المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة

| أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي المعاصر

اليوم العالمي... وسؤال الهوية



دأبت المنظمات الدولية "الأمم المتحدة" على تذكير البشرية ببعض الأمور والشخصيات المعنوية، والمناسبات الاجتماعية، والمواقف الإنسانية، بتخصيص يوم تحتفل فيه المنظمات المعنية، وتذكير الناس بهذا الأمر، ومن ذلك مثلاً: اليوم العالمي للمرأة اليوم العالمي للطفل، اليوم العالمي للرجل، اليوم العالمي للغة العربية والذي يصادف الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام [وهو اليوم الذي يؤرخ لاعتماد اللغة العربية كلغة سادسة في منظمات الأمم المتحدة] إلى آخر هذه المناسبات .
والحقيقة أنني لا أكترث ولا أبالي بما يسمى اليوم العالمي، ولا أجد في نفسي دافعاً للكتابة حول هذا اليوم المحدد، ولا الاحتفاء به، مع إدراكي أنني كفرد ضمن سكان الأرض لا يؤثر موقفي هذا، ولا يغير من الأمر شيء، وربما لا يضيف جديداً، ولكن إيماني الداخلي أنه يجب أن يكون للإنسان رؤية للأمور من حوله مستندة إلى بعض القناعات الجادة أمر مهم في شخصية الإنسان، وبنائه المعرفي، وإلا فما الفرق بينه وبين غيره من ضعيفي الثقافة وعديمي الرؤية.
ولا يعود رفضي للاحتفال، أو الإشادة به لأمور شخصية، أو عقدة نفسية، أو لقناعات بحلّ أو حرمة شرعية لهذا الأمر [وهو أمر واجب اعتباره في حياة الإنسان] لكن ليس محله عندي هنا.
إن منطلقاتي وقناعاتي تتبلور وتدور حول أربعة أمور:
الأول: ليس في تجاهل هذه المناسبات دعوة للقطيعة عن المجتمع الدولي والتقوقع على الذات، فإن المساهمة الحضارية، والمشاركة الدولية لا يجب أن تختزل في الاحتفالات باليوم العالمي لكذا؛ فهذا تقليص لدورنا، وتقليل من عطائنا، وما يضر البشرية في شيء لو تجاهلنا ذلك، وتعاملنا مع هذه الأمور من منطلقاتنا وثقافتنا، وليست المشاركة نوعاً من التثاقف بل صورة من صور الاندماج غير الواعي، ولكم تجاهل الغرب ومؤسساته الدولية ومنظماته قرارات، وليس مناسبات وثيقة الصلة بديارنا وأطفالنا ونسائنا وحقوقنا، وحقوق الأقليات المسلمة؛ فما نبس ببنت شفة، ولا تحركت فيه شعرة، ورحم الله أمير الشعراء شوقي إذ قال:
أحرام على بلابـله الدوح …. حلال للطير من كل جنس؟
الثاني: في الانسياق وراء مسميات اليوم العالمي تماهي وانجذاب للحضارة للغربية لا مبرر له وليس هذا موطنه، مما يغيّب هويتنا الخاصة، وثقافتنا الأصيلة، إنه يعبر عن عجزنا حتى في تحديد مناسباتنا الاجتماعية، فننتظر حتى يُحدّد لنا ويُؤرّخ لنا، إنه في نظري السقوط اللاشعوري، في المادية الغربية القبيحة، وسنصطدم لا محالة بما يهز ثوابتنا، ويزعزع هويتنا، فماذا نحن فاعلون مع اليوم العالمي للشواذ مثلاً .
فإن قيل سننتقي ونحتفل بما يتناسب مع ثقافتنا وهويتنا. قلت: أنت ستفعل ذلك بلا شك عندي، لكن هل الأجيال القادمة ستفعل؟ هل أصحاب التدين المغشوش سيفعلون؟ هل يحمل شبابنا وبناتنا المناعة الكافية الواقية لهم من السقوط في فخ العولمة؟ هل لدى أبناء أمتنا التحصين الكافي في ظل إعلام يهتك المقدسات، وسماوات مفتوحة عبر الفضاء تحارب بلا هوادة كل مقدس، وتحطم بلا رحمة كل هوية، وأدعياء للعلم يشوهون معالم الدين الحنيف فتقع الأجيال في صراع الهوية فلا هم بالحق تمسكوا، ولا من الباطل فروا.
الثالث: لئن صحّ واستسيغ للغرب من خلال المنظمات الدولية التي تعيش في رحمه، وتتغذى من لبنه، أن يخصص يوما عالمياً للاحتفال والاحتفاء ببعض المناسبات فله عذره، فهو مجتمع قام على المادية المقيتة، وانعدمت فيه معاني الرحمة، وتوغلت فيه العلاقة التعاقدية النفعية في كل شيء، وفي كل العلاقات؛ فيحتاج لديمومة حياته أن يجنح إلى بعض معاني الرحمة بين فينة وأخرى، واستدعاء بعض المناسبات لتلطف هذ الجو المشحون في صراع البقاء.
أعود إلى أمتنا الإسلامية إن جلّ ما يخصص للأيام العالمية نجده مقرراً شرعاً في ديننا، وعبادة نتقرب بها إلى الله، إن الطبيعي أن هذه المعاني يمارسها المسلم تعبداً كل يوم وكل لحظة، إنها مكون رئيس من حياته، وجزء لا ينفصل من مكونات عقيدته. ومتى غفل المسلم عن ذلك حرم من الأجر والثواب الدنيوي والأخروي.
إنني لست واحداً من المفتونين بترديد عبارة [إن الإسلام له السبق في كذا ] لأني أراها دليلاً على تقصيري في خدمة ديني فكان يجب عليّ أن أبادر بكشف ذلك للبشرية قبل أن تنادي به قبلي، ثم أعود فأقول: إن الإسلام قد سبقكم.... فأين كنت أنا؟؟؟؟!!!
الرابع: إن نزعة التخصيص مع مرور الوقت تحول ممارستنا التعبدية إلى مناسبات وقتية، لصلة الرحم أو بر الوالدين، أو العناية باللغة العربية، وسرعان ما ننسى في زحمة الحياة، ثم إذا ما جاء اليوم العالمي للمناسبة أرضينا ضميرنا وهدأنا من تأنيبه – إن كانت فيه بقية من تأنيب- وسارعنا إلى الاحتفال والاحتفاء.
إنني أتألم أشد الألم وأشفق أشد الإشفاق على عوام الناس عندما يتسرب إلى عقولهم، وأجد في ممارستهم أن قراءة القرآن والالتزام والمحافظة على الصلاة في شهر رمضان مثلاً، ثم يفر من المسجد بعد رمضان هارباً في الأرض ثم يعود كرة أخرى.
أقول في نفسي إن هذا المسكين قد غرر به وأفهموه أن العبادة مناسبة، وأن التقرب إلى الله مناسبة، وأن الصلاة مناسبة، وأن قراءة القرآن مناسبة.
وإن أخطر شيء على الدين أن يتحول إلى مناسبة، وأن تكون تشريعاته وقتية، إن الدين الحق روح تسري في كيان المسلم، يترقب رضى الله عزو جل في كل ما يفعل، فمتى كانت أعمال البر والخير مقرونة بوقت أو محددة بزمن، إن التذكير للغافل، وإننا أمة أراد الله منا أن نكون على وعي دائم بحقيقة وجودنا كما قال تعالى: [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون] سورة الذاريات، الآية: 56.
إن حركات المسلم في الأرض كلها لله: [ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين] سورة الأنعام، الآيتان: 162-163.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً
بواسطة : أ.د. إبراهيم طلبة
 1  0  25.4K