المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 16 نوفمبر 2024
محمد توفيق بلو
محمد توفيق بلو

المسح البصري بين التجربة الهندية وحملة إبصار الوطنية

أحزنني ما قرأته في الملخص الذي وصلني من باحث الدكتوراة بجامعة ليفربول واخصائي أول بالبصريات وضعف الإبصار في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجده الزميل «هاني الرحيلي» عن نتائج المسح البصري في الهند الوارد في «تقرير العالم عن البصر» الصادر عن منظمة الصحة العالمية «أكتوبر 2019م»، وكيف أننا أهدرنا فرصة للريادة العالمية في مجال المسح البصري للأطفال وحماية آلاف الأطفال في مجتمعنا من الإصابة بالإعاقة البصرية الممكن تفاديها.

فلقد أشاد التقرير بالتجربة الهندية في برنامج المسح البصري للمدارس خلال عامي 2016-2017م الذي نفذه البرنامج الوطني لمكافحة العمى بالهند وتبنته وزارة الصحة ورعاية الأسرة بالتعاون مع مؤسسة Sightsavers الخيرية المتعاونة مع منظمة الصحة العالمية في مكافحة العمى، بمنهجية اعتمد على تنفيذ حملات توعوية بالمدارس وتدريب المعلمين على المسح البصري بالطرق التقليدية باختبار الأطفال على مدى قدرتهم من معرفة اتجاه الأحرف على لوحة اختبار النظر من مسافة 6 أمتار، وإحالة الحالات التي لم تتجاوز الاختبار إلى عيادات عيون للعلاج، وتم تدريب 130,000 معلم بمعدل 5 ساعات لكل مدرسة اتموا بعدها فحص 32 مليون طالب على مدى عامين دراسيين (2016م-2017م)

بينما نفذت جمعية إبصار حملة مسح بصري في العام 2015م كانت الأولى من نوعها في العالم باستخدام أحدث تقنية للمسح البصري (برنامج EyeSpy) عملت على إدارتها برعاية برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) وشراكة وزارة التعليم، الصحة، التنمية الاجتماعية، اللجنة الوطنية لمكافحة العمى، اللجنة الوطنية للطفولة، قسم طب وجراحة العيون بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك سعود، ودعم عدد من المؤسسات الخيرية والقطاع الخاص تم خلالها إنتاج أفلام وتنظيم حملات توعوية بالحملة وتدريب 560 فاحص متطوع بمعدل (2) ساعتين للمجموعة الواحدة، وفحص 21,427 طفل في 64 مدرسة على مدى 8 أسابيع عمل بـ 15 فاحص في اليوم الواحد، وإحالة حالات الأطفال الذين كانوا بحاجة إلى علاج لعيادات عيون مستشفيات مغربي للعلاج مجاناً وصرف نظارات طبية للمحتاجين منهم، وللأسف توقفت تلك الحملة قبل استكمال مراحلها التي كانت تهدف إلى تغطية باقي مدن المملكة الرئيسية وعواصم دول مجلس التعاون على الرغم مما مثلته من أهمية لصحة عيون الأطفال العنصر الرئيسي للتحصيل التعليمي، فوفق تقرير مجموعة عمل صحة العين المدرسية « 2018م» التابعة للوكالة الدولية لمكافحة لعمى إن الرؤية الجيدة أمر بالغ الأهمية لقدرة الطفل على المشاركة والاستفادة من الخبرات التعليمية، ولهذا فإن تحسين رؤية أطفال المدارس يسهم في تحسين الوضع التعليمي، ويزيد قدرة الأطفال على التعلم بشكل كبير، وتتراوح عواقب التقاعس في اكتشاف مشاكل صحة العين إلى ما هو أبعد من الرؤية حيث تؤثر على التعليم والمشاركة الاجتماعية والإنتاجية الاقتصادية المستقبلية.
وما يدق ناقوس الخطر وفق تقرير منظمة الصحة العالمية عن البصر «أكتوبر 2019» هو ما تضمنته المراجعة المنهجية الحديثة والتحليل البُعدي لانتشار قصر النظر ومدى تأثيره وتوزيعه وحجمه لدى الأطفال من خلال 164 دراسة منفصلة، من 42 دولة حيث تفيد التوقعات العالمية بزيادة الاخطاء الانكسارية، فبحلول عام 2050 سيعاني نصف سكان العالم من قصر النظر وفقا لمؤسسة هولدن وآخرون، ومن المحتمل أن يكون أكبر قضية صحية عامة قادمة، وتعد الأخطاء الانكسارية غير المصححة المسبب الرئيسي لضعف النظر الذي يؤثر على أنشطة الحياة اليومية للطفل، والتحرك، والقراءة، والعمل الدقيق، مما ينعكس على التعليم والتنمية الشخصية والإنتاجية الاقتصادية اذ يخسر الاقتصاد العالمي 202 مليار دولار من الإنتاجية كل عام بسبب ضعف النظر غير المصحح، وهذا أكثر من إجمالي الناتج المحلي في ستين دولة مجتمعة.

وبالعودة إلى التجربة الهندية، فلو نفذت بالطريقة التي نفذت بها حملة إبصار باستخدام ببرنامج EyeSpy الذي يستطيع بحد أقصى فحص مليون طفل في الأسبوع، كان بالإمكان تدريب 5000 فاحص بدلاً من 130,000، للقيام بفحص 32 مليون طفل خلال 32 أسبوع دراسي فقط بدلاً من عامين دراسيين، مع الحصول على نتائج دقيقة للفحص مماثلة لنتائج جهاز المعيار الذهبي (golden standard device) لتقييم الرؤية الذي يستخدمه اختصاصي البصريات في العيادة، وحفظ البيانات على خوادم سحابية واستخراجها في تقارير من قبل أصحاب الصلاحية في أي وقت ومن أي مكان، بدلاً الفحص بالطريقة التقليدية التي تستلزم عدد بشري هائل وضِعف مدة التدريب، واحتمالية الخطأ البشري خصوصاً في حالة عدم التخصص، إضافة إلى صعوبة حفظ البيانات الورقية والرجوع إليها.

وبحكم اطلاعي على حجم مشاكل الإبصار عند الأطفال في المدارس من واقع تجربتي مع حملة إبصار الوطنية، وما ذكرته تقارير منظمة الصحة العالمية بأن في كل دقيقة يصاب طفل بالعمى حول العالم، وما يقارب نصف مليون طفل يفقدون أبصارهم سنويا، وأن نحو 1.4 مليون طفل مصابين بالعمى الذي لم يعد بالإمكان علاجه، وأن عدد الأطفال دون الخامسة عشرة الذين يعانون من ضعف بصر حول العالم يقدر بـ 19 مليون طفل، وأن 80% من حالات العمى وحالات الضعف الشديد في البصر في شتى أنحاء العالم كان بالإمكان تفاديها عبر تفعيل سبل الوقاية أو الأخذ بأسباب العلاج، فقد بادرت في العام الماضي بإعداد مقترح مشروع وطني للمسح البصري يتضمن خطة مرحلية لتنفيذ هذه المبادرة تبدأ بمرحلة تجريبية يتم خلالها تدريب 40 فاحص متطوع لفحص 56000 طفل بالمرحلة الابتدائية بمحافظة جدة باستخدام برنامج آي سباي (EyeSpy) خلال 21 أسبوع دارسي وإحالة الأطفال الذين بحاجة إلى علاج لعيادات العيون، سعياً مني لمواكبة برنامج التحول الوطني في القطاع الصحي المتعلق برفع جودة الرعاية الصحية في المملكة، وتحقيق مبادرة الرؤية 2020 الحق في الابصار للجميع لاكتشاف حالات أمراض العيون المسببة للإعاقة البصرية وعلاجها قبل حدوثها، وجعل فحوصات الاكتشاف المبكر في المدارس إجراء دوري للحد من أمراض العيون المؤدية للعمى الممكن تفاديه بين الأطفال، وإعداد قاعدة بيانات بأمراض عيون الأطفال وديمغرافيتها.

وللأسف بقي ذلك المقترح حتى الآن حبيس أدراج الجهات التي قدم لها، واستمرت حملات المسح البصري في المدارس تنفذ بالطريقة التقليدية رغم ما يشوبها من عيوب، في ظل تزايد حالات أمراض العيون المؤدية للإعاقة البصرية بين الأطفال يوماً بعد يوم بسبب تأخر اكتشافها.
 0  0  37.1K