المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 16 نوفمبر 2024
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة

| أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي المعاصر

خطيئة التجزئة في قضايا المرأة

تشجب الخطابات الحداثية والعصرانية على الشريعة الإسلامية في جملة من قضايا المرأة كالإرث والشهادة والولاية العامة والمساواة وغير ذلك مما هو مشهور معروف معلوم وتلوكه ألسنتهم ليلا ونهاراً .
وتنطلق في ذلك عبر مسارين:
• التجاوز والقفز على النصوص الشرعية في موقفها من هذه القضايا، واللجوء لمنطق المناهج الغربية، والاحتماء في أحضان المقدس الغربي ومرجعية الحقوق الغربية ومنطلقاتها وتأسيساتها والتوسل بها .
• الاتهام الصريح للخطاب الشرعي الإسلامي بالجهل في فهم النصوص الشرعية، وسوء تأويلها تأويلا سليما صحيحاً يتماشى مع مقاصد الشريعة، وكلياتها، وعليه فلا يستجيب هذا الفهم الشرعي لمتطلبات الواقع المعاصر، ولا بدّ إزاء ذلك من البحث عن تأويل جديد يلائم روح العصر ومستجداته، ويحقق مقصد الشريعة وغايتها – حسب زعمهم ووفق رأيهم- .
والمتأمل في مناقشة الخطاب الحداثي العصراني يرى أن الخطاب الشرعي وقع في خطيئة التجزئة لقضايا المرأة في الرد على هذه المسائل؛ حيث يجتهد أبناء الخطاب الإسلامي الشرعي في إيجاد المخارج والمبررات والمسوغات وسبك العلل وتلمسها لكل مسألة، وإن كان في بعضها صحة إلا أنها – من وجهة نظري – لا تسلم من معارضة ومؤاخذة، ويمكن هدمها وردّها بداهة حيناً، وببعض التأمل حيناً آخر.
حتى يخيل للمرء – وهذا عجب- أن المتهم هو الخطاب الشرعي، ويبحث متوسلًا عن أدلة براءته، أو أنه هو الغريق المتشبث بأي قشة تنقذه من الغرق.
وهذه الردود الجزئية، والمعالجة الأحادية للمسائل تؤدي إلى التشويش على ذهنية المتلقي من زواية، وتضخيم المسألة من زواية ثانية، وسهولة الاختراق والتنقل والقفز من مسألة إلى أخرى بدعوى عدم حسم الأولى من زواية ثالثة.
والصورة الأمثل –في تقديري- أنه يجب استصحاب النظرة الكلية الشمولية الجامعة لمنظومة المرأة في الشريعة الإسلامية، والانطلاق في الرد والبيان من هذه الكلية الجامعة .
فلئن كان الخطاب الحداثي يرى أن الشريعة الإسلامية مايزت بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات مما يرتبط ببعض المسائل؛ فيجب عندئذ استدعاء كامل النصوص الشرعية في موقفها من جميع قضايا المرأة .
فلو أنه جعلها على النصف من الرجل في الميراث مثلاً – رغم تهافت هذه الشبهة وعدم صدقها وصحتها – وجعلها على النصف من الرجل في الشهادة ومنعها من الولاية العامة وحرمها من القوامة إلى غير ذلك من الشبهات .
فإنه قبل البحث عن تبريرات وعلل للمسائل السابقة يجب فوراً استدعاء بقية صورة المرأة في الشريعة حيث جعل التشريع الإسلامي لها مهراً عند الزواج [وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ] وأوجب لها النفقة والسكنى وجعل الدفاع عنها وحمايتها فرضًا واجبًا يصل به الرجل إلى مرتبة الشهادة [ومن قتل دون عرضه فهو شهيد] وأمر بالإحسان إليها سواء أثناء قيام الزوجية أو عند فضها وإنهائها، ومعاشرتها بالمعروف [وعاشروهن بالمعروف] وعدم عضلها وأوجب موافقتها على عقد الزواج ، وقرر لها ذمة مالية مستقلة تتصرف بها كيفما تشاء، وجعل رعايتها فريضة واجبة في أعناق الرجال وسبباً موصلاً لدخول الجنة أمّا أم زوجة أم بنتاً، وأمر بمنع الأسباب المؤدية لإيذائها قولاً أم فعلاً [ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين] بل وصان جسدها عن التمتع بأي جزء منه أو المتاجرة به حتى مجرد النظر، وأوجب إنفاذ عهدها على رقاب الرجال [قد أجرنا من أجرت يا أم هانئء] إلى غير ذلك من المسائل المبثوثة في بطن الشريعة مما يقتضي المقام لاستقصائه.
أما ما يريده الخطاب الحداثي والعصراني من تقديم نصف الصورة، وغض الطرف عن الطرف النصف الآخر، والتمويه والمرواغة والمساومة في قبوله لردودنا من عدمه، والحرص على أن يوقع بنا في النظرة التجزيئية لقضايا المرأة؛ فهذا تلبيس للحق بالباطل، وهروب صريح من قوة الحق وصوابيته. والمرأة العاقلة لها أن تختار فيما يتعلق بقضاياها: إما حقيبة الإسلام، وإما حقيبة الحداثة والعصرنة، لا أن تقع في خطيئة الانتقائية والاختيار والاجتزاء، فتكون كمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.
نسأل الله السلامة من الفتن والعافية من سوء العواقب .



أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي
بواسطة : أ.د. إبراهيم طلبة
 0  0  13.8K