في ظل أزمة كورونا
وفي ظل الإجراءات الاحترازية غير المسبوقة التي اتخذتها دول عديدة مؤخرا للحد من تفشي هذا الوباء المسمى ب: كورونا المستجد، وشملت الاجراءات في العديد من الدول على سبيل المثال تعليق الدراسة، وتقييد حركة المواطنين، وإغلاق الحدود، وتعطيل الرحلات، والحجر الصحي الجماعي، ضمن إجراءات وإجراءات أخرى تم القيام بها وأربكت حياة الكثيرين، وشاهدنا تعامل حكومتنا الرشيدة في مملكتنا الحبيبة وفي هذا الوطن المعطاء وطن الخير.
والغرض من هذا المقال عقد مقارنات وتسليط الأضواء على تعامل القيادة والشعب والإجراءات الناشئة وما أفرزته الأزمة وما قد يترتب عليها.
لقد شاهدنا تفرد المملكة العربية السعودية في كيفية معالجتها لهذه الأزمة وتفردها في وضع الحلول مبكراً ووضع خطط وقائية على أعلى مستوى، ولك أن تحكم بنفسك بين تعامل قيادتنا ودولتنا مع تعامل كثير من الدول الأخرى والقيادات الأخرى.
والمطلع على عجالة يرى:
- أن السعودية تعد من دول النخبة في سرعة ودقة معالجتها وتصديها لتبعات هذه الجائحة. كما لمسنا التنسيق العالي المستوى والتناغم الكبير والتدرج المنظم بين أجهزة الدولة المختلفة ولعل أبرز مثال هنا استمرار العملية التعليمية والوظيفية من خلال الحاسب الآلي؛ وهي خطوة لم تكن لتتم لولا وجود بنية تحتية ووجود تدريب وقدرات تقنية وبشرية، كما شاهدنا أنه مع عدد السكان الكبير من مواطنين ومقيمين في هذه البلاد المباركة، فالعدد المرصود والمعلن بالإصابات بالفايروس يوميا يعد قليلا، وقليلا جدا، مقارنة بدول أخرى كثيرة، خليجية وعربية وإسلامية وغير ذلك.
ولعل من نافلة القول أن هذه المحنة تولد عنها منحاً متعددة لمسها وشعر بها كثير من المفكرين والباحثين وعامة الناس وخاصتهم ولعلي على عجالة أشير لبعض منها، فمنها مثلا:
أ- إبراز سماحة ويسر تعاليم الدين الإسلامي، فالعبادة لا ترتبط بمكان معين، ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.
والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (115) البقرة.
والمريض مثلا يكتب أجره حين يؤدي العبادة في بيته، أو لا يستطيع الصيام لعذر من مرض أو سفر مثلا كالصحيح تماما.
لذالك حين طلب ولي الأمر من الناس الصلاة في البيوت، سارعوا للامتثال يدفعهم لذلك النصوص الكثيرة في طاعة ولي الأمر، ومعرفتهم بتعاليم الإسلام السمحة بجواز الصلاة في البيوت عند الحاجة لمرض أو ريح وبرد ونحو ذلك، ثم قارن بين هذا، وبين ما صدر عن بعض الناس في إيران مثلا بزيارة القبور والتبرك بها والتمسح وزيارة بعض علمائهم للمرضى بالمستشفيات ومعهم ملابس وماء لمن يزعمون بركتهم بدعوى طلب الوقاية من هذا الفايروس، ثم ما نتج عن ذلك من تزايد الحالات المرضية والموتى عندهم. ولك أن تفكر وتتخيل وتتأمل الصورة التي نقلوها عن مذهبهم المنحرف للآخرين، فالعالم أصبح مدركا لخطأ تقبيل تربة الحسين والعباس وغيرهما والتمسح بها والتبرك بمسح عرق الزائرين، واكتشف كثير من السذج المخدوعين كذلك زيف مثل هذه الادعاءات التي ترفضها النقول الصريحة والعقول الصحيحة وتحرمها الشريعة الإسلامية، وتتبناها منهجا وسلوكا؛ قيادتنا وملوكنا وعلماؤنا وشعبنا ولله الحمد.
فنحن ندين بأن الله وحده هو الشافي وبيده النفع والضر ورفع البلاء ولا تجد في دولتنا وقيادتنا وعلمائنا انحرافات بفضل الله في هذا الجانب.
ب- مما أفرزته هذه الأزمة كذلك قيمة السمع والطاعة لولاة الأمر، من خلال الالتزام بتعليماته، وتعليمات نوابه؛ وزارة الداخلية والصحة على سبيل المثال، فيما يخص الجانب الصحي الوقائي بالالتزام بالحظر والتعليمات سواء للسعوديين أو المقيمين من مسلمين وغيرهم حيث يرى جميع الممتثلين لهذا الأمر أنه من لوازم طاعة ولي الأمر، فهو أشبه بالأمر التعبدي.
ولك أن تقارن بين هذا الالتزام الكبير بالتعاليم الحكومية وبين ما حدث ببعض الدول من احتياجهم لنزول الجيش بسبب حوادث السرقة ونهب بعض المحلات والمتاجر، والمطلع على الأمور في بلادنا الحبيبة يشاهد وجود نقاط تفتيش بسيطة منظمة لما قد يحدث من فئات مستهترة أو مخالفة، ولكن الأكثر ولله الحمد، يرون في التقيد بتعليمات الدولة امتثالا وطاعة لله أولا وأخيرا.
ج- أفرزت الأزمة استظهار عبادات قلبية عظيمة من التوكل على الله ودعائه والتفاؤل وعدم التشاؤم والرجاء بالله والتعلق به سبحانه وغير ذلك من العبادات القلبية العظيمة، التي رأينا بروز جزء كبير منها بين عدد كبير من الناس، وهو ما كان ليحدث لولا وجود تربية دينية وعقدية صحيحة، ووجود تنشئة طيبة لكل من القيادة والشعب في هذه البلاد المباركة الذين يدينون دين الإسلام، واتباعهم لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام ومعاملاته في وجوب السمع والطاعة في العسر واليسر وفي المنشط والمكره وعلى ألا ينازعون الأمر أهله.
د- ثبت بما لايدع مجالا للشك حرص قيادتنا ممثلة بحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله، ومحافظتها على الضرورات الخمس وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحِفظ النسل وحفظ المال، فاتضح حرص قيادتنا على النفس الإنسانية أولا، والأرواح للناس مقدمة على تحقيق أي مكاسب دنيوية ومالية، فأقرت القيادة أي إجراء فيه حفظ للناس، فالإنسان عندهم أولا، وتم التعميد بذلك لكافة أجهزة الدولة، ومهما كلف ذلك من خسائر مالية، وقارن هذا الجانب الأخير في بلادنا وبين ما حدث بدول أخرى كأمريكا مثلا التي تقدم المكاسب المالية على صحة الفرد وينادى فيها من كبار مسؤوليها بضرورة العودة للعمل، ويصرح مثلا في أمريكا رئيسها ترمب أن خطته لفتح البلاد ستفرض قواعد صارمة لفرض قواعد التباعد الاجتماعي!!
ولعل أعظم ما يقال هنا وما نتج عن هذه الأزمة؛ أن المملكة بقرارات قيادتها في هذه الظروف الاستثنائية برهنت للعالم أنها دولة استثنائية بكل ما تعنيه هذه الجملة للعالم.
هـ- ختاما تيقن الكثير من الناس واقتنعوا بضعف القوى المادية مهما كانت ضخامتها وجبروتها أمام عظمة الخالق سبحانه، وشاهدنا كيف خسرت القوى العظمى قواها وتراجعت مكانتها المادية والطبية والتقنية والمختبرية أمام خصم صغير لا يكاد يرى بالعين المجردة اسمه كيفود 19.
ختاما:
لمس الكاتب سيلا كثيرا من الأسئلة عن مبشرات من خلال الرؤى تبشر بزوال وانقشاع هذه الجائحة من كثير من الناس، وكان بعضهم في الماضي ممن يقلل من الغيبيات أو الماورائيات ومن شأن علم الرؤيا، فجاءت هذه الجائحة وأفرزت لنا هذه النتيجة بعد سقوط كثير من قوة وجبروت وأقنعة الحياة المادية الحالية.
_______
*معهد تعليم اللغة
بجامعة الإمام محمد بن سعود