المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
د. أحمد عبده طرابيك
د. أحمد عبده طرابيك
د. أحمد عبده طرابيك

استراتيجية التواصل الإقليمي في آسيا الوسطي

انتهجت أوزبكستان مساراً لسياستها الخارجية في منطقة آسيا الوسطى، منذ تولي الرئيس شوكت ميرضيائيف السلطة في البلاد، يتسم بالانفتاح علي دول الإقليم، وذلك بهدف تهيئة الأجواء لإقامة تعاون وثيق يحقق المنافع المتبادلة والاستقرار والتنمية المستدامة للجميع. وقد اكتسبت تلك الاتجاهات الرسمية الجديدة دعماً قوياً من جميع دول آسيا الوسطى، وصارت تمثل أساساً للتغييرات الإيجابية في المنطقة.
وقد أحدثت تلك السياسات تحولاً نوعياً في آسيا الوسطى نحو تعزيز التعاون الإقليمي، حيث جرت بين قادة دول المنطقة العديد من الحوارت السياسية المنتظمة، القائمة على أساس مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل والحقوق المتساوية، الأمر الذي أدي إلي عقد عدداً من الاجتماعات التشاورية المشتركة منذ عام 2018، لرؤساء دول آسيا الوسطى بانتظام، والتي تمخض عنها البيان المشترك الصادر عن قادة دول آسيا الوسطى في نهاية الاجتماع التشاوري الثاني في نوفمبر 2019، والذي يمكن اعتباره برنامجا متميزا مختصا بالتنمية فى المنطقة، إذ يعبر عن النهج الموحد والرؤية المشتركة لرؤساء الدول فيما يتصل بآفاق تعزيز التعاون الإقليمي.
تهدف أوزبكستان إلي بناء محيط ضخم من الفرص المتكافئة، والتعاون القائم علي المصالح المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة، وذلك من أجل إنشاء حزام من الاستقرار حول آسيا الوسطى، ومن هنا تأتي أهمية مبادرة الرئيس شوكت ميرضيائيف لعقد منتدى "التواصل في وسط وجنوب آسيا: التحديات والفرص" في 15، 16 يوليو 2021 في طشقند، بهدف حشد دول المنطقتين في بناء أطر المفاهيم الخاصة لأسس النموذج الراسخ للتواصل الأقليمي، ووضع الأساس للبدء العملي فى تنفيذ فكرة مشروع التكامل الضخم، والذى يعني التقارب بين منطقتين تتسمان بمعدلات النمو السريعة وبالتقارب الثقافي والحضاري، وإيجاد نقطة جديدة للنمو الاقتصادي لوسط وجنوب آسيا، مما يساهم في التحول الجذري للصورة الاقتصادية للمنطقة، والنهوض بعمليات التنسيق بين مناطق الإقليم لضمان الاستقرار.
جرت تغييرات كبيرة وجوهرية خلال السنوات القليلة الماضية على مسار السياسة الخارجية لجمهورية أوزبكستان، ويرجع ذلك إلي التحول الجذري في نهج إدارة السياسة الخارجية للبلاد، حيث اعتمدت سياسة الرئيس شوكت ميرضيائيف علي إقامة علاقات طيبة مع دول الجوار تقوم علي توطيد العلاقات القائمة علي المصالح المتبادلة مع كافة الدول، والهيئات والمنظمات الدولية، من أجل تعزيز المصالح القومية، وتوفير الأمن والاستقرار لشعب أوزبكستان في كافة أنحاء العالم. وقد كان لتلك السياسة تأثيرها الإيجابي على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي والإنساني الشامل في المنطقة، فقد تم تعزيز التعاون الإقليمي فى آسيا الوسطى، وتدعيم الثقة المتبادلة، وبناء علاقات حسن الجوار، حيث عقد عدد من لقاءات القمة الثنائية مع جميع قادة دول آسيا الوسطى، والتي أثمرت عن إتاحة الفرصة لحل القضايا الأكثر إلحاحاً، والتي كانت قائمة حتى عام 2016، وفى مقدمتها في مجال تعيين وترسيم الحدود، وقضايا تقاسم مياه الأنهار العابرة للدول.
وقد ظهرت النتائج الفعالة لتعيين الحدود وترسيمها، وحل القضايا الحدودية، خلال الزيارات الرسمية لرئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف إلى قيرغيزستان وطاجيكستان، ففي الخامس من سبتمبر 2017، ثم فى التاسع من مارس 2018، تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود الأوزبكية- القيرغيزية، واتفاقية أخري بشأن بعض النقاط الحدودية بين أوزبكستان وطاجيكستان، وخلال زيارة رئيس قيرغيزستان جاباروف إلى أوزبكستان في مارس 2021، توصل الطرفان إلى اتفاق حول استكمال عملية ترسيم وتعيين الحدود بين البلدين.
كما تم مناقشة إقامة مشروعات للطاقة الكهرومائية في دول المنبع "قيرغيزستان، طاجيكستان"، وذلك بهدف تحقيق التنمية المستدامة للدول الثلاث. كما اكتسب علاقات التعاون التجاري والاقتصادي والاستثمارات المشتركة دفعة قوية، فخلال السنوات الأربع الماضية، تضاعف حجم التبادل التجاري لأوزبكستان مع دول آسيا الوسطى من 2.7 مليار دولار إلى 5.2 مليار دولار، حيث زاد حجم التبادل التجاري مع كازاخستان 1.6 مرة، وقرغيزستان 2.3 مرة ، وتركمانستان 3.1 مرة ، وطاجيكستان مرتين، فقد تجاوز حجم التجارة عام 2020 مع كازاخستان 3 مليارات دولار، وقرغيزستان أكثر من 900 مليون دولار، وطاجيكستان 500 مليون دولار، وتركمانستان 530 مليون دولار. كما ارتفع الحجم التجارة الخارجية للمنطقة خلال الفترة من عام 2016 إلي عام 2019 بنسبة 56٪، ليصل إلى 168.2 مليار دولار، وزاد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المنطقة بنسبة 40٪، ليبلغ 37.6 مليار دولار، ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الاستثمارات في آسيا الوسطى بالنسبة لحجم الاستثمارات العالمية من 1.6٪ إلى 2.5٪. كما تضاعف عدد المسافرين إلى دول آسيا الوسطى خلال الفترة من عام 2016 إلي عام 2019 من 9.5 إلى 18.4 مليون شخص.
نتيجة لذلك، تطورت مؤشرات الاقتصاد الكلي للمنطقة، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لدول آسيا الوسطي من 253 مليار دولار في عام 2016 إلى 302.8 مليار دولار في عام 2019. وفي ظل ظروف الوباء، انخفض هذا الرقم في نهاية عام 2020 بنسبة 2.5٪ فقط، حيث بلغ 295.1 مليار دولار.
تتجلى الإمكانات الكبيرة غير المحققة للتجارة الثنائية لأوزبكستان في الخطط المعلنة لزيادة حجم التجارة مع كازاخستان إلى 10 مليارات دولار، ومع قيرغيزستان إلى 2 مليار دولار، ومع طاجيكستان وتركمانستان إلى مليار دولار. كما يتم إقامة تعاون في القطاع الصناعي بين دول آسيا الوسطى، حيث يتم إنشاء العديد من الشركات المشتركة بين أوزبكستان ودول آسيا الوسطي، أهمها:
(1) كازاخستان، تم الاتفاق مع مجمع "سارياركا لصناعة السيارات"، لإنتاح سيارات "رافون" في كوستاناي، كما أقامت شركة "Alliance" التجارية الصناعية الكازاخية الأوزبكية مصنعاً للنسيج في شيمكنت، وتقوم شركة DentafillPlyus الأوزبكية بتنفيذ مشروعات لإنشاء مصنع لإنتاج المستلزمات الطبية، وفي تركستان، تم إقامة شركات لإنتاج الآلات الزراعية والمنسوجات، ويتم إنشاء مجمع البستنة في المنطقة الصحراوية، على أساس تقنيات الري الأوزبكية.
(2) قيرغيزستان، تم الاتفاق على تنفيذ ستين مشروعاً مشتركاً تزيد قيمتها على 550 مليون دولار.
(3) طاجيكستان، تم تسجيل 51 شركة برأسمال أوزبكي في مختلف المجالات، بما في ذلك شركة Artel Avesto Electronics لإنتاج سخانات المياه والمكانس الكهربائية والغسالات وأجهزة التلفزيون. كما تم الاتفاق بين شركة UzAuto Trailer وشركة "سوتمون للألومنيوم" التابعة للدولة علي إنشاء شركة مشتركة "تالكو أوز أوتو تراك" لتنظيم SKD وتجميع الهياكل، والتخطيط مستقبلاً لإقامة خط إنتاج إضافي كبير لتجميع المركبات في مراكز الإنتاج التابعة لشركة "تالكو".
(4) تركما نستان، يوجد 157 شركة تعمل في أوزبكستان بالشراكة مع الجانب التركماني، بما في ذلك 65 مشروعاً مشتركاً، 92 مشروعاً برأس مال تركماني 100٪. حيث يتم التعاون في قطاعات التجارة والخدمات، وصناعة النسيج، وإنتاج مواد البناء والأثاث. كما تعمل في تركمانستان شركة التوزيعKhO "تركمان أوز أوتو"، التي أسستها شركة "أوز أوتو سانوات" بنسبة 51%، ومركز التجارة الحكومي لتركمانستان بنسبة 49%.
تعمل دول المنطقة إقامة ممرات للنقل الدولي من خلال تطوير البنية التحتية للنقل الدولي، الأمر الذي ساهم فى تقليل تكاليف النقل من وإلى الأسواق العالمية، حيث تم بناء خط السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان، والذي سوف يفتح آفاقاً جديدة لتسويق السلع، ويسمح بنقل البضائع من الصين عبر قيرغيزستان وأوزبكستان إلى دول أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، وتسهيل الوصول إلى الموانئ البحرية الدولية للدول المغلقة جغرافيا التى لا تطل على بحار في آسيا الوسطى. كما تعمل أوزبكستان علي التنفيذ العملي لاتفاقية عشق أباد حول إقامة الممر الدولي للنقل والاتصالات "أوزبكستان- تركمانستان- إيران- عمان".
شكلت اللقاءات التشاورية لرؤساء دول آسيا الوسطى،، والتي طرحها رئيس أوزبكستان في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر 2017، أحد أهم العوامل القوية لتعزيز التعاون الإقليمي، فخلال لقائي مارس 2018 في أستانا، ونوفمبر 2019 في طشقند، تم بحث قضايا إزالة الحواجز التجارية، وتعزيز التعاون الصناعي، وتعميق التعاون المشترك بين أوزبكستان وكازاخستان، ويتم التعويل علي الاجتماع التشاوري الثالث هذا العام لتعميق التفاعل الإقليمي على نحو أكبر. لقد شكل اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لمبادرة "تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان السلم والاستقرار والتنمية المستدامة في منطقة آسيا الوسطى" والتي طرحتها أوزبكستان في يونيو 2018، أهمية كبيرة نحو وضع آسيا الوسطى باعتبارها منطقة واحدة موحدة، وقادرة على بذل الجهود معا لحل القضايا المشتركة.
أظهر الوضع الناتج عن تفشي جائحة فيروس كورونا، قابلية تأثر الدول أمام جميع أنواع "الإغلاق" والحدود المتداخلة والاتصالات فيما بينها، لكن في الوقت نفسه، ساعد انتشار فيروس كورونا، إلى جانب العديد من العوامل السلبية، في إظهار استعداد الدول لتقديم كافة المساعدات الممكنة لبعضها البعض، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم المزيد من تشديد الإجراءات الاحترازية والقيود المفروضة، أظهرت دول آسيا الوسطي مستوى عالٍ من التعاون والتضامن والدعم المتبادل. ومنذ الأيام الأولى لانتشار الفيروس، تعاونت دول المنطقة لمنع انتشار العدوى من خلال تبادل المعلومات في المجال الصحي، والتنسيق معاً فى قطاع النقل والأمن الغذائي وعبور الحدود.
يتجلى التحول النوعي للدبلوماسية الأوزبكية في فضاء آسيا الوسطى، في افتتاح المعهد الدولي لآسيا الوسطى عام 2020 في طشقند، والذي يهدف إلي دراسة الأحداث المختلفة في المنطقة، وإعداد المشاريع الإقليمية الجديدة الواعدة لتعزيز التعاون القائم علي المصالح المتبادلة. كما تم تنظيم العديد من المؤتمرات الدولية بهدف تعميق التعاون الإقليمي المشترك، مثل: "آسيا الوسطى... الأولوية الرئيسة فى سياسة أوزبكستان الخارجية" في أغسطس 2017؛ "آسيا الوسطى: الماضى الواحد والمستقبل المشترك، التعاون من أجل التنمية المستدامة والازدهار المتبادل"، في نوفمبر عام 2017؛ "الروابط المشتركة في آسيا الوسطى: التحديات والفرص الجديدة" في فبراير عام 2019.
خلال هذا العام 2021، يتم تنظيم عدد من الفعاليات الدولية الجديدة في طشقند وخوارزم، حيث يعقد في 15، 16 يوليو منتدي "التعاون المشترك بين منطقتى منطقة آسيا الوسطى وجنوب آسيا: التحديات والفرص"، وفي 15 سبتمبر يتم عقد منتدي "آسيا الوسطى على مفترق طرق الحضارات العالمية" بالتعاون مع اليونسكو.
يهدف منتدى "التواصل في وسط وجنوب آسيا: التحديات والفرص" إلى تعزيز العلاقات التاريخية والودية الوثيقة، والثقة وحسن الجوار بين دول وسط وجنوب آسيا لصالح جميع شعوب ودول المنطقتين، حيث يشارك فيه رئيس أوزبكستان، ورئيس أفغانستان، ورئيس وزراء باكستان، ووزراء خارجية وممثلون رفيعو المستوى من دول وسط وجنوب آسيا، وبعض الدول الأخرى، رؤساء المنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات والشركات المالية العالمية ومراكز البحوث والدراسات الرائدة، وسيناقش المشاركون إمكانيات تعزيز المبادرات التي تهدف إلى تطوير التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية والاتصالات والنقل والطاقة والابتكار والتقنيات الخضراء، وتنفيذ مشاريع محددة وبرامج تعاون في قطاعات السياحة والتعليم والرعاية الصحية والعلوم والثقافة.
كما يتم التعاون بين دول آسيا الوسطي الخمس، لإصدار وثيقة خماسية حول الصداقة وحسن الجوار، والتعاون من أجل تنمية آسيا الوسطى في القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي يشير إلي التغير الجذرى للمناخ للسياسي، والتطور في مناخ الثقة السياسية، وفى النظام العام للتعاون الإقليمي.
يعكس تفعيل المسار الإقليمي لأوزبكستان المسار البراجماتي لقيادة البلاد، ويجسد الطموح نحو تهيئة الظروف الملائمة لتشكيل صورة جديدة لآسيا الوسطى، وجعلها واحة يسودها السلام والاستقرار، ففي ظل ظروف الأزمة العالمية القائمة على الناتجة عن تفشي جائحة كورونا، والصعوبات الاقتصادية، أصبح من الأهمية توفير قاعدة سياسية الصلبة لتطوير التعاون الإقليمي، والنهوض برفاهة سكان المنطقة، وتنفيذ المشروعات الاقتصادية والتجارية، والعابرة، داخل الإقليم وما بين الأقاليم، حيث لا يزال أمام دول آسيا الوسطى طريق طويل لتشكيل إقليم موحد، لكن الخطوات العملية الراسخة في هذا الاتجاه، يمنح ثقة أكبر، ويوفر مزيداً من العوامل قوية لتحقيق ذلك الهدف.
بواسطة : د. أحمد عبده طرابيك
 0  0  10.5K