مدح القبور
تختلف معادن الناس، كلاً على حسب معدنه، فمنهم الرجال الأسناد الذين لا يستغنى عنهم، لما يبذلون من الخير بأنواعه وأشكاله، الذين على الثغور، حراساً لمنع الشرور سواءاً بالأفعال أو الأقوال، فالخير منتشر بهم والشر مدفوعاً بهم لا نحس معهم ضيقاً ولا هماً، رغم أنهم يعانون من دفع ذلك الأذى الذي لا يعترينا منه شيء ولا يهمنا بوجودهم شيء.
لكن بما أن نفقدهم يعلن ميلاد الشر المتلاحق، الذي لا ينتهي ولا يهدأ، فنتجرع منه ألوان النصب، وشتى أنواع الضيق، فالفقد برحيلهم مر مؤلم.
ومن ثم لا حيلة لنا إلا أن نذكر محاسنهم وهم في قبورهم، فهولاء هم الفقداء حقاً الذين إذا ماتوا نخسرهم ونفقد ما كنا فيه معهم من التقلب في أنواع الخير، والنعيم.
هذا هو مدح القبور، فهنيئاً لهم ذلك الثناء وهنيئاً لهم تلك المحاسن وهنيئاً لهم تلك الشهادة بالخير، فهم استحقوا الثناء بعد الموت شهادة حق من الخلق، ففي ما قاله رسول الله _ صل الله عليه وسلم_ حق، حيث مرت جنازة برسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فأثني عليها بخير حتى تتابعت الألسن فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم وجبت. ثم مرت به جنازة فأثني عليها بشر حتى تتابعت الألسن فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وجبت فقال عمر بن الخطاب:_رضي الله عنه_ يا رسول الله قلت في الجنازة الأولى حيث أثني عليها خيراً وجبت، وقلت في الثانية كذلك فقال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم شراً فوجبت له النار إنكم شهود الله في الأرض مرتين أو ثلاثا.
إذن لابد أن تكون أعمالنا خيراً وفلاحاً في الدينا لأجل خير الآخرة، فشهادة الخلق حقاً موجب.
اللهم وفقنا للخير قبل الدخول في القبور، وارزقنا مدح القبور، وازقنا الفردوس بعد النشور من القبور.