناً، ملتفين حول القيادة الرشيدة تحت راية التوحيد.
ولا شك أن المملكة ستظل دائماً وأبداً نموذجاً للعطاء الصادق لكل من يحتاج إلى الدعم والمساندة.
المملكة أصبحت دولة عصرية ذات نهضة شاملة
«بيت الحكم السعودي».. انتقال سلس للسلطــــة بلا عقبات
أثبتت السعودية أنها لم تواجه في تاريخها الحديث أي مشكلة في انتقال السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة، حيث إن ما يميزها أنها تأسست منذ عشرات العقود على أسس شرعية، لم تكن موجودة من قبل، ولم تقم على أنقاض دولة قائمة، ولم يكن السكان قبل ذلك تجمعهم دولة واحدة، وظهر كيان الدولة إلى الوجود منذ اليوم الأول على الاتفاق التاريخي بين الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود، وكان هدفه نصرة دعوة التوحيد، وتحكيم شرع الله، وتميزت بالولاية الشرعية، وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولم يكن للدستور حضور أو مكان في كيان الدولة، وكان القرآن الكريم والسنة دستورها الذي نظم حياة الدولة، وكان الحاكم يستمد سلطاته من الشريعة، في أحكامها الأساسية وفي أحكامها التفصيلية، مثله في ذلك مثل أي حاكم لدولة ذات دستور وقوانين، وكان يستمد ولايته من مبايعة الشعب له، ولم يكن «الحكم الثيوقراطي» هو السائد، لأن هذا النظام لا يتفق مع مفهوم الحكم في دولة يقوم حكمها على الشريعة الإسلامية، كما هي حال السعودية منذ قيامها، مروراً بأدوارها الثلاثة.
- لم يسجل التاريخ السعودي أن هناك مأزقاً سياسياً أو فراغاً دستورياً واجه عملية الاختيار، عكس ما صوره قلة محدودة من المراقبين في الأيام التي سبقت اختيار الملك الراحل عبدالله لولي عهده، حيث غاب عنهم المشهد في «ترتيب بيت الحكم السعودي» من خلال أوضاع مماثلة.
- شهدت السعودية، خلال عقود، نقلات في بنية ولايتها الشرعية وخصائص تكوينها، وصدرت عام 1926، في عهد الملك المؤسس، التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة، وتتمثل في أنظمة وقوانين ولوائح تعرف باسم الدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية.
- المعطيات تؤكد أن السعودية دولة عصرية، تستفيد من تجاربها، واستيعاب المتغيرات السياسية، في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه، ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.
وشهدت السعودية خلال عقود نقلات في بنية ولايتها الشرعية وخصائص تكوينها، وصدرت عام 1926 في عهد الملك المؤسس التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة، وهذه التعليمات تتمثل في أنظمة وقوانين ولوائح تعرف باسم الدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية، ما يعد أول نظام وضع لتنظيم الدولة: «المملكة دولة ملكية، شورية، إسلامية، مستقلة، إدارة الدولة بيد الملك، ومقيد بأحكام الشرع الإسلامي، وأحكام الدولة مطابقة لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح».
المرجعية العليا
وقبل أكثر من عقدين صدر النظام الأساسي للحكم، وتضمن تحديداً واضحاً للمرجعية العليا للدولة، وجاء فيه: «المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة يديرها الإسلام، ودستورها كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم». وهذا يعني أن «النظام الأساسي للحكم» ليس دستوراً بالمعنى القانوني والسياسي المعاصر، بل هو نظام أو قانون محكوم بغيره وهو الكتاب والسنة.
ولعل الهدف من وضع هذا النظام تحديد سلطة رئيس الدولة وتصرفاته بحدود حقوق الإنسان الأساسية، وأحكام الحقوق المعلنة للقضاء على السلطة المطلقة، في حين نصت المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم، الذي صدر في عهد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، على أن: «يبايع (الأصلح) من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأبناء الأبناء، للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله»، ومع أن هذه المادة صدرت في عهد خامس ملوك الدولة السعودية الحديثة، إلا أن مضمونها كان مطبقاً بشكل عملي منذ الملوك السابقين له، ومنذ بداية الدولة السعودية الثالثة.
لا إشكاليات
وتمثل ذلك في أوضاع عدة، من ذلك أن عملية الاختيار لولاية العهد في السعودية، بعد رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، لم تكن مفاجئة للمراقبين والمهتمين بالشأن السعودي، وقبل ذلك أفراد الأسرة الحاكمة وأبناء الشعب السعودي، انطلاقاً من أن إشغال هذا المنصب لم يواجه أي إشكاليات، ولم يسجل التاريخ السعودي أن هناك مأزقاً سياسياً أو فراغاً دستورياً واجه عملية الاختيار، عكس ما صوره قلة محدودة من المراقبين في الأيام التي سبقت اختيار الملك الراحل عبدالله لولي عهده، حيث غاب عنهم المشهد في «ترتيب بيت الحكم السعودي» من خلال أوضاع مماثلة.
وأعاد المغفور له، بإذن الله، عبدالله بن عبدالعزيز، باختياره الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، خلفاً للأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز، المضمون ذاته في مسألة اختيار ولاية العهد، الذي كان مطبقاً بشكل عملي منذ بداية الدولة السعودية الحديثة (الثالثة)، فقد اختار الملك فيصل الأمير خالد ولياً للعهد، مع وجود من هو أكبر منه سناً، وهو الأمير محمد بن عبدالعزيز، وفي الظرف ذاته جاء اختيار الملك خالد، بعد توليه الحكم، للأمير فهد لولاية العهد، على الرغم من أنه يوجد اثنان من إخوانه، هما الأميران ناصر وسعد ابنا الملك عبدالعزيز، أكبر منه سناً، وعقب تولي المغفور له، بإذن الله، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خلفاً للملك فهد، اختار الأمير سلطان لولاية العهد، مع وجود ثلاثة من أبناء الملك المؤسس أسن منه، وهم الأمراء: بندر ومساعد ومشعل، وعقب رحيل الأمير سلطان اختار الملك المغفور له، بإذن الله، عبدالله بن عبدالعزيز الأمير نايف لولاية العهد، على الرغم من وجود ستة من أبناء الملك المؤسس أكبر منه سناً، وهم الأمراء: عبدالرحمن، ومتعب، وطلال، وبدر، وتركي، ونواف، وهو ما يعني أن عملية اختيار الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد تمت بسلاسة، وفي الظروف الطبيعية ذاتها، انطلاقاً من التوجه ذاته لدى الأسرة الحاكمة، وفقاً للنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام هيئة البيعة.
وأقر الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، للمرة الأولى، منصب ولي ولي العهد باختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز لهذا المنصب، عندما كان الملك سلمان ولياً للعهد، ثم انتقل هذا المنصب إلى الأمير محمد بن نايف، ثم إلى الأمير محمد بن سلمان، الذي تمت مبايعته لاحقاً ولياً للعهد.
وسجل للملك سلمان، بعد تقلده مقاليد السلطة في بلاده، بعد وفاة الملك عبدالله، إقراره للمرة الأولى مع هيئة البيعة باختيار منصبي ولي العهد وولي ولي العهد للأحفاد من أبناء الملك المؤسس، من خلال تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، بعد إعفاء الأمير مقرن من هذا المنصب، بناءً على طلبه، وتعيين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، الذي تمت مبايعته لاحقاً ولياً للعهد، وهذا يندرج ضمن مسألة انتقال وتعيين سلس للسلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة، وجاءت هذه المعطيات لتؤكد أن السعودية دولة عصرية، تستفيد من تجاربها واستيعاب المتغيرات السياسية، في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه، ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في مختلف المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.
لقد كان هذا اليوم بداية الانطلاق نحو بوادر التنمية التي كانت هي اللبنات الرئيسة لتطوير كيان الوطن، وبناء دولة عصرية، كوّنت مع مرور الأعوام نهضة شاملة في مختلف الميادين التنموية.
لذا يعد هذا اليوم الذي يصادف الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام ذكرى للماضي المجيد، وحاضراً مشرقاً حافلاً بالمزيد من الإنجازات الدالة على استمرارية النمو والتطور في مختلف مناطق المملكة، ما كان له أثر طيب في تطور الحياة المعيشية، يلمسه ويراه ويتمتع به كل من يوجد على أرض الوطن، فجاءت الحضارة المدنية الحديثة للمجتمع السعودي، التي لا تتعارض مع المبادئ والقيم والمثل والآداب الإسلامية.
ويعتبر «اليوم الوطني» فرصة مهمة لتأمل أعمال مؤسس هذا الكيان، يرحمه الله، الذي حافظ على تمسكه بقيمه الإسلامية، وتقاليده العربية العريقة، ولم يكن همّه إلا جمع شتات الأمة، وبسط أمنها وأمانها، حتى بنى دولة متماسكة وقوية، فوحّد البلاد من الشتات والتخلف والتناحر، وحولها إلى واحة أمن، وملأ القلوب بالحب والإخلاص لهذه البلاد.
وسار على النهج، القائم على سياسة الاعتدال والاتزان والحكمة وبعد النظر على الصعد كافة، أبناؤه الملوك الميامين: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، رحمهم الله.
وها هي المملكة السعودية تعيش اليوم - ولله الحمد - عهد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، الذي نذر نفسه لخدمة شعبه، وحرص على خدمة الإسلام والمسلمين، وتعميق الروابط الأخوية بين الدول الشقيقة ودول العالم الإسلامي، لكي تبقى المملكة نبراساً ونموذجاً لدولة عصرية ذات حضارة حقيقية، تجمع بين إنجازات تنموية ذات عمق وشموخ ــ من الأخذ بأساليب النمو والتطور المعاصر ــ والأصالة الحقيقية للمبادئ والقيم والآداب الإسلامية، التي تتحلى بها المملكة، ويشهد بها الكثير من الدول، ويحتفل السعوديون في هذا الموعد في كل عام من أجل المزيد من النمو والتطور لحاضر مشرق، يزيد المملكة قوة ويقيناً، ملتفين حول القيادة الرشيدة تحت راية التوحيد.
ولا شك أن المملكة ستظل دائماً وأبداً نموذجاً للعطاء الصادق لكل من يحتاج إلى الدعم والمساندة.
المملكة أصبحت دولة عصرية ذات نهضة شاملة
«بيت الحكم السعودي».. انتقال سلس للسلطــــة بلا عقبات
أثبتت السعودية أنها لم تواجه في تاريخها الحديث أي مشكلة في انتقال السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة، حيث إن ما يميزها أنها تأسست منذ عشرات العقود على أسس شرعية، لم تكن موجودة من قبل، ولم تقم على أنقاض دولة قائمة، ولم يكن السكان قبل ذلك تجمعهم دولة واحدة، وظهر كيان الدولة إلى الوجود منذ اليوم الأول على الاتفاق التاريخي بين الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب والإمام محمد بن سعود، وكان هدفه نصرة دعوة التوحيد، وتحكيم شرع الله، وتميزت بالولاية الشرعية، وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولم يكن للدستور حضور أو مكان في كيان الدولة، وكان القرآن الكريم والسنة دستورها الذي نظم حياة الدولة، وكان الحاكم يستمد سلطاته من الشريعة، في أحكامها الأساسية وفي أحكامها التفصيلية، مثله في ذلك مثل أي حاكم لدولة ذات دستور وقوانين، وكان يستمد ولايته من مبايعة الشعب له، ولم يكن «الحكم الثيوقراطي» هو السائد، لأن هذا النظام لا يتفق مع مفهوم الحكم في دولة يقوم حكمها على الشريعة الإسلامية، كما هي حال السعودية منذ قيامها، مروراً بأدوارها الثلاثة.
- لم يسجل التاريخ السعودي أن هناك مأزقاً سياسياً أو فراغاً دستورياً واجه عملية الاختيار، عكس ما صوره قلة محدودة من المراقبين في الأيام التي سبقت اختيار الملك الراحل عبدالله لولي عهده، حيث غاب عنهم المشهد في «ترتيب بيت الحكم السعودي» من خلال أوضاع مماثلة.
- شهدت السعودية، خلال عقود، نقلات في بنية ولايتها الشرعية وخصائص تكوينها، وصدرت عام 1926، في عهد الملك المؤسس، التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة، وتتمثل في أنظمة وقوانين ولوائح تعرف باسم الدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية.
- المعطيات تؤكد أن السعودية دولة عصرية، تستفيد من تجاربها، واستيعاب المتغيرات السياسية، في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه، ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.
وشهدت السعودية خلال عقود نقلات في بنية ولايتها الشرعية وخصائص تكوينها، وصدرت عام 1926 في عهد الملك المؤسس التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة، وهذه التعليمات تتمثل في أنظمة وقوانين ولوائح تعرف باسم الدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية، ما يعد أول نظام وضع لتنظيم الدولة: «المملكة دولة ملكية، شورية، إسلامية، مستقلة، إدارة الدولة بيد الملك، ومقيد بأحكام الشرع الإسلامي، وأحكام الدولة مطابقة لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح».
المرجعية العليا
وقبل أكثر من عقدين صدر النظام الأساسي للحكم، وتضمن تحديداً واضحاً للمرجعية العليا للدولة، وجاء فيه: «المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة يديرها الإسلام، ودستورها كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم». وهذا يعني أن «النظام الأساسي للحكم» ليس دستوراً بالمعنى القانوني والسياسي المعاصر، بل هو نظام أو قانون محكوم بغيره وهو الكتاب والسنة.
ولعل الهدف من وضع هذا النظام تحديد سلطة رئيس الدولة وتصرفاته بحدود حقوق الإنسان الأساسية، وأحكام الحقوق المعلنة للقضاء على السلطة المطلقة، في حين نصت المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم، الذي صدر في عهد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، على أن: «يبايع (الأصلح) من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأبناء الأبناء، للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله»، ومع أن هذه المادة صدرت في عهد خامس ملوك الدولة السعودية الحديثة، إلا أن مضمونها كان مطبقاً بشكل عملي منذ الملوك السابقين له، ومنذ بداية الدولة السعودية الثالثة.
لا إشكاليات
وتمثل ذلك في أوضاع عدة، من ذلك أن عملية الاختيار لولاية العهد في السعودية، بعد رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز، لم تكن مفاجئة للمراقبين والمهتمين بالشأن السعودي، وقبل ذلك أفراد الأسرة الحاكمة وأبناء الشعب السعودي، انطلاقاً من أن إشغال هذا المنصب لم يواجه أي إشكاليات، ولم يسجل التاريخ السعودي أن هناك مأزقاً سياسياً أو فراغاً دستورياً واجه عملية الاختيار، عكس ما صوره قلة محدودة من المراقبين في الأيام التي سبقت اختيار الملك الراحل عبدالله لولي عهده، حيث غاب عنهم المشهد في «ترتيب بيت الحكم السعودي» من خلال أوضاع مماثلة.
وأعاد المغفور له، بإذن الله، عبدالله بن عبدالعزيز، باختياره الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، خلفاً للأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز، المضمون ذاته في مسألة اختيار ولاية العهد، الذي كان مطبقاً بشكل عملي منذ بداية الدولة السعودية الحديثة (الثالثة)، فقد اختار الملك فيصل الأمير خالد ولياً للعهد، مع وجود من هو أكبر منه سناً، وهو الأمير محمد بن عبدالعزيز، وفي الظرف ذاته جاء اختيار الملك خالد، بعد توليه الحكم، للأمير فهد لولاية العهد، على الرغم من أنه يوجد اثنان من إخوانه، هما الأميران ناصر وسعد ابنا الملك عبدالعزيز، أكبر منه سناً، وعقب تولي المغفور له، بإذن الله، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خلفاً للملك فهد، اختار الأمير سلطان لولاية العهد، مع وجود ثلاثة من أبناء الملك المؤسس أسن منه، وهم الأمراء: بندر ومساعد ومشعل، وعقب رحيل الأمير سلطان اختار الملك المغفور له، بإذن الله، عبدالله بن عبدالعزيز الأمير نايف لولاية العهد، على الرغم من وجود ستة من أبناء الملك المؤسس أكبر منه سناً، وهم الأمراء: عبدالرحمن، ومتعب، وطلال، وبدر، وتركي، ونواف، وهو ما يعني أن عملية اختيار الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد تمت بسلاسة، وفي الظروف الطبيعية ذاتها، انطلاقاً من التوجه ذاته لدى الأسرة الحاكمة، وفقاً للنظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام هيئة البيعة.
وأقر الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، للمرة الأولى، منصب ولي ولي العهد باختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز لهذا المنصب، عندما كان الملك سلمان ولياً للعهد، ثم انتقل هذا المنصب إلى الأمير محمد بن نايف، ثم إلى الأمير محمد بن سلمان، الذي تمت مبايعته لاحقاً ولياً للعهد.
وسجل للملك سلمان، بعد تقلده مقاليد السلطة في بلاده، بعد وفاة الملك عبدالله، إقراره للمرة الأولى مع هيئة البيعة باختيار منصبي ولي العهد وولي ولي العهد للأحفاد من أبناء الملك المؤسس، من خلال تعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، بعد إعفاء الأمير مقرن من هذا المنصب، بناءً على طلبه، وتعيين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، الذي تمت مبايعته لاحقاً ولياً للعهد، وهذا يندرج ضمن مسألة انتقال وتعيين سلس للسلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة، وجاءت هذه المعطيات لتؤكد أن السعودية دولة عصرية، تستفيد من تجاربها واستيعاب المتغيرات السياسية، في إطار التواصل مع كل ما تم إنجازه، ليتواكب ذلك كله مع ما تعيشه البلاد من ازدهار في مختلف المجالات الاجتماعية والدستورية المتعلقة بمسؤولية التطبيق في إطار النظام الأساسي للحكم.