بين دمعتين:
قصيدة تأملية فصحى لشيخنا وأستاذنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور زيد بن سعد الغنام –فقه الله- حيث استوقفتني متأملا مفرداتها وبلاغتها، فأبهرني الجمال الأدبي حيث سأترككم مع القصيدة ومن ثم أحاول تحليها أدبياً بقدر ما استطيع .
ما بين دمعتين
ما بين دمعين دمع الخوف في الصغر
وبين دمع سخين لي على كبر
مرت سنون من الأحداث أذكرها
في نصف قرن كلمح البرق والبصر
إذا تأملت في الدنيا وسرعتها
علمت أن حياة الناس في قصر
بداية العمر لا هم ولا قلق
فيه الطفولة نحياها بلا كدر
وأوسط العمر أمال نتوق لها
ويبذل الجهد من ساع ومفتكر
وآخر العمر أهات نرددها
وذكريات من الماضي لمعتبر
إن كنت معتبراً أو كنت مدكراً
ففي الحياة دروس الوعظ والعبر
إن زاد همك والأحوال مظلمة
فاعلم بأن سبيل الله كالقمر
ينير دربك لا تبغي له بدلا
من ذا يريد العمى من بعد ما نظر
فتش عن القلب أصلح كل فاسده
لا ينظر الله للأبدان والصور
عيش الخلائق عند الله قسمته
على فريقين مستغن ومفتقر
وحكمة الله حق نطمئن لها
بها السكون كما قد جاء في الخبر
فذا غني بلا كد ولا نصب
وذا فقير مع الأتعاب والسهر
أفراح دنياك إن طالت لها أمد
كذلك الحزن لا يبقى لمصطبر
لا تحزنن على ما فات من عرض
ففضل ربك مأمول لمنتظر
مهما علوت ومهما حزت من سعة
مصير ذاك زوال بين الأثر
لا لن يدوم سوى الأعمال إن صلحت
بها الوقاية من هول ومن خطر
من كان بالله والإيمان معتصما
بشره بالسعد والخيرات والظفر
الكل ماض له شأن له أجل
والناس في هذه الدنيا على سفر
إن الأمور قضاء لا مرد له
تجري الأمور بحكم الله والقدر
رحماك ربي فمنك اللطف نأمله
والعون نطلبه يا خالق البشر
التحليل: القصيدة تنتمي إلى الشعر التأملي الذي يعبر عن تجارب الحياة وتأملات قائلها في مراحل العمر المختلفة، ويتناول فيها مواضيع متعلقة بالوجود الإنساني، والزمان، والمصير.
فالقصيدة تركز على تأملات أستاذنا في مراحل الطفولة، والشباب، والنضوج وما كان فيها من مشاعر وتحديات .
وتناول موضوع الزمن السريع، والتفاوت بين البشر في الرزق، والاعتماد على الله في مواجهة الأقدار.
وقد حوت على معاني ودلالات رائعة منها ثنائية الحياة من فرح وحزن، ولن يدوم أيً منهما، فالصبر هو مفتاح تجاوز المحن.
مشيرا إلى سرعة مرور الزمن، فشبهه بالبرق والبصر، موضحا أن الحياة قصيرة ولا تستحق التشبث بما هو زائل.
وشدد على الإيمان بالله؛ لأنه السبيل إلى السعادة والاطمئنان فالاعتماد على الله والإيمان به مما ينير الطريق للإنسان، إذ هو كالقمر في ظلمة الليل.
وعكست القصيدة العاطفة والمشاعر المتنوعة من الحنين للماضي والطفولة، ثم مر على مرحلة الشباب وذلك بالإحساس بالمسؤولية ، وانتهى بالتأمل في مرحلة ما بعد الشباب، فتأرجحت المشاعر بين حزنه على سرعة الزمن، ورغبته في الاتعاظ من دروس الحياة والاستفادة منها.
وتجلى لنا صورًا فنية خلابة كالتشبيه بلمح البرق والبصر لسرعة مرور الزمن، وكسبيل الله كالقمر لتأكيد بأن الإيمان بالله تعالى منيراً لطريق كما ينير القمر الظلام.
ودعى للتفتيش عن القلب الفاسد ومن ثم إصلاحه قاصدا بذلك إصلاح النفس والأخلاق.
فالسرد التأملي واضح ومباشر، فخاطب القاري للتفكر في حكمة الله تعالى، والاتعاظ مع الوضوح الجلي والتدرج العبقري الملحوظ التي بدائها من مرحلة الطفولة والشاب وما بعده، ثم ينتقل للحديث عن الإيمان بالله تعالى,
واتسمت القصيدة على العديد من القيم الإنسانية كالإيمان الله تعالى، والتفكر في الدنيا، والمصير، والصبر، والاتعاظ بما مضى والاستفادة مما جرى من دروس وعبر.
وقد أنهي أستاذنا قصيدته بالابتهال بالرحمة واللطف’ فعزز الطابع الديني السوي، فترك القاري في حالة من اليقين الهدوء والسكينة
ونسأل الله أن يمن على أستاذنا بالعفو والعافية وأن لا يسحن له عينًا ولا يشغل له قلبا.