النصر الأذربيجاني وحديقة الغنائم العسكرية
بعد قرابة ثلاثين عاما مما يمكن أن نسميه "تجميد" نزاع قراباغ الجبلية بين أرمينيا وأذربيجان، استيقظت أذربيجان صباح السابع والعشرين من سبتمبر 2020م على هجمات عسكرية من قبل أرمينيا على أراضيها وعلى المدنيين دون مراعاة لأي أعراف أو قوانين دوليتين، مما أسفر عن تأجج الوضع المضطرب أصلا بين البلدين، وأجبر أذربيجان على الرد الصارم على هذه الهجمات لحماية أراضيها ومواطنيها، واندلعت ما يمكن أن نسميه "حرب قراباغ الثانية".
وبعد حرب دامت 44 يوما، أحرز الجيش الأذربيجاني بسواعد ودماء أبناءه نصراً ساحقاً على الجيش الأرميني، وأنهى صراعاً دام سنوات طويلة وراح ضحيته الآلاف من أبناء الشعب الأذربيجاني أصحاب الأرض الأصليين. وبهذا سطر الجيش الأذربيجاني ملحمة ونصراً كبيرين ليس فقط لأذربيجان فحسب، بل للأمة الإسلامية جمعاء.
ولا شك أن من حق الشعب الأذربيجاني أن يفرح بالنصر الذي حققه جيشه وراح في سبيله دماء أبناءه، ومن مظاهر الاحتفال بهذا النصر الكبير وتخليدا له افتتاح "حديقة الغنائم العسكرية" في قلب العاصمة الأذربيجانية باكو والذي أمر بإقامتها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.
وفي الثاني عشر من أبريل 2021، افتتح الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف هذا المتحف الضخم مرتدياً الزي العسكري بوصفه القائد الأعلى لجيش النصر الأذربيجاني. ويضم المتحف بعض من الأسلحة والمعدات الثقيلة وأنظمة الصواريخ والمركبات العسكرية والذخيرة الأخرى التي تركها الأرمن وفروا هاربين من ساحة القتال. ومن بين المعروضات المميزة والتي لا يمكن أن تنسى هي اللوحة الضخمة المصنوعة من لوحات أكثر من ألفين سيارة اغتنمتها القوات المسلحة الأذربيجانية من الأراضي المحررة. ولكن يجب هنا التأكيد على أن الأرمن بعد "حرب قراباغ الأولى" واحتلالهم الأراضي الأذربيجانية، صنعوا لوحة من أرقام سيارات الأذربيجانيين المدنيين، حتى يظهروا أن الأذربيجانيين طردوا من ديار أجدادهم. وبالطبع هذا يُعد مظهرًا من مظاهر التطهير العرقي لأرمينيا ضد أذربيجان وشعبها، لأن المدنيين تركوا ممتلكاتهم، وأُجبر بعضهم على مغادرة الأراضي المحتلة حفاة.
كما يوجد بـ"حديقة الغنائم العسكرية" أيضا بقايا صواريخ "إسكندر-إم" الباليستية المدمرة التي قذفتها أرمينيا على مدينة "شوشا" بهدف القضاء على هذه المدينة التاريخية، كما فعل صدام حسين من قبل وأطلق صواريخ "سكود" على المملكة العربية السعودية أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991م. فلم يكتف الأرمن باحتلال أراضي أذربيجان طيلة ثلاثين عاماً وتشريد وطرد أكثر من مليون أذربيجاني ، بل سعوا إلى تدمير هذه الأراضي وطمس ملامحها حتى أخر لحظة.
لقد كشفت هذه الحرب مدى ما قام بها الأرمن من تدمير الأخضر واليابس في أراضي أذربيجان التاريخية؛ حيث لم تتوقف أضرار هذا الأمر على مجرد احتلال الأراضي وقتل المدنيين، بل الأمر تجاوز هذا بكثير؛ حيث جرى خلال الثلاثين عاما الماضية اعتداء الأرمن الوحشي على المعالم التاريخية والدينية الأذربيجانية، وكذلك دور العبادة، بما فيها أكثر من 70 مسجدا. وكانوا يربون الخنازير ببعض هذه المساجد دون مراعاة لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم. لذلك يقوم هذا المتحف بتوثيق انتصار الشعب الأذربيجاني على المحتلين الأرمن، وكذلك يُسجل جرائم الحرب التي ارتكبوها خلال العقود الماضية، شأنه في ذلك شأن المتاحف العسكرية المختلفة المنتشرة في كثير من دول العالم مثل روسيا وبولندا التي أقامتا متاحف عسكرية لتوثيق النصر على الفاشية الألمانية.
ومما يلفت الانتباه بخصوص إقامة "حديقة الغنائم العسكرية"، أن البعض من الرافضين لهذا النصر التاريخي ينتقد إقامة مثل هذا المتحف، متجاهلين أن هذا الأمر حق أصيل لأذربيجان بوصفها دولة منتصرة ضحت بأرواح أبنائها من أجل استعادة وحدة أراضيها وإعادة السكان الأصلين لهذه الأراضي. ونقول لمثل هؤلاء المعترضين بدلاً من اعتراضهم هذا عليهم إبداء رأيهم بشأن متحف الإنسان بفرنسا يعرض أكثر من 18 ألف جمجمةٍ بشرية لقادة المقاومة الشعبية والسكان الأصليين للمستعمرات الفرنسية حول العالم ومن بينهم عظام وجماجم المناضلين الجزائريين؛ في مشهد يخلو من أي مشاعر إنسانية.
وعلى صعيد أخر انتشرت أثناء الحرب ادعاءات ومزاعم أرمينية كثيرة بدون أي دليل مفادها أن أذربيجان تستعين بمرتزقة من بعض الدول الأخرى، وهو ما لا أساس له من الصحة. لأن أذربيجان لديها جيش ذات جاهزية عالية، واحتياطي من الجنود كبير جدا. ووفقًا للترتيب الذي تنشره بشكل دوري الوكالات المعنية بتقييم الإمكانات العسكرية للدول، يأتي الجيش الأذربيجاني من بين أفضل 50 جيشًا على مستوى العالم.
وفي الختام، جاء إنشاء هذا المتحف تخليدا لما حققه الجيش الأذربيجاني من انتصارات في "حرب قراباغ الثانية"، ودافعا لحركة التشييد والبناء في الأراضي المحررة من الاحتلال وهو ما قامت أذربيجان بالبدء فيه بالفعل تمهيداً لعودة الأهالي إلى موطنهم الأصلي، وحتى يعم السلام والآمن في المنطقة.