المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 26 ديسمبر 2024
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة
أ.د. إبراهيم طلبة

| أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي المعاصر

ضحايا الرأسمالية: مُعْجَبُون للبيع !!!

في ظل توغل الرأسمالية في حياتنا تظهر فئة من الناس تسمّى “المعجبون” هم لا يشترون المنتج بل يعجبون به فقط، ولأهمية زيادة عدد المعجبين أضحت صناعة في علم التسويق الحديث بأن يكون المستهدف بالإعلان المُعْجَب وليس المشتري للسلعة.

لو تأملنا الإعلانات المختلفة عبر الجرائد والصحف والقنوات والمواقع، والتي تقدم ماركات عالمية من المنتجات المختلفة (ساعات – سيارات – عطور- قصور…..الخ) لنا أن نتسائل هل المستهدف هو العميل الذي سيشتري المنتج ويملك ثمنه فقط؟

الحقيقة أن الوصول للعميل الذي سيشتري فعلياً يمكن أن يتم عبر وسائل أخرى أقل كلفة لأصحاب المنتج.

لكن المستهدف الأكبر هو صناعة جمهور من المعجبين بهذا المنتج وعندئذ يزيد ثمن المنتج كثيراً أكثر من قيمته الحقيقية لأنك ستشتري المنتج ومعه جمهور المعجبين به.

فيصبح تقييم المجتمع لمقتني السلعة تقييم مادي بما يلبس وبما يركب وبما يقتني، وتكون هذه هي معيار النجومية في نظر الناس .

وهذا التغول من الرأسمالية في حياتنا من الخطورة بمكان لأنه يقتحم حياتنا وتصرفاتنا ويؤثر على حكمنا على الأشياء والأشخاص في العقل الباطن ولا شعورياً.

فيصبح الشخص التافه الحقير له قيمة ومكانة اجتماعية؛ لأنه يركب سيارة فخمة، أو يرتدي ساعة من ماركة كذا، أو يسكن في منتجع أو منطقة لها جمهور من المعجبين؛ بل والعمل الذي يمارسه يتقبله الناس بقبول حسن – حتى وإن كان هابطاً تافهاً ساقطاً – ويتمنوا أن يمارسوه نظراً للهالة التي أحاطت به من فريق المعجبين، ونظراً لما يمتلك من منتجات الرأسمالية.

وكما يقول د. المسيري رحمه الله: عندما نقوم بتقييم الطالب الجامعي صاحب السيارة المرسيدس بقيمة أعلى من مُعَلِّمِه الأستاذ الدكتور الذي يتنقل في المواصلات العامة لضعف راتبه.

ثم الشعور بالنقص لدى جمهور المعجبين؛ لأنهم لم يصلوا لمنزلة هذا الرأسمالي فيكون حلمهم الوحيد إن أصبحوا رأسماليين أن يركبوا السيارة الفخمة، أو يقتنوا ساعة اليد من ماركة كذا، وربما يؤدي بهم هذا الشعور إلى الحقد على مالكي هذه المنتجات الرأسمالية فيتعرضون لهم بالقتل أو التحرش، وإما أن يؤدي بهم إلى الانحراف والسطو والسرقة للوصول إلى منتجات الرأسمالية فيتحولون إلى جناة، وهم في الأصل مجني عليهم وضحايا الرأسمالية البغيضة.

وإضافة إلى ما سبق يصبح اختزال قيمة الإنسان ومكانته وتقديره فيما يملك ويقتني لا فيما ينتج ويبدع، ويقدم ويفيد وينفع. وهذا الفهم إن استفحل وتعمق في عقول الناس من الخطورة بمكان على ريادتنا وتقدمنا، ولن يترك أثراً صالحاً بل آخر سيئاً.

وأنا أكتب هذا المقال تذكرت موقفاً قرأته عن أحد البشوات الذين عاشوا في ستينيات القرن الماضي، ويعتبر تطبيقاً عملياً لموضوع مقالنا: أنه مرت به ضائقة مالية، وبمجرد أن جاءه مال اشترى “ولاعة ذهبية ماركة فرنسية” سأله بعض المقربين منه عن السبب، وكان من الممكن أن يشتري نوعاً آخر أقل قيمة بكثير فكان جوابه:

“إن هذه الولاعة هي التي ستعطيه مكانته في المجتمع، وسيشعر بذاته أنه باشا إذا أخرجها في محفل وأشعل بها سيجاره، وأعجب الحضور بها، وتمنوا أن يقتنوا مثلها”

وأختم ببيان الميزان الحقيقي الذي ينبغي أن توزن به الأعمال والأشخاص كما جاء في قوله تعالى: [قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون] سورة سبأ: الآيتان: 36-37.

إنه الإيمان والعمل الصالح، فقيمة الإنسان الحقيقية ومكانته بما يقدمه من أعمال صالحة تخدم البشرية وتنفع الناس، بما يساعد على حل المشكلات، وتجاوز العقبات، بالأخلاق الحسنة، والسلوكيات الطيبة، والقدوة الصالحة التي تصنع جيلاً من الشباب الواعي بهدفه ورسالته في الحياة.

بواسطة : أ.د. إبراهيم طلبة
 0  0  13.4K