المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 26 أبريل 2024
حق الطفل في التمتع بالحماية النفسية _ الجزء الأول
جنان صالح السماعيل
بواسطة : جنان صالح السماعيل 23-11-2020 01:18 صباحاً 19.6K
المصدر -  إن الطفل كالعجين، يسهل تشكيله بالشكل الذي يُريده اﻷبوين، فيبدع كلاً منهما في تشكيل تلك العجين بالشكل الذي يرضيهما، و أساس ذلك التشكيل يكمن في المعاملة التي تُمثل و بشكلٍ أساسي التأثير السلبي أو الإيجابي على نفسية الطفل و بالتالي تنعكس على تشكيلتهما لتلك العجين، فالطفل الذي يشعر براحة نفسية ليس كالطفل المدمر نفسياً..
- لكل أب و أم.. أختارا مسار نفسية طفلكما بعناية فائقة، فهي التي ستنعكس على تصرفاته و على مستقبله أيضاً.
فإن أساس بنيان الطفل هما والديه و أهم ما يساعد في ذلك البنيان هو نفسية الطفل و ترتكز الحالة النفسية للطفل على عدّة عوامل، منها ما هو مباشر و منها ما هو غير مباشر، و ربما تكون هناك عوامل كثيرة مبهمة لدى كلا اﻷبوين أو غير مهمة في ظنهما و هي في غاية اﻷهمية، و ربما أيضاً الكثير لا يلتفت إلى نفسية الطفل و لا يُعطيها أهمية كُبرى برغم أنها في غاية اﻷهمية.
- مدى تأثير الحاجز المتين الذي بين الطفل و والديه على نفسية الطفل.
كثيراً ما نرى اﻷبوين يضعا حاجز متين بينهما و بين الطفل، فيشعر الطفل بأن والديه مسؤولان عن مراقبة أخطاءه، فيبدأ بتهيئة نفسه على ألا يكشف لأبويه أي خطأ يرتكبه، فيبدع في أساليب الكذب عليهما خوفاً منه ألا يكون قد سلك المسار المرسوم له من قِبلهما، فلو عامل اﻷبوين طفلهما على أنهما أصدقاء له تارة و مراقبين له تارة أخرى، فسوف يشعر باﻷمان و بأن لا حاجز بينه و بينهما، و بالتالي لن يضطر إلى الكذب، ﻷنه أعتاد على مصارحتهما و اعتبارهما كأنهما إحدى أصدقاءه.
إن خلق ذلك الحاجز يسبب إضطراب في نفسية الطفل فما إن يرتكب خطأ يبدأ بالبحث عن كذبة ليُخفي ذلك الخطأ و يبقى غير مرتاح نفسياً في حياته ﻷننا أبناء آدم بطبيعتنا لا نبرح عن ارتكاب اﻷخطاء و اﻷكثر منّا ارتكاب هم اﻷطفال لأنهم لا يميزون بين الصواب و الخطأ و حتى و إن أدركوا الخطأ فهم لا يستطيعون تقدير مدى خطورة و عواقب ذلك الخطأ.
لذا لا بد أن يشعر الطفل براحة نفسية تامة، و بأن لا حاجز بينه و بين والديه، كي لا يتعب نفسياً و لا يضطر للكذب.
- التوبيخ المستمر.
أتذكر قصة حدثت لي مع أحد اﻷطفال.. كانت الطفلة قد ارتكبت خطأ و كنت قد علمت بذلك فسألتها ماذا حدث، فارتبكت الطفلة و ظهر عليها الخوف الشديد و بدأت بتأليف قصة كاذبة مختلفة تماماً عما حدث، و عندما قلت لها بأنني سأجازيك بهدية إن قلتِ لي الحقيقة و أعدك بأنني لن أضربك و لن أوبخك، بدأت مشاعر الخوف عندها تتلاشى و شعرت بأمان، فسردت لي القصة و أعترفت بأنها ارتكبت خطأ و أنها آسفة على ذلك الفعل و قدمت لي وعد بأنها لن تكرر ما فعلته، فسألتها عن سبب اختلاق القصة التي قالتها لي، فأجابت بأن والدتها توبخها عندما ترتكب خطأ و تُعاقبها حتى لو كانوا بين جماعة من الناس و هي تخشى من العقوبات المترتبة على الخطأ لذلك فهي أعتادت أن تُخفي أخطاءها بكذبة.
التوبيخ المستمر و التعامل القاسي مع الطفل يُدمر نفسيته و يأثر على أخلاقه فالطفل الذي يشعر بأمان لن يضطر إلى الكذب كالطفل الذي يعيش في حالة خوف و توتر.
و أعتياد الطفل على الكذب أمر في غاية الخطورة، فيسهل عليه ارتكاب الأخطاء و الانجراف مع تيار المنحطين أخلاقياً.
الراحة النفسية للطفل مرتبطة ارتباط وثيق بأخلاقه، فكلما شعر الطفل براحة نفسية زاد مستوى الرُقي الأخلاقي عنده.

فكما جاء في نص المادة الثالثة الفقرة الرابعة عشر من نظام حماية الطفل: يعد إيذاء أو إهمالاً تعرض الطفل لأي مما يأتي.. و ذكر [ كل ما يهدد سلامته أو صحته الجسدية أو النفسية ].
و التوبيخ المستمر للطفل يُعد شكل من أشكال التهديد النفسي للطفل.
- انا أفضل! أم أخي..
من أشكال التعب النفسي للطفل المقارنات المستمرة بينه و بين أخوته، و تفضيل أحدهما على الآخر و بشكلٍ ملحوظ فتظل اﻷم ترجّح أفعال واحد منهما على الآخر، و بذلك يشعر الطفل بأنه غير جدير للقيام بأي شيء، فإن قام بفعلٍ جيّد ستقوم والدته بتحطيمه بقولها.. أخوك فعل شيء أفضل مما فعلته أنت، لما لا تكون مثل أخوك و تبدع أكثر، أخوك أذكى منك، و إن قام بخطأ و أعترف به أمامها ستقوم بوضع ميزان و تذكر كل اﻷعمال الجيدة التي قام بها الأخ مقابل كل اﻷعمال السيئة التي اقترفها ذلك الطفل، و ترجح كفة اﻷخ على كفة ذلك الطفل فقط ﻷنه اقترف خطأ! حتى و إن كان ذلك الخطأ مغتفر.. و كأن أخوه منزّه عن ارتكاب الأخطاء.
يبقى الطفل مضطرب نفسياً و كثير التفكير.. لماذا أخي و ليس انا! كيف لي أن أكون انا اﻷفضل!
و قد ذُكر في نص المادة الثالثة الفقرة السادسة من نظام حماية الطفل.. يُعد إيذاء أو إهمالاً تعرض الطفل لأي مما يأتي و قد ذكر [ سوء معاملته ].
و المقارنات المستمرة و وضع الميزان و ترجيح كفة أخ على أخيه و بشكلٍ مستمر يُعد سوء معاملة للطفل و تدمير لنفسيته، فيشعر بالنقص لمجرد أنه ارتكب خطأ صغير، أو يخجل ﻷنه لا يبدع كما يبدع أخيه، و كأنه أقل مرتبة عما سواه.
- مدى تأثير علاقة اﻷبوين على نفسية الطفل.
الطفل الذي ينشأ في بيئة مستقرة و هادئة و مليئة بالحب و الأحترام ليس كالطفل الذي ينشأ مع أبوين جل أوقاتهما في خلاف و لا يوجد احترام لبعضهما.. اﻷب يضرب اﻷم أو اﻷم ترفع صوتها على اﻷب و ما إلى ذلك..
علاقة الزوجين بعضهما ببعض تنعكس و بشكلٍ مباشر على نفسية الطفل، إن كانت علاقة جيدة سنرى نفسية الطفل جيدة و العكس بالعكس، هذا و بالإضافة إلى العوامل المؤثرة اﻷخرى، حيث إنني لم أقصد بأن علاقة الأبوين هي العامل الوحيد في التأثير، و لكنني أرى أنه عامل مؤثر رئيسي.
لذلك لابد أن يعتاد اﻷبوين على أحترام بعضهما لبعض و إظهار الحب بينهما أمام الطفل حتى و إن كانت مشاعرهما على عكس ذلك، لأن الطفل لا ذنب له ليتحمل تلك المشاعر السيئة لوالديه تجاه بعضهما لبعض!
اﻷحترام و الحب مطلبان لا يُطلبان بين الزوجين، لكن مع وجود طفل بينهما أرى أن إظهار الأحترام و الحب إجباري و يصبحان مطلبان يُطلبان! فإن كان أحدهما لا يحترم الآخر أو لا يكن له مشاعر الحب فعلى الآخر طلب ذلك حتى لو كان تمثيلاً، ﻷن وجود الطفل في بيئة كتلك سيؤثر على نفسيته و بالتالي يحدث ما لا يحمد عقباه.
- نقاشات حادة بين الزوجين: كثيراً ما يحدث أن يتناقش الزوج مع زوجته في موضوع حساس و مثير لعصبية أحدهما أمام الطفل فترتفع اﻷصوات و الطفل لا حول له و لا قوة، و إذا حدث ذلك مرات عديدة سينفر الطفل من الجلوس مع والديه خوفاً منه أن تحدث مثل تلك النقاشات، و جلوس الطفل مع والديه أمر في غاية اﻷهمية فالطفل يحتاج إلى إحتواء و حنان و أمان، لكن مع حدوث تلك النقاشات المستمرة و ارتفاع أصوات الوالدين و ربما عدم إحترام أحدهما الآخر سينفر الطفل كما ذكرت و بالتالي لن يتحصّل على ما يحتاج إليه من إحتواء و حب و حنان.
و ربما يؤدي ذلك إلى لجوء الطفل إلى طرق أخرى محرّمة، ليحصل فيها على ما ينقصه من حب و حنان.
- ضرب الزوجة: كثير من الرجال مُعتاد على ضرب زوجته، و الزوجة ﻷي سبب من اﻷسباب تتستر على زوجها أو كما يُقال تصبر عليه.. و لو أنني أرى بأن لكل شيء حدوده فحتى الصبر و التنازل عن بعض الحقوق له حدود! و لكن لنقل بأنها تصبر عليه، فيستمر على ذلك التصرف السيء حتى بعد إنجاب طفل، و ﻷن الضرب أصبح بالنسبة له عادة فيضرب زوجته أمام طفلها من دون رحمة باﻷم و لا بطفلها، فهنا ليس فقط سيؤثر ذلك على نفسية الطفل بل سيدمر نفسيته!
فمشكلة الضرب إن لم تُحل منذ بادئ الأمر ستصبح عادة للرجل بأن يضرب زوجته، لذلك على الزوجة التي تتعرض للضرب من زوجها تدارك خطورة ذلك الموضوع قبل إنجاب طفل أو أكثر، ﻷن احترام زوجها حق لها و لكن هضمه لذلك الحق ليس فقط راجع عليها و حسب بل و إنه حق لطفلها أيضاً، فمن حق الطفل أن يتمتع براحة نفسية، و ضرب والده لوالدته مُدمر لنفسيته بالتالي لا يحق للزوجة أن تتنازل عن ذلك الحق و الذي هو الاحترام ﻷنه كما ذكرت ليس حق محصور عليها و حسب بل ممتد لأطفالها.
- غياب الحب و المودة بين أفراد العائلة: الحب في العائلة طاقة تنتشر بين أفرادها فتؤثر على نفسية كل فرد من أفراد العائلة فوجود الحب يشكّل كم هائل من المشاعر الإيجابية و التواصل المستمر و الراحة عند إجتماع أفراد تلك العائلة، و أما غياب الحب و خصوصاً بين الوالدين ينفّر الأفراد من إجتماعات تلك العائلة و بالخصوص اﻷطفال الذين يتأثرون نفسياً لعدم وجود حب بين والديهم.
قد كنت في إحدى المرات جالسة مع فتاة صغيرة..
- قالت لي انا لا أحب أبي.
- سألتها و لما؟
- أجابت: لأنه لا يحب أمي.
- و من قال لكِ أنه لا يحب أمك؟
- انا أعلم أنه لا يحبها.. فهو لا يعاملها معاملة جيدة و لا يحب الجلوس معها إذ إنه يقضي جل وقته مع أصحابه و لا يعجبه ما تفعله له، و حتى أنه لا يقول لها شكراً عندما تقدّم له طلباته.
لذلك انا لا أحبه و لا أحب الجلوس معه، و انا أخشى أنني إذا أصبحت فتاة كبيرة يتزوجني رجل مثل والدي لا يحبني.


هذه إحدى القصص التي أراها أو أسمع بها، حيث إن الوالدين لا يبالون بما يؤثر على نفسية الطفل ظناً منهما بأن تلك الأمور غير مؤثرة أساساً أو أن تأثيرها بسيط و غير مهم، و لكنني أؤكد بأن تلك اﻷمور و بالخصوص الحب بين أفراد العائلة مهم جداً و مؤثر.
يجب الالتفات إلى مثل تلك اﻷمور البسيطة أو التي نراها بسيطة، ﻷنها عوامل مؤثرة على نفسية الطفل، و تمتع الطفل بنفسية جيدة و مرتاحة تعتبر حق من حقوق الطفل.
- الطلاق أم البقاء!
و يحصل أن تنتهي العلاقة الزوجية فعلياً مع بقاء العقد شكلياً.. بحجة وجود اﻷطفال!
الزواج ليس عقد و حسب بل كما قال الله تعالى: ( و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الروم (١٢).

البقة الجزء الثاني
https://garbnews.net/news/s/179060