المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 10 نوفمبر 2025
ابراهيم علي الفقيه
ابراهيم علي الفقيه
ابراهيم علي الفقيه

كحول يبحث عن جريمة

في زمنٍ صارت فيه الأرقام تُعرّف الإنسان أكثر من اسمه، و”السكور” يُقاس به صدق النية قبل القدرة على السداد، برزت ظاهرة غريبة تتجاوز حدود المنطق والعقل، بطلها شخص يُعرف بين الوسطاء باسم “الكحول” — صاحب السكور العالي الذي يظن أن رقمه الذهبي هو طريقه إلى الغنى، بينما في الحقيقة هو يسير بخطى ثابتة نحو الهاوية. الكحول، بخياله المأسور وراء الأوهام، يبحث عن جريمة مالية يلبسها كما يلبس أحدهم ثوبًا جديدًا، لا يدرك أنه بذلك يتحول من ضحية للأوهام إلى شاهد زور على نفسه.

حول الكحول تدور شبكة الوسطاء، يحركون أحلامه كما يشاؤون، يبيعونه وعودًا مغلفة بالأرقام والاحتمالات، يقنعونه أن الديون الكبيرة فرص، وأن نقل المديونيات “مشروع حياة”، حتى يجد نفسه يوقع على أوراق ليست له، ويلبس أعباء لم يرتكبها، بينما يصفق له الجميع كمن أنجز بطولة مالية. كل ذلك تحت ظل شخصية غامضة ابتدعها الوسطاء وأطلقوا عليها اسم “المنفذ”، رجل لا وجود له إلا في خيال الضحية، يُقدَّم كصاحب الحل والعقد، وكأن مصير الأموال، بل ومصير الناس، بيده. يركض الكحول خلف هذا المنفذ كالمجرم الذي يحاول الدخول إلى السجن ليقضي فيه بقية عمره، لكن المفارقة أنه لا يجد الباب، لأن السجن نفسه خيال، والمنفذ ظل، والصفقة التي يسعى إليها لا وجود لها إلا في فكر الطامعين.

هذه الظاهرة التي انتشرت في الظل ليست مجرد عبث مالي، بل خطر اقتصادي حقيقي، إذ يتم استغلال أصحاب السكورات المرتفعة لتحمل ديون ضخمة نيابة عن شركات متعثرة أو أفراد غارقين في الالتزامات، مما يجعل النظام المالي مهددًا بفقدان مصداقيته. حين يتحول الرقم الائتماني من وسيلة للثقة إلى أداة للتمويه، يصبح المال بلا ضمير، ويغدو الذكاء المالي مرادفًا للغباء الممنهج.

الحل يبدأ من وعي الفرد قبل القوانين. يجب حماية أصحاب السكورات العالية عبر رقابة صارمة على نقل المديونيات، ومحاسبة الوسطاء الذين يتاجرون بالأحلام، وتثقيف المجتمع حول معنى المسؤولية الائتمانية، حتى لا يتحول الحلم إلى فخ، والسكور المرتفع إلى عبء ثقيل.

وفي النهاية يبقى الكحول يركض وراء جريمة لم يجد بابها، كل رقم يلمع في سجله يحمل ذنبًا لغيره، وكل وعد يختفي لحظة الاقتراب منه. إنها مأساة من نوع جديد؛ جريمة يرتكبها الغباء بثقة، ويُحاكمها الواقع بلا رحمة.

في عالم الإسكورات، لا تبحث عن جريمة لتلبسها… فبعض الأرقام أثقل من القيود
بواسطة : ابراهيم علي الفقيه
 0  0  2.2K