سكين الساندويتش والوجه الآخر للأمومة
يومياً وخلال سنوات عدة اعتادت أمي أن تستيقظ لصلاة الفجر ثم تغفو قليلاً لتنهض بعدها لإعداد وجبة الإفطار الصباحية لنا نحن أبناءها قبل خروجنا للمدرسة .
لم تكن وجبة الإفطار تلك تأخذ الكثير من الجهد لإعدادها ، إذ كانت حبات من خبز الصامولي وبعض الجبن مع إبريق الحليب المنكّهه بالهيل تعانق رائحته أحلام منامنا قبيل النهوض .
لم تكن أمي تعد الساندويتشات في المطبخ بل تجلبها كما هي لتبدأ مهمتها التالية التي يجعلها بعضنا أكثر مشقة مما يزيد من توتر أمي ، ألا وهي إيقاظنا لتناول الإفطار والاستعداد للمدرسة ، حتى إذا تحلقنا حولها بدأت بشق الصامولي بالسكين لتحشوه ثم تسكب كوب الحليب لكل واحد منا .
يبدو هذا البرنامج اليومي عادياً لكن لم تكن أمي تفتأ أن تقول متأوهةً ( متى سيأتي اليوم الذي أفارق فيه سكين الساندويتش ؟ )
من بين آلاف المهام والمتاعب وحجم المعاناة والقلق والترقب والمساعدة والمساندة التي كانت أمي تبذلها في سبيل رعايتنا لم أسمعها تتذمر أو تشكو ، بل أزعم أنها لم تكن تملك رفاهية من الوقت لتشكو أو حتى ( تفضفض ) ، وحدها سكين الساندويتش التي كانت تتذمر منها . فلماذا ؟
جعل الله الأمومة أمر فطري وشعور مجبول يجعل الأمهات يبذلن كل ما في وسعهن ويقدمن أبناءهن على أنفسهن ، تعطي وتعطي وتعطي حتى إذا مر الوقت وكبر الأبناء ومضوا إلى الحياة مدججين بأسلحة الثقة والقوة والوعي التي كان أكثرها ثمرة ذلك العطاء ، التفتت الأم لنفسها بالسؤال ، و ماذا قدمت لنفسي ؟؟؟؟! يحضر الجواب مباشرة من قبِلها نفسها ، سعادة أبنائي .
هل يكفي ذلك ؟ من وجهة نظر الأم ولأن الأمومة أمر فطري سيكفي ، فكل غايات الأمهات هي سعادة أبنائهن ، إذ يربط شعور الأمومة القاهر بين سعادة الأبناء وسعادة الأم ليجعل الأولى سبباً للثانية والعكس غير صحيح ، فتجدها تركب طواعية قطار التضحيات و تتحامل على رغباتها وتتغافل عما ينقصها وتتجاهل كل ما يمكن أن يسعدها إذا كان ذلك يتعارض ولو بأقل نسبة مع ما يسعد أبناءها أو يعطل شيئا من رغباتهم ، أقول تتغافل وتتجاهل لا أنها تغفل أو تجهل ، ولديها أحلامها لكنها مؤجلة حتى إشعار آخر قد لا يأتي أبدًا ، لأن شعارها أصبح ( سعادتي سعادتكم وأقصى أحلامي هو تحقيق أحلامكم ) .
الأمومة ذلك الشعور القاهر هو ما يمنعها أن تبدي اعتراضها أو تذمرها أو أن تفصح عن مكنونات خاطرها ، ليكون جلّ ما تعبر عنه شيء يشبه سكين الساندويتش التي كانت أمي ترجو مفارقتها ، ليس لأنها مهمة معقدة بل لأن مفارقتها تعني أننا نستطيع أن نمسك بالسكين دون خوف أن تجرحنا ، وأننا تعلمنا الاعتماد على أنفسنا بما يكفي لمواجهة الحياة .
والحقيقة أن مفارقتها تعني أيضاً أنها ستحط من بعض الأعباء التي تثقل كاهلها والتي لا يراها الأبناء مهما أمعنوا النظر ، لأنها لا تُرى بل يُشعر بها.
الشعور الذي جعلني أفهم في وقت متأخر سبب رغبة أمي في مفارقة سكين الساندويتش .
جاء اليوم الذي فيه فارقتها ، جاء مع الشعر الأبيض وهشاشة الجسد والرغبات المهمَلة والأحلام التي فات أوانها والكثير من التجاعيد .
لم تكن وجبة الإفطار تلك تأخذ الكثير من الجهد لإعدادها ، إذ كانت حبات من خبز الصامولي وبعض الجبن مع إبريق الحليب المنكّهه بالهيل تعانق رائحته أحلام منامنا قبيل النهوض .
لم تكن أمي تعد الساندويتشات في المطبخ بل تجلبها كما هي لتبدأ مهمتها التالية التي يجعلها بعضنا أكثر مشقة مما يزيد من توتر أمي ، ألا وهي إيقاظنا لتناول الإفطار والاستعداد للمدرسة ، حتى إذا تحلقنا حولها بدأت بشق الصامولي بالسكين لتحشوه ثم تسكب كوب الحليب لكل واحد منا .
يبدو هذا البرنامج اليومي عادياً لكن لم تكن أمي تفتأ أن تقول متأوهةً ( متى سيأتي اليوم الذي أفارق فيه سكين الساندويتش ؟ )
من بين آلاف المهام والمتاعب وحجم المعاناة والقلق والترقب والمساعدة والمساندة التي كانت أمي تبذلها في سبيل رعايتنا لم أسمعها تتذمر أو تشكو ، بل أزعم أنها لم تكن تملك رفاهية من الوقت لتشكو أو حتى ( تفضفض ) ، وحدها سكين الساندويتش التي كانت تتذمر منها . فلماذا ؟
جعل الله الأمومة أمر فطري وشعور مجبول يجعل الأمهات يبذلن كل ما في وسعهن ويقدمن أبناءهن على أنفسهن ، تعطي وتعطي وتعطي حتى إذا مر الوقت وكبر الأبناء ومضوا إلى الحياة مدججين بأسلحة الثقة والقوة والوعي التي كان أكثرها ثمرة ذلك العطاء ، التفتت الأم لنفسها بالسؤال ، و ماذا قدمت لنفسي ؟؟؟؟! يحضر الجواب مباشرة من قبِلها نفسها ، سعادة أبنائي .
هل يكفي ذلك ؟ من وجهة نظر الأم ولأن الأمومة أمر فطري سيكفي ، فكل غايات الأمهات هي سعادة أبنائهن ، إذ يربط شعور الأمومة القاهر بين سعادة الأبناء وسعادة الأم ليجعل الأولى سبباً للثانية والعكس غير صحيح ، فتجدها تركب طواعية قطار التضحيات و تتحامل على رغباتها وتتغافل عما ينقصها وتتجاهل كل ما يمكن أن يسعدها إذا كان ذلك يتعارض ولو بأقل نسبة مع ما يسعد أبناءها أو يعطل شيئا من رغباتهم ، أقول تتغافل وتتجاهل لا أنها تغفل أو تجهل ، ولديها أحلامها لكنها مؤجلة حتى إشعار آخر قد لا يأتي أبدًا ، لأن شعارها أصبح ( سعادتي سعادتكم وأقصى أحلامي هو تحقيق أحلامكم ) .
الأمومة ذلك الشعور القاهر هو ما يمنعها أن تبدي اعتراضها أو تذمرها أو أن تفصح عن مكنونات خاطرها ، ليكون جلّ ما تعبر عنه شيء يشبه سكين الساندويتش التي كانت أمي ترجو مفارقتها ، ليس لأنها مهمة معقدة بل لأن مفارقتها تعني أننا نستطيع أن نمسك بالسكين دون خوف أن تجرحنا ، وأننا تعلمنا الاعتماد على أنفسنا بما يكفي لمواجهة الحياة .
والحقيقة أن مفارقتها تعني أيضاً أنها ستحط من بعض الأعباء التي تثقل كاهلها والتي لا يراها الأبناء مهما أمعنوا النظر ، لأنها لا تُرى بل يُشعر بها.
الشعور الذي جعلني أفهم في وقت متأخر سبب رغبة أمي في مفارقة سكين الساندويتش .
جاء اليوم الذي فيه فارقتها ، جاء مع الشعر الأبيض وهشاشة الجسد والرغبات المهمَلة والأحلام التي فات أوانها والكثير من التجاعيد .