المصدر - التنويري
يرى جورج ليكوف في كتاب “السياسة الأخلاقيَّة كيف يفكِّر الليبراليّون والمحافظون” الذي ترجمة باقتدار الدكتور طارق النعمان وصدر عن المركز القومي للترجمة في مصر، أنَّ التعارض السياسي في أمريكا بين المحافظين والتقدّميّين هو في جوهره تعارض أخلاقي بامتياز؛ إذ إنه تعارض حول منظومة القيم التي يحملها كل طرف من الطرفين، تعارض حول ما يمثل الخير وما يمثل الشر بالنسبة لكل منهما.
وهو بهذا المعنى تعارض حول النموذج والشكل الذي يُفترض أن تكون عليهما الأسرة؛ بعبارة أخرى إنه تعارض حول قيم الأسرة، وصراع حول ما ينبغي أن تكون عليه المؤسَّسة الأسريَّة، والأدوار التي يفترض أن يضطلع بها الأفراد المحوريّون داخل هذه المؤسَّسة. وهو وفقًا لهذا الطرح تعارض وصراع بين قيم الصرامة/وقيم الرعاية المتولّدينِ داخل نطاق الممارسات الأسريَّة الممتدّة، كاستعارة تمثيليَّة ممتدّة، من نطاق مؤسَّسة الأسرة لينسحبا على كافة مؤسَّسات المجتمع وأنساقه المختلفة: من الأسرة إلى الأخلاقيّات إلى الدين وأخيرًا إلى السياسة، من علاقة الأب أو الأم بالأبناء، الزوج والزوجة ببعضهما، إلى علاقات الأصدقاء ببعضهم البعض إلى علاقة الأستاذ بطلابه، والقسّ بشعبه أو رعيّته …الخ إلى علاقة الحكومة أو الحكَّام بالمحكومين.
ويكشف ليكوف أنَّ الوعي بما يقوم به ويلعبه كل من هذين النموذجين من أدوار في تشكيل الأفعال والاستجابات الاجتماعيَّة والسياسيَّة لم يكن منتبهًا إليه بالقدر الكافي، لأنه يتمّ في الأغلب الأعمّ بشكل لا واعٍ، إلا أنَّ تطوُّر ما أصبح يُعرف بالعلوم المعرفيَّة قد أتاح السبيل إلى إمكانيَّة الولوج والنفاذ إلى مثل هذه النماذج وآليَّات عملها واشتغالها.
إذ يتيح فهم كل نموذج من نموذجي الصرامة والرعاية مثلاً في مجتمع مثل المجتمع الأمريكي التعرّف على كيف تتشكَّل سياسات الحكومة تجاه قضايا من قبيل البرامج الاجتماعيَّة والإنفاق أو عدم الإنفاق عليها من ميزانيَّة الحكومة، وفرض الضرائب، والتعليم، والبيئة، والطاقة، والتحكُّم في انتشار الأسلحة، والإجهاض، وعقوبة الإعدام، وسواها من القضايا الخلافيَّة المتعدِّدة.
إنَّ هذه القضايا قد تبدو للوهلة الأولى قضايا متباينة أو متباعدة إلا أنَّ الموقف منها غالبًا ما يحكمه ويحرّكه أحد هذين النموذجين المعرفيين للأسرة: نموذج الصرامة/ في مقابل / نموذج الرعاية.
وفي هذا السياق، ومن خلال التحليل المعرفي للخطاب السياسي حول هذه القضايا، يكشف ليكوف أنَّ الاختلافات في الآراء بين الليبراليِّين والمحافظين تنبع من حقيقة أنّهما يلتزمان بدرجات مختلفة من القوّة باستعارتين مختلفتين حول علاقة الدولة بالمواطنين. ذلك أنّ كليهما، يرى الحكم من خلال استعارات الأسرة [العائلة]. فالمحافظون يتمسَّكون بشكل أقوى وبشكل أكثر كثيرًا بنموذج يطلق عليه “نموذج الأب الصارم” the “Strict Father Model” ويجعلون الأسرة مبنيَّة حول “أب” شديد [قوي] مسيطر a strong, dominant, “father” (الحكومة)، ويفترض أنَّ “الأطفال” (المواطنين) يحتاجون إلى أن يكونوا منضبطين لكي يصبحوا “راشدين” مسؤولين، (أشخاصًا مسؤولين ماليًا وأخلاقيًا). وما أن يصبح “الأطفال” “راشدين”، حتى ينبغي على “الأب” ألا يتدخَّل في حيواتهم: حيث يجب على الحكومة أن تكون بعيدة عن شؤون أولئك الأشخاص الذين أثبتوا مسئوليتهم في المجتمع.
وبالمقابل يجادل بأن الليبراليِّين يقدِّمون دعمًا أكبر لنموذج العائلة الذي يدعوه “نموذج الوالديَّة الراعية” المبني على “قيم الرعاية” حيث تعمل “الأمّهات” ويعمل “الآباء” على أن يحافظوا على “أطفالهم” الطيّبين بعيدًا عن “التأثيرات المفسدة” (التلوّث، الظلم الاجتماعي، الفقر، الخ). ويرى ليكوف أنَّ معظم الناس لديهم مزيج [أو توليفة] من كلتا الاستعارتين يطبقونهما في أوقات مختلفة، وأنَّ الخطاب السياسي يعمل بشكل أساس باستدعاء هاتين الاستعارتين وتحفيز إحداهما دون الأخرى.
كما يكشف لنا ليكوف أنَّ أحد الأسباب التي جعلت الليبراليّين يواجهون صعوبات شتّى منذ ثمانينيات القرن العشرين هو أنهم لم يكونوا واعين بالاستعارات التي تُوجِّههم؛ وأنهم كثيرًا ما كانوا يقبلون مصطلحات المحافظين ويستخدمونها، دون أن يعوا، بما يجعلهم يعزّزون نموذج وخطاب الخصم، في الوقت الذي يتصوّرون فيه أنهم يرفضونه ويناهضونه. إذ إنهم باستخدامهم مثلاً لاستعارات من قبيل تخفيف الضرائب بدلاً من تخفيض الضرائب يتبنّون لغة خصومهم المُوجَّهة ضدّهم، ومن ثم يبدون وكأنّهم يطلقون النار على أقدامهم بأيديهم. ذلك أنَّ استخدام تخفيف الضرائب بدلاً من تخفيض الضرائب، يفترض ضمنًا أنَّ الضرائب بلاء أو مصيبة أو مرض فرضه الديموقراطيّون ويسعى الجمهوريّون إلى تخفيفه عن المجتمع وإراحة المجتمع من ألمه ممّا يؤطِّر الديموقراطيين في صورة الأشرار الجالبين البلاء والألم للمجتمع، ويؤطِّر الجمهوريّين في صورة الأبطال الأخيار الرافعين لهذا البلاء أو هذا الألم. وهكذا فاللغة ليست بريئة في استخداماتها السياسيَّة وعلى كل طرف أن يعي جيدًا لغته ولغة خصومه وألا يقع في شراك لغة الخصم.
إنَّ ليكوف يمارس تحليلاته تلك على عشرات الاستعارات المنتمية إلى كل نموذج من النموذجين وآليّات عملها واشتغالها في تعزيز كل نموذج، كما يكشف ليكوف أيضًا أن النموذجين كثيرًا ما يتجاوران إذ يمكن أن يوجد شخص ليبرالي يتبنَّى نموذج الوالديَّة الراعية في السياسة بينما يتبنَّى نموذج الأب الصارم على مستوى الأسرة، مثلما يمكن أن يتبنَّى أحد المحافظين نموذج الأب الصارم داخل الأسرة وفي السياسة لكنَّه يتبنَّى نموذج الوالديَّة الراعية كأستاذ جامعي مثلاً أو في النقابة التي ينتمي إليها.
كما يكشف ليكوف على امتداد كل هذه التحليلات كيف يدار الصراع السياسي وفق هذا على خلفيَّة هذا الصراع الأخلاقي بين هذين النموذجين الاستعاريين وكيف أنهما ينعكسان على صياغة رؤى العالم لدى كل تيار سياسي من التيارين، وكيف ينعكس هذا بدوره على مستوى إدارة الصراع داخل صناديق الاقتراع.
وبالطبع فإن من ينجح في ترويج نموذجه عبر ترويج الخطاب الممثَّل لهذا النموذج هو من تكون له الغلبة في الوصول إلى مراكز الحكم: مكتب الرئاسة في البيت الأبيض وإلى مقاعد كل من مجلسي النواب والشيوخ. إلا أنَّ النجاح في هذا ليس أمرًا عشوائيًا وإنما يحكمه الإنفاق الباذخ على مراكز الأبحاث، والمنصَّات الفكريَّة التي تصوغ لغة الخطاب بعناية وتعرف كيف تفرضها من خلال وسائل ووسائط الإعلام المختلفة، وعلى تدريب الكفاءات في كافة المجالات على كيفيَّة تأطير وصياغة القضايا الخلافيَّة والإشكاليَّة داخل المجتمع؛ إذ وفّق ليكوف فإنَّ الجماهير لا تصوِّت طبقًا لمصالحها بقدر ما تصوّت للنماذج الأخلاقيَّة الكامنة داخلها، ويظلّ الرهان واللعب في النهاية على أولئك الناخبين المتأرجّحين بين كلا النموذجين. وهو في كل هذا يكشف الأسباب المعرفيَّة لإخفاق الليبراليّين ونجاح المحافظين، وما على الليبراليين أن يفعلوه ليتجاوزا إخفاقاتهم. وقد تحول الكتاب بهذا المعنى إلى دليل عمل في الأوساط السياسيَّة الأمريكيَّة لا يفيد منه الليبراليون فحسب بل والمحافظون أيضًا.
إن كتاب ليكوف هذا من أعلى الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة، كما أنَّ ليكوف من أبرز الأعلام في مجال الدراسات المعرفيَّة عى مستوى العالم، ومن بين كتبه ودراساته: الاستعارات التي نحيا بها بالاشتراك مع مارك جونسون، أكثر من العقل الهادئ: دليل ميداني للاستعارة الشعريَّة بالاشتراك مع مارك تيرنر، النظريَّة المعاصرة للاستعارة، النساء والنار وأشياء خطرة، الفلسفة في الجسد، لا تفكر في فيل، قضايا للتفكير حريَّة من، العقل السياسي، من أين تأتي الرياضيات، الكتاب الأزرق الصغير. وهو من أكبر المستشارين في معهد روكريدج للدراسات السياسيَّة للديموقراطيين والتقدّميين في أمريكا. وقد ترجم له الدكتور طارق النعمان :النظريَّة المعاصرة للاستعارة وقد صدر مرَّة عن (الهيئة العامَّة للكتاب) ومرَّة أخرى عن (مكتبة الإسكندريَّة.)، الفلسفة في الجسد (المركز القومي للترجمة).لا تفكر في فيل (المركز القومي للترجمة). وأخيرًا هذا الكتاب: Moral Politics. فكأن الدكتور طارق النعماني أخذ على عاتقه تقديم هذا الاتجاه الفكري والتحليلي وهو ما يساعدنا على فهم التطوّرات وعالم الأفكار في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة.
وهو بهذا المعنى تعارض حول النموذج والشكل الذي يُفترض أن تكون عليهما الأسرة؛ بعبارة أخرى إنه تعارض حول قيم الأسرة، وصراع حول ما ينبغي أن تكون عليه المؤسَّسة الأسريَّة، والأدوار التي يفترض أن يضطلع بها الأفراد المحوريّون داخل هذه المؤسَّسة. وهو وفقًا لهذا الطرح تعارض وصراع بين قيم الصرامة/وقيم الرعاية المتولّدينِ داخل نطاق الممارسات الأسريَّة الممتدّة، كاستعارة تمثيليَّة ممتدّة، من نطاق مؤسَّسة الأسرة لينسحبا على كافة مؤسَّسات المجتمع وأنساقه المختلفة: من الأسرة إلى الأخلاقيّات إلى الدين وأخيرًا إلى السياسة، من علاقة الأب أو الأم بالأبناء، الزوج والزوجة ببعضهما، إلى علاقات الأصدقاء ببعضهم البعض إلى علاقة الأستاذ بطلابه، والقسّ بشعبه أو رعيّته …الخ إلى علاقة الحكومة أو الحكَّام بالمحكومين.
ويكشف ليكوف أنَّ الوعي بما يقوم به ويلعبه كل من هذين النموذجين من أدوار في تشكيل الأفعال والاستجابات الاجتماعيَّة والسياسيَّة لم يكن منتبهًا إليه بالقدر الكافي، لأنه يتمّ في الأغلب الأعمّ بشكل لا واعٍ، إلا أنَّ تطوُّر ما أصبح يُعرف بالعلوم المعرفيَّة قد أتاح السبيل إلى إمكانيَّة الولوج والنفاذ إلى مثل هذه النماذج وآليَّات عملها واشتغالها.
إذ يتيح فهم كل نموذج من نموذجي الصرامة والرعاية مثلاً في مجتمع مثل المجتمع الأمريكي التعرّف على كيف تتشكَّل سياسات الحكومة تجاه قضايا من قبيل البرامج الاجتماعيَّة والإنفاق أو عدم الإنفاق عليها من ميزانيَّة الحكومة، وفرض الضرائب، والتعليم، والبيئة، والطاقة، والتحكُّم في انتشار الأسلحة، والإجهاض، وعقوبة الإعدام، وسواها من القضايا الخلافيَّة المتعدِّدة.
إنَّ هذه القضايا قد تبدو للوهلة الأولى قضايا متباينة أو متباعدة إلا أنَّ الموقف منها غالبًا ما يحكمه ويحرّكه أحد هذين النموذجين المعرفيين للأسرة: نموذج الصرامة/ في مقابل / نموذج الرعاية.
وفي هذا السياق، ومن خلال التحليل المعرفي للخطاب السياسي حول هذه القضايا، يكشف ليكوف أنَّ الاختلافات في الآراء بين الليبراليِّين والمحافظين تنبع من حقيقة أنّهما يلتزمان بدرجات مختلفة من القوّة باستعارتين مختلفتين حول علاقة الدولة بالمواطنين. ذلك أنّ كليهما، يرى الحكم من خلال استعارات الأسرة [العائلة]. فالمحافظون يتمسَّكون بشكل أقوى وبشكل أكثر كثيرًا بنموذج يطلق عليه “نموذج الأب الصارم” the “Strict Father Model” ويجعلون الأسرة مبنيَّة حول “أب” شديد [قوي] مسيطر a strong, dominant, “father” (الحكومة)، ويفترض أنَّ “الأطفال” (المواطنين) يحتاجون إلى أن يكونوا منضبطين لكي يصبحوا “راشدين” مسؤولين، (أشخاصًا مسؤولين ماليًا وأخلاقيًا). وما أن يصبح “الأطفال” “راشدين”، حتى ينبغي على “الأب” ألا يتدخَّل في حيواتهم: حيث يجب على الحكومة أن تكون بعيدة عن شؤون أولئك الأشخاص الذين أثبتوا مسئوليتهم في المجتمع.
وبالمقابل يجادل بأن الليبراليِّين يقدِّمون دعمًا أكبر لنموذج العائلة الذي يدعوه “نموذج الوالديَّة الراعية” المبني على “قيم الرعاية” حيث تعمل “الأمّهات” ويعمل “الآباء” على أن يحافظوا على “أطفالهم” الطيّبين بعيدًا عن “التأثيرات المفسدة” (التلوّث، الظلم الاجتماعي، الفقر، الخ). ويرى ليكوف أنَّ معظم الناس لديهم مزيج [أو توليفة] من كلتا الاستعارتين يطبقونهما في أوقات مختلفة، وأنَّ الخطاب السياسي يعمل بشكل أساس باستدعاء هاتين الاستعارتين وتحفيز إحداهما دون الأخرى.
كما يكشف لنا ليكوف أنَّ أحد الأسباب التي جعلت الليبراليّين يواجهون صعوبات شتّى منذ ثمانينيات القرن العشرين هو أنهم لم يكونوا واعين بالاستعارات التي تُوجِّههم؛ وأنهم كثيرًا ما كانوا يقبلون مصطلحات المحافظين ويستخدمونها، دون أن يعوا، بما يجعلهم يعزّزون نموذج وخطاب الخصم، في الوقت الذي يتصوّرون فيه أنهم يرفضونه ويناهضونه. إذ إنهم باستخدامهم مثلاً لاستعارات من قبيل تخفيف الضرائب بدلاً من تخفيض الضرائب يتبنّون لغة خصومهم المُوجَّهة ضدّهم، ومن ثم يبدون وكأنّهم يطلقون النار على أقدامهم بأيديهم. ذلك أنَّ استخدام تخفيف الضرائب بدلاً من تخفيض الضرائب، يفترض ضمنًا أنَّ الضرائب بلاء أو مصيبة أو مرض فرضه الديموقراطيّون ويسعى الجمهوريّون إلى تخفيفه عن المجتمع وإراحة المجتمع من ألمه ممّا يؤطِّر الديموقراطيين في صورة الأشرار الجالبين البلاء والألم للمجتمع، ويؤطِّر الجمهوريّين في صورة الأبطال الأخيار الرافعين لهذا البلاء أو هذا الألم. وهكذا فاللغة ليست بريئة في استخداماتها السياسيَّة وعلى كل طرف أن يعي جيدًا لغته ولغة خصومه وألا يقع في شراك لغة الخصم.
إنَّ ليكوف يمارس تحليلاته تلك على عشرات الاستعارات المنتمية إلى كل نموذج من النموذجين وآليّات عملها واشتغالها في تعزيز كل نموذج، كما يكشف ليكوف أيضًا أن النموذجين كثيرًا ما يتجاوران إذ يمكن أن يوجد شخص ليبرالي يتبنَّى نموذج الوالديَّة الراعية في السياسة بينما يتبنَّى نموذج الأب الصارم على مستوى الأسرة، مثلما يمكن أن يتبنَّى أحد المحافظين نموذج الأب الصارم داخل الأسرة وفي السياسة لكنَّه يتبنَّى نموذج الوالديَّة الراعية كأستاذ جامعي مثلاً أو في النقابة التي ينتمي إليها.
كما يكشف ليكوف على امتداد كل هذه التحليلات كيف يدار الصراع السياسي وفق هذا على خلفيَّة هذا الصراع الأخلاقي بين هذين النموذجين الاستعاريين وكيف أنهما ينعكسان على صياغة رؤى العالم لدى كل تيار سياسي من التيارين، وكيف ينعكس هذا بدوره على مستوى إدارة الصراع داخل صناديق الاقتراع.
وبالطبع فإن من ينجح في ترويج نموذجه عبر ترويج الخطاب الممثَّل لهذا النموذج هو من تكون له الغلبة في الوصول إلى مراكز الحكم: مكتب الرئاسة في البيت الأبيض وإلى مقاعد كل من مجلسي النواب والشيوخ. إلا أنَّ النجاح في هذا ليس أمرًا عشوائيًا وإنما يحكمه الإنفاق الباذخ على مراكز الأبحاث، والمنصَّات الفكريَّة التي تصوغ لغة الخطاب بعناية وتعرف كيف تفرضها من خلال وسائل ووسائط الإعلام المختلفة، وعلى تدريب الكفاءات في كافة المجالات على كيفيَّة تأطير وصياغة القضايا الخلافيَّة والإشكاليَّة داخل المجتمع؛ إذ وفّق ليكوف فإنَّ الجماهير لا تصوِّت طبقًا لمصالحها بقدر ما تصوّت للنماذج الأخلاقيَّة الكامنة داخلها، ويظلّ الرهان واللعب في النهاية على أولئك الناخبين المتأرجّحين بين كلا النموذجين. وهو في كل هذا يكشف الأسباب المعرفيَّة لإخفاق الليبراليّين ونجاح المحافظين، وما على الليبراليين أن يفعلوه ليتجاوزا إخفاقاتهم. وقد تحول الكتاب بهذا المعنى إلى دليل عمل في الأوساط السياسيَّة الأمريكيَّة لا يفيد منه الليبراليون فحسب بل والمحافظون أيضًا.
إن كتاب ليكوف هذا من أعلى الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة، كما أنَّ ليكوف من أبرز الأعلام في مجال الدراسات المعرفيَّة عى مستوى العالم، ومن بين كتبه ودراساته: الاستعارات التي نحيا بها بالاشتراك مع مارك جونسون، أكثر من العقل الهادئ: دليل ميداني للاستعارة الشعريَّة بالاشتراك مع مارك تيرنر، النظريَّة المعاصرة للاستعارة، النساء والنار وأشياء خطرة، الفلسفة في الجسد، لا تفكر في فيل، قضايا للتفكير حريَّة من، العقل السياسي، من أين تأتي الرياضيات، الكتاب الأزرق الصغير. وهو من أكبر المستشارين في معهد روكريدج للدراسات السياسيَّة للديموقراطيين والتقدّميين في أمريكا. وقد ترجم له الدكتور طارق النعمان :النظريَّة المعاصرة للاستعارة وقد صدر مرَّة عن (الهيئة العامَّة للكتاب) ومرَّة أخرى عن (مكتبة الإسكندريَّة.)، الفلسفة في الجسد (المركز القومي للترجمة).لا تفكر في فيل (المركز القومي للترجمة). وأخيرًا هذا الكتاب: Moral Politics. فكأن الدكتور طارق النعماني أخذ على عاتقه تقديم هذا الاتجاه الفكري والتحليلي وهو ما يساعدنا على فهم التطوّرات وعالم الأفكار في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة.