المصدر -
يصعب اختصار اسم "مصطفى الفقي" في صفةٍ واحدة أو تحجيم أدواره المتشعبة في وظيفةٍ دون أخرى، فهو الدبلوماسي المرموق والسياسي البارع، وهو الأكاديمي المعروف والبرلماني البارز والإعلامي والمفكر والكاتب صاحب الشهرة والشعبية.
رحلة مديدة عاشها "الفقي" في الزمان والمكان، رحلة تجاوزت ثلاثة أرباع القرن، تنقّل فيها بين محطات شتّى تُكمل إحداها الأخرى وتغذي جوهرها بحيث لا يمكن أن تستأثر واحدةٌ لنفسها بالهيمنة على مقدرات حياته ومسيرته. في جميع هذه المحطات أوجد الفقي لاسمه موضعَ قدم عميق ومساحةً مختلفة جديرةً بأن تُروى وتُستعاد.. وها هو أخيرًا يدوِّنها جميعًا في متن مذكراتٍ نابضة مترامية الأطراف، تُمسك بمقدّرات حياته منذ طفولته المبكرة في قريته الصغيرة بريف البحيرة في دلتا مصر، وحتى أصبح الاسم اللامع في المشهد المصري والعربي سياسيًا وأكاديميًا وفكريًا.
في كتاب مذكراته "الرواية.. رحلة الزمان والمكان"، والصادر مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، يقدم الفقي ما هو أكثر من كتاب سيرة، إذ يغور في تقاطع رحلته الشخصية مع تاريخ مصر المعاصر، ليزيح الستار عن عديد الكواليس الهامة وليعيد فتح عدد هائل من الملفات الحساسة التي كان شاهدًا عليها تارة وشريكًا في صنعها مرات.
يقرر الفقي مبكرًا أن يقدم كل ما عاش دون أقنعة، مستعينًا بتصدير مبكر لفرانز كافكا: "خجلتُ من نفسي عندما أدركت أن الحياة حفلة تنكرية، وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي".
عشرون فصلًا، تشمل مقدمةً ضافيةً وخاتمةً بالخُلاصات والدروس المستفادة، يسرد فيها الفقي مسيرته بحسٍ روائي ممتع، يجعل من مفردة "الرواية"، التي اختارها عنوانًا لحياته، مفردةً في مكانها. يسرد الفقي ما يتجاوز الخمسة وسبعين سنة من حياته وحياة مصر دون أن يغفل أي تفصيلة مهمة أو يغض الطرف عن لحظة شائكة أو يشيح بوجهه عن واقعةٍ إشكالية.. ما يجعلنا أمام سيرة ليست فقط شفافة، لكن شجاعة إن جاز التعبير. يكتب الفقي بصدق البوح، وببراءة الاعتراف، ليقدم وثيقة تاريخية حقيقية مدعومةً بصور نادرة تمثل "ألبوم" حياته من السنوات المبكرة إلى اليوم.
في هذه الرحلة الممتعة المثيرة، يصحبنا الفقي لنستعيد معه حياته، بادئًا من مناخات الطفولة وتأثيراتها المبكرة، وصولًا لسنوات الحلم في الجامعة، قبل أن يطوف معنا وبنا في اللحظات المفصلية لحياته: كيف أصبح دبلوماسيًا بقرار جمهوري، كواليس حياته في لندن، عاصمة الضباب أو "أم المدائن" كما يحلو له أن يسميها، وصولًا لقصر الرئاسة في حقبة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك حيث عمل لثماني سنوات كسكرتير الرئيس للمعلومات، تمثل مرحلة شديدة الخطورة والحساسية في تاريخ مصر الحديث. يناقش الفقي العديد من الإشكاليات في المشهد السياسي المصري، تشمل عددًا من المؤسسات والكيانات الحساسة كالأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والقضاء، وأدوارها في المشهد المصري خلال لحظات استثنائية. كذلك يدلي بشهادة في منتهى الخطورة حول السياسة الدولية المصرية ودورها في محاولة الحفاظ على مكانة مصر الدولية مع هبوب تغيرات عالمية جذرية كالأمواج العاتية، ومدى نجاح هذه السياسة من عدمه في منح مصر صيغة جديدة بعد أن انتهى عصر الزعامة. ويكشف الفقي كواليس خروجه من قصر الرئاسة، وهي الكواليس التي شابها من الغموض والتقوّل أكثر بكثير مما أحاط بها من الحقائق، والتي ظلت قابعة في الصندوق الأسود للفقي لسنوات طويلة. لاينسى الفقي مراجعة مرحلته كنائب برلماني وما صحبها من خبايا مثيرة في لحظات صعود إخواني وسم السنوات الأخيرة من حكم مبارك وطالت زوابعه معركة الفقي البرلمانية الشهيرة في دمنهور، ثم كواليس ترشحه في الجامعة العربية وما حاق بها من مؤامرات لإسقاطه، ومن بعدها تفاصيل تجربته كرئيس لمكتبة الإسكندرية. وبين كل تلك المحطات الاستثنائية، يولي الفقي مساحات كبيرة لتحليل وتأمل ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011، و30 يونيو.
"الرواية.. رحلة الزمان والمكان" جدارية ضخمة، كتبها الفقي بيد المؤرخ والسياسي والمفكر والروائي وبمشرط الجراح معًا، متسائلا: "ترى لو أنني ركزت على طريق واحد وفقًا لمنطق التخصص، أما كان هذا أجدى وأفضل؟"، ومجيبًا في اللحظة ذاتها: "أعود فأتمسح في ظلال الشخصيات الموسوعية في تاريخ الفلسفة، لأرى هناك من كان طبيبًا وفنانًا وأديبًا وشاعرًا في ذات الوقت."
رحلة مديدة عاشها "الفقي" في الزمان والمكان، رحلة تجاوزت ثلاثة أرباع القرن، تنقّل فيها بين محطات شتّى تُكمل إحداها الأخرى وتغذي جوهرها بحيث لا يمكن أن تستأثر واحدةٌ لنفسها بالهيمنة على مقدرات حياته ومسيرته. في جميع هذه المحطات أوجد الفقي لاسمه موضعَ قدم عميق ومساحةً مختلفة جديرةً بأن تُروى وتُستعاد.. وها هو أخيرًا يدوِّنها جميعًا في متن مذكراتٍ نابضة مترامية الأطراف، تُمسك بمقدّرات حياته منذ طفولته المبكرة في قريته الصغيرة بريف البحيرة في دلتا مصر، وحتى أصبح الاسم اللامع في المشهد المصري والعربي سياسيًا وأكاديميًا وفكريًا.
في كتاب مذكراته "الرواية.. رحلة الزمان والمكان"، والصادر مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، يقدم الفقي ما هو أكثر من كتاب سيرة، إذ يغور في تقاطع رحلته الشخصية مع تاريخ مصر المعاصر، ليزيح الستار عن عديد الكواليس الهامة وليعيد فتح عدد هائل من الملفات الحساسة التي كان شاهدًا عليها تارة وشريكًا في صنعها مرات.
يقرر الفقي مبكرًا أن يقدم كل ما عاش دون أقنعة، مستعينًا بتصدير مبكر لفرانز كافكا: "خجلتُ من نفسي عندما أدركت أن الحياة حفلة تنكرية، وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي".
عشرون فصلًا، تشمل مقدمةً ضافيةً وخاتمةً بالخُلاصات والدروس المستفادة، يسرد فيها الفقي مسيرته بحسٍ روائي ممتع، يجعل من مفردة "الرواية"، التي اختارها عنوانًا لحياته، مفردةً في مكانها. يسرد الفقي ما يتجاوز الخمسة وسبعين سنة من حياته وحياة مصر دون أن يغفل أي تفصيلة مهمة أو يغض الطرف عن لحظة شائكة أو يشيح بوجهه عن واقعةٍ إشكالية.. ما يجعلنا أمام سيرة ليست فقط شفافة، لكن شجاعة إن جاز التعبير. يكتب الفقي بصدق البوح، وببراءة الاعتراف، ليقدم وثيقة تاريخية حقيقية مدعومةً بصور نادرة تمثل "ألبوم" حياته من السنوات المبكرة إلى اليوم.
في هذه الرحلة الممتعة المثيرة، يصحبنا الفقي لنستعيد معه حياته، بادئًا من مناخات الطفولة وتأثيراتها المبكرة، وصولًا لسنوات الحلم في الجامعة، قبل أن يطوف معنا وبنا في اللحظات المفصلية لحياته: كيف أصبح دبلوماسيًا بقرار جمهوري، كواليس حياته في لندن، عاصمة الضباب أو "أم المدائن" كما يحلو له أن يسميها، وصولًا لقصر الرئاسة في حقبة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك حيث عمل لثماني سنوات كسكرتير الرئيس للمعلومات، تمثل مرحلة شديدة الخطورة والحساسية في تاريخ مصر الحديث. يناقش الفقي العديد من الإشكاليات في المشهد السياسي المصري، تشمل عددًا من المؤسسات والكيانات الحساسة كالأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والقضاء، وأدوارها في المشهد المصري خلال لحظات استثنائية. كذلك يدلي بشهادة في منتهى الخطورة حول السياسة الدولية المصرية ودورها في محاولة الحفاظ على مكانة مصر الدولية مع هبوب تغيرات عالمية جذرية كالأمواج العاتية، ومدى نجاح هذه السياسة من عدمه في منح مصر صيغة جديدة بعد أن انتهى عصر الزعامة. ويكشف الفقي كواليس خروجه من قصر الرئاسة، وهي الكواليس التي شابها من الغموض والتقوّل أكثر بكثير مما أحاط بها من الحقائق، والتي ظلت قابعة في الصندوق الأسود للفقي لسنوات طويلة. لاينسى الفقي مراجعة مرحلته كنائب برلماني وما صحبها من خبايا مثيرة في لحظات صعود إخواني وسم السنوات الأخيرة من حكم مبارك وطالت زوابعه معركة الفقي البرلمانية الشهيرة في دمنهور، ثم كواليس ترشحه في الجامعة العربية وما حاق بها من مؤامرات لإسقاطه، ومن بعدها تفاصيل تجربته كرئيس لمكتبة الإسكندرية. وبين كل تلك المحطات الاستثنائية، يولي الفقي مساحات كبيرة لتحليل وتأمل ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011، و30 يونيو.
"الرواية.. رحلة الزمان والمكان" جدارية ضخمة، كتبها الفقي بيد المؤرخ والسياسي والمفكر والروائي وبمشرط الجراح معًا، متسائلا: "ترى لو أنني ركزت على طريق واحد وفقًا لمنطق التخصص، أما كان هذا أجدى وأفضل؟"، ومجيبًا في اللحظة ذاتها: "أعود فأتمسح في ظلال الشخصيات الموسوعية في تاريخ الفلسفة، لأرى هناك من كان طبيبًا وفنانًا وأديبًا وشاعرًا في ذات الوقت."