خدعة: للكبار فقط [18+]
المسألة الجنسية، أو الثقافة الجنسية كما يروّج لها، ليست نبتة إسلامية، وليست مصطلحاً شرعياً في دلالاته ومضامينه؛ وإنما هي تقع ضمن مصطلحات يروّج لها في مجتمعاتنا بطرق خداعة وأفكار هدامة.
تأملت ملياً مثنى وثلاث ورباع في نصوص الشريعة الشريفة لم أجد فيها أن الجنس ثقافة، أو أنه يحظى بإيجاد هالة حوله، فمرة مطالبات بأن يكون مقرراً دراسياً، وأخرى بأهمية عقد دورات في التثقيف الجنسي كما يسمّى إلى غير ذلك من المداخل.
ولما كان هذا الأمر غريزة أودعها الله في الإنسان بحكم خلقته، وفطرة في طبيعته بحكم تكوينه، فلم تكن الحاجة داعية إلى ترويجه وذيوعه ونشره، وهل ما هو فطري يتم تعليمه وتلقينه؟؟؛ ولذا فإن الشرع الحنيف لم يحارب هذه الفطرة بل جاءت توجيهاته متسقة معها تمام الاتساق والانسجام، غاية ما في الأمر أنه وجه الإنسان إلى ضبط هذه الغريزة من التفلت، وإحكامها والسيطرة عليها من الانحراف؛ لتكون في موقعها الصحيح ومحلها المناسب.
يقرأ الكبير والصغير والرجل والمرأة على السواء في النص القرآني الشريف التوجيهات المتعلقة بضبط الغريزة، وسبل إشباعها، وآلية ضبط جموحها عن الفوران، والخروج عن الجادة، والمنزلقات الخطرة.
أجدني مضطراً لإيراد بعض الآيات التي نرددها ونقرأها على الملأ في بيان أبعاد العلاقة الحميمية بين الزوجين، وحل مباشرة العلاقة الزوجية بينهما: [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ] سورة البقرة الآية 187.
وتأمل في الارتقاء بمسألة النكاح والجنس إلى مرحلة لم تخطر على رواد الحضارة الحديثة بوصف العلاقة الزوجية الناشئة بأنها نشأة للسكن والمودة:[ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] سورة الروم ، الآية : 21.
وفي بيان أحكام دقيقة خاصة بالمرأة نقرأ قوله تعالى: [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] سورة البقرة الآية 222.
وفي وصف وبيان حدود الاستمتاع تقرأ قوله تعالى: [نسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ] سورة البقرة الآية 223.
ويعرض القرآن الكريم مشهداً من مشاهد الخروج عن الصواب، ومحاولة الولوج إلى الانحراف في العلاقة غير المشروعة يقدم القرآن ذلك في أدب جم، ولغة عفيفة متناهية تقرأ في مراودة امرأة العزيز لنبي الله يوسف عليه السلام لا ترى خدشاً للحياء، ولا هتكاً للآذان، ولا خروجا عن الانضباط العام، ولا إثارة للغرائز، ولا تحريشا على المعصية: [وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] سورة يوسف الآية: 23.
حتى في وصف الصراع بين الطرفين : [وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] سورة يوسف الآية 25.
إلى غير ذلك من النصوص الواردة في القرآن الشريف والسنة النبوية المطهرة لا ترى فيها عوجا، ولا إسفافا ولا تهييجا للغرائز ولا إثارة للشهوات، ويتداولها جميع الناس على اختلاف مستويات أعمارهم. يحفظها الكبار البالغون، والأطفال والمراهقون، يردده الجميع في كل المواطن لأنها حملت معها الأدب العظيم، واللغة العفيفة، والطهر والبر.
أعد النظرة فيها كرة بعد أخرى، ثم ارجع البصر كرتين لتتأكد هل يمكن أن يقال إن هذه النصوص تقرأ للكبار فقط؟ أو أن يشار أنها [+18]؟
إن من الخدع المعاصرة التي يتم الترويج لها في العالم الافتراضي أن يوضع ما يسمى بــ للكبار فقط [+18] عند عرض مشهد فاضح، أو عند تقديم برنامج على الفضائيات يكتب أعلى الشاشة هذه العبارة، أو إذا كان المحتوى فيه غبش وفجر، وإسفاف وعهر.
بل وفي كثير من الأحيان يكون الإعلان عن ذلك لجذب المزيد من المشاهدات، وكسب العديد من المتابعات.
والذي أراه أن ذلك مدخل خطير من زاويتين:
الأولى: أن يفهم ضمناً وبطريقة غير مباشرة أن النيل والإصابة من هذه القاذورات مباح لمن هم فوق الثامنة عشرة أو للكبار البالغين، وهذا تسويغ خطير، ومدخل عظيم فليست هذه العبارة المكتوبة، أو الإشارة الموضوعة أعلى المحتوى تبيح مشاهدة هذا القذى، أو الاستماع لهذا الخنا من الكبير والصغير على حد سواء.
الثاني: أن في هذا تحريشاً للناشئة الصغار أن يحاولوا التعرف على هذا المجهول الذي حرموا منه، وتحريضاً لهم تتبع العورات، والإنسان كل ممنوع لديه مرغوب، وكأننا نقول لهم ابحثوا عن هذا الممنوع وشاهدوه وتعرفوا عليه.
إن هذه الخدعة سوغت الكثير من مشاهد العري، والألفاظ البذيئة على شاشاتنا، والمستند والمسوغ أنه كتبت عبارة للكبار فقط. فهي صك البراءة من الإثم، ووثيقة الزور، ومستند الاحتيال التي تقدم للمشاهد للتسويغ والتمرير والتبرير.
إن هذه الخدعة تسربت للأسف إلى إعلامنا وقنواتنا، من ممارسات الإعلام الغربي بدون التنبه أن الممنوع والمحرم هو على الصغير كما هو على الكبير، وأن التحريض على فوران الشهوة، وإشعال الغريزة لا يترك أثراً صالحاً بل آخر سيئاً.
إن توجيه الشريعة ومعالجته لهذه المسألة يتمايز عما جاءت به الحضارة الغربية الحديثة، وأن المضاهاة والتقليد في هذا الموطن له عواقب وخيمة، وأضرار جسيمة، والواجب استدراك الخطر، قبل الندم يوم لا ينفع ندم.
نسأل الله السلامة من الفتن والعافية من سوء العواقب .
أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي