"دردشات الصومعة" نجوى مؤمنة ورسالة وفاء...
أعزائي القراء مع إطلالة هذا العام والعقد الجديد 2020م يسرني أن أطل عليكم من زاويتي الجديدة «دردشات الصومعة» التي سأقدم من خلالها مقالات أسبوعية اجتماعية، إنسانية، أدبية وصحية، واستهلها برسالة وصلتني من الإعلامية المخضرمة الأستاذة نجوى مؤمنة جاء فيها:
"اخي العزيز استاذ محمد توفيق بلو..
أيها الشجاع والعصامي أنت انموذج لكل من أصيبوا بالإحباط نتيجة إعاقة أو مشكلة ما أوقفت عطاءهم وتواصلهم في العمل للوصول إلى الهدف، وأيضا لكل من يحمل الأمل لمستقبل ناجح ليعرف أن في الحياة لا شيء مستحيل.. فقط يحتاج الإنسان إلى الإيمان القوي أنه يستطيع أن يصل إلى ما يريد، يحتاج إلى الإرادة القوية والعزيمة والصبر دون كلل، يحتاج الى الثقة بالنفس. وأيضا يحتاج الى تعزيز ذلك من أقرب شخص إليه يتابعه ويحفزه ليستمر في سيره ليصل الى هدفه.
وذكرتني بهذه العزيمة والاصرار ببابا طاهر (الأديب الراحل طاهر زمخشري) - رحمه الله - أنت ورثت منه هذه الصفات ولو كان جدك على قيد الحياة لفرح بك كثيراً، لديك الكثير من صفاته القوة العزيمة الاعتزاز بالنفس التميز التحدي لا شيء لديه مستحيل.
ورغم كل الصفات التي يتصف بها بابا طاهر - رحمه الله - كان خفيف الظل بشوشا، صغير مع الصغير، وكبير مع الكبير، يسعد لفرحك ويتألم لألمك.
كان يكتب الشعر وعند عرض القصيدة على المجيز للنص يخاف مجيز النص من بعض الكلمات التي يكتبها شاعرنا العظيم فيشطبها!!! هنا كان يقول بابا طاهر - رحمه الله - وبإصراره المعهود لدي مئات الكلمات تعطي نفس المعنى وسأضع كلمه لم يقرأها في حياته. ويصر على تبديل الكلمة بأخرى وترسل للمجيز وتأتي الموافقة فيضحك لانتصاره، ويقول لو شطبها سآتي بغيرها!!! إصرار عجيب منه على عدم شطب أي كلمه في الشعر لأنه كان عالماً بما يكتب ولا يرقى المجيز إلى ما تحويه جعبته من لغتنا الام - رحمه الله-.
في أحد الأيام كتب «سلاف» فشطبها المجيز واحضروا له النص لاستبدال الكلمة فخاطبني وهو يبتسم سأضع كلمه أتحدى أن يعرف معناها أيضا تعني خمر.
قلت ماهي يا بابا قال كلمة «راح» تعني خمر وفعلا كتبها وارسلها وأجيزت، لو كنت رأيت ضحكته وتعليقه «ضحكة الانتصار» شاعر الرومانسية لا يعوض - رحمه الله -
من وفائنا له بقينا انا والدكتور حسين نجار نقدم في برنامجنا صباح النور قصيده في كل حلقه من مجموعته الشعرية لعدة سنوات... «اين روضه المساء اين الارشيف الاذاعي للأسف!!!؟.»
حفظك الله ورعاك أخي الكريم على عزيمتك وإصرارك وطموحك.
تهنئه صادقه ودعواتي لك بدوام التوفيق والنجاح والتألق".
والحق أقول إن الأستاذة نجوى مؤمنة من قلائل الأوفياء لبابا طاهر زمخشري الذين عرفتهم فقد عرفتها منذ صغري بصوتها الإذاعي الذي كان يملأ مسامعنا عبر المذياع مساء كل ليلة وهي تقرأ قصيدة من قصائد بابا طاهر التي كانت يعدها خصيصاً لبرنامجه «روضة المساء» وكان البرنامج الوحيد عدا الأذان والأخبار يُبثُّ حيًّا على الهواء من إذاعة جِدَّة بصوتها مع الإعلامي القدير علي داود، وذلك بعد أن وافق على هذا الاستثناء وزير الإعلام آنذاك الأستاذ إبراهيم العنقري - رحمه الله - ثقةً وتقديرًا لطاهر زمخشري.
وبعد سنوات من وفاة بابا طاهر رحمه الله التقيت بها في العام 2002م في مركز إبصار بمستشفيات مغربي إبان تأسيس جمعية إبصار حينما جاءت ممثلة لإذاعة جدة لإعداد ريبورتاج عن هذه الفكرة التي كانت رائدة على مستوى الشرق الأوسط، وكانت سعيدة جداً بالتقائها بأحد أقارب بابا طاهر بعد وفاته بسنين وأبلغتني بأنها تحتفظ بديوان شعر بخط يده لم ينشره.
وقد واكبت نشأة وتطور الجمعية لحظة بلحظة وأعدت عشرات التقارير والبرامج الإذاعية عنها، وأجرت العديد من اللقاءات مع ذوي الإعاقة البصرية وأسرهم وحرصت على تقديمهم بصور مضيئة تعكس جوانب مشرقة عن الإعاقة البصرية والجمعية وخدماتها، فكان لذلك الأثر الكبير في زيادة وعي المجتمع وزيادة عدد مرتادي الجمعية خصوصاً ذوي الإعاقة البصرية الذين كانت الإذاعة تمثل لهم مصدراً رئيسياً لاستقاء المعلومات الإخبارية والثقافية.
وكانت كلما التقينا ما تفتأ تذكر بابا طاهر وتترحم عليه وتروي الحكايات والذكريات لمواقفه معها ودعمه لمسيرتها الإعلامية منذ أن قدمها كأصغر مذيعة تلتحق بالإذاعة وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وكان يلقبها بعدة ألقاب منها «القيثارة» ويرفض أن يقدم أحد غيرها برنامجه «روضة المساء» حتى أنها في أحد الأيام أصيبت بوعكة صحية فأوقف البرنامج إلى أن تشفى ورفض أن يذاع بصوت إذاعي آخر.
فتحية لهذا الوفاء الذي أصبح من أكبر النعم على الإنسان في هذه الأيام إذا تحلى به أو رزق بأناس أوفياء من حوله.
وأختم هذه الدردشة برباعية «الوفاء الجريح» التي نشرها الأديب في ديوانيه «رباعيات صبا نجد 1973م/1393هـ» وتضمنت أحب بيتين من أشعاره إلى نفسه.
يا أعذب الحُبِّ..؟!
نبضي، كاد يُسكِتهُ.. صوت
الأنين، ومن نجواك ينتظمُ
***
حسبي من
الحُبِّ، أنِّي بالوفاء له.. أمشي
وأحمل جُرحًا ليس يلتئمُ
***
وما شكوتُ..
لأنِّي إن ظلمت فكم.. قبلي
من النَّاس في شرع الهوى ظلموا
***
وهل يحسُّ..
ضياعًا من شدوتُ له؟!
والرَّجع ما زال للأطياف يبتسمُ؟!
"اخي العزيز استاذ محمد توفيق بلو..
أيها الشجاع والعصامي أنت انموذج لكل من أصيبوا بالإحباط نتيجة إعاقة أو مشكلة ما أوقفت عطاءهم وتواصلهم في العمل للوصول إلى الهدف، وأيضا لكل من يحمل الأمل لمستقبل ناجح ليعرف أن في الحياة لا شيء مستحيل.. فقط يحتاج الإنسان إلى الإيمان القوي أنه يستطيع أن يصل إلى ما يريد، يحتاج إلى الإرادة القوية والعزيمة والصبر دون كلل، يحتاج الى الثقة بالنفس. وأيضا يحتاج الى تعزيز ذلك من أقرب شخص إليه يتابعه ويحفزه ليستمر في سيره ليصل الى هدفه.
وذكرتني بهذه العزيمة والاصرار ببابا طاهر (الأديب الراحل طاهر زمخشري) - رحمه الله - أنت ورثت منه هذه الصفات ولو كان جدك على قيد الحياة لفرح بك كثيراً، لديك الكثير من صفاته القوة العزيمة الاعتزاز بالنفس التميز التحدي لا شيء لديه مستحيل.
ورغم كل الصفات التي يتصف بها بابا طاهر - رحمه الله - كان خفيف الظل بشوشا، صغير مع الصغير، وكبير مع الكبير، يسعد لفرحك ويتألم لألمك.
كان يكتب الشعر وعند عرض القصيدة على المجيز للنص يخاف مجيز النص من بعض الكلمات التي يكتبها شاعرنا العظيم فيشطبها!!! هنا كان يقول بابا طاهر - رحمه الله - وبإصراره المعهود لدي مئات الكلمات تعطي نفس المعنى وسأضع كلمه لم يقرأها في حياته. ويصر على تبديل الكلمة بأخرى وترسل للمجيز وتأتي الموافقة فيضحك لانتصاره، ويقول لو شطبها سآتي بغيرها!!! إصرار عجيب منه على عدم شطب أي كلمه في الشعر لأنه كان عالماً بما يكتب ولا يرقى المجيز إلى ما تحويه جعبته من لغتنا الام - رحمه الله-.
في أحد الأيام كتب «سلاف» فشطبها المجيز واحضروا له النص لاستبدال الكلمة فخاطبني وهو يبتسم سأضع كلمه أتحدى أن يعرف معناها أيضا تعني خمر.
قلت ماهي يا بابا قال كلمة «راح» تعني خمر وفعلا كتبها وارسلها وأجيزت، لو كنت رأيت ضحكته وتعليقه «ضحكة الانتصار» شاعر الرومانسية لا يعوض - رحمه الله -
من وفائنا له بقينا انا والدكتور حسين نجار نقدم في برنامجنا صباح النور قصيده في كل حلقه من مجموعته الشعرية لعدة سنوات... «اين روضه المساء اين الارشيف الاذاعي للأسف!!!؟.»
حفظك الله ورعاك أخي الكريم على عزيمتك وإصرارك وطموحك.
تهنئه صادقه ودعواتي لك بدوام التوفيق والنجاح والتألق".
والحق أقول إن الأستاذة نجوى مؤمنة من قلائل الأوفياء لبابا طاهر زمخشري الذين عرفتهم فقد عرفتها منذ صغري بصوتها الإذاعي الذي كان يملأ مسامعنا عبر المذياع مساء كل ليلة وهي تقرأ قصيدة من قصائد بابا طاهر التي كانت يعدها خصيصاً لبرنامجه «روضة المساء» وكان البرنامج الوحيد عدا الأذان والأخبار يُبثُّ حيًّا على الهواء من إذاعة جِدَّة بصوتها مع الإعلامي القدير علي داود، وذلك بعد أن وافق على هذا الاستثناء وزير الإعلام آنذاك الأستاذ إبراهيم العنقري - رحمه الله - ثقةً وتقديرًا لطاهر زمخشري.
وبعد سنوات من وفاة بابا طاهر رحمه الله التقيت بها في العام 2002م في مركز إبصار بمستشفيات مغربي إبان تأسيس جمعية إبصار حينما جاءت ممثلة لإذاعة جدة لإعداد ريبورتاج عن هذه الفكرة التي كانت رائدة على مستوى الشرق الأوسط، وكانت سعيدة جداً بالتقائها بأحد أقارب بابا طاهر بعد وفاته بسنين وأبلغتني بأنها تحتفظ بديوان شعر بخط يده لم ينشره.
وقد واكبت نشأة وتطور الجمعية لحظة بلحظة وأعدت عشرات التقارير والبرامج الإذاعية عنها، وأجرت العديد من اللقاءات مع ذوي الإعاقة البصرية وأسرهم وحرصت على تقديمهم بصور مضيئة تعكس جوانب مشرقة عن الإعاقة البصرية والجمعية وخدماتها، فكان لذلك الأثر الكبير في زيادة وعي المجتمع وزيادة عدد مرتادي الجمعية خصوصاً ذوي الإعاقة البصرية الذين كانت الإذاعة تمثل لهم مصدراً رئيسياً لاستقاء المعلومات الإخبارية والثقافية.
وكانت كلما التقينا ما تفتأ تذكر بابا طاهر وتترحم عليه وتروي الحكايات والذكريات لمواقفه معها ودعمه لمسيرتها الإعلامية منذ أن قدمها كأصغر مذيعة تلتحق بالإذاعة وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وكان يلقبها بعدة ألقاب منها «القيثارة» ويرفض أن يقدم أحد غيرها برنامجه «روضة المساء» حتى أنها في أحد الأيام أصيبت بوعكة صحية فأوقف البرنامج إلى أن تشفى ورفض أن يذاع بصوت إذاعي آخر.
فتحية لهذا الوفاء الذي أصبح من أكبر النعم على الإنسان في هذه الأيام إذا تحلى به أو رزق بأناس أوفياء من حوله.
وأختم هذه الدردشة برباعية «الوفاء الجريح» التي نشرها الأديب في ديوانيه «رباعيات صبا نجد 1973م/1393هـ» وتضمنت أحب بيتين من أشعاره إلى نفسه.
يا أعذب الحُبِّ..؟!
نبضي، كاد يُسكِتهُ.. صوت
الأنين، ومن نجواك ينتظمُ
***
حسبي من
الحُبِّ، أنِّي بالوفاء له.. أمشي
وأحمل جُرحًا ليس يلتئمُ
***
وما شكوتُ..
لأنِّي إن ظلمت فكم.. قبلي
من النَّاس في شرع الهوى ظلموا
***
وهل يحسُّ..
ضياعًا من شدوتُ له؟!
والرَّجع ما زال للأطياف يبتسمُ؟!