الصناعة لغير المختصين: "الابتكار، والتجارة والخدمات والاقتصاد"
ا
كما هو معلوم، يتكون الاقتصاد من مجموعة أنشطة تُعنى بانتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات بالتجارة. وهو يأخذ في مفهومه العمالة، ورأس المال، والموارد الطبيعية. أما علاقة الصناعة بالتجارة والخدمات من جهة، والابتكار من جهة أخرى، وتأثير الصناعة على الاقتصاد، فهو أمر يستحق التوقف عنده، وهو محور مقال اليوم. سأحاول أن أشرح بإيجاز، لغير المختصين، السر الذي يقف خلف اهتمام الدول بالصناعة.
تشير الدراسات إلى أن الصناعة تقف خلف كل تنمية اقتصادية شهدتها دول العالم. وهذه الحقيقة كانت نتيجة أن جميع الدول التي تحولت من ذوات الدخل المنخفض، إلى أندية ذوي الدخل المرتفع، كانت صناعتها هي السبب الرئيسي لهذا التحول. في ١٧٥٠م أي قبل ٢٧٠ عام تقريباً، كانت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان تمثل ٢٧٪ من الانتاج الصناعي العالمي. وامتدت رحلة تطوير الصناعة في تلك المناطق حتى أصبحت تمثل ٩٠٪ من الانتاج الصناعي في العالم بحلول عام ١٩٠٠م.
ب- علاقة الصناعة بالابتكار:
أما عن علاقة الصناعة بالابتكار، فإن الصناعة هي المحرك الأساسي للابتكار، حيث أن الصناعة هي القائد الرئيسي لنمو الانتاجية. ونمو الإنتاجية والحاجة للمزيد من المنتجات والإنتاج في وقت قصير وتكلفة أقل وبجودة مناسبة، هي السبب الرئيسي في التقدم التقني والدفع باتجاه المزيد من التقنيات الصناعية لإنتاج منتجات أكثر بسعر ووقت أقل وجودة مناسبة، وهو ما يؤدي في النهاية لمزيد من الابتكارات الصناعية لرفع انتاجية الصناعة بطبيعة الحال، وهو ما يصب في الأداء الاقتصادي كما سيأتي لاحقاً. كما أن الصناعة أسهل الأنشطة التي يمكن أن تولد مزيداً من الابتكارات الصناعية مقارنة بالخدمات والتجارة، حيث أن الصناعة تعتمد على الميكنة من جهة، والتفاعلات الكيميائية من جهة أخرى وهما عنصري صناعة رئيسيين، وأحد مكامن قوتها. لذا، فإننا نجد الابتكار في الأجهزة والحواسيب وكل ما حولنا بشكل متسارع جداً، ولا يكاد يقارن بالابتكارات في التجارة والخدمات. فحتى التجارة الاليكترونية ونقاط البيع الاليكترونية، بما تحتويه من خدمات، لم تكن موجودة لولا أجهزة الحاسوب الأسرع، والحاجة لابتكار أجهزة اكثر وأقل تكلفة وذات جودة مناسبة. وبهذا، تعتبر الصناعة السبب الرئيسي للرخاء، حيث أن الصناعة ولدت الابتكارات، والتي صنعت معدات أفضل وأكفأ، لحصد، على سبيل المثال، المحاصيل الزراعية بشكل أكبر وأوسع، وأسمدة ومبيدات، ومواد كيميائية مختلفة، أدت في مجملها إلى زيادة الإنتاج النباتي والحيواني. ولعلنا نشير إلى أن ٦٥٪ من علماء ومهندسي الولايات المتحدة الأمريكية يعملون في القطاع الصناعي.
ج- علاقة الصناعة بالتجارة والخدمات:
وحتى نقترب أكثر لنفهم انعكاس الصناعة على التجارة والخدمات، تولد كل وظيفة في القطاع الصناعي، من ٢ إلى ١٠ وظائف في القطاعات الاقتصادية الأخرى. فعلى سبيل المثال، ووفق مخرجات دراسة تمت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل زمن، كان عدد موظفي القطاع الصناعي ١١,٥ مليون عامل. وكان عدد الوظائف في التجارة والخدمات والتي ترتبط مباشرة بهذه المصانع حوالي ٣٣ مليون عامل، أي بنسبة ١ إلى ٢,٨٨. وفي حال طبقنا هذه النسبة على عدد العاملين في القطاع الصناعي في المملكة، والذين يبلغ عددهم مليون موظف، فإن عدد العاملين في القطاعات الاقتصادية الأخرى، والمرتبطين بهذه الصناعات، هو قرابة ثلاثة ملايين موظف، أي باجمالي قرابة أربعة ملايين موظف، وهو بلا شك رقم كبير إذا ما قارناه باجمالي القوى العاملة في المملكة والذي يبلغ ١٣ مليون موظف أي قرابة ٣١٪ من اجمالي القوى العاملة في المملكة. أما بالنسبة لمساهمة العاملين في الناتج غير الصناعي، فإن مساهمة العاملين في الصناعة تشكل ٢٩٪، بينما يشكل العاملون في الخدمات ١٣٪، وذلك في فرنسا. أما بالنسبة لسنغافورة، وهي لا تعتمد بشكل كبير على نهضتها في الصناعة، فإن كل ١٠٠ وظيفة في قطاع الخدمات، تولد وظيفة واحدة في الصناعة بينما العكس أكبر من ذلك بسبعة وعشرين مرة.
د- النتيجة: علاقة الصناعة بالاقتصاد:
وجميع ما ذُكر أعلاه من عناصر تؤدي في مجملها إلى المزيد من الاستثمارات والوظائف والصادرات، مما يخفض ميزان المدفوعات ويدفع بالناتج المحلي نحو الارتفاع، وهكذا دواليك مما نطلق عليه الأثر المباشر للصناعة في الاقتصاد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تخزين ونقل وتوزيع السلع، والإتجار بها محلياً ودولياً، سواءً بالطرق التقليدية أو الاليكترونية، يعتبر نتيجة أنشطة المصنع، وهو ما نطلق عليه الأثر الغير مباشر للصناعة في الاقتصاد.
وهكذا، الصناعة تولد التجارة والخدمات، والتي بدورها تطلب إنتاجاً أكثر وتكلفة أقل وجودة مناسبة، مما يدفع بالابتكار نحو العمل على ذلك، وهو ما يدفع بالمصنع لانتاج المطلوب باستخدام التقنية المبتكرة، وهكذا دواليك وللأبد.
و- خلاصة:
وعليه، فإن نهضة اقتصاد الدول، ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بمدى تبنيها للصناعة. بل يمتد الأمر لتحفيز صناعات استراتيجية ترتبط بالأمن الغذائي والدوائي والدفاعي وعناصر التنمية وغيرها بحسب أولويات كل دولة. وفي المجمل، فإن أثر الصناعة على الاقتصاد الوطني أكبر من أثر القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن هنا، يستطيع القاريء العزيز، معرفة أولوية الصناعة الوطنية، وأسباب تحفيزها من خلال انشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية، ومن قبلها وبعدها منظومة الصناعة والتي تتمثل في الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وصندوق التنمية الصناعية السعودية، وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، واطلاق برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وبنك الصادرات، ومركز التنمية الصناعية. ومفهوم الارتباط القوي للصناعة بالاقتصاد، يقف خلف العديد من المحفزات التي تهدف لتنمية الصناعة الوطنية مثل تحمل الدولة للمقابل المالي على العمالة الوافدة، والإعفاء الجمركي لمدخلات الانتاج الصناعي، والتكلفة المخفضة لإيجارات الأراضي الصناعية ورسوم الخدمات ومنها الطاقة الكهربائية وغير ذلك من محفزات للدفع بتحقيق رؤية المملكة.
إن أصبت فمن الله، وإن اخطأت فمن نفسي.
_________
www.albadrf.wordpress.com
كما هو معلوم، يتكون الاقتصاد من مجموعة أنشطة تُعنى بانتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات بالتجارة. وهو يأخذ في مفهومه العمالة، ورأس المال، والموارد الطبيعية. أما علاقة الصناعة بالتجارة والخدمات من جهة، والابتكار من جهة أخرى، وتأثير الصناعة على الاقتصاد، فهو أمر يستحق التوقف عنده، وهو محور مقال اليوم. سأحاول أن أشرح بإيجاز، لغير المختصين، السر الذي يقف خلف اهتمام الدول بالصناعة.
تشير الدراسات إلى أن الصناعة تقف خلف كل تنمية اقتصادية شهدتها دول العالم. وهذه الحقيقة كانت نتيجة أن جميع الدول التي تحولت من ذوات الدخل المنخفض، إلى أندية ذوي الدخل المرتفع، كانت صناعتها هي السبب الرئيسي لهذا التحول. في ١٧٥٠م أي قبل ٢٧٠ عام تقريباً، كانت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان تمثل ٢٧٪ من الانتاج الصناعي العالمي. وامتدت رحلة تطوير الصناعة في تلك المناطق حتى أصبحت تمثل ٩٠٪ من الانتاج الصناعي في العالم بحلول عام ١٩٠٠م.
ب- علاقة الصناعة بالابتكار:
أما عن علاقة الصناعة بالابتكار، فإن الصناعة هي المحرك الأساسي للابتكار، حيث أن الصناعة هي القائد الرئيسي لنمو الانتاجية. ونمو الإنتاجية والحاجة للمزيد من المنتجات والإنتاج في وقت قصير وتكلفة أقل وبجودة مناسبة، هي السبب الرئيسي في التقدم التقني والدفع باتجاه المزيد من التقنيات الصناعية لإنتاج منتجات أكثر بسعر ووقت أقل وجودة مناسبة، وهو ما يؤدي في النهاية لمزيد من الابتكارات الصناعية لرفع انتاجية الصناعة بطبيعة الحال، وهو ما يصب في الأداء الاقتصادي كما سيأتي لاحقاً. كما أن الصناعة أسهل الأنشطة التي يمكن أن تولد مزيداً من الابتكارات الصناعية مقارنة بالخدمات والتجارة، حيث أن الصناعة تعتمد على الميكنة من جهة، والتفاعلات الكيميائية من جهة أخرى وهما عنصري صناعة رئيسيين، وأحد مكامن قوتها. لذا، فإننا نجد الابتكار في الأجهزة والحواسيب وكل ما حولنا بشكل متسارع جداً، ولا يكاد يقارن بالابتكارات في التجارة والخدمات. فحتى التجارة الاليكترونية ونقاط البيع الاليكترونية، بما تحتويه من خدمات، لم تكن موجودة لولا أجهزة الحاسوب الأسرع، والحاجة لابتكار أجهزة اكثر وأقل تكلفة وذات جودة مناسبة. وبهذا، تعتبر الصناعة السبب الرئيسي للرخاء، حيث أن الصناعة ولدت الابتكارات، والتي صنعت معدات أفضل وأكفأ، لحصد، على سبيل المثال، المحاصيل الزراعية بشكل أكبر وأوسع، وأسمدة ومبيدات، ومواد كيميائية مختلفة، أدت في مجملها إلى زيادة الإنتاج النباتي والحيواني. ولعلنا نشير إلى أن ٦٥٪ من علماء ومهندسي الولايات المتحدة الأمريكية يعملون في القطاع الصناعي.
ج- علاقة الصناعة بالتجارة والخدمات:
وحتى نقترب أكثر لنفهم انعكاس الصناعة على التجارة والخدمات، تولد كل وظيفة في القطاع الصناعي، من ٢ إلى ١٠ وظائف في القطاعات الاقتصادية الأخرى. فعلى سبيل المثال، ووفق مخرجات دراسة تمت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل زمن، كان عدد موظفي القطاع الصناعي ١١,٥ مليون عامل. وكان عدد الوظائف في التجارة والخدمات والتي ترتبط مباشرة بهذه المصانع حوالي ٣٣ مليون عامل، أي بنسبة ١ إلى ٢,٨٨. وفي حال طبقنا هذه النسبة على عدد العاملين في القطاع الصناعي في المملكة، والذين يبلغ عددهم مليون موظف، فإن عدد العاملين في القطاعات الاقتصادية الأخرى، والمرتبطين بهذه الصناعات، هو قرابة ثلاثة ملايين موظف، أي باجمالي قرابة أربعة ملايين موظف، وهو بلا شك رقم كبير إذا ما قارناه باجمالي القوى العاملة في المملكة والذي يبلغ ١٣ مليون موظف أي قرابة ٣١٪ من اجمالي القوى العاملة في المملكة. أما بالنسبة لمساهمة العاملين في الناتج غير الصناعي، فإن مساهمة العاملين في الصناعة تشكل ٢٩٪، بينما يشكل العاملون في الخدمات ١٣٪، وذلك في فرنسا. أما بالنسبة لسنغافورة، وهي لا تعتمد بشكل كبير على نهضتها في الصناعة، فإن كل ١٠٠ وظيفة في قطاع الخدمات، تولد وظيفة واحدة في الصناعة بينما العكس أكبر من ذلك بسبعة وعشرين مرة.
د- النتيجة: علاقة الصناعة بالاقتصاد:
وجميع ما ذُكر أعلاه من عناصر تؤدي في مجملها إلى المزيد من الاستثمارات والوظائف والصادرات، مما يخفض ميزان المدفوعات ويدفع بالناتج المحلي نحو الارتفاع، وهكذا دواليك مما نطلق عليه الأثر المباشر للصناعة في الاقتصاد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن تخزين ونقل وتوزيع السلع، والإتجار بها محلياً ودولياً، سواءً بالطرق التقليدية أو الاليكترونية، يعتبر نتيجة أنشطة المصنع، وهو ما نطلق عليه الأثر الغير مباشر للصناعة في الاقتصاد.
وهكذا، الصناعة تولد التجارة والخدمات، والتي بدورها تطلب إنتاجاً أكثر وتكلفة أقل وجودة مناسبة، مما يدفع بالابتكار نحو العمل على ذلك، وهو ما يدفع بالمصنع لانتاج المطلوب باستخدام التقنية المبتكرة، وهكذا دواليك وللأبد.
و- خلاصة:
وعليه، فإن نهضة اقتصاد الدول، ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بمدى تبنيها للصناعة. بل يمتد الأمر لتحفيز صناعات استراتيجية ترتبط بالأمن الغذائي والدوائي والدفاعي وعناصر التنمية وغيرها بحسب أولويات كل دولة. وفي المجمل، فإن أثر الصناعة على الاقتصاد الوطني أكبر من أثر القطاعات الاقتصادية الأخرى. ومن هنا، يستطيع القاريء العزيز، معرفة أولوية الصناعة الوطنية، وأسباب تحفيزها من خلال انشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية، ومن قبلها وبعدها منظومة الصناعة والتي تتمثل في الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وصندوق التنمية الصناعية السعودية، وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، واطلاق برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، وبنك الصادرات، ومركز التنمية الصناعية. ومفهوم الارتباط القوي للصناعة بالاقتصاد، يقف خلف العديد من المحفزات التي تهدف لتنمية الصناعة الوطنية مثل تحمل الدولة للمقابل المالي على العمالة الوافدة، والإعفاء الجمركي لمدخلات الانتاج الصناعي، والتكلفة المخفضة لإيجارات الأراضي الصناعية ورسوم الخدمات ومنها الطاقة الكهربائية وغير ذلك من محفزات للدفع بتحقيق رؤية المملكة.
إن أصبت فمن الله، وإن اخطأت فمن نفسي.
_________
www.albadrf.wordpress.com