المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 13 مايو 2025
عبدالرحمن بن خلف الله الطلحي
عبدالرحمن بن خلف الله الطلحي
عبدالرحمن بن خلف الله الطلحي

إبقاء الطلاب في المدرسة بعد الاختبارات: قرار بين الانضباط والتكلفة التربوية





مع نهاية كل فصل دراسي، تتجه المدارس إلى أعلى مستويات الجاهزية والتنظيم لإنجاز الاختبارات النهائية، باعتبارها محطة ختامية لجهود تعليمية تراكمت على مدار أسابيع وأشهر. وفي خضم هذه المرحلة الحساسة، أصدرت وزارة التعليم مؤخرًا قرارًا يقضي بإلزام الطلاب بالبقاء في المدرسة حتى نهاية الدوام الرسمي، حتى بعد انتهائهم من أداء اختباراتهم اليومية، في إجراء قُدّم على أنه يهدف إلى تعزيز الانضباط المدرسي وضمان سلامة الطلاب.

من حيث المبدأ، فإن الانضباط قيمة تربوية لا خلاف على ضرورتها، والمدرسة ليست فقط مكانًا للتحصيل الأكاديمي، بل هي أيضًا بيئة تنشئة اجتماعية.

غير أن أي قرار إداري ينبغي أن يُقرأ في سياقه الكامل، من حيث جدواه وآثاره الميدانية، لا سيما إذا تعلّق بشريحة كبرى من المجتمع كطلاب التعليم العام. وهنا تبرز الحاجة للنظر بعين التربوي إلى هذا القرار، لا بعين الإجراء الإداري وحده.

الطالب الذي ينهض من نومه في وقت مبكر، ليواجه اختبارًا يتطلب كامل طاقته الذهنية والنفسية، ينهي مهمته الأساسية في وقت قصير نسبيًا. من غير المنطقي بعد ذلك مطالبته بالبقاء في مقعده المدرسي دون نشاط تعليمي فعلي أو هدف تربوي واضح. هذا النوع من التجميد الزمني لا يُنتج انضباطًا، بل يؤدي في الغالب إلى التململ والملل وربما السلوكيات السلبية الناتجة عن الشعور بانعدام الجدوى. النظام التربوي الحقيقي لا يُبنى على الرقابة الصامتة، بل على المعنى والمشاركة.

أما المعلم، الذي يُفترض أن يتفرغ خلال هذه المرحلة الحساسة لتصحيح الأوراق ومراجعة الدرجات وضبط الكنترول، يجد نفسه موزعًا بين أعمال تتطلب تركيزًا دقيقًا ومهام إشرافية مفروضة بسبب وجود الطلاب. هذا التداخل بين الوظائف يهدد جودة العمل ويؤخر الإنجاز، وربما يُضعف دقة المخرجات في لحظة لا تحتمل الأخطاء.

المدرسة كمؤسسة إدارية وتعليمية تواجه بدورها ازدواجية مرهقة. من جهة، هناك متطلبات تنظيم الكنترول، ورصد الدرجات، واستقبال المعلمين والإشراف على جودة التصحيح. ومن جهة أخرى، مطالبة بتأمين أنشطة أو برامج للطلاب الذين انتهوا من اختباراتهم دون أن يكونوا في سياق تعليمي حقيقي. هذا الضغط الإداري يضعف الكفاءة التشغيلية، ويفتح الباب أمام ارتباك تنظيمي لا ينعكس فقط على نتائج الطلاب، بل على الصورة العامة للمدرسة كمؤسسة تعليمية.

ولا يمكن إغفال أثر هذا القرار على الأسرة، التي تبني جدولها اليومي على توقيتات خروج الأبناء. حين يصبح الطالب مطالبًا بالبقاء في المدرسة بعد أن أدى واجبه الأكاديمي، فإن ذلك يُربك التزامات أولياء الأمور العملية، خصوصًا في ظل اختلاف المراحل العمرية للأبناء أو غياب وسائل النقل المدرسي في بعض المناطق.

التأثير غير المباشر يمتد أيضًا إلى بيئة الكنترول نفسها، التي تحتاج إلى الهدوء والتركيز والعمل المتواصل. وجود عدد كبير من الطلاب داخل المدرسة خلال هذه الساعات، دون هدف دراسي محدد، قد يخلق أجواء غير مناسبة لإنجاز الأعمال الدقيقة المرتبطة بنهاية الفصل، مما يؤثر على جودة الإنجاز وسرعة إخراج النتائج.

في ضوء هذه المعطيات، لا يبدو أن الكلفة التربوية والنفسية والإدارية لهذا القرار تتناسب مع الجدوى المتوقعة منه. والانضباط – وإن كان مطلوبًا – لا يتحقق بالرقابة وحدها، بل بترسيخ الشعور بالمسؤولية والمعنى فيما يُطلب من الطالب والمعلم.

ربما تكون الحلول الوسطى هي الأفضل في مثل هذه القرارات؛ كأن يُترك الأمر لتقدير المدرسة حسب ظروفها، أو يُفتح المجال لأنشطة إثرائية تطوعية بعد الاختبار لمن يرغب، أو يُسمح للطلاب بالمغادرة بعد الاختبار ضمن ترتيبات تراعي السلامة والانضباط.

إن البيئة التعليمية الفاعلة لا تُبنى بالقرارات الصارمة فقط، بل بالفهم العميق لواقع الميدان، واحترام طاقة أفراده، وتوازن الأدوار بين النظام والمرونة. وكلما كانت القرارات أكثر قربًا من واقع المدرسة والطالب والمعلم، كانت فرص نجاحها أكبر وأثرها أبقى.


* معلم متقاعد
خبير تربوي وتعليمي ]
بواسطة : عبدالرحمن بن خلف الله الطلحي
 0  0  11.4K