ألقى فضيلة الشيخ*الشيخ الدكتور رائد بن فواد باجوري عضو هيئة التدريس جامعة أم القرى وامام وخطيب جامع الفيصلية بجدة – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان:*الحوثيون الورقة المحروقة للدولة الصفوية تحدث فيها.:
أيها الناس: في القرآن من العظة والعبرة ما ليس في غيره من كلام الناس، وقصصه وأمثاله ليست كالقصص والأمثال الأخرى، فلا يذكر فيها إلا مايكون به صلاحهم في الحال والمآل وسورة الكهف هي سورة يوم الجمعة؛ لأن المسلمين يقرءونها فيه؛ إتباعا للسنة، وتحريا للفضل، وطلبا للنور الذي يضيء لقارئها ما بينه وبين البيت العتيق، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وسورة الكهف قرأها أحد الصحابة رضي الله عنهم فوقعت له كرامة عظيمة وهو يقرأها؛ كما روى الشيخان من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال:(كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشَطَنَين فتغشَّتُه سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفِر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن) وحفظ الآيات العشر الأولى من سورة الكهف، أو قراءة الآيات العشر الأخيرة منها سبب للعصمة من أكبر فتنة في البشرية، وهي الفتنة بالدجال، وكل ذلك ثابت في أحاديث صحيحة، ولم يرد مثل ذلك في غيرها من السور والآيات. إننا نتلوا في هذه السورة قصة أصحاب الكهف وهم فتية آمنوا بربهم في وسط أناس مشركين، وعلموا من حق الله تعالى عليهم ما علموا في قوم جاهلين؛ فكان ذلك سببا لفتنتهم في دينهم، فلم يستسلموا، ولم يتبعوا قومهم في ضلالهم، ولاوافقوهم على كفرهم؛ بل أعلنوا توحيدهم لله تعالى، كما أعلنوا براءتهم مما يعبد أهلوهم وعشيرتهم (إذ قاموا فقالوا ربنا رب السمـاوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطـان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا). ثم أتبعوا القول بالعمل فتبرءوا من المشركين واعتزلوهم، وآووا إلى كهف ليعبدوا الله وحده لا شريك له، وليفروا من الفتنة في الدين، فكان جزاؤهم في الدنيا تلك الكرامة العظيمة التي نالتهم وهم في كهفهم، فنجوا بها من الكفار وكيدهم، وكانت كرامة الله تعالى لهم آية تتلى على مر العصور. فهؤلاء الفتية صدقوا مع الله تعالى في السراء فصدقهم الله تعالى عند الضراء والدهماء فروا بدينهم من فتنة الظالمين وتعلقوا بالله رب العالمين وثبتوا على الدين إذ جانب كل واحد منهم أهله وعشيرته المشركين وهم أكثر وأقوى، وصاحب المؤمنين وهم الأقلون المستضعفون. أيها المسلمون نستفيد من قصة أهل الكهف: أن إتباع الهوى، وطاعة أهل الغفلة عن ذكر الله تعالى سبب للفتنة في الدين، والتحول عنه شيئا شيئا، كما أن سبب إتباع الهوى، وطاعة أهل الغفلة هو طلب حظ من حظوظ الدنيا . ولو أن فتية الكهف أطاعوا أهل الغفلة من قومهم، واتبعوا أهواءهم؛ ميلا إلى الدنيا وزخارفها لما نجوا، ولما كان خبرهم آية تتلى. وما أحوج المسلم في هذا الزمن الذي يموج بالفتن إلى فقه هذا الدرس العظيم من هذه القصة العجيبة، فيثبت على دينه ولو رأى قلة الثابتين، ويضحي بكل نفيس في سبيل ذلك؛ فإن الثمن جنة عرضها السماوات والأرض، وليحذر من الاغترار بالباطل وأهله مهما كانت قوتهم، وبلغت علومهم؛ فهم وحضارتهم إلى تباب وخسران ما لم يؤمنوا بالله تعالى الواحد الديان. أيها المسلمون في قصة أصحاب الكهف يبتدأ الله السورة بقوله تعالى"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا"وقصتهم فتنة وتمحيص وبلاء ليعلمنا ربنا جل وعلا أن نحمده على كل حال فهو أهل للثناء والحمد وكلنا له عبد سبحانه وتعالى. وأنه لا نجاة من الفتن إلا بتفويض الأمر لله والاستعانة به جل في علاه وأن يثق المؤمن بأن الفرج من عند الله تعالى وأن مع العسر يسرا وأن النصر مع الصبر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون".
*
*