المصدر -
الغربية - متابعة - فوز العواد :
خالت أنها أفلتت اخيراً من بين أنيابه، لتكتشف متأخرة انها غائصة في متاهاته اللامتناهية. مايا ما زالت تعاني تبعات طيشها، الذي قادها الى معاشرة من استغلها جنسياً بالإكراه عبر الانترنت.
تروي مايا ما حدث لها مع "Angel 72" (عنوان البريد الالكتروني) الذي وجدت نفسها مصادفة تتواصل معه. "كذّب عليّ فأقنعني انه فتاة تدعى أنجل"، تقول ابنة الـ17 ربيعاً في محاولة لالتماس العذر لنفسها. تتردد بداية في البوح، قبل ان تشرع في الكشف عن لعنة طاردتها منذ اكثر من ثلاث سنوات. "مذذاك انقلبت حياتي رأساً على عقب"، تعترف الفتاة. تذكر انها كانت ما تزال في بدايات سني مراهقتها، عندما انزلقت في اجواء العالم الافتراضي. حاصرتها الشبكة العنكبوتية من كل جوانب براءتها، حتى كادت تصيبها مقتلاً. مايا "الطفلة"، ما عادت كذلك. يبدو ذلك جلياً من ثبات شخصيتها ونضج انفعالاتها التي تشي بامرأة، بعدما اقدمت على الانتحار مرتين، وفشلت. كان كل شيء عادياً، وكانت المحادثات شبه يومية، تستمر ساعات طويلة ومتأخرة من الليل، الى ان طلب منها ان تشغّل الكاميرا خاصتها. في البدء ترددت الفتاة مشترطة الطلب عينه، فأفهمها انجي انه يستخدم كومبيوتراً قديماً ليس فيه كاميرا، فانطلت عليها كذبة اخرى. اصبحت الكاميرا من صلب طقوس الغش اليومي، فتزايدت الطلبات... "اذكر اني كنت أُترَك وحيدة في المنزل، بانتظار عودة اهلي من العمل". طلب منها الكشف عن ثدييها. "خجلت لكني ابديت موافقة سريعة"، تؤكد مايا، موضحة انها قامت بحركات اخرى لم تكن تفطن الى معناها آنذاك، لكن تخجل اليوم من استحضارها. تلتقط الفتاة غصتها وتنهداتها مع انفاسها اللاهثة وراء الكلمات الحارقة. تنبش الماضي القريب، فتحتبس دمعة مكابرة داخل عينيها الواسعتين. عندما حصلت المقابلة الاولى في حديقة عامة مجاورة لمنزل الفتاة، كانت الصدمة التي مهّدت لصدمات متتالية لاحقاً. بايجاز... "هددني بفضح امري ونشر الفيديوهات والصور على الإنترنت، ما لم انفذ كل ما يأمرني به"، تقول مايا بغضب تعتصره حسرة. رضخت الفتاة مكرهة لابتزازات مادية وجنسية، بعدما ادركت انه قواد محترف. "أجبرني على ممارسة الجنس الفموي"، تقول، مشيرة الى انه لم يحصل بينهما علاقة جنسية كاملة. بقي طيف انجي يلاحقها حتى اكتشفت موته بجرعة زائدة من المخدرات قبل سنة ونيِّف. "شعرت حينذاك بأن العناية الالهية تدخلت وفكّت أسري اخيراً"، تقول الفتاة، مصطنعة ابتسامة مبتسرة في الفراغ. مايا، واحدة من عشرات الحالات محلياً، ممن ما زالوا حتى اليوم يعانون هزات نفسية بالغة الأثر من جراء ماض أرعن.
يُعدّ الاستغلال الجنسي على الانترنت ظاهرة جديدة قديمة، تتفاوت حدّتها ما بين دولة واخرى، تبعاً لثقافة البلد، والاساليب التربوية والاجتماعية، والقوانين المعمول بها داخل منظومة المجتمع. هذه الظاهرة، التي باتت مثار قلق شديد لدى المهتمين وأرباب الاسر الواعين، كانت الطفرة التكنولوجية الهائلة على صعيدي الاتصالات والمعلومات، السبب الاساس في تحولها من مشكلة افتراضية الى حقيقة ملموسة تتطلب تحركاً دولياً سريعاً على صعيد الوزارات واللجان والجمعيات المعنية للسيطرة عليها والحد من تفاقمها.
وتؤكد احدث الأرقام العلمية ان المدة التي يمضيها الاولاد في تصفح الانترنت هي 6 الى 10 ساعات يومياً. عالمياً، تُعدّ بريطانيا في طليعة الدول الاجنبية التي دقت ناقوس الخطر (عشرات الجرائم في الأعوام الأخيرة)، فأجبرت عملاقي محركات البحث Google وMicrosoft على الشروع في حملة واسعة النطاق، لمناهضة التحرس الجنسي بالأولاد واستخدام صورهم في المواقع التي تروّج لمواد ذات مضمون إباحي. أضف الى ذلك المحاولات الحثيثة، بالتعاون مع الانتربول الدولي، لملاحقة عنوان (IP address) كل مروّج او متصفح لمواد خلاعية يعاني الشذوذ الجنسي وأمراض البيدوفيليا (التحرش الجنسي بالاطفال) في القانون في لبنان، يجرِّم اللبناني بما لا يقل عن 6 سنوات سجن مع اشغال شاقة، كل من يكره قاصراً (لم يتمَّ 18 سنة) على ممارسة الفحشاء، مستخدما التهديد والإكراه وممارسة الضغوط بوسائل عدة. الا ان القانون عينه يغفل تحرشاً مماثلاً على الانترنت، في ظل غياب قانون معلوماتية لبناني فاعل.
بالعودة الى مايا، فـ"إن الوحدة التي عانتها داخل عائلتها كانت السبب الاساس في انحرافها على هذه الشاكلة"، تقول المستشارة الاجتماعية نور كرم، مشيرة الى ان غياب الاهل وعدم وجودهم في المنزل لإحاطة مايا، كاد ان يودي بحياتها، إذ ان النقص العاطفي وغياب الروابط العائلية جعلاها تلتفت الى الخارج وتصطدم بالمجهول. في المقابل، تلقي المتخصصة في علوم الاجتماع ميشلين نمور اللوم على المدرسة، الى جانب العائلة طبعاً، لِما يمكن ان تقوم به الاولى على صعيد التربية والتوجيه والتحذير من الاستغلال الذي يمكن ان يواجهه المراهقون على صعيد الشبكة العنكبوتية، مشددة على تطوير مناهج التعليم في المدارس لإدراج حصة او اثنتين اسبوعياً من شأنها تثقيف الولد وتوعيته على كيفية استخدام الوسائل الرقمية الحديثة، خصوصاً لجهة تعامله مع الإنترنت.
أخيراً، مع التوسع الكبير لمستخدمي التواصل الاجتماعي حديثاً، يحذر خبراء في مجال الأمن الالكتروني من ان فئة الاولاد او القاصرين، هي المستهدفة من المواقع الاعلانية الاباحية والمصطادين في الماء العكر. من هنا، فإن إنشاء جمعية سلامة الإنترنت، بالتعاون مع وزارتي الاتصالات والداخلية، بات حاجة ملحة أكثر من كل وقت مضى، الى جانب تعزيز التربية الإفتراضية في المدارس وداخل العائلة.
" النهار "