ليلى .. و"البلطجي" الإلكتروني
نهاية أحد اللقاءات بصغيراتي وبعد أن لعبنا بالألوان واستنشقنا عبقها الذي غيبنا عما حولنا فرحا .. كان هناك متسعا "للسواليف" .. فهن يحببنها كثيرا .. طلبت إحداهن أن تقص علي قصة .. فنزلت عند رغبتها وأبديت جل حماسي لسماعها .. ابتدأت قصتها بعبارة " كان فيه بنت اسمها ليلى ... " .. واسترسلت في كلماتها العذبة والتي كنت استمتع بسماعها مع ما كان يتداخل معها من قلب للسين ثاء، والخاء حاء ... وما شابهها .. فلا تزال صغيرتي ذات الست سنوات حديثة عهد بفصاحة نطق المفردات ..كما أن لديها بعضا من المفاجآت والتي كانت تبشرني بها من لقاء لآخر بسقوط أحد أسنانها اللبنية الأمامية مما يجعل بعض حروفها لم تبدو على ما يرام .. كم هي تسعد بذلك فهو دليل قاطع أمامها لحياة جديدة تكبر فيها وتزدهر كوردة تستقبل الربيع .. انتهت صغيرتي من حكايتها .. تحمست صغيرتي الأخرى لتتحفني بقصتها هي أيضا وابتدأتها بعبارة: " كان فيه ليلى والذيب ..." أتممت قصتها لكني لم أكن في تركيزي السابق كما كنت مع صغيرتي الأولى فهناك ما يشغلني .. ما السر وراء اختيارها لنفس القصة ؟! .. لكني عزيت ذلك لعله من دافع التقليد عند الأطفال .. ومن ثم أشرقت علي زهرتي الثالثة لتطرح قصتها على مسامعي إرضاء لي .. فإذا بها تستهلها بنفس الشخصية !! .. هنا فقدت سمعي وتركيزي معا .. فما الذي يخيف صغيراتي لهذا الحد حتى يتناوبن في إلقاء هذه القصة وكأنهن محذرات منذرات !! .. أدركت بالفعل إنه شعورهن المكبوت داخل قلوبهن الصغيرة تجاه ذلك الذئب اللئيم والذي كان يخدع ليلى بوداعته وحجة المساعدة ليسرق معلوماتها ويستغلها ضدها .. خرجت من صدري تنهيدة مكتومة ولسان حالها " آآآه يا صغيراتي ما أكثرهم من ذئاب بشرية يحيطون بنا.. يسرقون بياناتنا ويغيبون فرحتنا معها" !! .. إن الواقع اليوم لهو خير شاهد على تلك البلطجة الالكترونية .. فقد أصبحت مثالا حيا لقصة ليلى والذئب بلا منازع ..
يتمحور الخطر الالكتروني على الصعيد العالمي حول عامل التستر والتخفي وكتمان هوية المستخدم والأسماء المستعارة .. بل والمشاعر المستعارة أيضا .. وهذا هو القاسم المشترك ما بين قصة ليلى والحياة الافتراضية الحالية .. تطالعنا الأخبار ما بين حين وآخر بالعديد من حالات الانتحار والتنمر والتحرش .. بقصص وسيناريوهات مختلفة .. والتشهير الذي أصبح شيئا من خرم المرؤة حتى في "القروبات" العائلية .. والتي قد يكون المسبب الرئيس وراءها هو سرقة المعلومات وانتحال الهوية .. كما تشير العديد من الدراسات في أنحاء العالم إلى إحصائيات مخيفة حول المضايقات على الإنترنت وتأثيرها ..
وبالرغم من الجهود المبذولة لمحاولة ضبط المحتوى الالكتروني من جهة .. ومتابعة العديد من الجهات الأمنية المسؤولة عن مكافحة الجرائم الالكترونية وإيقاع أشد العقوبات على مرتكبيها من جهة أخرى .. إلا أن عامل الخصوصية يلعب الدور الكبير في وقوع الكثير من هذه الانتهاكات لاسيما ضد الأطفال والذين يعدون الحلقة الأضعف في كل المجتمعات .. فيُمضي الأطفال جزئا ليس بالهين من أوقاتهم إن لم تكن معظمها على اتصال بالعالم الخارجي من خلال هواتفهم أو أجهزتهم الخاصة، ممّا يزيد فرصة تعرضهم للمحتويات الاباحية لاستدراجهم أو لتحويلهم لأداة سلوكية تؤدي عمدا أو بدون عمد لارتكاب جرائم إلكترونية ..
وفي نهاية القصة .. صغيرتي !! عيشي حياتك بسلام وحرية .. ولا تضمني كل من يظهر لك الود فلربما يكشر عن أنياب لا ترحم برأتك .. واطمئني فسيأتي الحارس في نهاية القصة كما قلتي لي؛ ليقتل هذا الذئب البلطجي .. فالله عين لا تنام .. وللرقيب يد من حديد.