نريد مجتمعاً حيوياً لا أبوياً
لم يعد أمام تقدمنا وازدهارنا وطموحاتنا من خيار إلا بمراجعة كافة انظمتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا .. ليس هجوما عليها او الإقلال منها ؛ بل لتقويم مسار حياتنا وفق المعطيات والظروف والمتغيرات التي طرأت على العالم بأسره وليس علينا وحدنا ..
التطورات العلمية والمعرفية والتقنية السريعة وما أحدثته أو ستحدثه عاجلا أم آجلا يتطلب منّا سرعة المراجعة لكل ما بأيدينا وما حولنا إن كنّا فعلا نريد سباقا وتقدما عن غيرنا أو نعدّ أنفسنا بما نستطيع من قوّة وعتاد لنواجه به عدونا أو ننافس به غيرنا ..
وهذا ما ترمي إليه أهداف رؤية المملكة 2030م :
⁃ مجتمع حيوي
⁃ وطن طموح
⁃ اقتصاد مزدهر
وجعلت من أهم برامجها تمكين المرأة الى جانب الرجل لتقوم بدورها الأكمل في المجتمع وتساهم في بناء الوطن وتعزز الاقتصاد ..
الاقتصاد الرعوي ليس له مكان في رؤية المملكة ٢٠٣٠م ولهذا نجد الكثير من المنشآت تواجه صعوبة الانفصال عن تلك الرعاية والرعوية السابقة من الدولة التي اعتادت عليها طوال السنين الماضية ..
كذلك المجتمع الأبوي لم يعد له مكانا في رؤية المملكة ٢٠٣٠م وأن على المجتمع أن يكون حيويّا يتحمل مسئولياته بدءا من الفرد الى الاسرة الى منظمات ومؤسسات المجتمع المدني (المنظمات غير الربحية) بأنواعها ..
(ملاحظة : المقصود بالمجتمع الأبوي : أن تقوم الحكومة بدور الأب بدلا من المجتمع نفسه المكون من الفرد والاسرة)
الدولة ممثلة في الحكومة ستنشغل بمسؤلياتها الاساسية تجاه الوطن والمجتمع بأسره من حفظ الامن وتطبيق العدالة وتوفير سبل العيش الكريمة والحراسة .. وقد وفرت الدولة مؤسساتها المختلفة لتحقيق ذلك ومنها المحاكم وهيئات الرقابة والادعاء العام والجهات العدلية والأمنية والتجارية وغيرها .. وبقي أن يتولى كل مواطن مسئوليته المناطة به تجاه الوطن والمجتمع ..
ومن هنا جاء قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تعديل نظام وثائق السفر، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/24) وتاريخ 28-5-1421هـ بتعديل المادة (الثانية) منه لتكون بالنص الآتي:
يمنح جواز السفر لكل من يقدم طلباً بذلك من حاملي الجنسية العربية السعودية ، وذلك وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية.
هذا القرار بالطبع سيقطع الطريق على كل من يثير الشكوك نحو حقوق المرأة السعودية لأمور وأغراض سياسية ، كما سيدعم الثقة بين أفراد الاسرة السعودية ويقوي من تلاحمها ، ويعزز من مكانت المرأة ويحفظ لها حقوقها خاصة إذا كانت أرملة أو مطلقة أو موظفة .
لا أعتقد أن حصول المرأة على الجواز دون موافقة ولي أمرها إن كانت غير متزوجه أو من زوجها إن كانت متزوجة فيه ضرر اجتماعي يتعلق بالأسرة بل هو تسهيل لحياة المرأة والقيام بوظيفتها داخل المجتمع ..
ومسألة أن تسافر المرأة غير المتزوجة دون إذن ولي أمرها أو المتزوجة غير إذن زوجها اعتقد هي من الامور التي يجب أن تكون من مسئولية الاسرة نفسها للتعامل معها وليس من اللوازم التي على الدولة متابعتها ..
العادة في الشريعة محكّمة فما تعارف عليه أهل بلد يأخذ حكمه في الشرع ويلجأ اليه الحاكم إذا لم يوجد نص من الشرع يعارضه ، فماهو متعارف عليه في دول أو مجتمعات إسلامية أخرى لا يلزم أن يكون دليلا أو حكما لنعمل به ، وما هو متعارف عليه عندنا ليس ملزم به أهل تلك البلاد الاسلامية العمل به كذلك .
نحن بفضل الله نشأنا في مجتمع اسلامي يحكمه ضوابط شرعيه صاغها الموقعون عن الله وهم علماؤنا ومرجعيتنا الفتوى فيما فيه خلاف أو محل للاجتهاد ومازلنا نتلقى من علمهم ونستنير بآرآئهم ..
تناقل آباؤنا تقاليد وعادات آباؤهم وأجدادهم ونحن كذلك ورثنا عن آبائنا وأجدادنا الكثير من مسائل وأمور حياتنا .
ما نمر به اليوم من تحولات كبيره فرضتها الحياة من تطور في وسائل النقل وأماكن تواجد العلم والعمل والتسوق وحاجة المجتمع لمواكبتها ومواءمتها امر لا حياد عنه يجب التكيف معه ، لكن تقدير الحاجة لها وما هو في حكم الضروري أو الكفاية يحتاج منا تأهيل للأدوار الاسرية ، فالمرأة أكانت متزوجة أو غير متزوجة لها أن تتعلم وأن تعمل وأن تقضي حاجتها وحاجة أهلها وأسرتها ولها كذلك أن تشارك في بناء مجتمعها .. وهذا يحتم بلا شك إعطاؤها حرية الاختيار والقرار في حدود ماتسمح به مباديء الشرع الحكيم والاجتهادات كما هي القاعدة الفقهية " تغير الاحكام بتغير الأزمان" ..
من هذه المقدمة المهمّة يجب على المرأة أن تعرف واجباتها وأن تدرك مسئوليتها وأن تتحمل نتيجة تصرفاتها وسلوكياتها أمام الشارع الحكيم ، مثلها في ذلك مثل الرجل الذي عليه نفس الواجبات والمسئوليات .
وهنا يبقى التذكير بأهمية دور التنشئة والتربية الاسرية في قدرة الوالدين على بناء السياج الأخلاقي والوقائي للاولاد من الصغر ذكرا كان أم أنثى .. ومن بين أساليب التربية المجدية التربية الاستقلالية وتاثيرها في بناء الثقة واعتماد الاولاد على أنفسهم منذ الصغر مما يحفزهم في المستقبل على الدافعية للانجاز وحب العمل والاعتماد على النفس ويغرس الثقة في نفوسهم ويجعلهم أكثر ايجابية في الحياة.
على سبيل المثال أغلبنا يسمح من خلال ابشر باختيار عدة سفرات لزوجته واولاده ولعدة سنوات ولم نجد ولله الحمد أي خلافات أو من يسافر دون إذن فالزوجة أحيانا تسافر مع اولادها دون زوجها للتسوق او لقضاء اجازة لهم والبنات يسافرن مع أحد إخوانهن لزيارة معرض أو تسوق او تعليم ..
كذلك أبنائنا الشباب ولله الحمد غالبا لا يسافرون إلا بعد الاستئذان من والديهم وهي تربية وسلوك اسري حميد فكيف بنسائنا وبناتنا ولله الحمد
المسألة إذا تتوقف على التربية والثقافة المجتمعية والأسرية ..
أما العادات والتقاليد التي لاتواكب التغيير كثير منها سائر إلى الزوال .. والاحتكاك الثقافي عنصر هام في تغير حياتنا ..
مع الوقت ستصبح حياتنا باذن الله أكثر أمنا وأمانا وراحة واستقرارا وماهي الا مرحلة من التحول وستنتهي عاجلا أم آجلا ...
وبالله التوفيق.
*كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقاً