المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 16 أبريل 2024

للباحث في الشؤون الإيرانية : علي عاطف حسان

جواسيس إيران في غرب أفريقيا   #تحت_الأضواء
بواسطة : 12-06-2019 07:07 صباحاً 24.2K
المصدر -  



منذ انطلاق الثورة الإيرانية عام 1979، توجّهت أنظار قادتها الجدد إلى العالم الخارجي في محاولة منهم إلى تصدير الثورة التي تحمل بالأساس فكراً توسعياً إلى الخارج عن طريق استغلال العامل المذهبي والطائفي في إثارة الأقليات في الدول المجاورة لتحقيق مآرب سياسية بالدرجة الأولى.

وكانت المنطقة العربية، وبالتحديد العراق، أولى هذه الدول التي يستهدفها النظام الإيراني الجديد، حيث قام آية الله روح الله الخميني، من قاد الثورة والنظام الجديد لاحقاً، بدعوة شيعة العراق وجيشه إلى الثورة على النظام العراقي آنذاك بزعامة الرئيس الراحل صدام حسين، الأمر الذي قاد في النهاية إلى حرب الثمان سنوات (1980-1988).

لم تستطع إيران خلال هذه الفترة أن تنشط، بشكل فعّال، سعياً لتحقيق انتشارها وتكوين خلايا لها، إلا أنه بمجرد انتهاء هذه الحرب فقد بدأ النظام الإيراني السعي للانتشار في منطقة الشرق الأوسط وغيرها بغية التوسع.

وكان من بين المناطق الرئيسية التي وجّه النظام الإيراني أنظاره إليها هي قارة أفريقيا وبالتحديد في مناطق غرب هذه القارة ودولها؛ نظراً لما تتمتع به من خصائص ومزايا تُعد عوامل مساعدة على مثل هذا الانتشار لا تتسم بها مناطق أخرى في هذه القارة.

وكلاء إيران في افريقا
العوامل التي ساعدت إيران على التغلغل في دول غرب أفريقيا

تبرز على الاجتماعية والدينية والاقتصادية عدد من العوامل التي كانت من الأسس التي اعتمد عليها النظام الإيراني في محاولته للتغلغل في دول غرب أفريقيا وكانت من العوامل المساعدة لذلك من أهمها:

- تشكيل المسلمين لأغلبية السكان في هذه المنطقة، فعلى سبيل المثال تحتل نيجيريا المرتبة الخامسة في العالم كله، وليس في أفريقيا فقط، من حيث أكبر تعداد للمسلمين بالداخل والأولى في أفريقيا حيث يبلغ عدد المسلمين بها أكثر من 95 مليون نسمة يمثل السنة غالبيتهم(1) وذلك من بين تعداد سكان كلي يبلغ 149 مليون نسمة(2)، كما يشكل المسلمون 92% من نسبة السكان في السنغال(3) من حوالي 16 مليون نسمة حسب إحصائيات البنك الدولي.(4)

- تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر بين نسبة كبيرة من سكان هذه الدول. وفي هذا الصدد، تقع دولة مالي، بغرب أفريقيا، بين الدول الـ 25 الأكثر فقراً على مستوى العالم بناتج محلي إجمالي، مقارناً بمعدل القوة الشرائية أو قيمة جميع السلع والخدمات النهائية المنتجة، ضعيف للغاية يزيد قليلاً عن 41 مليار دولار.(5) كما تبلغ نسبة إجمالي الناتج المحلي في ساحل العاج، طبقاً لنفس مؤشر القياس المتخذ مع مالي، 97.16 مليار دولار ويقع حوالي نصف السكان، أكثر من 46%، تحت خط الفقر.(6)

- تسببت العوامل السابقة، إلى جانب العديد من العوامل الاجتماعية الأخرى كانخفاض نسبة التعليم والأمية بين المواطنين، إلى أن يكون الكثير من مواطني هذه البلدان عرضة لتأثيرات خارجية خاصة سواء فكرية أو دينية أو إيديولوية.

دوافع التغلغل الإيراني في دول غرب أفريقيا

تتعدد الدوافع التي جعلت من صانع القرار في إيران يضع قارة أفريقيا من أولويات سياساته الخارجية. ومن أبرز هذه العوامل هي الأهمية الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تمثلها وتمتلكها أفريقيا.

وتحت عنوان "أهمية قارة أفريقيا لإيران...القوة الاقتصادية الهائلة التي لم ينظر إليها أحد"(7) نشرت وكالة أنباء مهر الإيرانية شبه الرسمية تقريراً لها في 25 يوليو 2016 يمكن القول إنه يلخص ويبرز وجهة النظر الإيرانية بشكل عام حول أهمية قارة أفريقيا لهذا البلد. كان من أبرز الجوانب التي ارتكز عليها التقرير هو الجانب الاقتصادي، حيث جاء في التقرير، طبقاً لتقديرات دولية اعتمد عليها، أن لدى أفريقيا "96% من معدن الماس، 13% من النحاس، 65% من الذهب، 30% من الثوريوم واليورانيوم، وحوالي 25% من الطاقة الكهرومائية في العالم"وغير ذلك، بالإضافة إلى النفط.

وتطرق التقرير إلى جانب ثانٍ حول أهمية أفريقيا لدى إيران، ألا وهو الجانب الأمني. حيث جاء فيه "من الناحية الجيوسياسية، فإن وقوع أفريقيا بين قارات آسيا وأوروبا ومرور 4 قنوات مائية استراتيجية بحرية بها هي قناة السويس، مضيق جبل طارق، وباب المندب، ورأس الرجاء الصالح، يجعلها ذات أهمية خاصة لدى إيران.

وجاءت الأهمية الثقافية في المرتبة الثالثة بالتقرير حيث ذكر أن أكثر من 55% من سكان أفريقيا مسلمون كما أن معدل نمو السكان المسلمين بها أعلى من أية قارة أخرى. ويُلاحظ هنا أن مغزى التقرير من كونهم مسلمين هو اعتقاده بأن ذلك يُيسر من عملية اعتماده على البعض منهم بطرق ملتوية.

وأورد التقرير أن الأهمية السياسية الدولية للدول الأفريقية من وجهة نظر إيران، والتي جاءت في المرتبة الرابعة حسب التقرير، تكمن في أن الدول الأفريقية تشكل حوالي ثلث أعضاء منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى المرتبطة بها وهو ما يمكن أن يمثل ثقلاً سياسياً كبيراً بها في ظل العزلة الدولية التي تقابلها بفعل سياساتها الإقليمية ومع دول العالم الأخرى كالولايات المتحدة الأمريكية.

إذاً يمكن القول إن أهمية أفريقيا لدى صناع القرار في طهران تكمن في 4 جوانب هي الأمنية، الثقافية، السياسية الدولية، والاقتصادية. ويزداد ذلك بالتدريج مع العزلة الدولية التي تواجهها إيران خلال الفترة الأخيرة.

خريطة تحركات إيران
كيف تنشط استخبارات إيران في غرب أفريقيا

بناء على ما سبق من حديث حول دوافع التغلغل الإيراني في دول غرب أفريقيا، سلكت إيران العديد من الطرق لمحاولة تنشيط أدواتها الأمنية والاستخباراتية من أجل نشر والتوسع في حركة التشيع في هذه الدول، وكان من أهم وأبرز هذه الأدوات الاستخباراتية:

- السفارات والقنصليات:

تأتي السفارات والقنصليات الإيرانية في هذه الدول، كمثلها في العديد من الدول الأخرى، على رأس الأدوات، أو "الجواسيس"، الذين تستخدمهم إيران في تحقيق مشروعها الإيديولوجي والبراجماتي في نفس الوقت. ويتولي السفراء والدبلوماسيون الإيرانيون في أكثر من 30 دولة أفريقية في دول غرب أفريقيا هذه المهمة من خلال المشاركة والتعاون مع دور النشر لتنظيم حلقات نقاش وطباعة كتب تهدف لنشر لفكر الشيعي بين هذه المجتمعات بالأساس.

ويشارك دبلوماسيو إيران في منظمات ومؤسسات فكرية بهذه الدول يبثون من خلالها الفكر الشيعي "على النهج الإيراني" كما يقومون بمهمة أخرى وهي مهمة استخباراتية بالأساس تتمثل في جمع معلومات عن الدول العاملين بها تُرسل لطهران لتتولى منظمات تابعة للحرس الثوري وحزب الله الموالي لإيران باقي المهمة التي بدأها الدبلوماسيون. كما تقوم السفارات الإيرانية ودبلوماسيوها بدور مهم للغاية يتمثل في إقامة شبكة واسعة من العلاقات مع سياسيي ورجالات المجتمع بدول غرب أفريقيا تهدف من خلالها إلى تجذير وتأصيل تشعبها داخل أوساط المجتمعات المعنية حتى تتمكن بالأساس من التحرك بحرية.

- المراكز الثقافية والجماعات الشيعية:

تنشط داخل العديد من دول غرب أفريقيا مراكز ثقافية إيرانية تتبع في الغالب للسفارات نفسها. وتقوم هذه المراكز بأنشطة ثقافية وفكرية تهدف إلى نشر التشيع في هذه الدول. وتعتمد إيران في ذلك على تنظيم ندوات أو لقاءات أو حتى طباعة وتوزيع كتب الغرض منها نشر أيديولوجية النظام الإيراني وأفكار الخميني حول التشيع وتصدير الثورة.

ويقوم حزب الله التابع لإيران بدور بارز في هذه الأنشطة، حيث يقوم بالمساعدة في بناء المراكز الثقافية والحسينيات للهدف المذكور. فعلى سبيل المثال، قام النظام الإيراني وحزب الله بالتعاون معاً في دولة ساحل العاج لبناء مثل هذه المراكز والحسينيات التي يتركز أغلبها في العاصمة أبيدجان التي تكتسب ثقلاً كبيراً لكونها ملتقى الجاليات القادمة من الدول المجاورة مثل غانا وليبيرا ومالي. ولذا، فإن التأثير الإيراني في أبيدجان يؤثر بالتالي على الدول المجاورة مما يعطي إيران زخماً قوياً في هذه المنطقة. ولكن هذه الأموال تأتي في الغالب بطرق غير مشروعة كتجارة المخدرات التي تُعد غرب أفريقيا معبراً لها.(8)

ولم يستخدم النظام الإيراني هذه الطريقة فقط في ساحل العاج بل وفي الدول المجاورة. فنيجيريا، كمثال آخر، لم تسلم من ذلك وقامت طهران بتأسيس العديد من المؤسسات الداعمة للفكر الشيعي على النهج الإيراني وكان من أبرزهم في هذا البلد "حيدر نيجيريا" التي تنشط كثيراً على شبكة الانترنت بوصفها شيعية تدعو لهذا الفكر.(9)

وبالإضافة إلى ذلك أسست إيران بعض الجماعات الشيعية التي يتخذ بعضها من العنف في أحيان كثيرة وسيلة لفرض نفسه. وتأتي جماعة "الحركة الإسلامية في نيجيريا"، أو كما يُطلق عليها "الحركة الشيعية"، كأبرز مثال على ذلك. وتُعد هذه الحركة جماعة مسلحة يقودها أحد رجال الدين الموالين لإيران بشكل مطلق وهو إيراهيم الزكزاكي النيجيري وباتت هذه الجماعة تتشابك مع قوات الأمن في بعض الأحيان لمحاولة فرض نفسها.(10)

- جامعة المصطفى:

تُعد جامعة المصطفى، التي يشرف عليها المرشد الإيراني علي خامنئي، من أبرز أدوات السياسة الخارجية الإيرانية في نشر نفوذها في الخارج من خلال المذهب. تملك هذه الجامعة فروعاً في دول غرب أفريقيا وتفتح أبوابها للطلاب الأفارقة مجاناُ في أحيان كثيرة.

تقوم جامعة المصطفى بتدريس عدد من المناهج للطلاب منها علم التوحيد والفلسفة والتاريخ والأديان واللغة الفارسية. تنصب هذه المناهج بالأساس على الفكر المذهب الشيعي في محاولة من الجامعة لجذب مثقفي هذه الدول نحوه. ومثالاً على ذلك، تملك جامعة المصطفى فرعاً لها في باماكو، عاصمة دولة مالي، يتكون أغلب طلابها من المناطق الريفية خارج العاصمة وتوفر لهم سكناً مجانياً وطعاماً وسفراً لإيران لاستكمال دراستهم هناك.

والجدير بالذكر هنا أن هذا الفرع يقع على بعد أمتار قليلة من السفارة الأمريكية هناك. ويشكل الطلاب الماليون في هذه الجامعة "جزءاً من المجتمع الشيعي الصغير في مالي الذي يتكون من حوالي 10 آلاف أسرة في بلد تشكل الأغلبية السنية فيه حوالي 95% من السكان البالغ عددهم 15 مليون نسمة"(11)

- التقية الاقتصادية و المساعدات الإنسانية:

وإلى جانب ما سبق الحديث عنه من آليات، تعمل إيران من ناحية أخرى على التوسع في مشروعاتها الاقتصادية في دول غرب أفريقيا من خلال توثيق صلاتها بمسؤولي هذه الدول للتمكن في النهاية من إيجاد موطئ قدم قوي لها داخل هذه الدول من الأدوات الاقتصادية.

ولكن الأمر هنا لا يبدو اقتصادياً فقط فهو يخفي خلفه العديد من النوايا السياسية والمذهبية. فالاقتصاد، وعلى الرغم من حاجة إيران إلى تنويع مصادر تعاملاتها التجارية الخارجية مع مختلف الدول، يُعد واحدة من أهم الوسائل التي تؤسس لنشاط إيراني قوي سياسي واستخباراتي تمكنها من التأثير في النهاية على أفكار ومذاهب شعوب غرب أفريقيا. وفي هذا الصدد يُذكر أن إيران أنشأت فرعاً لمصنع "خودرو" للسيارات في السنغال عام 2006 ووقعت على عدد من الاتفاقيات معها ومع عدد آخر من مجموعة هذه الدول خلال السنوات السابقة.(12)

إيران سامة
-رجال الأعمال التابعين للحرس الثوري وحزب الله:

ساعد إيران في إيجاد موطئ قدم اقتصادي لها داخل قارة أفريقيا وجود شيعة لبنانيين وعراقيين في هذه البلدان بعضهم موالي لحزب الله، وبالتالي لإيران، ويتقن اللغة الفرنسية طبقاً للأوساط التي جاؤوا منها في البداية. وأصبح بعضٌ من أفراد الجاليات اللبنانية والعراقية في مجموعة دول غرب أفريقيا هم الدعامة الأساسية التي مهدت لبروز إيران سياسياً واقتصادياً ومذهبياً في غرب أفريقيا.

فقد عمل شيعة من لبنان في غرب أفريقيا على التعاون مع النظام الإيراني بعد عام 1979 لنشير التشيع داخل هذه البلاد من خلال الاعتماد على الاقتصاد بالأساس والتوغل داخل المجتمع لنشر الفكر الشيعي، ثم جاء حزب الله ليتولي مهمة أساسية في هذا الصدد هدفها مذهبي سياسي وطرقها تجارية واقتصادية.(13) وتركز الأنشطة الإيرانية في الوقت الحالي على اقتصاد دولة ساحل العاج؛ التي تملك ثاني أكبر ميناء بقارة أفريقيا حتى باتت مجموعة من المستثمرين الشيعة هي المسيطرة على اقتصاد ساحل العاج.