لواء دكتور/ سمير فرج يكتب: بعيداً عن الرياضة
كانت المرة الأولى التي أدخل فيها ستاد القاهرة، عام 1961، وأنا طفل صغير، بصحبة والدي، رحمه الله، لمشاهدة مباراة الزمالك وريال مدريد، فعشقت ذلك النادي الملكي، وعمالقته بوشكاش ودي ستيفانو … وكانت آخر زياراتي لنفس الاستاد، يوم السبت الماضي، مع أولادي، وأحفادي، لمشاهدة مباراة مصر وجنوب أفريقيا، ضمن فعاليات بطولة كأس الأمم الأفريقية، في دورتها الثانية والثلاثون، المقامة على أرض مصر.
وبعيداً عن نتيجة المباراة، التي أصابت أكثر من سبعين ألف مشجع، في الاستاد، بالحسرة والأسى، وغيرهم من ملايين المصريين، الذين تابعوا المباراة على شاشات التليفزيون، وبدون الخوض في أسباب هذه النكسة الرياضية، الواضحة للجميع، منذ خروج منتخبنا الوطني من بطولة كأس العالم، في يونيو 2018، وبرغم حزني الشديد على ما آل إليه حال الرياضة في مصر، إلا أنني لا أغفل الجانب المضيء في هذه البطولة، فلكل عمل مكاسبه، وخسائره.
فخروج منتخبنا الوطني من البطولة، من دور الـ16، على أرضه، وبين جماهيره، التي لم تدخر جهداً، أو مالاً في الاصطفاف خلفه، يعتبر خسارة فادحة، ومخزية، ولكن المكاسب تحققت، منذ إصرار الرئيس عبد الفتاح السيسي على قبول تحدي تنظيم تلك البطولة، في وقت قياسي، لم يتجاوز الستة أشهر، منذ قرار نقل البطولة من الكاميرون، إلى مصر، لتظهر مصر في صورتها الحقيقية، في عهدها الجديد، متخذين من تنظيم روسيا لبطولة كأس العالم 2018، مثالاً، إذ تمكنت، بنجاحها في تنظيم البطولة، من تغيير المفهوم القديم بأنها دولة شيوعية، ذات توجه اشتراكي.
قبلت مصر التحدي، وبدأت في تحديد الملاعب لاستقبال البطولة، وفي زمن قياسي، تم تطويرها، على أعلى المقاييس العالمية، بدءاً من أرضية الملاعب، وغرف اللاعبين، ومقار المؤتمرات الصحفية، وغرف المراسلين، ومركز المعلومات الإلكتروني، الذي أتاح جمع المعلومات، والإحصاءات عن الفرق المشاركة، واللاعبين، وتاريخ كل منهم، بما يتوافق مع لغات الدول المشتركة. ولم تكن إشادة رئيس الفيفا، ورئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وأعضاء الوفود المشاركة، من جاهزية الملاعب، إلا كلمة حق، عززها عدم تقديم أية شكاوى، من الملاعب، من النواحي الفنية أو الإدارية. وانطلقت البطولة، يوم 21 يوليو، بحفل افتتاح مهيب، كان حديث العالم بأسره، من حيث الإبهار والتنظيم والرقي، منذ تدشين تلك البطولة الإقليمية.
نجحت اللجنة المنظمة للبطولة، في مراعاة أدق التفاصيل، منذ اختيار مقار إقامة البعثات الرياضية، بتطوير استعداد هذه الفنادق، والاستجابة للمطالب الخاصة، بكل دولة، بشأن أنواع الأطعمة، وفقاً لتقاليدها، كما تم افتتاح مراكز طبية، مزودة بسيارات إسعاف، بكل فندق، لتلبية الاحتياجات العاجلة، كما تم تخصيص أكثر من مستشفى، لاستقبال وعلاج جميع الحالات، سواء الرياضيين أو الإداريين، وتم تعريف رؤساء البعثات بتلك المستشفيات، من خلال زيارات تفقدية، فور وصولهم إلى مصر.
أما مفاجأة تنظيم البطولة، فتمثل في ميكنة حجز تذاكر المباريات، واستخراج بطاقات المشجعين، لأول مرة، على مستوى أفريقيا، وهو ما أكد على مبادئ الشفافية، وتكافؤ الفرص، وضرب بيد من حديد على الأسواق الموازية، للتربح، غير القانوني، من بيع تذاكر المباريات. وقد شهدت بنفسي، احتفاء مشجعي الجزائر، أثناء حضوري أحد مباريات منتخبهم، الشقيق، بإستاد الدفاع الجوي، من سهولة ويسر حجز، وطباعة، تذاكرهم، من المنافذ المخصصة لها، فور وصولهم إلى القاهرة. وهو أحد أهم إنجازات هذه البطولة، والتي كانت روسيا تتفاخر بتنفيذها خلال تنظيم كأس العالم.
ونجحت وزارة الشباب والرياضة، في نقل فعاليات هذا الحدث الهام، من خلال شاشات العرض، بمراكز الشباب، لتيسير فرصة متابعتها لعموم المصريين، ممن لا تسمح لهم ميزانيتهم بمتابعتها في الاستادات أو المطاعم. أما رجال الهندسة الإذاعية، فلهم يعود الفضل في استعادة قنوات ماسبيرو لجماهريتها، من خلال تقوية إرسال الشبكات التليفزيونية الأرضية، بما أتاح الفرصة لجميع العائلات المصرية من متابعة البطولة، دون أعباء مالية إضافية. كما كان تصوير المباريات بالكاميرات المثبتة على الطائرات الموجهة بدون طيار، أكثر من رائع في نقل الصورة الكاملة للمباريات، والجماهير المحتشدة لمشاهدتها، وخرجت الاستوديوهات التحليلية، العامرة بمحترفي كرة القدم، من مشاهير العالم، في صورة احترافية، تضاهي نظيرتها في الدول الأوروبية.
وهنا لا يجب أن يفوتنا توجيه الشكر والتقدير والعرفان، لرجال الأمن، في مصر، فلولا نجاح جهودهم وتفانيهم، لما خرجت البطولة، في صورتها التي نتابعها اليوم، وهو ما علقت عليه المحطات الإخبارية العالمية، بأنه على عكس المتوقع لم يتم دخول أي شماريخ، خلال المباريات، في حين توقع البعض، أن يتم استغلال ذلك الحدث الكبير، من قبل الجماعات الإرهابية، للقيام بعملية خسيسة، تعكر صفو النجاح، في محاولة للنيل من سمعة مصر. إلا أنه، ولله الحمد، ظهرت مصر، بصورتها الحقيقية كبلد آمن، مستقر، وهو ما لمسه ضيوفها، وعبروا عنه في مختلف لقاءاتهم، وسمعته منهم بنفسي، فكانت تلك خير دعاية لمصر، تدحض بها ادعاءات بعض وكالات الأنباء التي تحاول تشويه صورة مصر. وهو ما شعر به أبناءها، وهم يتوافدون على استاد القاهرة، رافعين علم مصر عالياً، وهاتفين باسمها، وملتفين حولها، مؤكدين للعالم على شعورهم بالأمان، بفضل أجهزتهم الأمنية المختلفة.
الخلاصة …. وبعيداً عن الرياضة … فقد حققت مصر الكثير من المكاسب، بنجاحها وتميزها في استضافة بطولة كأس الأمم الأفريقية، الحدث الكروي الأهم، على مستوى القارة السمراء، وعلى مدار شهر كامل، تصدر اسم مصر جميع نشرات الأخبار العالمية، في متابعتها لأحداث هذه البطولة، من مصر، قلب العالم العربي وأفريقيا …. عظيمة أنت، دائماً، يا مصر، رغم إحباطنا من منتخبنا الوطني لكرة القدم، والقائمين