المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 20 أبريل 2024
سهام فيصل
سهام فيصل
سهام فيصل

سكين الساندويتش والوجه الآخر للأمومة


يومياً وخلال سنوات عدة اعتادت أمي أن تستيقظ لصلاة الفجر ثم تغفو قليلاً لتنهض بعدها لإعداد وجبة الإفطار الصباحية لنا نحن أبناءها قبل خروجنا للمدرسة .

لم تكن وجبة الإفطار تلك تأخذ الكثير من الجهد لإعدادها ، إذ كانت حبات من خبز الصامولي وبعض الجبن مع إبريق الحليب المنكّهه بالهيل تعانق رائحته أحلام منامنا قبيل النهوض .

لم تكن أمي تعد الساندويتشات في المطبخ بل تجلبها كما هي لتبدأ مهمتها التالية التي يجعلها بعضنا أكثر مشقة مما يزيد من توتر أمي ، ألا وهي إيقاظنا لتناول الإفطار والاستعداد للمدرسة ، حتى إذا تحلقنا حولها بدأت بشق الصامولي بالسكين لتحشوه ثم تسكب كوب الحليب لكل واحد منا .

يبدو هذا البرنامج اليومي عادياً لكن لم تكن أمي تفتأ أن تقول متأوهةً ( متى سيأتي اليوم الذي أفارق فيه سكين الساندويتش ؟ )
من بين آلاف المهام والمتاعب وحجم المعاناة والقلق والترقب والمساعدة والمساندة التي كانت أمي تبذلها في سبيل رعايتنا لم أسمعها تتذمر أو تشكو ، بل أزعم أنها لم تكن تملك رفاهية من الوقت لتشكو أو حتى ( تفضفض ) ، وحدها سكين الساندويتش التي كانت تتذمر منها . فلماذا ؟

جعل الله الأمومة أمر فطري وشعور مجبول يجعل الأمهات يبذلن كل ما في وسعهن ويقدمن أبناءهن على أنفسهن ، تعطي وتعطي وتعطي حتى إذا مر الوقت وكبر الأبناء ومضوا إلى الحياة مدججين بأسلحة الثقة والقوة والوعي التي كان أكثرها ثمرة ذلك العطاء ، التفتت الأم لنفسها بالسؤال ، و ماذا قدمت لنفسي ؟؟؟؟! يحضر الجواب مباشرة من قبِلها نفسها ، سعادة أبنائي .

هل يكفي ذلك ؟ من وجهة نظر الأم ولأن الأمومة أمر فطري سيكفي ، فكل غايات الأمهات هي سعادة أبنائهن ، إذ يربط شعور الأمومة القاهر بين سعادة الأبناء وسعادة الأم ليجعل الأولى سبباً للثانية والعكس غير صحيح ، فتجدها تركب طواعية قطار التضحيات و تتحامل على رغباتها وتتغافل عما ينقصها وتتجاهل كل ما يمكن أن يسعدها إذا كان ذلك يتعارض ولو بأقل نسبة مع ما يسعد أبناءها أو يعطل شيئا من رغباتهم ، أقول تتغافل وتتجاهل لا أنها تغفل أو تجهل ، ولديها أحلامها لكنها مؤجلة حتى إشعار آخر قد لا يأتي أبدًا ، لأن شعارها أصبح ( سعادتي سعادتكم وأقصى أحلامي هو تحقيق أحلامكم ) .

الأمومة ذلك الشعور القاهر هو ما يمنعها أن تبدي اعتراضها أو تذمرها أو أن تفصح عن مكنونات خاطرها ، ليكون جلّ ما تعبر عنه شيء يشبه سكين الساندويتش التي كانت أمي ترجو مفارقتها ، ليس لأنها مهمة معقدة بل لأن مفارقتها تعني أننا نستطيع أن نمسك بالسكين دون خوف أن تجرحنا ، وأننا تعلمنا الاعتماد على أنفسنا بما يكفي لمواجهة الحياة .

والحقيقة أن مفارقتها تعني أيضاً أنها ستحط من بعض الأعباء التي تثقل كاهلها والتي لا يراها الأبناء مهما أمعنوا النظر ، لأنها لا تُرى بل يُشعر بها.

الشعور الذي جعلني أفهم في وقت متأخر سبب رغبة أمي في مفارقة سكين الساندويتش .

جاء اليوم الذي فيه فارقتها ، جاء مع الشعر الأبيض وهشاشة الجسد والرغبات المهمَلة والأحلام التي فات أوانها والكثير من التجاعيد .
بواسطة : سهام فيصل
 1  0  9.3K