المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 16 نوفمبر 2024
د.منى بنت علي الحمود
د.منى بنت علي الحمود

لا أحب الآفلين .. نظرية علمية أم أسطورة دينية !!



"ابدأ من حيث انتهى الآخرون"..
من أشهر العبارات التي تحتفي بها العديد من الأدبيات ضمنيا أو بشكل مباشر كأغلب أدبيات البحث العلمي..وهي عبارة بريئة لايُقصد في سياقها إلا راحة متلقفيها من عناء البدايات وتوفير الوقت والجهد عليهم، فهي تأتي من فكرة مؤداها أنه من العبث أن تبدأ من (الصفر) في ظل وجود معطيات وحقائق سابقة يمكن البناء عليها..غير أني لا أنزح إلى هذه الفكرة جملة وتفصيلا، فللقطيعة المعرفية نكهة مختلف لا يعرف مذاقها إلا من هو متمرد على كل مألوف..فالأهم كيف نبدأ وبأي اتجاه وليس من أين نبدأ؛ كانت أول "قطيعة معرفية" عرفها التاريخ هي عندما أطلق سيدنا إبراهيم عليه السلام لفكره العلمي العنان، ليضع العديد من الفرضيات ويدحظها بالبرهان والمنطق الذاتي بعيدا عن أي نقطة انطلاق سابقة ..
وقد أصبحت الدعوى إلى القطيعة المعرفية عند الحداثيين مع التراث المعرفي هي الوصفة السحرية للنفاذ من سيطرة الماضي على حاضرنا ومستقبلنا والخروج* من بوتقة التخلف التي نعيشها اليوم، وذلك من خلال الأخذ بعقل الحداثة والذي يزعم بأن العلم الحديث مصدره الوحيد للمعرفة..ظهرت فكرة*القطيعة المعرفية* لأول مرة في أواسط* القرن العشرين في أوروبا؛ كإحدى تداعيات الثورات العلمية التي شهدها ذلك القرن؛ ويرجع الفضل في ظهور هذا المصطلح (القطيعة المعرفية) إلى الفيلسوف الفرنسي، ذلك الذي يمكننا تسميته أكثر الشعراء فلسفة، والفيلسوف الأكثر شاعرية"*غاستون باشلار" Gaston Bachelard*(1884*–*1962) *حيث اهتم بفلسفة العلوم في الجزء الأول من حياته ثم تحول إلى دراسة التخيل الشاعري وفلسفة الجمال والفن، وسيتم الحديث عنه بمشيئة الله في مقالات أخرى لاحقا، ويذهب "باشلار" إلى أن القفزات النوعية في العلوم لا تحصل إلا بالقطيعة مع العلوم السابقة، مخالفا بهذا المسلك ما جاء به رواد الفلسفة*الوضعية القائلين بسير العلوم *بخط تصاعدي، فتطورها ونموها يكون بالتراكم والتواصل من النقص إلى التمام .. حيث ترأس "أوجست كونت" الفلسفة الوضعية في القرن التاسع عشر الميلادي، وجاء بفرضياته التي تشير إلى أن العقل أو التفكير الإنساني يترقى في إدراكه للمعرفة بكل فروعها من الدور الثيولوجي (الديني أو اللاهوتي) إلى المستوى الميتافيزيقي، وأخيرا إلى الدور الوضعي أو العلمي، والذي يبدأ فيه العقل بتفسير الظواهر تفسيرا عليا من أجل الوصول إلى القوانين الواقعية الثابتة والأحكام المطلقة.. وقد خلفت الفلسفة الوضعية من السلبيات والإيجابيات في مجال العلم، ما لسنا بصدد الحديث عنها الآن في هذه الورقة.
وبالرغم من أن الحديث حول القطيعة المعرفية عند "باشلار"* إنما كان في حقل العلوم التطبيقية، إلا أن الفكرة سرعان ما انتقلت إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية على يدي الفيلسوف الفرنسي*"ميشيل فوكو" *(1926*-1984*) والذي اعتبر أن الإنسان لم يكن موجودا قبل القرن الثامن عشر، بمعنى أنه لم يكن هو منطلق التفكير الأساسي ولا هدفه، أي أن تفكير الإنسان كان لاهوتيا، سلطويا فلم يكن إنسانيا ولا للإنسان.. أما أستاذه "*لوي ألتوسير"*(1918*–*1990) فقد انقطع لدراسة "كارل ماركس" فقسم حياته الفكرية إلى ثلاثة مراحل بدأت بالتبعية لـ "هيجل" وانتهت بكهولته والتي اتسمت بالاستقلال وقطع صلته الإيديولوجية بالفلسفة الألمانية، حيث تبنى مفارقات علمية ونظرية مغايرة .. بالإضافة إلى مؤرخ العلم الأمريكي "توماس كوهن" (1922-1996) والذي أخذ يبرهن على أن التطور المعرفي ليس بالضرورة تراكميا وتدريجيا، وإنما قد يتأتى من ثورات معرفية يتغيير فيها نسق البحث وآلياته فجأة .. وفي هذه الأجواء يلمع نجم الفيلسوف النمساوي والذي كان من أبرز أعداء النزعة الاستقرائية "كارل بـوبر" popper K.- 1902-1992".
ومن الحاضنة الغربية انتقل هذا المفهوم ليحط رحاله في الثقافة العربية التي ظهر فيها مصطلح "القطيعة المعرفية" في مفارقاتهم ومقارباتهم في التراث العربي الإسلامي، والذين كانوا يدعون إلى القطيعة مع هذا التراث بدعوى أنه وراء أزمة التخلف التي تعيشها الأمة اليوم .. وكان من أبرزهم كلا من المفكر الدكتور اللبناني* حسين مروة ** (1910*–*1987)والجزائري محمد أركون(1928*–*2010)*، والمصري حسن حنفي* (1935) و المغربي محمد عابد الجابري..*(1936*–*2010)* وبالرغم من اشتراك هؤلاء المفكرين في ضرورة بعث روح الوعي النقدي، وتقبل الرأي الآخر من خلال قطع العلاقة بالقراءة التراثية المنغلقة (القراءة الواحدة للتراث)، والسعي نحو تكوين "العقل النهضوي" على حد تعبير الجابري، والذي رأى أنه *لا يمكن تكوينه إلا من خلال القط…
 0  0  12.9K