الصحراء ورجال الدولة
العقليات العدمية تنظر إلى الدول بسطحية وتظن أن النفط والمال يصنع المكانة والدولة، رغم أن النماذج ماثلة لدول نفطية بل فيها معادن متعددة لكنها لم تأخذ مكانها في الاكتفاء وليس في واجبها في العطاء، فالدول يبنيها رجال الدولة.
إن التخلف ليس بقساوة الأرض التي نعيش فيها بل بقساوة منظومة العقل التي نفكر بها، بالجهاز المعرفي الذي نستقي منه عقليتنا ونفسيتنا والسنابل الممتلئة منحنية والشامخات فارغات من الخير.
حين انظر إلى السعودية كدولة تموضعت في مكانتها القدسية بالحرمين ودول الخليج التي تموضعت في منظومتها الوظيفية في السياسة والاقتصاد، ونجد معالم الاستقرار فيها لا ينبغي أن نتصور أن هذا صناعة كاملة من خارجها انما هنالك رجال دولة.
هنالك عقليات تفكر بجهاز معرفي يتحدث بل يسبق الزمن ونتحدث اليوم عن السعودية لأننا نرى أنها الرائدة في برامج محتملة للتنمية غير ناسين أن هنالك ما يشبه الأواني المستطرقة في دول الخليج من خلال مجلس التعاون الذي بقي صامدا وربما سيبقى صامدا إلى إعادة تنظيمه إن أفرزت الأحداث إعادة تموضع للخليج في النظام العالمي الجديد.
أن ما نطرحه من مشاريع تتحدث جدواه بعد دراسته وتقييم هذه الدراسة كما فعل الملك عبدالعزيز ابن الصحراء البدوي الذي يملك عقلية متمدنة في مخرجاتها وتتوق للتطور المدني، وهو رجل لا أضيف شيئا إن ذكرت مآثره وطريقة تفاعله مع واقع استطاع من خلاله بناء البنى التحتية وبحث عن النفط ليس للثراء وإنما لسد حاجته إلى المال لتنفيذ أحلامه للدولة وليس للسلطة التي كان يمكن أن يشبعها بمجرد أن يمر عبر الأرض وهو يمتطي جواده ورافعا بندقيته أو سيفه، لكنه أرادها دولة عصرية فكان مدرسة في إحياء الأرض وزراعتها من بئر أول امتزج ماؤه ودموع الملك إلى الحقل التجريبي في الخرج وتوطين البدو وتعليمهم واستدعاء شركات كبرى آنذاك لاستخراج النفط والحث على التعليم واستلام المهام بيد أبناء البلد أو كما قال (كي لا تستوطن الشركات كأصحاب دار)، لم يك أنترنيت ولا مدنية متطورة كالتي نحن فيها، حريا أن تنتقل البلاد إلى الرفاهية ودور مهم في النظام العالمي الجديد بعد رحلة طويلة من الصراع مع التحديات وتعزيز البنى التحتية وتطوير وإعمار سيستمر في التغلب على الصحراء وكثبانها.
الاعتماد على الذات عند رجل دولة آخـــر الملك فيصل رحمه الله قيل له أن لا جدوى اقتصادية من زراعة الحنطة فالمستورد نصف تكلفة المحلي لكن إرادته أن الصحراء تحب أبنائها فلتزرع الصحراء.. وأنتجت الأرض أنواعاً جيدة من القمح وصدرت المملكة السعودية إلى الاتحاد السوفيتي ومصر وبعض الدول الأوروبية.
اليوم أمامنا مشاريع لها أبعاد "جيوسياسية واستراتيجية" مهمة تطلبها الأحداث وعملية تعزيز البنية التحتية وتحسين الطبيعة والجو وتحويل البلد إلى منطقة خضراء تدريجيا يصطاف بها ويشتى ورجل دولة يحلم ويعمل ويصارع التحديات.
1- ميناء وقناة الملك سلمان:
هو مقترح من وجهة نظري مستعيرا اسم مشروع جرى الحديث عنه وربما أعاقته الأحداث يحتاج دراسة وأعمال مساحية وتصاميم يفيد من منخفض سبخة الحمرا الذي بعمق 26 م تحت مستوى سطح البحر، وبفتح قناة ملائمة لهذا المكان سيكون بالإمكان إنشاء وتوسيع ميناء حديثا
المسافة من داخل الإمارات 35كم والمسافة من داخل السعودية 44كم
هذا الميناء ممكن أن تمتد منه قنوات واسعة باتجاه جدة لتتصل بالبحر الأحمر متتبعة خطوط الكنتور وان كانت مستقيمة فهي بحدود 1186كم ولكن ستحتاج إلى انفاق في بعض المناطق، وهي انفاق ممكن أن تصمم كممرات وممر وسطي للصيانة والإنقاذ كي لا يؤثر أي عطل للسفن على كفاءة القناة وبنفس الفكرة ممكن أن تنشأ مناطق استراحة وصيانة ومحطات تحلية للأغراض الزراعية أو المناطق الخضراء والاستفادة منها كمشاتي للسياحة الداخلية والخارجية؛ وأخرى للشرب ، ويمكن تفريعها بتهذيب الوديان القريبة إلى مآخذ للمياه أو استخدامها للنقل البحري إن بنيت خطط لذلك أو تقريب محطات التحلية وغيرها مما يمكن استثمار مياه البحر لأغراضه هذه بها ميزات متعددة عن كل المقترحات الأخرى للقناة وفكرة الميناء الداخلي ربما ستكون مفيدة وتستحق الدراسة ضمن الحالة الجيوسياسية.
2- أنابيب سيحان وجيحان:
نهران في تركيا يصبان في البحر الأبيض المتوسط، إن جرى تصميم ما لنقل مياه هذين النهرين بواسطة أنابيب تصب في سد حديثه ثم يقام ناظم أمام السد وتنقل المياه عبر أنابيب تصمم بشكل خاص لتزود جنوب العراق بالماء المختلط من النهرين مع الفرات وروافده للشرب ومحطات ضخ ترفع للأردن.
طريق زبيدة إلى السعودية، أو خط آخر إلى الكويت؛ هذه كلها طبعا تحتاج إلى دراسة ومسح طوبوغرافي وتصاميم لاستحصال انسب البدائل؛ بيد أنها مهمة واستراتيجية وتربط منظومة الدول بمصير مشترك وتوسع في التكامل وليس التبادل التجاري فحسب.
كوادر دول الخليج الفنية ومن أهل الأرض ممكن أن تدخل كقوى عاملة وليست مالكة فقط فيصبح بإمكانها أن تقدم خدمات الصيانة وبهذا يضمن إمكانية إعادة بناء أي منشأ أو تطويره ذاتيا وأفضل ما يعطي الخبرة هي عقود المشاركة J.V. حيث يعمل شباب البلد ضمن كوادر التنفيد والإشراف وكأنهم جزء من الشركات المختصة فيكتسبون الخبرة فلا يجدون عسرا في صيانة المشروع بعد تسليمه لرب العمل، هذا غيض من فيض من مشاريع ممكن أن تقام في طريق له اتجاه واحد إلى أمام.