المصدر -
جمعت إيران في 12 مايو (أيار) 2016 طلابًا من 30 دولة أفريقية في مؤتمر تحت شعار «الأطروحة المهدَوية وواقع أتباع أهل البيت عليهم السلام في أفريقيا»؛ وهو ما يؤكد الاستراتيجية الجديدة لطهران تجاه أفريقيا والتي تعتمد على بناء النفوذ المدني والسياسي قبل تحويل ذلك النفوذ لقوة عسكرية تدور في فلك المصالح العليا الإيرانية وبالرجوع للمؤتمر وأهدافه، نجد أن الجهات الرسمية الإيرانية تعتبره أكبر مشروع قومي لنشر التشيع والتعريف بالإمام المهدي ورسالة المهدي في ثلاثين دولة أفريقية.
يعرف المتخصصون في الشأن الأفريقي أن الجانب الديني الطائفي يلعب دورًا كبيرًا في الاستراتيجية الإيرانية طويلة الأمد في أفريقيا، التي انطلقت بداية ثمانينات القرن العشرين.
ففي ظل الصراعات الدولية على خيرات «القارة السمراء» عملت طهران على بناء نفوذ تتفرد به عن تلك القوى المتنازعة خاصة بدول غرب أفريقيا. ووفقًا لعدد من الباحثين في الشأن الأفريقي فإن إيران استطاعت تحقيق إنجازات نوعية في هذا المجال، وأخذت توسّع من مصالحها عبر بناء نظام مؤسساتي شيعي أفريقي تابع لمرشد الجمهورية الولي الفقيه.
يأتي ذلك تتويجًا لجهود شبكة منظمة من القادة والدعاة الشيعة الموالين لإيران والعاملين على تنفيذ الخطة المشار إليها أعلاه.
وهكذا استطاعت طهران اليوم تشبيك مجالات نشاطها المتنوع، والذي يشمل النفوذ السياسي والاقتصادي، ليصل إلى بناء نفوذ اجتماعي طائفي منظم وعسكري ميليشياوي، كما هو الشأن بالنسبة لـ«حزب الله النيجيري» الذي يتزعمه الزكزاكي.
استغلال هشاشة الوضع
كانت إيران منذ بداية تغلغلها بغرب أفريقيا، واعية بأنها تشتغل في وسط هشّ وصراعي، متنوع دينيا وعرقيا ويفوق عدد سكانه 250 مليون نسمة؛ ويضم كلا من جمهوريات: موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وساحل العاج والغابون وجامبيا وغينيا بيساو وغينيا وغانا ونيجيريا وبنين وتوغو وليبيريا وسيراليون والرأس الأخضر.
من الناحية الدينية الإسلامية تتبع هذه المنطقة في عمومها المذهب السنّي المالكي، وترتبط بشكل وثيق بالتديّن المغربي الوسطي المعتدل، ولا توجد فيها من الناحية التاريخية سوابق للمذهب الجعفري، أو ما شابهه من الفرق الشيعية.
ولكن رغم ذلك استطاعت إيران في العقدين الماضيين تحقيق اختراقات مهمة للنسيج الديني والاجتماعي في غرب أفريقيا من خلال المنظمات الخيريَّة الشيعية الحكومية والأهلية، وتلك المرتبطة بكل من المراكز التَّعليمية والثَّقافية، والمشاريع الاقتصاديَّة الاستثماريَّة.
وهو ما أخذ ينتج بعض الحواضن الاجتماعية لعقيدة الشِّيعة الاثنا عشريَّة في غرب القارة، خاصة في نيجيريا والسنغال وساحل العاج.
وقاد عملية التوسّع من الناحية الدينية «المجمع العالمي لأهل البيت»، ومن الناحية العسكرية الحرس الثوري الإيراني الذي لا تقتصر مهامه على تدريب الطلاب الوافدين من القارة، بل يصل عمله إلى الإشراف على بعض المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كانت حدود عمل الحرس الثوري غير واضحة ولا يتم كشفها بالكامل إلا بين الفينة والأخرى، كما وقع عام 2010 حين اعترضت نيجيريا في البحر شحنة أسلحة إيرانية؛ فإن عواقبه أدت لقطع جامبيا لعلاقاتها مع إيران وكذلك إلغاء مشاريع وبرامج التعاون معها. وأظهرت النشاط العسكري والاستخباراتي في هذه العملية، حيث تبين أن شخصيتين من «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، هما سيد أكبر طهماسبي وعظيمي أغاجاني، أشرفا على العملية ولجآ إلى السفارة الإيرانية في العاصمة أبوجا بعد كشف أمريهما.
ورغم التأثير السلبي لمثل هذا الحدث العسكري، تبقى المجهودات «الدعوية والثقافية» التي يقودها من المركز «المجمع العالمي لأهل البيت»، بإشراف من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في تزايد مستمر؛ من ناحية الكيف والنوع، خاصة بعد التمدد المؤسساتي الشيعي في غرب القارة الأفريقية.
تشبيك مؤسساتي للتشيّع
ومن المبادرات الجديدة في هذا الصدد تأسيس «رابطة عموم أفريقيا لآل البيت» يوم الأربعاء 10 أغسطس (آب) 2016؛ وإعلان زعماء الحوزات الشيعية في أفريقيا بدء نشاطها بعد خمسة أيام من التأسيس في ندوة صحافية في العاصمة السنغالية داكار التي تعتبر مقرًا للرابطة.
وقد أكد أبو جعفر، الأمين العام للرابطة، للصحافة أن «الرابطة أصبحت الإطار الجامع للشيعة الأفارقة وستعمل من أجل تعليمهم وتربيتهم وترسيخ قيم السلم الاجتماعي في مجتمعات القارة كافة، وأن الرابطة انتخبت مكتبًا مؤقتًا سيدير نشاطها إلى أن ينعقد المؤتمر العام للشيعة الأفارقة قريبًا لانتخاب قيادة دائمة».
وعندما نعود لتركيبة هذه المؤسسة الجديدة، نجد أن الاستراتيجية الإيرانية الجديدة، أخذت تولي اهتماما بالغا لغرب القارة، وتكوين جيوب دينية واجتماعية، تعزيزا للمجهودات الاقتصادية والاستخباراتية لطهران بالمنطقة.
فقد اعتمدت في تأسيس الرابطة على شخصيات دينية لها وجاهة اجتماعية في مناطق بدولة غرب أفريقيا. وفي هذا السياق يمكن فهم اختيار بكار ولد بكار القيادي الشيعي الموريتاني رئيسًا للرابطة، فيما انتخبت الشيخ السنغالي شريف أمبالو أبو جعفر أمينًا عامًا.
والإثيوبي الشيخ محمد علي يوسف الجروتي نائبًا للرئيس مكلفًا بالمنطقة الشمالية، فيما اختير الشيخ آدامو قاسيسو (من موزمبيق) نائبًا للرئيس مكلفا بالمنطقة الشرقية، والشيخ عبد الله عادل أنتولولو (من الكونغو برازافيل) نائبا للرئيس مكلفًا بالمنطقة الوسطى، في حين كلّف الشيخ محمد تاحايبو (من جنوب أفريقيا) نائبًا للرئيس بالمنطقة الجنوبية.
ومن ساحل العاج اختير إمام عبدول الناظر دمبا نائبا للرئيس مكلفا بالمنطقة الغربية، وكلف جواد شيبو (من النيجر) أمينا بالمالية.
ويكشف البيان التأسيسي للرابطة، جزءا من الأهداف الأساسية لإيران بالمنطقة، حيث يعتبر «أن تأسيس الرابطة ينبع من منطلقات عدة، بينها اقتناع المؤسسين بأن عدد أتباع آل البيت في أفريقيا يزداد حيث إنه تجاوز الملايين، وإيمانهم كذلك بأن أفريقيا هي القارة التي لا تزال تعاني من آثار الاستعمار ومن التغيير التعسفي للأنظمة، ومن الفقر والبطالة.. ومن دواعي تأسيس رابطة عموم أفريقيا لآل البيت كذلك، حرص المؤسسين على ضمان أمن وسلامة ورفاه الشعوب الأفريقية بعامة وأتباع آل البيت بخاصة.. وتهيئة الظروف المواتية لظهور الإمام الحجة عليه السلام».
البروبغاندا والمؤسسات الشيعية
ورغم أن بعض الإحصائيات تشير إلى أن عدد الشيعة في غرب أفريقيا يقدر بنحو 7 ملايين شخص، فإن هناك صعوبة بالغة في إثبات هذا الزعم الذي تروّج له أساسا المؤسسات الشيعية الإيرانية خاصة المجمع العالمي لآل البيت، والمؤسسات التابعة له بأفريقيا.
ومن ذلك ما صرح به إمام عبدول الناظر دمبا، زعيم شيعة ساحل العاج لصحيفة «كل الأخبار» العراقية بأن التشيّع في بلاده يجري بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران».
وادعى أن «التشيّع يسير بخطى ثابتة، وأن هذا السير سيمكن من إعلان دولة ساحل العاج للمذهب الجعفري مذهبا رسميا في أفق السنوات العشر المقبلة». وفي نفس منحى «البروبغاندا» الإيرانية زعم أحد قادة المبشّرين الشيعة، وهو محمد دار الحكمة، إن «التوجه نحو الانسلاخ عن مذهب أهل السنة والجماعة واعتماد المذهب الشيعي في تنام مطّرد بدول غرب أفريقيا».
في المقابل، إذا كان الواقع المعيش بغرب أفريقيا يثبت خطورة التغلغل الشيعي ويجعل من ولائه لإيران حقيقة لا غبار عليها؛ فإن هذا الواقع يثبت كذلك أن ظاهرة التشيع تواجه تحديات جمّة شعبيًا، مما يجعلها محصورة في مناطق أغلبها معزول وليس لها لحد الآن تأثير مقدّر من الناحيتين السياسية والاجتماعية، إذا ما استثنينا نيجيريا وإلى حد ما السنغال وساحل العاج.
وفي إثيوبيا يبدو أن التشيع محصور بالعاصمة أديس أبابا وفي إقليم نغلي بورنا، وفي إريتريا تبدو الظاهرة محدودة في مدينتي أسمرا ومصوّع.
دور المغتربين اللبنانيين
للشيعة في ساحل العاج مراكز ومؤسسات عربية وفرنكفونية كثيرة، منها على سبيل المثال: المركز الإسلامي العربي الأفريقي، والجمعية الإسلامية الثقافية للدعوة والإرشاد في أبيدجان ومجمّع الزهراء الثقافي، وهو مجمّع ثقافي ودعوي، ومقر هذه المؤسسات بالعاصمة.
وهناك المركز الشيعي الجعفري في غران باسام، والمركز اللبناني في بلدية ماركوري ومؤسسة الإمام الصادق في أمباتو.
أما أبرز مؤسسة شيعية فرنسية فتتمثل بـ«جمعية الإمام الصادق الفرنكفونية» ومركزها في أبيدجان وهي تسعى للتواصل مع النخب وتوسيع دائرة تداول الأفكار الشيعية، ويلاحظ أن المغتربين اللبنانيين يلعبون دور «الدينامو» في هذه المؤسسة، خاصة في أوساط الشباب الذين درسوا في الخارج، وكذلك النخب التجارية.
وفي السنغال يتمتع الشيعة بنوع من الحرية في الحركة، ولهم تمويل قوي بعضه من إيران وجزء منه من الشخصيات التجارية الشيعية العراقية واللبنانية، ويتزعم الشيعة في السنغال محمد علي شريف، وهو من أصول موريتانية، وينشط في المجال التجاري بين والسنغال وموريتانيا وتلقى تعليمه بفرنسا وله إصدارات باللغتين الفرنسية والعربية.
ويظهر الوجود الشيعي أساسًا في العاصمة داكار ومناطق كازامانس وكولدا وانغاسان ودار الهجرة في مدينة غوناس وكولاخ وكار مدارو في إقليم تياس ودارا جلوف.
أما عن موريتانيا فإن التشيع فيها محصور في منطقة نائية تابعة اجتماعيا للزعيم الشيعي الموريتاني بكار بن بكار الذي يرتبط بالمرجعية «السيستانية»، وذلك بعدما اعتنق المذهب الشيعي منذ 2006م، ولقد احتفل بعض أتباعه بطريقة رمزية عام 2011 بذكرى عاشوراء لأول مرة.
عموما يبقى موضوع التشيع بغرب أفريقيا محط كثير من الإشاعات التي تروّجها إيران وبعض المؤسسات التابعة لأجندتها، خصوصا ما يتعلق بعدد المتشيّعين وانتشار المذهب ومؤسساته.
غير أن هذا لا ينفي الخطورة التي أخد يكتسبها الاختراق الإيراني الطائفي للنسيج الاجتماعي السني بغرب أفريقيا، حيث تركز إيران على مناطق انتشار المذهب السنّي المالكي، مع غياب كامل في المناطق المسيحية والوثنية.
واستطاعت فعلاً بناء نفوذ أفقي مقدر داخل بعض النخب المؤثرة.
من جهة أخرى، تعمل إيران على ربط التشيّع المحلي بالسياسة الدولية لإيران وأهدافها القومية، مما يهدد غرب أفريقيا بمزيد من التوترات والحروب الداخلية، خاصة مع تنامي الصراع الدولي على أفريقيا، والتي تدخلت فيها إيران بتكوين وتجهيز، «حزب الله النيجيري» الذي تجاوز تأثيره نيجيريا ليمسّ عموم منطقة غرب أفريقيا.
يعرف المتخصصون في الشأن الأفريقي أن الجانب الديني الطائفي يلعب دورًا كبيرًا في الاستراتيجية الإيرانية طويلة الأمد في أفريقيا، التي انطلقت بداية ثمانينات القرن العشرين.
ففي ظل الصراعات الدولية على خيرات «القارة السمراء» عملت طهران على بناء نفوذ تتفرد به عن تلك القوى المتنازعة خاصة بدول غرب أفريقيا. ووفقًا لعدد من الباحثين في الشأن الأفريقي فإن إيران استطاعت تحقيق إنجازات نوعية في هذا المجال، وأخذت توسّع من مصالحها عبر بناء نظام مؤسساتي شيعي أفريقي تابع لمرشد الجمهورية الولي الفقيه.
يأتي ذلك تتويجًا لجهود شبكة منظمة من القادة والدعاة الشيعة الموالين لإيران والعاملين على تنفيذ الخطة المشار إليها أعلاه.
وهكذا استطاعت طهران اليوم تشبيك مجالات نشاطها المتنوع، والذي يشمل النفوذ السياسي والاقتصادي، ليصل إلى بناء نفوذ اجتماعي طائفي منظم وعسكري ميليشياوي، كما هو الشأن بالنسبة لـ«حزب الله النيجيري» الذي يتزعمه الزكزاكي.
استغلال هشاشة الوضع
كانت إيران منذ بداية تغلغلها بغرب أفريقيا، واعية بأنها تشتغل في وسط هشّ وصراعي، متنوع دينيا وعرقيا ويفوق عدد سكانه 250 مليون نسمة؛ ويضم كلا من جمهوريات: موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو والسنغال وساحل العاج والغابون وجامبيا وغينيا بيساو وغينيا وغانا ونيجيريا وبنين وتوغو وليبيريا وسيراليون والرأس الأخضر.
من الناحية الدينية الإسلامية تتبع هذه المنطقة في عمومها المذهب السنّي المالكي، وترتبط بشكل وثيق بالتديّن المغربي الوسطي المعتدل، ولا توجد فيها من الناحية التاريخية سوابق للمذهب الجعفري، أو ما شابهه من الفرق الشيعية.
ولكن رغم ذلك استطاعت إيران في العقدين الماضيين تحقيق اختراقات مهمة للنسيج الديني والاجتماعي في غرب أفريقيا من خلال المنظمات الخيريَّة الشيعية الحكومية والأهلية، وتلك المرتبطة بكل من المراكز التَّعليمية والثَّقافية، والمشاريع الاقتصاديَّة الاستثماريَّة.
وهو ما أخذ ينتج بعض الحواضن الاجتماعية لعقيدة الشِّيعة الاثنا عشريَّة في غرب القارة، خاصة في نيجيريا والسنغال وساحل العاج.
وقاد عملية التوسّع من الناحية الدينية «المجمع العالمي لأهل البيت»، ومن الناحية العسكرية الحرس الثوري الإيراني الذي لا تقتصر مهامه على تدريب الطلاب الوافدين من القارة، بل يصل عمله إلى الإشراف على بعض المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية.
وإذا كانت حدود عمل الحرس الثوري غير واضحة ولا يتم كشفها بالكامل إلا بين الفينة والأخرى، كما وقع عام 2010 حين اعترضت نيجيريا في البحر شحنة أسلحة إيرانية؛ فإن عواقبه أدت لقطع جامبيا لعلاقاتها مع إيران وكذلك إلغاء مشاريع وبرامج التعاون معها. وأظهرت النشاط العسكري والاستخباراتي في هذه العملية، حيث تبين أن شخصيتين من «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، هما سيد أكبر طهماسبي وعظيمي أغاجاني، أشرفا على العملية ولجآ إلى السفارة الإيرانية في العاصمة أبوجا بعد كشف أمريهما.
ورغم التأثير السلبي لمثل هذا الحدث العسكري، تبقى المجهودات «الدعوية والثقافية» التي يقودها من المركز «المجمع العالمي لأهل البيت»، بإشراف من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في تزايد مستمر؛ من ناحية الكيف والنوع، خاصة بعد التمدد المؤسساتي الشيعي في غرب القارة الأفريقية.
تشبيك مؤسساتي للتشيّع
ومن المبادرات الجديدة في هذا الصدد تأسيس «رابطة عموم أفريقيا لآل البيت» يوم الأربعاء 10 أغسطس (آب) 2016؛ وإعلان زعماء الحوزات الشيعية في أفريقيا بدء نشاطها بعد خمسة أيام من التأسيس في ندوة صحافية في العاصمة السنغالية داكار التي تعتبر مقرًا للرابطة.
وقد أكد أبو جعفر، الأمين العام للرابطة، للصحافة أن «الرابطة أصبحت الإطار الجامع للشيعة الأفارقة وستعمل من أجل تعليمهم وتربيتهم وترسيخ قيم السلم الاجتماعي في مجتمعات القارة كافة، وأن الرابطة انتخبت مكتبًا مؤقتًا سيدير نشاطها إلى أن ينعقد المؤتمر العام للشيعة الأفارقة قريبًا لانتخاب قيادة دائمة».
وعندما نعود لتركيبة هذه المؤسسة الجديدة، نجد أن الاستراتيجية الإيرانية الجديدة، أخذت تولي اهتماما بالغا لغرب القارة، وتكوين جيوب دينية واجتماعية، تعزيزا للمجهودات الاقتصادية والاستخباراتية لطهران بالمنطقة.
فقد اعتمدت في تأسيس الرابطة على شخصيات دينية لها وجاهة اجتماعية في مناطق بدولة غرب أفريقيا. وفي هذا السياق يمكن فهم اختيار بكار ولد بكار القيادي الشيعي الموريتاني رئيسًا للرابطة، فيما انتخبت الشيخ السنغالي شريف أمبالو أبو جعفر أمينًا عامًا.
والإثيوبي الشيخ محمد علي يوسف الجروتي نائبًا للرئيس مكلفًا بالمنطقة الشمالية، فيما اختير الشيخ آدامو قاسيسو (من موزمبيق) نائبًا للرئيس مكلفا بالمنطقة الشرقية، والشيخ عبد الله عادل أنتولولو (من الكونغو برازافيل) نائبا للرئيس مكلفًا بالمنطقة الوسطى، في حين كلّف الشيخ محمد تاحايبو (من جنوب أفريقيا) نائبًا للرئيس بالمنطقة الجنوبية.
ومن ساحل العاج اختير إمام عبدول الناظر دمبا نائبا للرئيس مكلفا بالمنطقة الغربية، وكلف جواد شيبو (من النيجر) أمينا بالمالية.
ويكشف البيان التأسيسي للرابطة، جزءا من الأهداف الأساسية لإيران بالمنطقة، حيث يعتبر «أن تأسيس الرابطة ينبع من منطلقات عدة، بينها اقتناع المؤسسين بأن عدد أتباع آل البيت في أفريقيا يزداد حيث إنه تجاوز الملايين، وإيمانهم كذلك بأن أفريقيا هي القارة التي لا تزال تعاني من آثار الاستعمار ومن التغيير التعسفي للأنظمة، ومن الفقر والبطالة.. ومن دواعي تأسيس رابطة عموم أفريقيا لآل البيت كذلك، حرص المؤسسين على ضمان أمن وسلامة ورفاه الشعوب الأفريقية بعامة وأتباع آل البيت بخاصة.. وتهيئة الظروف المواتية لظهور الإمام الحجة عليه السلام».
البروبغاندا والمؤسسات الشيعية
ورغم أن بعض الإحصائيات تشير إلى أن عدد الشيعة في غرب أفريقيا يقدر بنحو 7 ملايين شخص، فإن هناك صعوبة بالغة في إثبات هذا الزعم الذي تروّج له أساسا المؤسسات الشيعية الإيرانية خاصة المجمع العالمي لآل البيت، والمؤسسات التابعة له بأفريقيا.
ومن ذلك ما صرح به إمام عبدول الناظر دمبا، زعيم شيعة ساحل العاج لصحيفة «كل الأخبار» العراقية بأن التشيّع في بلاده يجري بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران».
وادعى أن «التشيّع يسير بخطى ثابتة، وأن هذا السير سيمكن من إعلان دولة ساحل العاج للمذهب الجعفري مذهبا رسميا في أفق السنوات العشر المقبلة». وفي نفس منحى «البروبغاندا» الإيرانية زعم أحد قادة المبشّرين الشيعة، وهو محمد دار الحكمة، إن «التوجه نحو الانسلاخ عن مذهب أهل السنة والجماعة واعتماد المذهب الشيعي في تنام مطّرد بدول غرب أفريقيا».
في المقابل، إذا كان الواقع المعيش بغرب أفريقيا يثبت خطورة التغلغل الشيعي ويجعل من ولائه لإيران حقيقة لا غبار عليها؛ فإن هذا الواقع يثبت كذلك أن ظاهرة التشيع تواجه تحديات جمّة شعبيًا، مما يجعلها محصورة في مناطق أغلبها معزول وليس لها لحد الآن تأثير مقدّر من الناحيتين السياسية والاجتماعية، إذا ما استثنينا نيجيريا وإلى حد ما السنغال وساحل العاج.
وفي إثيوبيا يبدو أن التشيع محصور بالعاصمة أديس أبابا وفي إقليم نغلي بورنا، وفي إريتريا تبدو الظاهرة محدودة في مدينتي أسمرا ومصوّع.
دور المغتربين اللبنانيين
للشيعة في ساحل العاج مراكز ومؤسسات عربية وفرنكفونية كثيرة، منها على سبيل المثال: المركز الإسلامي العربي الأفريقي، والجمعية الإسلامية الثقافية للدعوة والإرشاد في أبيدجان ومجمّع الزهراء الثقافي، وهو مجمّع ثقافي ودعوي، ومقر هذه المؤسسات بالعاصمة.
وهناك المركز الشيعي الجعفري في غران باسام، والمركز اللبناني في بلدية ماركوري ومؤسسة الإمام الصادق في أمباتو.
أما أبرز مؤسسة شيعية فرنسية فتتمثل بـ«جمعية الإمام الصادق الفرنكفونية» ومركزها في أبيدجان وهي تسعى للتواصل مع النخب وتوسيع دائرة تداول الأفكار الشيعية، ويلاحظ أن المغتربين اللبنانيين يلعبون دور «الدينامو» في هذه المؤسسة، خاصة في أوساط الشباب الذين درسوا في الخارج، وكذلك النخب التجارية.
وفي السنغال يتمتع الشيعة بنوع من الحرية في الحركة، ولهم تمويل قوي بعضه من إيران وجزء منه من الشخصيات التجارية الشيعية العراقية واللبنانية، ويتزعم الشيعة في السنغال محمد علي شريف، وهو من أصول موريتانية، وينشط في المجال التجاري بين والسنغال وموريتانيا وتلقى تعليمه بفرنسا وله إصدارات باللغتين الفرنسية والعربية.
ويظهر الوجود الشيعي أساسًا في العاصمة داكار ومناطق كازامانس وكولدا وانغاسان ودار الهجرة في مدينة غوناس وكولاخ وكار مدارو في إقليم تياس ودارا جلوف.
أما عن موريتانيا فإن التشيع فيها محصور في منطقة نائية تابعة اجتماعيا للزعيم الشيعي الموريتاني بكار بن بكار الذي يرتبط بالمرجعية «السيستانية»، وذلك بعدما اعتنق المذهب الشيعي منذ 2006م، ولقد احتفل بعض أتباعه بطريقة رمزية عام 2011 بذكرى عاشوراء لأول مرة.
عموما يبقى موضوع التشيع بغرب أفريقيا محط كثير من الإشاعات التي تروّجها إيران وبعض المؤسسات التابعة لأجندتها، خصوصا ما يتعلق بعدد المتشيّعين وانتشار المذهب ومؤسساته.
غير أن هذا لا ينفي الخطورة التي أخد يكتسبها الاختراق الإيراني الطائفي للنسيج الاجتماعي السني بغرب أفريقيا، حيث تركز إيران على مناطق انتشار المذهب السنّي المالكي، مع غياب كامل في المناطق المسيحية والوثنية.
واستطاعت فعلاً بناء نفوذ أفقي مقدر داخل بعض النخب المؤثرة.
من جهة أخرى، تعمل إيران على ربط التشيّع المحلي بالسياسة الدولية لإيران وأهدافها القومية، مما يهدد غرب أفريقيا بمزيد من التوترات والحروب الداخلية، خاصة مع تنامي الصراع الدولي على أفريقيا، والتي تدخلت فيها إيران بتكوين وتجهيز، «حزب الله النيجيري» الذي تجاوز تأثيره نيجيريا ليمسّ عموم منطقة غرب أفريقيا.