دردشات الصومعة: سمير الوادي والزمخشري، ودعوة لتكريم رواد الفن
تعقيباً على مقالي بعنوان «نجوى مؤمنة ورسالة وفاء...» المنشور في 06/01/2020م أكرمتني الأستاذة نجوى برسالة أدبية جاء فيها «أخي العزيز الكاتب المبدع وقاهر الظلام ولم يخطئ من أطلق عليك هذا المسمى لأننا في هذه الحياة نشاهد مبصرين يقهرهم الظلام. حفظك الله ورعاك شكراً للدردشة التي خصصتها لي مع شاعرنا العظيم والذي لن يتكرر "بابا طاهر" رحمه الله واسكنه جنة الفردوس الأعلى.
بالنسبة للدفتر الأخضر حضر إلي بابا طاهر ومعه الإعلامي والشاعر والفنان العظيم مطلق الذيابي رحمه الله وقال لي بابا طاهر: يا ابنتي ويا قيثارتي الغالية لي طلب عندك، ممكن تقومين به؟ قلت طبعا يا بابا.. هنا قال لي الاستاذ مطلق تعرفين أختي نجوى أن بابا طاهر عاشق لتونس الخضراء وسيذهب بعد يومين إليها يريد أن يحمل شعره بصوتك الرائع الجميل على شريط كاسيت. هنا ناولني الأستاذ طاهر دفتراً أخضر قائلا. "هذه القصائد أريدك أن تسجليها اليوم والآن إذا تكرمت". وكان بابا طاهر لطيفا رائعا ومحدثاً لبقاً يأسرك بكلامه فتلبي طلبه دون تردد ونظراً للمكانة الكبيرة التي أحملها له والحب الأبوي الذي كان يشعرنا به قلت "حاضر يا بابا".
اخذت الدفتر تصفحت القصائد بخط يده، وأنا أعرف خطه الجميل من خلال معايشتي مع شعره لسنوات في «روضه المساء» ودخلت للإستديو وهو والاخ مطلق بقيا في الكونترول لمراقبة التسجيل ومعهم مهندس الصوت. سجلت الدفتر كاملا فاخذ الشريط الريل الإذاعي. لينقله الى كاسيت خارج الاذاعة. شكرني هو والاخ مطلق رحمهما الله واسكنهما جنة النعيم وبقي الدفتر الأخضر في حوزتي.. ذكريات لا تنسى. كان يُطلق علي: النجوى الهامسة، والقيثارة».
لقد ذكرتني هذه الرسالة بالعلاقة الوطيدة التي ربطت بين جدي الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري والفنان والإعلامي المبدع «مطلق بن مخلد الذيابي المعروف بـ سمير الوادي» - رحمهما الله - الذي التقيت به في صغري عدة مرات خلال زياراته لـ «بابا طاهر» في منزلنا، ووعيت على العديد من أعماله الفنية والأدبية.
ولمن لم يعرفه أو يسمع به! أنه من رواد الفن السعودي والمؤسسين الذين وضعوا اللبنة الأولى له وشكلوا قالبه، وتركوا بصمتهم فيه. فهو ملحن ومطرب وأديب وشاعر وكاتب وإعلامي سعودي ولد بعمّان بالأردن عام 1346هـ، وأنتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة عام 1373هـ. تعلم العزف على آلتي العود والكمان وأتقنهما، وتمتع بصوت جميل في الغناء والالقاء فقدم الكثير من البرامج الناجحة للإذاعة والتلفزيون السعودي منها «من البادية، ثمرات الأوراق، والحان من الجزيرة العربية»، أشاد به العديد من الأدباء والموسيقيين العرب مثل الشيخ علي الطنطاوي، أبو تراب الظاهري، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وشدا العديد من نجوم وعمالقة الفن العربي بكلماته وألحانه، اعتبره الأديب طاهر زمخشري "إنه من فرسان الاغنية السعودية الذين نقلوا الاغنية السعودية إلى خارج الحدود، إذ غنى له وديع الصافي، وسعد عبد الوهاب، وطلال مداح، وهيام يونس، وعايدة بوخريص ومصطفى كريدية، ورمزي عاطف، وخالد مدني، وسعاد محمد، وسميح لطفي، ومحرم فؤاد، وعبد الله السلوم، وفهد بلان، وإسماعيل خضر، ونجاح سلام، وشريفة فاضل، وابتسام لطفي، وفايدة كامل، وهاني شاكر، ومحمد قنديل. كما كانت أول أغنية يشدو بها محمد عبده للإذاعة من ألحانه" .. توفي رحمه الله في يوم الجمعة من شهر صفر عام 1403هـ إثر نوبة قلبية وهو في الـ 60 من عمره.
ومادام الشيء بالشيء يذكر فقد تذكرت أيضاً رواد فن الموسيقى في بلادنا الذين غابوا عن ذاكرتنا وعلى رأسهم الموسيقار طارق عبد الحكيم، عمر كدرس، سراج عمر - رحمهم الله-، والموسيقار والشاعر غازي علي، والموسيقار جميل محمود، والمايسترو عبده مزيد، فكلهم أبدعوا وتميزوا بقدرتهم على الغناء، والعزف، والتأليف الموسيقي، والشعر، والكتابة، والإلقاء في آن واحد معاً، ولفترة طويلة افتقر عالم الموسيقى والفن السعودي لأمثالهم، ولعل ذلك يكون بسبب غياب إسهامات الأدباء في الفن، والتعليم الموسيقى، وتنمية وتطوير المواهب التي لعب معهد الجيش العربي السعودي للموسيقى بالطائف في خمسينيات القرن الماضي دوراً كبير في ذلك.
وبما أننا نعيش عصراً جديداً مع عالم الفن والموسيقى باستحداث وزارة الثقافة التي بدورها أسست هيئة للموسيقى فإنني أدعو الهيئة أن تضع ضمن أولويات برامجها توثيق تاريخ الموسيقي في بلادنا والعناية بتدوين السير الذاتية لرواد الفن السعودي ونقل خبراتهم وتجاربهم للجيل الصاعد من الفنانين والموسيقيين الموهوبين للسير على نهجهم وخطاهم.
وبالعودة إلى العلاقة التي ربطت بابا طاهر زمخشري بـ «سمير الوادي» - رحمهما الله - فإنني أختم دردشتي بما مهره الأديب طاهر زمخشري في قصيدته «سمير الوادي»:
"إلى الشاعر الموهوب الموسيقار مطلق الذيابي الوفاء المجسد في الصوت المغرد بالحب الذي غرسته الأيام في قلبينا فأنبت صداقة أعتز بها":
يَا سَمِيرَ الْهَوَى نَدَاكَ نَغُومُ *** مِزْهَرِيٌّ، عطاؤه التَّرْنيِـــمُ
وَبِأَفْكَارِكَ الشَّوَارِدُ تَجْـرِي *** وهيَ فَيْضُ نوالهُ تَكْريــــمُ
بلسانٍ يُرَقْرِقُ القَوْلَ شَدْواً *** «وَكمانٍ» به تَشَافَتْ كُلُوم
كم لأنْغَامِه استَعَدْنا فَذُبْنَـا *** بِهَوى جدَّ وهو فِينَا قَدِيـــــم
أنْتَ حَرَّكْتَه فمــا أنْتَ إِلاَّ *** جَذْوَةٌ، واللَّهِيبُ فيها نَعيـــم
بالنسبة للدفتر الأخضر حضر إلي بابا طاهر ومعه الإعلامي والشاعر والفنان العظيم مطلق الذيابي رحمه الله وقال لي بابا طاهر: يا ابنتي ويا قيثارتي الغالية لي طلب عندك، ممكن تقومين به؟ قلت طبعا يا بابا.. هنا قال لي الاستاذ مطلق تعرفين أختي نجوى أن بابا طاهر عاشق لتونس الخضراء وسيذهب بعد يومين إليها يريد أن يحمل شعره بصوتك الرائع الجميل على شريط كاسيت. هنا ناولني الأستاذ طاهر دفتراً أخضر قائلا. "هذه القصائد أريدك أن تسجليها اليوم والآن إذا تكرمت". وكان بابا طاهر لطيفا رائعا ومحدثاً لبقاً يأسرك بكلامه فتلبي طلبه دون تردد ونظراً للمكانة الكبيرة التي أحملها له والحب الأبوي الذي كان يشعرنا به قلت "حاضر يا بابا".
اخذت الدفتر تصفحت القصائد بخط يده، وأنا أعرف خطه الجميل من خلال معايشتي مع شعره لسنوات في «روضه المساء» ودخلت للإستديو وهو والاخ مطلق بقيا في الكونترول لمراقبة التسجيل ومعهم مهندس الصوت. سجلت الدفتر كاملا فاخذ الشريط الريل الإذاعي. لينقله الى كاسيت خارج الاذاعة. شكرني هو والاخ مطلق رحمهما الله واسكنهما جنة النعيم وبقي الدفتر الأخضر في حوزتي.. ذكريات لا تنسى. كان يُطلق علي: النجوى الهامسة، والقيثارة».
لقد ذكرتني هذه الرسالة بالعلاقة الوطيدة التي ربطت بين جدي الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري والفنان والإعلامي المبدع «مطلق بن مخلد الذيابي المعروف بـ سمير الوادي» - رحمهما الله - الذي التقيت به في صغري عدة مرات خلال زياراته لـ «بابا طاهر» في منزلنا، ووعيت على العديد من أعماله الفنية والأدبية.
ولمن لم يعرفه أو يسمع به! أنه من رواد الفن السعودي والمؤسسين الذين وضعوا اللبنة الأولى له وشكلوا قالبه، وتركوا بصمتهم فيه. فهو ملحن ومطرب وأديب وشاعر وكاتب وإعلامي سعودي ولد بعمّان بالأردن عام 1346هـ، وأنتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة عام 1373هـ. تعلم العزف على آلتي العود والكمان وأتقنهما، وتمتع بصوت جميل في الغناء والالقاء فقدم الكثير من البرامج الناجحة للإذاعة والتلفزيون السعودي منها «من البادية، ثمرات الأوراق، والحان من الجزيرة العربية»، أشاد به العديد من الأدباء والموسيقيين العرب مثل الشيخ علي الطنطاوي، أبو تراب الظاهري، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وشدا العديد من نجوم وعمالقة الفن العربي بكلماته وألحانه، اعتبره الأديب طاهر زمخشري "إنه من فرسان الاغنية السعودية الذين نقلوا الاغنية السعودية إلى خارج الحدود، إذ غنى له وديع الصافي، وسعد عبد الوهاب، وطلال مداح، وهيام يونس، وعايدة بوخريص ومصطفى كريدية، ورمزي عاطف، وخالد مدني، وسعاد محمد، وسميح لطفي، ومحرم فؤاد، وعبد الله السلوم، وفهد بلان، وإسماعيل خضر، ونجاح سلام، وشريفة فاضل، وابتسام لطفي، وفايدة كامل، وهاني شاكر، ومحمد قنديل. كما كانت أول أغنية يشدو بها محمد عبده للإذاعة من ألحانه" .. توفي رحمه الله في يوم الجمعة من شهر صفر عام 1403هـ إثر نوبة قلبية وهو في الـ 60 من عمره.
ومادام الشيء بالشيء يذكر فقد تذكرت أيضاً رواد فن الموسيقى في بلادنا الذين غابوا عن ذاكرتنا وعلى رأسهم الموسيقار طارق عبد الحكيم، عمر كدرس، سراج عمر - رحمهم الله-، والموسيقار والشاعر غازي علي، والموسيقار جميل محمود، والمايسترو عبده مزيد، فكلهم أبدعوا وتميزوا بقدرتهم على الغناء، والعزف، والتأليف الموسيقي، والشعر، والكتابة، والإلقاء في آن واحد معاً، ولفترة طويلة افتقر عالم الموسيقى والفن السعودي لأمثالهم، ولعل ذلك يكون بسبب غياب إسهامات الأدباء في الفن، والتعليم الموسيقى، وتنمية وتطوير المواهب التي لعب معهد الجيش العربي السعودي للموسيقى بالطائف في خمسينيات القرن الماضي دوراً كبير في ذلك.
وبما أننا نعيش عصراً جديداً مع عالم الفن والموسيقى باستحداث وزارة الثقافة التي بدورها أسست هيئة للموسيقى فإنني أدعو الهيئة أن تضع ضمن أولويات برامجها توثيق تاريخ الموسيقي في بلادنا والعناية بتدوين السير الذاتية لرواد الفن السعودي ونقل خبراتهم وتجاربهم للجيل الصاعد من الفنانين والموسيقيين الموهوبين للسير على نهجهم وخطاهم.
وبالعودة إلى العلاقة التي ربطت بابا طاهر زمخشري بـ «سمير الوادي» - رحمهما الله - فإنني أختم دردشتي بما مهره الأديب طاهر زمخشري في قصيدته «سمير الوادي»:
"إلى الشاعر الموهوب الموسيقار مطلق الذيابي الوفاء المجسد في الصوت المغرد بالحب الذي غرسته الأيام في قلبينا فأنبت صداقة أعتز بها":
يَا سَمِيرَ الْهَوَى نَدَاكَ نَغُومُ *** مِزْهَرِيٌّ، عطاؤه التَّرْنيِـــمُ
وَبِأَفْكَارِكَ الشَّوَارِدُ تَجْـرِي *** وهيَ فَيْضُ نوالهُ تَكْريــــمُ
بلسانٍ يُرَقْرِقُ القَوْلَ شَدْواً *** «وَكمانٍ» به تَشَافَتْ كُلُوم
كم لأنْغَامِه استَعَدْنا فَذُبْنَـا *** بِهَوى جدَّ وهو فِينَا قَدِيـــــم
أنْتَ حَرَّكْتَه فمــا أنْتَ إِلاَّ *** جَذْوَةٌ، واللَّهِيبُ فيها نَعيـــم