"أروح أطوّطح إيديني"
"أروح أطوّطح إيديني؟" .. كلمة بسيطة، خرجت بعفوية، لكنها كانت بمثابة الطلقة الأولى في حرب صامتة أعلنت القطيعة بين الأهل والمعارف، بل حتى بين زملاء العمل ورفاق الدرب.
كانت البساطة يومًا عنوانًا للودّ، ومفتاحًا للقلوب، وزادًا للجلسات. كانت الزيارة تُقاس بنيّة طيبة، ووجه بشوش، وقلبٍ يحمل المحبة لا الهدايا. أما اليوم، فقد أصبحت الزيارة مشروعًا يحتاج إلى ميزانية، وتخطيط، وربما قرض صغير!
لم تعد النوايا تكفي.
فإن ذهبت بيدٍ فارغة، حملت معك على ظهرك كل أحكام التقصير والخذلان والبخل. وإن أعددت الطعام بيدك، وأغرقت البيت بروائح الطهي، استكثروا عليك الكرم، وقالوا: "لماذا لم يُطلب لنا من المطعم؟ أهذه ضيافة؟"
وإن قدّمت ما استطعت، قالوا: "الناس تقدم أكثر."
وإن بالغت، قالوا: "يريد أن يُظهر نفسه."
فما عدنا نعرف ماذا نُرضي: الأذواق أم القلوب؟
ما عدنا نعلم أين نقف بين الكلفة والمودة، بين التكلّف والبساطة.
في زمنٍ مضى، كانت الرائحة الطيبة من قدرٍ يغلي في المطبخ، كفيلة أن تجعل الزائر يشعر بأنه في بيته، بأن ثمة من ينتظره بشوق.
أما اليوم، فإن لم تكن الحلويات من "ماركة" مشهورة يتغنّى بها أحد المؤثرين، أو لم تُصوَّر المائدة بزاوية فنية تنال إعجاب متابعي التواصل، فالأجواء لا تليق، والضيافة لا تشفع.
كم من بيتٍ انطفأت فيه جمعة الأحبة، وكم من علاقةٍ بُترت خيوطها لأن أحدهم لم "يُحضر معه شيئًا"، أو لم يُقابل بذات "المستوى".
فأصبحت صلة الرحم تُقاس بما تحمله الأيدي، لا بما تحمله القلوب.
ما أقسى أن يتحوّل الفرح بالزيارة إلى قلقٍ من المقارنة.
وما أشدّ الألم حين تُقابل نيتك الخالصة بنظرات استنقاص، فقط لأنك اخترت أن "تطوّطح إيدينك".
كأننا نسينا أن الألفة لا تُشترى، وأن الودّ لا يُغلف، وأن الكرم الحقيقي هو ما ينبت من القلب، لا مما يسطع على الصحون.
ألهذا الحدّ صارت البساطة تُحرج؟
وصار التواضع يُهين؟
وصار الذي "يدخل فارغ اليدين" يُتهم في محبته؟
يخنقني الحنين لتلك الزيارات التي كانت تبدأ بمصافحة صادقة، وتُختم بضحكة دافئة، دون هدايا، دون صور، دون تكلّف.
كان اللقاء لوجه الله، لا لوجه الانستغرام.
فهل نعيد لتلك الكلمة براءتها؟
هل نعود لنُطوّطح أيدينا، ونملأ قلوبنا؟
علّنا نُعيد ما انقطع، ونُرمم ما تهدّم، ونفهم أن الزيارة لا تحتاج أكثر من نية صافية، وخطوة نحو من نحب
بقلم الكاتبة:وسميه محمد العبيدان
كانت البساطة يومًا عنوانًا للودّ، ومفتاحًا للقلوب، وزادًا للجلسات. كانت الزيارة تُقاس بنيّة طيبة، ووجه بشوش، وقلبٍ يحمل المحبة لا الهدايا. أما اليوم، فقد أصبحت الزيارة مشروعًا يحتاج إلى ميزانية، وتخطيط، وربما قرض صغير!
لم تعد النوايا تكفي.
فإن ذهبت بيدٍ فارغة، حملت معك على ظهرك كل أحكام التقصير والخذلان والبخل. وإن أعددت الطعام بيدك، وأغرقت البيت بروائح الطهي، استكثروا عليك الكرم، وقالوا: "لماذا لم يُطلب لنا من المطعم؟ أهذه ضيافة؟"
وإن قدّمت ما استطعت، قالوا: "الناس تقدم أكثر."
وإن بالغت، قالوا: "يريد أن يُظهر نفسه."
فما عدنا نعرف ماذا نُرضي: الأذواق أم القلوب؟
ما عدنا نعلم أين نقف بين الكلفة والمودة، بين التكلّف والبساطة.
في زمنٍ مضى، كانت الرائحة الطيبة من قدرٍ يغلي في المطبخ، كفيلة أن تجعل الزائر يشعر بأنه في بيته، بأن ثمة من ينتظره بشوق.
أما اليوم، فإن لم تكن الحلويات من "ماركة" مشهورة يتغنّى بها أحد المؤثرين، أو لم تُصوَّر المائدة بزاوية فنية تنال إعجاب متابعي التواصل، فالأجواء لا تليق، والضيافة لا تشفع.
كم من بيتٍ انطفأت فيه جمعة الأحبة، وكم من علاقةٍ بُترت خيوطها لأن أحدهم لم "يُحضر معه شيئًا"، أو لم يُقابل بذات "المستوى".
فأصبحت صلة الرحم تُقاس بما تحمله الأيدي، لا بما تحمله القلوب.
ما أقسى أن يتحوّل الفرح بالزيارة إلى قلقٍ من المقارنة.
وما أشدّ الألم حين تُقابل نيتك الخالصة بنظرات استنقاص، فقط لأنك اخترت أن "تطوّطح إيدينك".
كأننا نسينا أن الألفة لا تُشترى، وأن الودّ لا يُغلف، وأن الكرم الحقيقي هو ما ينبت من القلب، لا مما يسطع على الصحون.
ألهذا الحدّ صارت البساطة تُحرج؟
وصار التواضع يُهين؟
وصار الذي "يدخل فارغ اليدين" يُتهم في محبته؟
يخنقني الحنين لتلك الزيارات التي كانت تبدأ بمصافحة صادقة، وتُختم بضحكة دافئة، دون هدايا، دون صور، دون تكلّف.
كان اللقاء لوجه الله، لا لوجه الانستغرام.
فهل نعيد لتلك الكلمة براءتها؟
هل نعود لنُطوّطح أيدينا، ونملأ قلوبنا؟
علّنا نُعيد ما انقطع، ونُرمم ما تهدّم، ونفهم أن الزيارة لا تحتاج أكثر من نية صافية، وخطوة نحو من نحب
بقلم الكاتبة:وسميه محمد العبيدان