تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد أعطى زخماً للإبداع... والنتائج عكست حجم التفاؤل
المصدر - لم يعد تبنّي العلوم والتقنية والابتكار مجرد خيار للحكومات والمجتمعات؛ بل بات أولوية تنموية وضرورة أمنية. وتمضي السعودية في تحفيز هذا القطاع وتحقيق مستهدفات البحث والتطوير والابتكار، من خلال بعثات ومهمات كبرى في إطار أولويات وطنية كشفت عنها في يونيو (حزيران) من العام الماضي، وتركز على خلق بيئة موائمة للابتكار، واستقطاب أفضل العقول من داخل البلاد وخارجها، لتنويع اقتصادها الوطني، وخدمة الأغراض العلمية والتقنية، ومجالات المستقبل، ونفع البشرية.
ومنذ ذلك الوقت، يقطع فريق تأسيس هيئة الابتكار في السعودية أشواطاً لصنع نواة القطاع، وتلتئم تحت سقفها الاجتماعات، وتبنى الشراكات، وتتبلور الأفكار، لإطلاق مرحلة جديدة لقطاع الابتكار والبحث الذي تشكلت ملامحه منتصف العام الماضي، بإعلان الأمير محمد بن سلمان الأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار، وتدشين عهد جديد يراهن على عبقرية الابتكار وجودة الأفكار.
وبدأت بواكير الطموح السعودي في قطاع الابتكار في الظهور، عندما تقدمت السعودية في عام 2022 خمس عشرة مرتبة في مؤشر الابتكار العالمي دفعة واحدة، وأضحى حصد الجوائز والمراتب المتقدمة لعقول وكوادر سعودية عادة لمواهب وطلاب المدارس، بينما يترقب القطاع الخاص أن يشارك بقوة في المجال، ويدخل مضمار المنافسة، بعد أن رصد تقرير صدر مؤخراً أكثر 10 شركات ابتكاراً في السعودية ومنافسة عالمياً، وألقى الضوء على الفرص الواعدة لها في هذا المجال.
2.5 في المائة من الناتج المحلي لدعم الابتكار التزمت السعودية بإنفاق 2.5 في المائة من إنتاجها المحلي على قطاع الابتكار بحلول عام 2040، وذلك لخلق بيئة موائمة للابتكار، واستقطاب أفضل العقول لخدمة البشرية، وتنويع الاقتصاد السعودي.
جاء ذلك مع إعلان الأمير محمد بن سلمان عن التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في السعودية خلال العقدين المقبلين، وتستند على 4 أولويات، هي: صحة الإنسان، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصاديات المستقبل.
وتسعى السعودية إلى أن تصبح من رواد الابتكار في العالم، وإسهام القطاع في تنمية وتنويع الاقتصاد السعودي، من خلال إضافة 60 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2040، واستحداث آلاف الوظائف النوعية عالية القيمة في العلوم والتقنية والابتكار.
وبعد أقل من عام من إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار، عن التطلُّعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار؛ قفزت المملكة 15 مرتبة في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO).
وطبقاً لتقرير نشرته مجلة «فوربس»، اعتبرت السعودية إحدى أسرع الدول تحولاً على مستوى العالم، نتيجة العمل على تنويع اقتصاداتها، بالدخول في قطاعات جديدة أسهمت في تطوير منظومة الابتكار الوطنية خلال العقد الماضي.
14.5 مليار أنفقت على البحث في 2021
عكست أحدث الأرقام بشأن الإنفاق على البحث والتطوير تحولاً في مشهد بيئة الابتكار في السعودية، وتسارعاً في نمو القطاع؛ إذ بلغ إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير 14.5 مليار ريال سعودي، بينما بلغت أعداد المشتغلين في هذا المجال 30 ألفاً و220 مشتغلاً، وبلغ عدد الباحثين 24 ألفاً و808 باحثين، خلال عام 2021.
وأظهرت نتائج التقرير الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء في فبراير (شباط) الماضي، تقدم القطاع الحكومي على القطاعات الأخرى في الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 50 في المائة من إجمالي الإنفاق، يليه القطاع الخاص بنسبة 35 في المائة، أما على مستوى قطاع التعليم فقد بلغت نسبة الإنفاق 15 في المائة.
وأفاد التقرير بأن عدد المشتغلين في القطاع التعليمي حقق النسبة الأكبر في مجال البحث والتطوير؛ حيث بلغت نسبة المشتغلين 83 في المائة، بواقع 25 ألفاً و178 مشتغلاً. أما على مستوى القطاع الحكومي فقد بلغت أعداد المشتغلين ألفين و967 مشتغلاً، بنسبة 10 في المائة من إجمالي عدد المشتغلين في مجال البحث والتطوير. وجاء القطاع الخاص في المرتبة الأخيرة من حيث نسبة أعداد المشتغلين في مجال البحث والتطوير، بواقع ألفين و75 مشتغلاً، بنسبة 7 في المائة، خلال عام 2021.
50 في المائة من المنشآت تنقصها الخبرة الابتكارية
أجرت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) استطلاعاً لما يقرب من 500 منشأة صغيرة ومتوسطة، لتحديد احتياجاتها في مجال البحث العلمي والابتكار، وكشفت نتائج الاستطلاع أن ما يقرب من نصف المنشآت المشاركة يواجه نقصاً في الخبرة والمعرفة بشأن الابتكار، واعتبرت ذلك أكبر تحدٍّ أمام الاستفادة من إمكانات النظام البيئي للابتكار، والتغلب على المعوقات التي تعترض طريقها في الوصول إلى أسواق جديدة، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تعزيز النمو الاقتصادي السعودي.
في المقابل، صممت «كاوست» برامج متخصصة لخدمة المنشآت، وتدريباً للتطوير المهني في مجالات مختلفة، مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والنمذجة الأولية، وإتاحة الفرصة للاستفادة من المختبرات والمرافق المتطورة في «كاوست»، ودعم تبنيها الابتكار لتحقيق الاستدامة والنمو، ودعم نمو نصف مليون منشأة صغيرة ومتوسطة تعمل في 25 صناعة من قطاعات مختلفة، ودعم الاقتصاد الوطني كأحد أهم أهداف «رؤية 2030»، ورفع مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي، من 20 في المائة إلى 35 في المائة. وقد أطلقت وزارة الاستثمار السعودية، وشركة صندوق الصناديق «جدا» المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، منصة «Catalyse» السعودية لتحفيز قطاع الابتكار والشركات الناشئة، بهدف تنويع الاقتصاد، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية.
الابتكار لدعم الاستدامة
الحال بخلاف ذلك مع كبرى الشركات السعودية التي كانت لاعباً رئيسياً في تقدم السعودية على مؤشر الابتكار العالمي، بفضل القفزة التي حققتها على مستوى براءات الاختراع، وتعزيز جهودها في البحث والابتكار؛ حسب القطاعات التي تعمل من خلالها.
وجاء على رأسها شركة «أرامكو السعودية» التي كان مجموع ما حصلت عليه من براءات الاختراع منذ تأسيسها في 1933 حتى 2010، نحو 100 براءة اختراع. وفي عام 2021 فقط حصلت الشركة على 864 براءة اختراع من المكتب الأميركي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، لتصل بذلك للمرتبة الأولى في قطاع النفط والغاز على مستوى العالم، وتدخل قائمة أفضل 50 شركة وجامعة حصلت على براءات اختراع هذا العام. وفي العام التالي 2022، عززت الشركة جهودها في البحث والابتكار، مع ارتفاع عدد براءات الاختراع إلى 963 براءة.
واستعرض تقرير لـ«فوربس الشرق الأوسط» صدر في مارس (آذار) الماضي، أكثر 10 شركات ابتكاراً في السعودية في كل قطاع من القطاعات الأربعة للأولويات الوطنية في السعودية، بما مجموعه 40 شركة؛ وشملت القائمة: «أرامكو»، و«سابك»، و«نيوم»، و«stc»، و«معادن»، و«المراعي»، و«مصرف الراجحي»، و«مجموعة الحبيب الطبية»، و«أكوا باور»، و«البنك الأهلي».
وصبّت السعودية تركيزها ضمن جهود الابتكار على الاستدامة؛ إذ أعلنت التزامها بزيادة نسبة توليد الطاقة من مصادر متجددة للوصول إلى نسبة 50 في المائة بحلول عام 2030، تمهيداً لتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2060. وفي النطاق ذاته، دخلت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (SWCC) موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، بتحقيق رقمٍ قياسي جديد، كونها محطة تحلية المياه الأقل استهلاكاً للطاقة في العالم، بمعدل 2.27 كيلوواط/ ساعة، لكل متر مكعب من المياه المحلاة.
أهلية الأنظمة والتشريعات في دعم الابتكار أظهر آخر مسح أجرته الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، حول الابتكار المؤسسي، صدر عام 2018، تردداً في حسم مساهمة الأنظمة في دعم الابتكار للمنشآت؛ حيث بلغت نسبة مساعدة الأنظمة أقل من 50 في المائة في دعم الابتكار، ونسبة ما بين 21 إلى 27 في المائة لم تساهم في التوجه نحو الابتكار.
وتتولى أنظمة «سياسة المنافسة»، و «نظام حقوق الملكية الفكرية»، و«الدعم الحكومي» المسؤولية عن خلق بيئة موائمة للابتكار، وتعزيز جهود التوجه نحو الابتكار، وتأهيل الأرضية المناسبة لتحقيق التطلعات الوطنية للابتكار، في حين يأمل خبراء ومستشارون في المجال، أن يسهم إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي ستعمل بوصفها ممكِّنة ومشرِّعة ومنظِّمة للقطاع، في إطلاق مرحلة جديدة وتسهيل مهمة تطوير القطاع.
وقال الدكتور محمد الشريف، المهتم بقطاع البحث والابتكار، إن وجود تشريعات وتنظيمات ملائمة لتدعيم حالة قطاع الابتكار السعودي وتعزيزه، خطوة ضرورية لخلق البيئة الغنية، وتشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية، واستقطاب أصحاب المهارات والخبرات المميزة، وتعزيز حضور ودور المنشآت المتوسطة والصغيرة، والتكامل بين أطراف المنظومة الابتكارية، ومنها القطاعان العام والخاص، والجامعات، ومراكز الابتكار بكافة أشكاله.
واستشهد الشريف بإطلاق البنك المركزي السعودي، البيئة التشريعية التجريبية للتقنيات المالية، وقال: «كان لهذه الخطوة أثر فعّال في بناء بيئة ملائمة لاختبار التقنيات الحديثة في القطاع المالي، وساعدت هذه البيئة بمزاياها في اختبار الفرص التقنية الواعدة والتخفيف من المخاطر على العملاء، في تشجيع رواد الأعمال على تسجيل شركات متلاحقة في هذا المجال، بفضل هذه البيئة التشريعية التجريبية، وهذا يعكس الفرص المفتوحة لابتكار الخدمات والحلول النوعية في مختلف المجالات»؛ مشيراً إلى أن «النضج في التشريعات وملاءمتها للقطاع سينعكس على نمو القطاع وتعزيز مستهدفاته، وتحقيق نتائج إيجابية في وقت قياسي»، مؤكداً أن إنفاق السعودية على قطاع الابتكار سيشكل حافزاً مهماً لتنشيط القطاع بمختلف مستوياته، وتمكينه من المساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يتماشى مع ركائز «رؤية 2030» لخلق ازدهار مقاصد الدورة الاقتصادية السعودية وتحريكها.
المستقبل السعودي الواعد للابتكار
في يونيو من عام 2022، قررت السعودية إعادة هيكلة قطاع البحث والتطوير والابتكار، وتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للإشراف على القطاع، وتحديد الأولويات والتطلعات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في المملكة، وإنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي بدأت العمل بوصفها ممكِّنة ومشرِّعة ومنظِّمة للقطاع.
انقضى عام كامل من إطلاق مرحلة جديدة ملؤها التفاؤل والطموح لدى المشتغلين في هذا القطاع الحيوي، وضعت الإنسان وإعمار الأرض وجودة الحياة على قائمة الأولويات بوصلةً لكل المبتكرين على مستوى العالم، لإيجاد حلول مبتكرة للقضايا المُلحَّة التي تهم الإنسان وتحمي الكوكب وتبني مستقبل الحياة.
وحظيت مفردة «الابتكار» بتداول واسع الآونة الأخيرة، وأطلقت عدداً من جوائز الابتكار والحلول الفائقة في عدد من القطاعات، كان آخرها جائزة للابتكار في التعليم والتدريب الإلكتروني، ثم جائزة الصناعات العسكرية التي ستكون ركيزة أساسية في تعزيز ثقافة الابتكار، ودعم ابتكارات الموهوبين للإسهام في تطوير الصناعات العسكرية.
وتعوِّل السعودية على زيادة مستوى توظيف الاتجاهات الابتكارية في عدد من القطاعات، لرفع كفاءة الخدمات، وخفض مستويات الإنفاق غير الضروري، من خلال الاعتماد على قوة الحلول الابتكارية، والانخراط في صناعات التفكير المعاصر والتقنيات الحديثة المتطورة. وقال المهندس عبد الواحد الغانم، رئيس الرابطة السعودية لمعهد الابتكار العالمي، إن رهان السعودية على قطاع البحث والتطوير والابتكار ماضٍ في أهدافه، وزاد زخماً بإطلاق هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي أنشئت في يونيو من العام الماضي، والتي تواظب على عقد اجتماعات مكثفة ومستمرة لوضع نواة هذا القطاع، ومنه تزدهر المشروعات والأعمال، وإطلاق برامج وطنية طموحة تصب في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، وتلبية حاجتها إلى مجتمع مؤهل بالعلم والمعرفة.
وقال مستشارون في قطاع الابتكار والبحث والتطوير والمجالات التقنية المتقدمة، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن التقدم في المؤشرات الدولية عكس مستوى الطموح الذي تسعى إليه السعودية، وما توليه من اهتمام في مجال الابتكار، ودعم التوجه والوصول إلى اقتصاد قائم على التنوع، والرهان على المجالات الواعدة، مشيرين إلى أن السعودية مؤهلة لقيادة الموجة المقبلة في قطاع البحث والابتكار في الوطن العربي والشرق الأوسط، وأن الأولويات وضعت القطاع على الطريق نحو المستقبل، بانتظار أن يكشف عن الاستراتيجية الوطنية التي تتناول تفاصيل الخطوات وآلياتها التنفيذية، بوصفها جهداً مشتركاً بين مختلف القطاعات.
لم تتوقف المبادرات السعودية لتعزيز بيئة قطاع الابتكار، كان آخرها الكشف عن خُطط لإطلاق مركز «عِلمي» لاكتشاف العلوم والابتكار، المُزمع افتتاحه في 2025، ليكون مركزاً غير ربحي في مدينة محمد بن سلمان غير الربحية بالرياض، في مبادرة طموحة لتمكين وإلهام الجيل القادم من المفكرين والمبتكرين في السعودية، ودعم الآفاق التعليمية للأجيال الواعدة، وتوفير منظومة جديدة ومبتكرة تتجاوز الأُطر التقليدية. وقالت الأميرة سارة بنت مشهور بن عبد العزيز، رئيسة مجلس إدارة «عِلمي» إن المركز يأتي لاكتشاف العلوم والابتكار، ويكون حاضنة وطنية ومنارة للمعرفة والإبداع للجيل السعودي الواعد، يُغذي شغف المعرفة بالعلوم والتقنية، وتمكين الجيل القادم من المفكرين والمبتكرين لتلبية تطلعات المستقبل.
ومنذ ذلك الوقت، يقطع فريق تأسيس هيئة الابتكار في السعودية أشواطاً لصنع نواة القطاع، وتلتئم تحت سقفها الاجتماعات، وتبنى الشراكات، وتتبلور الأفكار، لإطلاق مرحلة جديدة لقطاع الابتكار والبحث الذي تشكلت ملامحه منتصف العام الماضي، بإعلان الأمير محمد بن سلمان الأولويات الوطنية لقطاع البحث والتطوير والابتكار، وتدشين عهد جديد يراهن على عبقرية الابتكار وجودة الأفكار.
وبدأت بواكير الطموح السعودي في قطاع الابتكار في الظهور، عندما تقدمت السعودية في عام 2022 خمس عشرة مرتبة في مؤشر الابتكار العالمي دفعة واحدة، وأضحى حصد الجوائز والمراتب المتقدمة لعقول وكوادر سعودية عادة لمواهب وطلاب المدارس، بينما يترقب القطاع الخاص أن يشارك بقوة في المجال، ويدخل مضمار المنافسة، بعد أن رصد تقرير صدر مؤخراً أكثر 10 شركات ابتكاراً في السعودية ومنافسة عالمياً، وألقى الضوء على الفرص الواعدة لها في هذا المجال.
2.5 في المائة من الناتج المحلي لدعم الابتكار التزمت السعودية بإنفاق 2.5 في المائة من إنتاجها المحلي على قطاع الابتكار بحلول عام 2040، وذلك لخلق بيئة موائمة للابتكار، واستقطاب أفضل العقول لخدمة البشرية، وتنويع الاقتصاد السعودي.
جاء ذلك مع إعلان الأمير محمد بن سلمان عن التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في السعودية خلال العقدين المقبلين، وتستند على 4 أولويات، هي: صحة الإنسان، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصاديات المستقبل.
وتسعى السعودية إلى أن تصبح من رواد الابتكار في العالم، وإسهام القطاع في تنمية وتنويع الاقتصاد السعودي، من خلال إضافة 60 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2040، واستحداث آلاف الوظائف النوعية عالية القيمة في العلوم والتقنية والابتكار.
وبعد أقل من عام من إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار، عن التطلُّعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار؛ قفزت المملكة 15 مرتبة في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO).
وطبقاً لتقرير نشرته مجلة «فوربس»، اعتبرت السعودية إحدى أسرع الدول تحولاً على مستوى العالم، نتيجة العمل على تنويع اقتصاداتها، بالدخول في قطاعات جديدة أسهمت في تطوير منظومة الابتكار الوطنية خلال العقد الماضي.
14.5 مليار أنفقت على البحث في 2021
عكست أحدث الأرقام بشأن الإنفاق على البحث والتطوير تحولاً في مشهد بيئة الابتكار في السعودية، وتسارعاً في نمو القطاع؛ إذ بلغ إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير 14.5 مليار ريال سعودي، بينما بلغت أعداد المشتغلين في هذا المجال 30 ألفاً و220 مشتغلاً، وبلغ عدد الباحثين 24 ألفاً و808 باحثين، خلال عام 2021.
وأظهرت نتائج التقرير الذي أصدرته الهيئة العامة للإحصاء في فبراير (شباط) الماضي، تقدم القطاع الحكومي على القطاعات الأخرى في الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 50 في المائة من إجمالي الإنفاق، يليه القطاع الخاص بنسبة 35 في المائة، أما على مستوى قطاع التعليم فقد بلغت نسبة الإنفاق 15 في المائة.
وأفاد التقرير بأن عدد المشتغلين في القطاع التعليمي حقق النسبة الأكبر في مجال البحث والتطوير؛ حيث بلغت نسبة المشتغلين 83 في المائة، بواقع 25 ألفاً و178 مشتغلاً. أما على مستوى القطاع الحكومي فقد بلغت أعداد المشتغلين ألفين و967 مشتغلاً، بنسبة 10 في المائة من إجمالي عدد المشتغلين في مجال البحث والتطوير. وجاء القطاع الخاص في المرتبة الأخيرة من حيث نسبة أعداد المشتغلين في مجال البحث والتطوير، بواقع ألفين و75 مشتغلاً، بنسبة 7 في المائة، خلال عام 2021.
50 في المائة من المنشآت تنقصها الخبرة الابتكارية
أجرت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) استطلاعاً لما يقرب من 500 منشأة صغيرة ومتوسطة، لتحديد احتياجاتها في مجال البحث العلمي والابتكار، وكشفت نتائج الاستطلاع أن ما يقرب من نصف المنشآت المشاركة يواجه نقصاً في الخبرة والمعرفة بشأن الابتكار، واعتبرت ذلك أكبر تحدٍّ أمام الاستفادة من إمكانات النظام البيئي للابتكار، والتغلب على المعوقات التي تعترض طريقها في الوصول إلى أسواق جديدة، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تعزيز النمو الاقتصادي السعودي.
في المقابل، صممت «كاوست» برامج متخصصة لخدمة المنشآت، وتدريباً للتطوير المهني في مجالات مختلفة، مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي والنمذجة الأولية، وإتاحة الفرصة للاستفادة من المختبرات والمرافق المتطورة في «كاوست»، ودعم تبنيها الابتكار لتحقيق الاستدامة والنمو، ودعم نمو نصف مليون منشأة صغيرة ومتوسطة تعمل في 25 صناعة من قطاعات مختلفة، ودعم الاقتصاد الوطني كأحد أهم أهداف «رؤية 2030»، ورفع مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي، من 20 في المائة إلى 35 في المائة. وقد أطلقت وزارة الاستثمار السعودية، وشركة صندوق الصناديق «جدا» المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، منصة «Catalyse» السعودية لتحفيز قطاع الابتكار والشركات الناشئة، بهدف تنويع الاقتصاد، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية.
الابتكار لدعم الاستدامة
الحال بخلاف ذلك مع كبرى الشركات السعودية التي كانت لاعباً رئيسياً في تقدم السعودية على مؤشر الابتكار العالمي، بفضل القفزة التي حققتها على مستوى براءات الاختراع، وتعزيز جهودها في البحث والابتكار؛ حسب القطاعات التي تعمل من خلالها.
وجاء على رأسها شركة «أرامكو السعودية» التي كان مجموع ما حصلت عليه من براءات الاختراع منذ تأسيسها في 1933 حتى 2010، نحو 100 براءة اختراع. وفي عام 2021 فقط حصلت الشركة على 864 براءة اختراع من المكتب الأميركي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، لتصل بذلك للمرتبة الأولى في قطاع النفط والغاز على مستوى العالم، وتدخل قائمة أفضل 50 شركة وجامعة حصلت على براءات اختراع هذا العام. وفي العام التالي 2022، عززت الشركة جهودها في البحث والابتكار، مع ارتفاع عدد براءات الاختراع إلى 963 براءة.
واستعرض تقرير لـ«فوربس الشرق الأوسط» صدر في مارس (آذار) الماضي، أكثر 10 شركات ابتكاراً في السعودية في كل قطاع من القطاعات الأربعة للأولويات الوطنية في السعودية، بما مجموعه 40 شركة؛ وشملت القائمة: «أرامكو»، و«سابك»، و«نيوم»، و«stc»، و«معادن»، و«المراعي»، و«مصرف الراجحي»، و«مجموعة الحبيب الطبية»، و«أكوا باور»، و«البنك الأهلي».
وصبّت السعودية تركيزها ضمن جهود الابتكار على الاستدامة؛ إذ أعلنت التزامها بزيادة نسبة توليد الطاقة من مصادر متجددة للوصول إلى نسبة 50 في المائة بحلول عام 2030، تمهيداً لتحقيق الحياد الصفري بحلول عام 2060. وفي النطاق ذاته، دخلت المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (SWCC) موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، بتحقيق رقمٍ قياسي جديد، كونها محطة تحلية المياه الأقل استهلاكاً للطاقة في العالم، بمعدل 2.27 كيلوواط/ ساعة، لكل متر مكعب من المياه المحلاة.
أهلية الأنظمة والتشريعات في دعم الابتكار أظهر آخر مسح أجرته الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، حول الابتكار المؤسسي، صدر عام 2018، تردداً في حسم مساهمة الأنظمة في دعم الابتكار للمنشآت؛ حيث بلغت نسبة مساعدة الأنظمة أقل من 50 في المائة في دعم الابتكار، ونسبة ما بين 21 إلى 27 في المائة لم تساهم في التوجه نحو الابتكار.
وتتولى أنظمة «سياسة المنافسة»، و «نظام حقوق الملكية الفكرية»، و«الدعم الحكومي» المسؤولية عن خلق بيئة موائمة للابتكار، وتعزيز جهود التوجه نحو الابتكار، وتأهيل الأرضية المناسبة لتحقيق التطلعات الوطنية للابتكار، في حين يأمل خبراء ومستشارون في المجال، أن يسهم إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي ستعمل بوصفها ممكِّنة ومشرِّعة ومنظِّمة للقطاع، في إطلاق مرحلة جديدة وتسهيل مهمة تطوير القطاع.
وقال الدكتور محمد الشريف، المهتم بقطاع البحث والابتكار، إن وجود تشريعات وتنظيمات ملائمة لتدعيم حالة قطاع الابتكار السعودي وتعزيزه، خطوة ضرورية لخلق البيئة الغنية، وتشجيع جذب الاستثمارات الأجنبية، واستقطاب أصحاب المهارات والخبرات المميزة، وتعزيز حضور ودور المنشآت المتوسطة والصغيرة، والتكامل بين أطراف المنظومة الابتكارية، ومنها القطاعان العام والخاص، والجامعات، ومراكز الابتكار بكافة أشكاله.
واستشهد الشريف بإطلاق البنك المركزي السعودي، البيئة التشريعية التجريبية للتقنيات المالية، وقال: «كان لهذه الخطوة أثر فعّال في بناء بيئة ملائمة لاختبار التقنيات الحديثة في القطاع المالي، وساعدت هذه البيئة بمزاياها في اختبار الفرص التقنية الواعدة والتخفيف من المخاطر على العملاء، في تشجيع رواد الأعمال على تسجيل شركات متلاحقة في هذا المجال، بفضل هذه البيئة التشريعية التجريبية، وهذا يعكس الفرص المفتوحة لابتكار الخدمات والحلول النوعية في مختلف المجالات»؛ مشيراً إلى أن «النضج في التشريعات وملاءمتها للقطاع سينعكس على نمو القطاع وتعزيز مستهدفاته، وتحقيق نتائج إيجابية في وقت قياسي»، مؤكداً أن إنفاق السعودية على قطاع الابتكار سيشكل حافزاً مهماً لتنشيط القطاع بمختلف مستوياته، وتمكينه من المساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني، الأمر الذي يتماشى مع ركائز «رؤية 2030» لخلق ازدهار مقاصد الدورة الاقتصادية السعودية وتحريكها.
المستقبل السعودي الواعد للابتكار
في يونيو من عام 2022، قررت السعودية إعادة هيكلة قطاع البحث والتطوير والابتكار، وتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للإشراف على القطاع، وتحديد الأولويات والتطلعات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في المملكة، وإنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي بدأت العمل بوصفها ممكِّنة ومشرِّعة ومنظِّمة للقطاع.
انقضى عام كامل من إطلاق مرحلة جديدة ملؤها التفاؤل والطموح لدى المشتغلين في هذا القطاع الحيوي، وضعت الإنسان وإعمار الأرض وجودة الحياة على قائمة الأولويات بوصلةً لكل المبتكرين على مستوى العالم، لإيجاد حلول مبتكرة للقضايا المُلحَّة التي تهم الإنسان وتحمي الكوكب وتبني مستقبل الحياة.
وحظيت مفردة «الابتكار» بتداول واسع الآونة الأخيرة، وأطلقت عدداً من جوائز الابتكار والحلول الفائقة في عدد من القطاعات، كان آخرها جائزة للابتكار في التعليم والتدريب الإلكتروني، ثم جائزة الصناعات العسكرية التي ستكون ركيزة أساسية في تعزيز ثقافة الابتكار، ودعم ابتكارات الموهوبين للإسهام في تطوير الصناعات العسكرية.
وتعوِّل السعودية على زيادة مستوى توظيف الاتجاهات الابتكارية في عدد من القطاعات، لرفع كفاءة الخدمات، وخفض مستويات الإنفاق غير الضروري، من خلال الاعتماد على قوة الحلول الابتكارية، والانخراط في صناعات التفكير المعاصر والتقنيات الحديثة المتطورة. وقال المهندس عبد الواحد الغانم، رئيس الرابطة السعودية لمعهد الابتكار العالمي، إن رهان السعودية على قطاع البحث والتطوير والابتكار ماضٍ في أهدافه، وزاد زخماً بإطلاق هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار التي أنشئت في يونيو من العام الماضي، والتي تواظب على عقد اجتماعات مكثفة ومستمرة لوضع نواة هذا القطاع، ومنه تزدهر المشروعات والأعمال، وإطلاق برامج وطنية طموحة تصب في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، وتلبية حاجتها إلى مجتمع مؤهل بالعلم والمعرفة.
وقال مستشارون في قطاع الابتكار والبحث والتطوير والمجالات التقنية المتقدمة، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن التقدم في المؤشرات الدولية عكس مستوى الطموح الذي تسعى إليه السعودية، وما توليه من اهتمام في مجال الابتكار، ودعم التوجه والوصول إلى اقتصاد قائم على التنوع، والرهان على المجالات الواعدة، مشيرين إلى أن السعودية مؤهلة لقيادة الموجة المقبلة في قطاع البحث والابتكار في الوطن العربي والشرق الأوسط، وأن الأولويات وضعت القطاع على الطريق نحو المستقبل، بانتظار أن يكشف عن الاستراتيجية الوطنية التي تتناول تفاصيل الخطوات وآلياتها التنفيذية، بوصفها جهداً مشتركاً بين مختلف القطاعات.
لم تتوقف المبادرات السعودية لتعزيز بيئة قطاع الابتكار، كان آخرها الكشف عن خُطط لإطلاق مركز «عِلمي» لاكتشاف العلوم والابتكار، المُزمع افتتاحه في 2025، ليكون مركزاً غير ربحي في مدينة محمد بن سلمان غير الربحية بالرياض، في مبادرة طموحة لتمكين وإلهام الجيل القادم من المفكرين والمبتكرين في السعودية، ودعم الآفاق التعليمية للأجيال الواعدة، وتوفير منظومة جديدة ومبتكرة تتجاوز الأُطر التقليدية. وقالت الأميرة سارة بنت مشهور بن عبد العزيز، رئيسة مجلس إدارة «عِلمي» إن المركز يأتي لاكتشاف العلوم والابتكار، ويكون حاضنة وطنية ومنارة للمعرفة والإبداع للجيل السعودي الواعد، يُغذي شغف المعرفة بالعلوم والتقنية، وتمكين الجيل القادم من المفكرين والمبتكرين لتلبية تطلعات المستقبل.