رسوم الأطفال علما وفنا
قد يستيقظ الأهل على كارثة من النوع اللطيف البريء، أو بعد عودتهم إلى منزلهم بعد يوم شاق من العمل، أو بعد لحظات قليلة من اختفاء ذلك الكائن اللطيف صاحب الأنامل الصغيرة المتمردة لبعض من الوقت، ليتفاجأوا بعاصفة من الألوان والخطوط والتي اقتحمت بدون استئذان ممتلكاتهم الشخصية أو المنزلية، مما يُدخل بعضهم في نوبات من الغضب أو الاحباط والتي قد تصل إلى حد البكاء أو ضرب الطفل أو حرمانه من ألوانه وأقلامه..
لكنه وفي حقيقة الأمر فغالبا ما تخفي بداخلها تلك الشخبطة والرسومات وضربات الألوان الكثير من القيم الفنية والجمالية والانفعالية والإدراكية التي قد تغيب عن أذهان الأهالي والبالغين لاسيما في تلك اللحظات المفاجئة لهم.
ولتناول هذا الموضوع بشيء من المهنية العلمية والفنية كان لابد وأن نعرف بداية ما المقصود برسوم الأطفال؟.
يشير مفهوم رسوم الأطفال إلى كل تلك التخطيطات الحرة التي يعبرون بها على أي سطح كان. وقد أصبح مصطلح رسوم الأطفال مصطلحا عالميا يتعارف عليه المشتغلون بالتربية والفنون ويقيمون المعارض والمؤتمرات لمزيد من الفهم والدراسة لها، ولم تعد رسوم الأطفال تقتصر على الرسوم التخطيطية ذات البعدين وإنما يشتمل على كل تعبيرات الأطفال بصرف النظر عن الخامة المستهلكة.
فيشمل مصطلح رسوم الأطفال كل تعبيرات الأطفال التي تعكس سمات الطفولة بكل أبعادها الجسمية والانفعالية, والحسية ... في كل مرحلة من مراحله.
وتمثل تلك الرسومات قيمة عالية عند الأطفال، إذ تمثل لغة تعبيرية بصرية رمزية يستخدمها الأطفال كوسيلة للاتصال بغيرهم. فالطفل يكيف الرموز في كل موقف للتعبر عن المعاني التي يريدها.
فالطفل عندما يرسم إنسان يعبر عنه كاملا أحيانا وأحيانا ينقص من بعض تفاصيله، وقد يلخصه في شكل دائرة أو يطيله أو يقصره، وذلك ليقوم بتبليغ المشاهد بمفهومه عن هذا الشخص.
كما تعد رسوم الأطفال وسيلة للتكيف مع البيئة.. ويظهر ذلك خاصة لدى الطفل في فترة ما قبل المدرسة فيستخدم الرسم للتعبير عوضا عن الكتابة والقراءة.
فللطفل حاجات لكن البيئة التي يعيشها ليست دائما ملبية لكل احتياجاته.
فمثلا عند أخذ لعبة الطفل منه عنوة أو سرقتها، فإن هذا الطفل لو رسم نفسه مع لعبته فإنه سيصورها على أنها شيء يفقده أو لا يستطيع الحصول عليه فيؤكد على اللعبة بطريقة أو أخرى فهو يكبرها أو يضغط على خطوطها بشكل غير عادي. وتمثل رسوم الأطفال مظهر من مظاهر اللعب.. ليرضي حاجاته للترويح ويقصد باللعب هنا النشاط التلقائي الذي يمارسه الطفل أثناء الرسم،
حيث يحدث في الرسم هنا ما يحدث في اللعب الإيهامي.
هناك صلة وثيقة بين رسوم الأطفال وصحتهم النفسية، فقد يعاني الطفل من مشاعر الكبت والحرمان والعنف وهنا تعد الرسوم مظهر من المظاهر الوسائل التنفيسية عن الذات. فعندما يطلب من طفل عادي رسم أبويه يرسمهما مثلا بنسب متقاربة أما الطفل الآخر الذي يشاهد عنف من والده فيرسمه بحجم كبير مع المبالغة في حجم اليدين. كما أنه من أهمية رسوم الأطفال أنها تعد مؤشرا لنموهم الوجداني والعضلي والانفعالي والعقلي فهي انعكاسا لنموهم. فالطفل بعد ولادته مباشرة لا يستطيع الحركة الإرادية لعدم نضج الجهاز العصبي،
كما أن انفعالاته محكومة فقط باحتياجاته الآنية، وعند بلوغه الشهر السادس من عمره يبدأ في التقاط الأشياء ووضعها في فمه، لذا فهو لم يحن الوقت بعد لأن يكون مهيأ لأي مظهر من مظاهر التعبيرات الفنية.. لكنه وما أن يكمل سنته الأولى حتى يبدأ يمسك بالأشياء مما يساعده في البدء برسم خطوطا عشوائية، وفي سنته الثانية يبدأ يمسك ويفتح، ويفضل يد دون الأخرى كما تتطور لديه جميع الحواس. وهو ما بين الشهر التاسع والسنتين يظهر عليه بعضا من مظاهر اصطلح عليها معظم المهتمين بالتربية في مجال الفنون وهي مرحلة ما قبل التخطيط، تليها مرحلة التخطيط العشوائي ثم مرحلة التخطيط المنتظم.
عند بلوغ الطفل سن الثالثة يعتمد في إدراكه على الأشكال أكثر من الألوان، ويدرك الأحجام أيضا مما يساعده في أن يبدأ بتقليد الرسوم ويتقن رسم الدائرة، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة التخطيط الدائري، والتي غالبا ما يستخدمها للتعبير عن رسم الأشخاص والأشياء.
وفي سن الخامسة يتحول إلى محاولة رسم إنسان بسيط ويتقن تقليد رسم المثلث والمربع كذلك. يتحول في سن السادسة إلى الاعتماد في إدراكه على الألوان أكثر من الأشكال، وتتجه انفعالاته نحو التركز حول ذاته فنجده يرسم نفسه في كل المواضيع، وإجمالا في المرحلة مابين سن (3-6) يمر الطفل بثلاثة مراحل فنية، ويختلف كل طفل عن الآخر في خروجه ودخوله لكل مرحلة منها وهي: مرحلة التخطيط الدائري، ومرحلة رسم الرموز المسماه، وأخيرا مرحلة الايجاز الشكلي.
مابين سن (6-9) تكون حاسة اللمس عنده قوية، وهو يستطيع إدراك الألوان، ويستمر لديه طول البصر، ويبدأ بالاستقرار الانفعالي وتتحسن علاقاته الاجتماعية، مما يجعل رسمه في هذه المرحلة يزداد وضوحا، فهو يستطيع رسم شجرة ومنزلا وسيارة، ويميل إلى رسم الأشخاص بدون التأكيد على التفاصيل، ويحب استخدام الألوان. وتتميز هذه المرحلة العمرية بخصائص فنية مشتركة بين أغلب الأطفال وهي: التكرار في العنصر المرسوم، المبالغة في الحذف، التسطيح، الشفافية، الجمع بين المسطحات في حيز واحد، الجمع بين الأزمنة والأماكن، إبراز خط الأرض، استخدام الألوان، الكتابة على الرسم.
في المرحلة ما بين (9-12) يظهر مزيدا من القوة والطاقة مع التحكم بالحركة، ويتلاشى طول البصر فيستطيع ممارسة الأشياء القريبة بدقة فيميل إلى ممارسة التفاصيل والزخارف في رسومه، ويظهر ضبطه لانفعالاته وتحوله من تمركزه السابق حول ذاته إلى الاهتمام بعالمه الخارجي. وتنقسم هذه المرحلة إلى مرحلتين: مرحلة محاولة التعبير الواقعي، وتقع بين سن (9-11)، وفيها يظهر التحول من الاتجاه الذاتي إلى الاتجاه الموضوعي حيث يبدأ بإدراك البيئة الخارجية. كما يهتم بالمظاهر المميزة للأشياء والعلاقات بينها مثل التمييز بين الذكر والأنثى والكهل والصغير.
اختفاء مظاهر الرسم السابقة ويحل محلها مميزات نابعة من رؤيته للأشياء في بيئته. المرحلة الثانية هي مرحلة التعبير الواقعي، وتقع بين سن (11-12)، ويصحبها قلة الإنتاج بسبب الكلفة والفتور الذي يشعر به في هذه المرحلة، ويظهر التباين بين الجنسين في اختيار الموضوعات،يظهر الطفل الكثير من التفاصيل على رسوماته، وهنا يستطيع استخدام الأدوات التي يستخدمها الفنانون.مع ظهور طرازين من التعبير أحدهما الاتجاه البصري والآخر الاتجاه الذاتي. ويعتمد الاتجاه البصري على الحقائق البصرية كما يراها، ويراعي النسب والتفاصيل والقرب والبعد، وهنا يستخدم اللون كما تراه عينه ، حيث يميل إلى هذا الاتجاه أغلب الأطفال في هذه المرحلة.
أما الاتجاه الذاتي فيعتمد الطفل على نظرته الشخصية وانفعالاته الخاصة، ولا يهتم بالنسب ويظهرها كما يراها هو، أو يظهر بعض الأسس ويغفل الأخرى تماما، ويكون استخدامه للون وفقا لانفعالاته.
نصائح تربوية للمربين:
- الاهتمام برسوم الأطفال ومساندتها لعدم اندثارها، من جراء العقاب أو التحجيم؛ لأنها تعتبر ذات قيمة عند الأطفال من الناحية الانفعالية والادراكية والتعبيرية والتكييفية والتنفيسية والترفيهية.
- تعد رسوم الأطفال أداة مهمة من الناحية التشخيصية لبعض المشكلات السلوكية أو الانفعالية، فيجب الانتباه لكل ما هو ملفت في رسوم الأطفال مع عرضها على المختصين إذا لزم الأمر. كما تعد أداة لقياس معدلات النمو سواء على المستوى الحسي أو الانفعالي أو الحركي للأطفال.
- تعد رسوم الأطفال أداة لتشخيص الأطفال الموهوبين وغير الأسويا، فالأطفال الموهوبين يبدءون عادة تعاطي الفن في سن مبكرة عادة في سن الثالثة، كما يهتمون بالرسم لأنه يساعدهم في توضيح الكثير من التفاصيل، ويُعنون برسم الأشخاص، وحتى عند التعبير عن الطبيعة الصامتة يتضمنها الكثير من التفاصيل.
ويعتقد بعض العلماء أن عامل الابتكار يمكن أن يكون هو أساس التفضيل للطفل الموهوب إذ أن الطفل الموهوب يتميز بقدرته على إيجاد الحلول الابتكارية، ويحمل تعبيره نوعا من التميز والانفراد. والخلاصة: أن الطفل الموهوب يكون رسمه أعلى من مستوى المعدل العادي في المرحلة العمرية التي يعيشها وفقا لخصائصه الفنية