- أريد أن تعطينا موعداً للغداء!
شكراً جزيلاً ولكن أرجو أن تعفيني.
لا بد أن تعطينا موعداً!
لماذا؟
لأنّ حقك علينا كبير، ونريد أن نكرمك.
ولكن هذا ليس إكراماً. أنت تحرمني من الوقت الوحيد الذي أقضيه مع أولادي، وتزعجني دون مبرّر.
ولكن حقك علينا كبير ونريد أن نكرمك ولا بدّ أن نقوم بالواجب.
لديّ اقتراح يحل مشكلتي ومشكلتك. ابعث إليّ بثمن الذبيحة لأحوله إلى مشروع خيري، فتقوم أنت بالواجب، وأنجو أنا من ويلات العزيمة.
هذه المحاورة – أو ما يشابهها – دارت عشرات المرّات بيني وبين مواطنين أحباء يصرّون على (إكرامي). ولا أشك أن لكل قارئ تجربة مماثلة مع (العزايم والولايم)؛ وبديهي أن الراغبين في الدعوة لا يستهدفون التنغيص على المدعو أو إرباك برنامجه اليومي، وربما الطبي؛ ولكن ينطلقون من أهداف كريمة ودوافع نبيلة. غير أنّهم لا يدركون أنه بتغير الظروف لم تعد الضيافة بالضرورة مرادفة للكرم. بإمكان الإنسان اليوم أن يذبح الخرفان دون أن يكون كريماً بالمعنى الحقيقي. وبإمكانه – بكل تأكيد – أن يكون كريماً إلى أقصى الحدود دون اللجوء إلى الخرفان! كيف؟ خلال معظم تاريخنا كانت الضيافة والكرم وجهين لعملة واحدة، كان البدوي الذي يذبح لضيفه شاةً يتبرع في الواقع بعشر ثروته وربما نصفها. كانت أدوات الضيافة – الماشية والأنعام – هي نفسها المقياس الحقيقي للثروة. وكان إنفاق المال في إطعام الجائعين أنبل وسيلة للتعبير عن الكرم في مجتمع لم يخلُ من جائعين. غير أن الامور لم تعد على هذا النحو في أيامنا. لم يعد الناس يتنقلون في الصحراء على الجمال أو مشياً على الأقدام، وبالتالي لم تعد الوجبة تعني الفارق بين الموت والحياة. وبظهور النفط والدولارات وسيارات المرسيدس والمازدا لم يعد (للذبيحة) معناها الاقتصادي القديم. ومع وجود ألف وسيلة ووسيلة لعمل الخير، لم يعد الطبخ والنفخ الأسلوب الأمثل لشكر الخالق والإحسان إلى المحتاج. إن الشخص الذي يتبرع لجمعية خيرية بألف ريال أكرم في نظري بكثير من الشخص الذي يدفع عشرة آلاف ريال فاتورة فندق لصديق ثري لا يحتاج هذا المبلغ. إن العرب – بالتأكيد – أكثر الناس ضيافة، ولكني أتحدى من يزعم أنهم أكرم الناس. وعلى من يشك في هذه الحقيقة أن يراجع ما قدّمه أثرياء الغرب وأثرياؤنا للأعمال الخيرية. وسيجد أن (ربعنا) تفوقوا في عدد (البعارين) و (الخرفان) و (التيوس) أما (ربعهم) فقد تفوقوا – للأسف – في عدد المدارس والملاجئ والمستشفيات. مع الاعتذار لأحفاد حاتم طيء!!! وما زالت الدعوة قائمة لكل من يريد (إكرامي) بالأسلوب الذي أشرت إليه.
- مقالة من كتابه: في رأيي المتواضع*