القلب وما حوى

لا يدرك المرء صغر الدنيا إلا اذا التفت عليه جحافلها ...وأدبرت عنه المحافل ، ولا يدرك المرء قيمة العافية الا اذا انشب السقم في جسده أظفاره وأنيابه ...فمزق عيشته الهنية وبدد سكنها وفرق جمع البسمات والآمال ..فما المرء إلا عمر قصير ولحظة يعيشها وتطيعه حواسه وعافيته أن يتجبر أو يمشي بالأرض هونا فلا هو مدرك قيمة عمره ولا هو منتبه لسويعاته المنزلقة بين أنامل الدهر وهو غائب عن إدراك ما يفوته من غنائم الخير ...
ما من مؤمن تمسك بالله إلا زهت دنياه وعمرت بالخير الوفير وعم فيه اخضرار الطاعات وطمأنينة الذكر وأدركته بركة الصلوات والتوحيد ، وما من مؤمن فرط في جنب الله إلا وأطبقت عليه الحياة جفنيها فاستحالت أيامه ظلاما موحلا مهلكا مزعجا وامتد الهم بحياته ليلا سرمدا وما من منقذ سوى الله يرجع الصبح ثانيا ..
القلب أكمل وأجمل ما في الإنسان وهو قائده قبل العقل ...فالقلب آمر والعقل مصدق ومطبق ...القلب اذا كان عليه القفل ضاقت الحياة وفقدت الروح بريقها وسلمت وجودها للضياع ...وضاعت مع الاستسلام حقوق الناس وضعفت الواجبات وتراجع الخير وعم الفساد ..
القلب مطالب في القرآن والسنة بالتدبر والتفكر والتأمل ومطالب بالفتوى لقوله صلى الله عليه وسلم استفت قلبك لذا وجب اعمار القلب بالخير والذكر الطيب كما تعمر الأرض بالخلف الطيب .. ووجب حماية العقل من المفسدات ومذهباته حتى يتسع له التنفيذ ،وما من إنسان استعمره الخير إلا وتجرد عنه الشر وغادره اللبس والشك وذهب عنه البلاء ، وما من إنسان اتخذ الهوى والنفس وإبليس إلها ضل هواه وخابت دنياه وكانت النار له الورد المورود .
استوصوا خيرا بالقلوب وأدركوا الأعمار قبل أن يدرككم اليقين ؛ لأن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العقل .
وإذا اختلط عليك أمرا فاستفت قلبك ...فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" فالله حميد يحب أن يحمد ...