المصدر - نسمع ومنذ سنوات قصص والاساطير وحوادث وغرائب تحدث في القبور للموتى مثل سماع اصوات تعذيب او صياح او بكاء او خروج ثعبان ضخم او رائحة الخ وقبل مانتطرق لهذا وحقيقتة
نتعرف على حفر القبور في جازان قديما وحتي وقت قريب كان من يحفر القبور شخص واحد ومعروف وفِي كل قرية واحد لكن الان اصبح هناك العشرات من الشباب المتطوعين يسارعون عند سماعهم بموت احد الى حفر القبر وتجهيزه وإحضار المياه ولوازم الدفن وكنا نسمع قصص وحكايات تحدث لحفار القبور *والان نلتقي بعدد من هؤلاء لمعرفة الحقيقةقول المولى في كتابه العزيز (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) فالموت هو سنة من سنن الله في الأرض، ورغم أنه الحقيقة المطلقة في الحياة، إلا انه محاط بالكثير من الغموض الذي دفع ومنذ القدم بالكثير من الفلاسفة والعلماء الى تفسيره وتحليله، إلا انه بقي ذلك المصير المجهول وهو ما ولد الخوف والذي أنتج الكثير من القصص والاساطير التي تحدثت عن الموت وهوله، وبالطبع ليس هناك ما يثبت صدق تلك القصص وهل هي حقائق أم انها من صنع الخيال، أو أن فرط حساسيتنا من الموت والاموات بشكل عام جعل لدى البعض استعداداً نفسياً بحيث يصبح أي أمر قابلاً للتأويل، ام ان هناك اناساً لديهم قدرات فائقة يشاهدون أشياء لا يشاهدها غيرهم، والمثير أنهم كثر في مجتمعنا بالذات، فدائماً ما نستمع لقصص أناس شاهدوا حال الميت أو شمو رائحة الجنة في قبره، أو منعهم داب الارض من دفن ميتهم، فحددوا مقعده من النار.
وقد حاولنا ومن خلال هذا التحقيق ان نتعرف على الموت من مختلف الجوانب، وعلى احوال القبور وأهلها من خلال العاملين في المقابر وحفاري القبور، وكان هذا التحقيق
محمد فتحي في مقبرة احدى قرى صبيا كحارس متطوع كما انه يشارك في اعمال الحفر احياناً، حدثنا قائلاً..
اعمل في المقبرة وأعمل بها منذ سنوات
*
طويلة،لم أصادف خلالها أي أمر مخيف، بل على العكس ، وما يقال عن القبور من قصص ومشاهدات ليس لها اساس من الصحة، وفي تصوري انها محض خيال.
إلا انه تحدث في بعض الاحيان حوادث قد تكون بها شيء من الغرابة، فقد صادفتني حادثة لن أنساها في حياتي، فعادة في موسم الامطار تهبط الكثير من القبور نقوم وقتها بتصليحها، وردمها بالحصى والتراب، وفي بعض الحالات نقوم بعملية الدفن من جديد، هذا في حال الهبوط الحاد، وبالفعل هبط أحد القبور وكنا قد دفنا الميت – لا أعلم إن كان لامرأة أم رجل – منذ ستة أشهر وعندما فتحنا القبر تفاجأنا من وضعه فقد كان الميت محتفظاً بشكله تماماً ولم يتحلل منه شيء، ولم نشم أي رائحة. وقد اثار ذلك استغراب الجميع.
الاشجار تجلبها
ونفى مطاعن. م. *والذي يعمل منذ عشرين عاماً في المقبرة ان يكون هناك ثعابين في المقابر، وقال.. استغرب عندما اسمع البعض – هداهم الله – يروون القصص المختلفة عن وجود الثعابين في المقابر او داخل القبور المحفورة، ويبدأون في تأويل القصص حول أعمال الميت في الدنيا ويبحثون عن أخطائه، هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة فالثعابين على وجه العموم كانت تتواجد بكثرة في المقابر، وذلك بسبب الاشجار الموجودة، وعندما يرفض الثعبان الابتعاد عن قبر ما فلأنه يكون قد وضع بيضه في القبر او في إحدى الاشجار المحيطة، لذا فإنها لا تغادر المكان بسهولة لأنها تدافع عن بيضها.
واستطرد.. أما ان يقال بأن الثعبان ينتظر الميت حتى يعاقبه فهذا غير صحيح. والدليل على ذلك أنا ما عدنا نرى اي ثعابين
*
يصف يحي. م. *احوال القبور بقوله.. القبور تعرف من ساكنها فهناك قبور عندما نحفرها نشم بها رائحة طيبة، كما وان عملية الحفر لقبر ما قد لا تستغرق سوى ساعتين أو ثلاث ساعات، وقبر آخر يكون الحفر به بالغ الصعوبة قد يستمر أكثر، مع العلم بأنها نفس الأرض إلا أن المسألة تختلف من قبر لآخر، ولعل للأمر حكمة يعلمها الله وحده. والقبور بها الكثير من البركة والخير فوالله انني في كثير من الاحيان وفي حال هطول الامطار اصاب بالقلق من أن يأتينا ميت فيتضرر اهله من الطين لكنني أستغرب ان الارض وبمجرد توقف الامطار تنشف بسرعة غريبة، فيما لا تزال الشوارع مليئة بالمياه، تسهيلاً ورحمة من الله. وفي حال نفاد المياه المخصصة للشرب من المبردة والتي اقوم بتعبئتها بنفسي بمياه صحية، احلم بشخص يناديني بالاسم ويخبرني بذلك ويدعوني للاستيقاظ فوراً، لأن في الصباح هناك ميت سوف يأتي، أقوم بعدها لأتأكد من البراد فأجده انه على وشك النفاد، الغريب انه في الغد يأتي الميت كما رأيت
ويكمل حديثه.. ولقد تعلمنا ومن خلال معيشتنا في القبور أشياء كثيرة، واطلعنا على واقع البشر أمواتاً وأحياء، ولمسنا الوفاء بكل معانيه من خلال التزام البعض بزيارة ميتهم، وهنا أذكر قصة رجل ، وتوفيت زوجته منذ سنوات، وهذا الرجل يومياً يأتي ظهراً لزيارة قبر زوجته، ولا يمكن ان يخلف يوماً من غير أن يأتي، وهي صور تمثل مدى الوفاء الذي يحمله في نفسه.
خزعبلات
ويرى م. ع. *– والذي رفض ذكر اسمه – وعمل في المقابر متطوعاً على مدى سبعة عشر عاماً، ان ما يقال حول القبور من قصص كلام عار عن الصحة، وليس له أساس وقال.. الكثيرون يتوهمون احداثاً يروونها ويتداولها الناس فيما بينهم إلا أنها أمور غير صحيحة وقد تكون من الخيال أو وهم، وهناك قصة شهيرة لأحد الاخوة والذي يأتي بشكل منتظم للمساعدة في أعمال الدفن أو الحفر، كعمل خيري، حيث نذر نفسه لذلك بعد ان ذهب للمشاركة بدفنه أحدهم وحين عاد إلى المنزل سألته زوجته عن مصدر الطيب العالق في ثوبه، حينها أنكر معرفته لمصدر الطيب، إلا أنها ألحت عليه فصارحها بأن قبر الميت كانت تفوح منه روائح زكية من قوتها وتركيزها اضطر ومن معه للتلثم وقد كان ينوي ألا يخبر أحداً بهذه الحادثة إلا أنها حثته على نشرها على الناس يتعظون. ومنذ ذلك الحين وهو لا يفارق المقابر.
انا لا أصدق تلك الامور واعتبر ان الوهم قد يجر الانسان الى مناطق خطيرة، حتى أنه يؤمن بأن ما رأه لهو واقع بالفعل. ومن باب أولى أن تخرج من جثث الاطفال الاموات تلك الرائحة فهم مثال الطهارة والنقاء لم يقترفوا آثاماً أو ذنوباً في حياتهم، ومع ذلك فلم نسمع تلك الكرامات عن الاطفال الاموات. والميت أياً كان بعد أربعة أيام تبدأ رائحته تظهر، حيث يبدأ الجسم بالتعفن. أما عن مكان دفن الاطفال يقول.. عادة ما ندفن الاطفال مع الموتى، حتى الخديجين منهم، كما وندفن كذلك اعضاء الجسم المبتورة، اما حالات الاجهاض فتدفن في مقبرة مستقلة.
كما وأن سرعة الجنائز أو بطئها وارتباط ذلك بعمل الانسان فأنا أجد أن ذلك غير صحيح بل تتبع لمسائل نفسية، يأتينا أحياناً أربعة أو خمسة ميتين في حادث سيارة ترى ان الجنازة تمشي بنفس السرعة وليس سير الجنازة يتبع لأي مسائل أخرى بل يعتمد على من يحملون الميت وعلى حجمه، وليس لاعتبارات اخرى.
اما عن الثعابين فيقول، الثعابين لا نشاهدها إلا في حال ان تكون المقبرة في منطقة مزارع أو في المقبرة اشجار صغيرة – *– في هذه الحالة فقط نجد ان الثعابين تتواجد لأنها تعشعش في القبور، إذاً المسألة تتبع لطبيعة المنطقة المحيطة بالمقبرة ليس إلا
هذا ويوافق المتطوع علي. ع. .. ويقول.. لم اشاهد طوال سنين عملي والتي استمرت اكثر من خمسة عشر عاماً اي شيء من الممكن ان يسجل في ذاكرتي، واتوقع ان ما يتداوله الناس له ضرب من الخزعبلات ليس له اساس.
ضحايا الموروث الاستاذ احمد محمد طيري" علم نفس "قال
، الاستعداد لدى البعض بتصديق تلك الأمور أو رؤيتها قائلة.. للأسف فإن ثقافتنا تركز على الموت بشكل كبير وتهوله، ومن هنا يتولد الخوف من الموت وعدم المنطقية في التعاطي معه، ونحن لا ننكر ان الدين يأمرنا بالايمان بالحياة الأخرى كحقيقة، لكن المسألة تحولت لدينا إلى قلق، وأصبح لدى الكثيرين هاجس الوصول الى اجابة شافية على هذا السؤال “ماذا سيحدث لنا بعد الموت؟” وبالطبع أتى ذلك بسبب تعاملنا مع الموت بخوف، وهو ما يرجع لثقافتنا والتي تهول موضوع الموت، فالبشر هم نتاج الموروث الاجتماعي والثقافي والذي يرهب من الموت والقبر، تلك الثقافة بها الكثير من الخلط فهي تهتم بالعقاب أكثر من الثواب وأقصد العقاب ليس الدنيوي بل ما يحصل بعد الوفاة، وما يعنيه ذلك من عذاب القبر، لماذا لا نتحدث بنفس الدرجة عن رحمة الله التي هي الأساس في كل شيء؟
لماذا نغفل نعيم القبر؟ لماذا لا نتناول العقاب الدنيوي كسنة من سنن الله في الأرض، تسبق عقاب الآخرة؟
أما بالنسبة للأشخاص الذين يتعاملون مع الأموات سواء الذين يغسلون الميت أو يحفرون القبور أو العاملين في المقابر بشكل عام، فهم على الأغلب ثقافتهم بسيطة بالاضافة الى أن مهنتهم ذات صبغة درامية تتعامل مع الحزن بشكل مباشر، لذا فإنهم من أكثر الشخصيات القابلة للايحاء فيختلط لدى البعض الموروث الثقافي مع الحقيقة، فيتوهمون قصصا كثيرة، لأن ادراكنا للأمور يتأثر بأفكارنا الداخلية، وهنا تظهر المبالغة والتي تعتمد على اعطائنا أهمية مبالغة للموت كحدث.
في الثقافات العالمية
الدكتور عبدالله العسكر استاذ التاريخ بجامعة الملك سعودي قال في حديثه لااحدى الصحف والذي تناول الموت في التاريخ وفي الثقافات العالمية فقال.. شغل الموت الانسان منذ القدم، واثر الموت في معتقدات البشر، وقد وقف الانسان محتارا امام ظاهرة الموت، وقد ورد في ملحمة البابليين (حوالي الألف الثالث قبل الميلاد) المعروفة باسم جلجامش ما يفيد بحيرة البابليين تجاه هذه الظاهرة، مما جعل ويجعل الانسان يخاف من الموت، كارها له ومرتاعا لوقوعه، مع انه وقوع متكرر، وكان الفيلسوف اليوناني هوميروس يناشد طلابه واصدقاءه بتحاشي الحديث عن الموت، وكان يفكر دائما في معضلة وهي: البحث عن الخلود، ذلك أن الموت جزء من الحياة.
والغريب ان ظاهرة الخوف من الموت وما بعده استغل من قبل البعض لمراقبة سلوك الفرد في الحياة الدنيا، وبالتالي نصبوا أنفسهم أوصياء على الإنسان، وادعت ان بيدها الخلاص والخلود، وهو ما استدعى وجود ظاهرة النبوة المتتالية، على أن معظم الديانات القديمة تؤمن بوجود حياة أخرى بعد الموت، وكانت تطلق على تلك الحياة اسماء مثل: العالم الأسفل ودار الظلمة.
ونحن نجد أن ملاحم بلاد الرافدين وأساطيرها القديمة تقول ان الإنسان فشل في فهم ماهية الموت او قهره، بينما تطور الأمر مع الديانة الهندوسية التي رأت أن الجسد هو الذي يموت، أما الروح فهي خالدة، وهي بهذا خففت من صدمة الموت، طالما انه يصيب جسدا لا روح فيها، اما عند المصريين القدماء، فقد شغلتهم مسألة الموت، وهيمنت على تفكيرهم وعقائدهم، حتى كأن حياتهم وكأنها مقدمات للحياة الأخرى.
ويستطرد قائلا: ونجد في التوراة أن الموت من اختيار الإنسان، فهو الذي يختار بين: الخلود لو اختار الطريق الذي دله الله عليه، وهو الأكل من شجرة الجنة، أو المعرفة (معرفة الخير والشر) ومعها الموت، فاختار الثاني اي المعرفة ومعها المسؤولية ثم الموت، وقد أعطت النصرانية معنى أكثر شمولية وأكثر عمقا، فالأمر ليس اختيارا محضا بل هو ضرورة موضوعية، فالانسان محتاج الى الحرية، والحرية تجعل الاختيار ضروريا، والاختيار قد يؤدي الى الخطيئة، والخطيئة اساس الموت، وهذا ربط بين الحرية والاختيار والخطيئة والموت، وهو ربط يجعل الانسان ان يقوم بقهر الموت عن طريق قهر الخطيئة.
وفي تراث العرب قبل الإسلام تتكرر فكرة عجز الانسان عن تغيير ناموس الموت، وعنترة بن شداد يقول: فالموت لا ينجيك من آفاته حصن ولو شيدته بالجندل، اما الاسلام فقد أكد على حتمية الموت وعجز الإنسان التام حياله، والقرآن يقول {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
أما عن الموت في الثقافة العربية فيكمل.. ازدهرت ثقافة الموت والاحتضار والقبر في الثقافة العربية الإسلامية في صدر الاسلام نتيجة لسيادة ثقافة متوازية وهي ثقافة الزهد والقناعة والتصوف وطلاق الدنيا والتفرغ لأعمال الآخرة، وخير من يمثل هذه الثقافة أبوبكر بن عبدالله بن محمد بن ابي الدنيا المتوفي سنة 281ه الذي ألف عدة كتب تتناول موضوعات عدة لها علاقة بالموت وارهاصاته وما بعد مثل: من عاش بعد الموت، كتاب المنامات، كتاب المحتضرين، كتاب الموت، كتاب الزفير، كتاب البعث والنشور، وكان ابن ابي الدنيا يحرص على تتبع القصص والحكايات عن الموت ويسجلها دون مناقشة أو تدقيق، لذلك تجمع لديه كم هائل تشكل مادة يمكن أن تصور ثقافة المجتمع العربي في القرن الثالث الهجري، ففي كتاب المحتضرين يتحدث ابن ابي الدنيا عن: أحاديث وآثار في الاحتضار، حسن الظن بالله عند نزول الموت، مقالة الخلفاء عند حضور الموت، ما قالت الأمراء والملوك عند نزول الموت بها، الجزع عند الموت مخافة سوء المرد، من تمثل بشعر عند الموت
ما كتابه عن: من عاش بعد الموت فيورد حكايات أشخاص تحدثوا بعد وفاتهم أو مقتلهم، وفي الحكايات شيء كثير من فلسفة رهبة الموت، وما بعد، وكانت اسباب الموت كثيرة، لكن أحد مثقفي القرن الرابع الهجري، وهو الثعالبي الذي الف كتابا طريفا عنوانه: من قتله القرآن، وهو يقصد أولئك النفر الذين صرعهم سيف كلام الله العزيز الغفار، على حد تعبير أحدهم. والمقصود ان بعضهم لا يتحمل قوة آيات القرآن ودلالاته ومعانيه، وكان الامام الغزالي قد ألف رسالة عنوانها: اللحظات الأخيرة في حياة العظماء، وفيها يتحدث عن مواقف مؤثرة لرجال عظام وهم في نزع الموت وتحت سكراته.
وناشد عدد من المواطنين والمتطوعين البلديات خاصة بلدية صبيا بتعين حراس على المقابر كمقبرة العدايا والجمالة وقري صبيا والجميل بإن من يحفر القبور في جازان شباب متطوعين وكذا نظافة المقابر وصيانتها
نتعرف على حفر القبور في جازان قديما وحتي وقت قريب كان من يحفر القبور شخص واحد ومعروف وفِي كل قرية واحد لكن الان اصبح هناك العشرات من الشباب المتطوعين يسارعون عند سماعهم بموت احد الى حفر القبر وتجهيزه وإحضار المياه ولوازم الدفن وكنا نسمع قصص وحكايات تحدث لحفار القبور *والان نلتقي بعدد من هؤلاء لمعرفة الحقيقةقول المولى في كتابه العزيز (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) فالموت هو سنة من سنن الله في الأرض، ورغم أنه الحقيقة المطلقة في الحياة، إلا انه محاط بالكثير من الغموض الذي دفع ومنذ القدم بالكثير من الفلاسفة والعلماء الى تفسيره وتحليله، إلا انه بقي ذلك المصير المجهول وهو ما ولد الخوف والذي أنتج الكثير من القصص والاساطير التي تحدثت عن الموت وهوله، وبالطبع ليس هناك ما يثبت صدق تلك القصص وهل هي حقائق أم انها من صنع الخيال، أو أن فرط حساسيتنا من الموت والاموات بشكل عام جعل لدى البعض استعداداً نفسياً بحيث يصبح أي أمر قابلاً للتأويل، ام ان هناك اناساً لديهم قدرات فائقة يشاهدون أشياء لا يشاهدها غيرهم، والمثير أنهم كثر في مجتمعنا بالذات، فدائماً ما نستمع لقصص أناس شاهدوا حال الميت أو شمو رائحة الجنة في قبره، أو منعهم داب الارض من دفن ميتهم، فحددوا مقعده من النار.
وقد حاولنا ومن خلال هذا التحقيق ان نتعرف على الموت من مختلف الجوانب، وعلى احوال القبور وأهلها من خلال العاملين في المقابر وحفاري القبور، وكان هذا التحقيق
محمد فتحي في مقبرة احدى قرى صبيا كحارس متطوع كما انه يشارك في اعمال الحفر احياناً، حدثنا قائلاً..
اعمل في المقبرة وأعمل بها منذ سنوات
*
طويلة،لم أصادف خلالها أي أمر مخيف، بل على العكس ، وما يقال عن القبور من قصص ومشاهدات ليس لها اساس من الصحة، وفي تصوري انها محض خيال.
إلا انه تحدث في بعض الاحيان حوادث قد تكون بها شيء من الغرابة، فقد صادفتني حادثة لن أنساها في حياتي، فعادة في موسم الامطار تهبط الكثير من القبور نقوم وقتها بتصليحها، وردمها بالحصى والتراب، وفي بعض الحالات نقوم بعملية الدفن من جديد، هذا في حال الهبوط الحاد، وبالفعل هبط أحد القبور وكنا قد دفنا الميت – لا أعلم إن كان لامرأة أم رجل – منذ ستة أشهر وعندما فتحنا القبر تفاجأنا من وضعه فقد كان الميت محتفظاً بشكله تماماً ولم يتحلل منه شيء، ولم نشم أي رائحة. وقد اثار ذلك استغراب الجميع.
الاشجار تجلبها
ونفى مطاعن. م. *والذي يعمل منذ عشرين عاماً في المقبرة ان يكون هناك ثعابين في المقابر، وقال.. استغرب عندما اسمع البعض – هداهم الله – يروون القصص المختلفة عن وجود الثعابين في المقابر او داخل القبور المحفورة، ويبدأون في تأويل القصص حول أعمال الميت في الدنيا ويبحثون عن أخطائه، هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة فالثعابين على وجه العموم كانت تتواجد بكثرة في المقابر، وذلك بسبب الاشجار الموجودة، وعندما يرفض الثعبان الابتعاد عن قبر ما فلأنه يكون قد وضع بيضه في القبر او في إحدى الاشجار المحيطة، لذا فإنها لا تغادر المكان بسهولة لأنها تدافع عن بيضها.
واستطرد.. أما ان يقال بأن الثعبان ينتظر الميت حتى يعاقبه فهذا غير صحيح. والدليل على ذلك أنا ما عدنا نرى اي ثعابين
*
يصف يحي. م. *احوال القبور بقوله.. القبور تعرف من ساكنها فهناك قبور عندما نحفرها نشم بها رائحة طيبة، كما وان عملية الحفر لقبر ما قد لا تستغرق سوى ساعتين أو ثلاث ساعات، وقبر آخر يكون الحفر به بالغ الصعوبة قد يستمر أكثر، مع العلم بأنها نفس الأرض إلا أن المسألة تختلف من قبر لآخر، ولعل للأمر حكمة يعلمها الله وحده. والقبور بها الكثير من البركة والخير فوالله انني في كثير من الاحيان وفي حال هطول الامطار اصاب بالقلق من أن يأتينا ميت فيتضرر اهله من الطين لكنني أستغرب ان الارض وبمجرد توقف الامطار تنشف بسرعة غريبة، فيما لا تزال الشوارع مليئة بالمياه، تسهيلاً ورحمة من الله. وفي حال نفاد المياه المخصصة للشرب من المبردة والتي اقوم بتعبئتها بنفسي بمياه صحية، احلم بشخص يناديني بالاسم ويخبرني بذلك ويدعوني للاستيقاظ فوراً، لأن في الصباح هناك ميت سوف يأتي، أقوم بعدها لأتأكد من البراد فأجده انه على وشك النفاد، الغريب انه في الغد يأتي الميت كما رأيت
ويكمل حديثه.. ولقد تعلمنا ومن خلال معيشتنا في القبور أشياء كثيرة، واطلعنا على واقع البشر أمواتاً وأحياء، ولمسنا الوفاء بكل معانيه من خلال التزام البعض بزيارة ميتهم، وهنا أذكر قصة رجل ، وتوفيت زوجته منذ سنوات، وهذا الرجل يومياً يأتي ظهراً لزيارة قبر زوجته، ولا يمكن ان يخلف يوماً من غير أن يأتي، وهي صور تمثل مدى الوفاء الذي يحمله في نفسه.
خزعبلات
ويرى م. ع. *– والذي رفض ذكر اسمه – وعمل في المقابر متطوعاً على مدى سبعة عشر عاماً، ان ما يقال حول القبور من قصص كلام عار عن الصحة، وليس له أساس وقال.. الكثيرون يتوهمون احداثاً يروونها ويتداولها الناس فيما بينهم إلا أنها أمور غير صحيحة وقد تكون من الخيال أو وهم، وهناك قصة شهيرة لأحد الاخوة والذي يأتي بشكل منتظم للمساعدة في أعمال الدفن أو الحفر، كعمل خيري، حيث نذر نفسه لذلك بعد ان ذهب للمشاركة بدفنه أحدهم وحين عاد إلى المنزل سألته زوجته عن مصدر الطيب العالق في ثوبه، حينها أنكر معرفته لمصدر الطيب، إلا أنها ألحت عليه فصارحها بأن قبر الميت كانت تفوح منه روائح زكية من قوتها وتركيزها اضطر ومن معه للتلثم وقد كان ينوي ألا يخبر أحداً بهذه الحادثة إلا أنها حثته على نشرها على الناس يتعظون. ومنذ ذلك الحين وهو لا يفارق المقابر.
انا لا أصدق تلك الامور واعتبر ان الوهم قد يجر الانسان الى مناطق خطيرة، حتى أنه يؤمن بأن ما رأه لهو واقع بالفعل. ومن باب أولى أن تخرج من جثث الاطفال الاموات تلك الرائحة فهم مثال الطهارة والنقاء لم يقترفوا آثاماً أو ذنوباً في حياتهم، ومع ذلك فلم نسمع تلك الكرامات عن الاطفال الاموات. والميت أياً كان بعد أربعة أيام تبدأ رائحته تظهر، حيث يبدأ الجسم بالتعفن. أما عن مكان دفن الاطفال يقول.. عادة ما ندفن الاطفال مع الموتى، حتى الخديجين منهم، كما وندفن كذلك اعضاء الجسم المبتورة، اما حالات الاجهاض فتدفن في مقبرة مستقلة.
كما وأن سرعة الجنائز أو بطئها وارتباط ذلك بعمل الانسان فأنا أجد أن ذلك غير صحيح بل تتبع لمسائل نفسية، يأتينا أحياناً أربعة أو خمسة ميتين في حادث سيارة ترى ان الجنازة تمشي بنفس السرعة وليس سير الجنازة يتبع لأي مسائل أخرى بل يعتمد على من يحملون الميت وعلى حجمه، وليس لاعتبارات اخرى.
اما عن الثعابين فيقول، الثعابين لا نشاهدها إلا في حال ان تكون المقبرة في منطقة مزارع أو في المقبرة اشجار صغيرة – *– في هذه الحالة فقط نجد ان الثعابين تتواجد لأنها تعشعش في القبور، إذاً المسألة تتبع لطبيعة المنطقة المحيطة بالمقبرة ليس إلا
هذا ويوافق المتطوع علي. ع. .. ويقول.. لم اشاهد طوال سنين عملي والتي استمرت اكثر من خمسة عشر عاماً اي شيء من الممكن ان يسجل في ذاكرتي، واتوقع ان ما يتداوله الناس له ضرب من الخزعبلات ليس له اساس.
ضحايا الموروث الاستاذ احمد محمد طيري" علم نفس "قال
، الاستعداد لدى البعض بتصديق تلك الأمور أو رؤيتها قائلة.. للأسف فإن ثقافتنا تركز على الموت بشكل كبير وتهوله، ومن هنا يتولد الخوف من الموت وعدم المنطقية في التعاطي معه، ونحن لا ننكر ان الدين يأمرنا بالايمان بالحياة الأخرى كحقيقة، لكن المسألة تحولت لدينا إلى قلق، وأصبح لدى الكثيرين هاجس الوصول الى اجابة شافية على هذا السؤال “ماذا سيحدث لنا بعد الموت؟” وبالطبع أتى ذلك بسبب تعاملنا مع الموت بخوف، وهو ما يرجع لثقافتنا والتي تهول موضوع الموت، فالبشر هم نتاج الموروث الاجتماعي والثقافي والذي يرهب من الموت والقبر، تلك الثقافة بها الكثير من الخلط فهي تهتم بالعقاب أكثر من الثواب وأقصد العقاب ليس الدنيوي بل ما يحصل بعد الوفاة، وما يعنيه ذلك من عذاب القبر، لماذا لا نتحدث بنفس الدرجة عن رحمة الله التي هي الأساس في كل شيء؟
لماذا نغفل نعيم القبر؟ لماذا لا نتناول العقاب الدنيوي كسنة من سنن الله في الأرض، تسبق عقاب الآخرة؟
أما بالنسبة للأشخاص الذين يتعاملون مع الأموات سواء الذين يغسلون الميت أو يحفرون القبور أو العاملين في المقابر بشكل عام، فهم على الأغلب ثقافتهم بسيطة بالاضافة الى أن مهنتهم ذات صبغة درامية تتعامل مع الحزن بشكل مباشر، لذا فإنهم من أكثر الشخصيات القابلة للايحاء فيختلط لدى البعض الموروث الثقافي مع الحقيقة، فيتوهمون قصصا كثيرة، لأن ادراكنا للأمور يتأثر بأفكارنا الداخلية، وهنا تظهر المبالغة والتي تعتمد على اعطائنا أهمية مبالغة للموت كحدث.
في الثقافات العالمية
الدكتور عبدالله العسكر استاذ التاريخ بجامعة الملك سعودي قال في حديثه لااحدى الصحف والذي تناول الموت في التاريخ وفي الثقافات العالمية فقال.. شغل الموت الانسان منذ القدم، واثر الموت في معتقدات البشر، وقد وقف الانسان محتارا امام ظاهرة الموت، وقد ورد في ملحمة البابليين (حوالي الألف الثالث قبل الميلاد) المعروفة باسم جلجامش ما يفيد بحيرة البابليين تجاه هذه الظاهرة، مما جعل ويجعل الانسان يخاف من الموت، كارها له ومرتاعا لوقوعه، مع انه وقوع متكرر، وكان الفيلسوف اليوناني هوميروس يناشد طلابه واصدقاءه بتحاشي الحديث عن الموت، وكان يفكر دائما في معضلة وهي: البحث عن الخلود، ذلك أن الموت جزء من الحياة.
والغريب ان ظاهرة الخوف من الموت وما بعده استغل من قبل البعض لمراقبة سلوك الفرد في الحياة الدنيا، وبالتالي نصبوا أنفسهم أوصياء على الإنسان، وادعت ان بيدها الخلاص والخلود، وهو ما استدعى وجود ظاهرة النبوة المتتالية، على أن معظم الديانات القديمة تؤمن بوجود حياة أخرى بعد الموت، وكانت تطلق على تلك الحياة اسماء مثل: العالم الأسفل ودار الظلمة.
ونحن نجد أن ملاحم بلاد الرافدين وأساطيرها القديمة تقول ان الإنسان فشل في فهم ماهية الموت او قهره، بينما تطور الأمر مع الديانة الهندوسية التي رأت أن الجسد هو الذي يموت، أما الروح فهي خالدة، وهي بهذا خففت من صدمة الموت، طالما انه يصيب جسدا لا روح فيها، اما عند المصريين القدماء، فقد شغلتهم مسألة الموت، وهيمنت على تفكيرهم وعقائدهم، حتى كأن حياتهم وكأنها مقدمات للحياة الأخرى.
ويستطرد قائلا: ونجد في التوراة أن الموت من اختيار الإنسان، فهو الذي يختار بين: الخلود لو اختار الطريق الذي دله الله عليه، وهو الأكل من شجرة الجنة، أو المعرفة (معرفة الخير والشر) ومعها الموت، فاختار الثاني اي المعرفة ومعها المسؤولية ثم الموت، وقد أعطت النصرانية معنى أكثر شمولية وأكثر عمقا، فالأمر ليس اختيارا محضا بل هو ضرورة موضوعية، فالانسان محتاج الى الحرية، والحرية تجعل الاختيار ضروريا، والاختيار قد يؤدي الى الخطيئة، والخطيئة اساس الموت، وهذا ربط بين الحرية والاختيار والخطيئة والموت، وهو ربط يجعل الانسان ان يقوم بقهر الموت عن طريق قهر الخطيئة.
وفي تراث العرب قبل الإسلام تتكرر فكرة عجز الانسان عن تغيير ناموس الموت، وعنترة بن شداد يقول: فالموت لا ينجيك من آفاته حصن ولو شيدته بالجندل، اما الاسلام فقد أكد على حتمية الموت وعجز الإنسان التام حياله، والقرآن يقول {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
أما عن الموت في الثقافة العربية فيكمل.. ازدهرت ثقافة الموت والاحتضار والقبر في الثقافة العربية الإسلامية في صدر الاسلام نتيجة لسيادة ثقافة متوازية وهي ثقافة الزهد والقناعة والتصوف وطلاق الدنيا والتفرغ لأعمال الآخرة، وخير من يمثل هذه الثقافة أبوبكر بن عبدالله بن محمد بن ابي الدنيا المتوفي سنة 281ه الذي ألف عدة كتب تتناول موضوعات عدة لها علاقة بالموت وارهاصاته وما بعد مثل: من عاش بعد الموت، كتاب المنامات، كتاب المحتضرين، كتاب الموت، كتاب الزفير، كتاب البعث والنشور، وكان ابن ابي الدنيا يحرص على تتبع القصص والحكايات عن الموت ويسجلها دون مناقشة أو تدقيق، لذلك تجمع لديه كم هائل تشكل مادة يمكن أن تصور ثقافة المجتمع العربي في القرن الثالث الهجري، ففي كتاب المحتضرين يتحدث ابن ابي الدنيا عن: أحاديث وآثار في الاحتضار، حسن الظن بالله عند نزول الموت، مقالة الخلفاء عند حضور الموت، ما قالت الأمراء والملوك عند نزول الموت بها، الجزع عند الموت مخافة سوء المرد، من تمثل بشعر عند الموت
ما كتابه عن: من عاش بعد الموت فيورد حكايات أشخاص تحدثوا بعد وفاتهم أو مقتلهم، وفي الحكايات شيء كثير من فلسفة رهبة الموت، وما بعد، وكانت اسباب الموت كثيرة، لكن أحد مثقفي القرن الرابع الهجري، وهو الثعالبي الذي الف كتابا طريفا عنوانه: من قتله القرآن، وهو يقصد أولئك النفر الذين صرعهم سيف كلام الله العزيز الغفار، على حد تعبير أحدهم. والمقصود ان بعضهم لا يتحمل قوة آيات القرآن ودلالاته ومعانيه، وكان الامام الغزالي قد ألف رسالة عنوانها: اللحظات الأخيرة في حياة العظماء، وفيها يتحدث عن مواقف مؤثرة لرجال عظام وهم في نزع الموت وتحت سكراته.
وناشد عدد من المواطنين والمتطوعين البلديات خاصة بلدية صبيا بتعين حراس على المقابر كمقبرة العدايا والجمالة وقري صبيا والجميل بإن من يحفر القبور في جازان شباب متطوعين وكذا نظافة المقابر وصيانتها