مارب يتكلم من جديد
على حين غرة من الزمن تستيقظ مأرب من سباتها العميق لتصحو صحوة نابه وفطن، لحظة أن عمَّ السبات والاندثار أرجاء أرض العربية السعيدة ومزقها وبال الحرب والنزاع الداخلي، وبقت مأرب تتقدم اسم اليمن وتستعيد مجدها المؤثل والعابق في أعماق التاريخ، استيقظ إلمقه وشمر عن ساعديه وفتح قلبه لكل من هب ودب ويطأ أرضه كل من ضاقت به السبل في ربوع اليمن لينقش اسمه بخط المسند على جدران المدينة خوفاً من الضياع والتلاشي.
إنها مارب مدينة العظمة والمجد، وليسمح لي شاعرنا الكبير عبدالعزيز المقالح صاحب الديوان الشهير مأرب يتكلم في استعارة إسم ديوانه لهذا المقال الذي أردت للتو أن أفصح عن شغفي الأجد بهذه المدينة، وأنا اتجول لتوي في شوارعها منبهراً بحداثتها وسحرها ومأسوراً بانبعاثها الأصيل, وكنت قد زرتها قبل سنوات لكنها لم تكن كهذه التي أراها الآن، صدمتني دهشتها وهزني وجدانها المتألق، وبعثت فيّ نشوة الإلهام وسرت في كياني حماسة الحب ووهج السعادة لما بدت عليه المدينة من حيوية ونشاط وتوسع عمراني وبنية تحتية ومشاريع خدمية وإنسانية حيث تمد المدينة سواعدها شرقاً وغرباً وتصافح بيدها المجد وتعانق الأفق دون تريث وبثبات منقطع النظير ، وقد ينفي الزائر لمأرب أنها بهذه الصورة الخلابة الآسرة وأن السلطة المحلية في مأرب بذلت ذلك الجهد الجبار في انتهاز الفرصة التاريخية السانحة واستغلالها في تشييد المدينة ومنحها التاج الذي تستحق والمكانة التي تليق بها كمدينة تمثل اليمن في الماضي وفي الحاضر والمستقبل حيث تحمل بحوزتها كل الأسماء والصفات التي تجعلها تحلق عالياً وتبرز كمدينة أولى في هذه اللحظات الراهنة، حين سقطت العاصمة صنعاء بيد الانقلاب وغرقت عدن كعاصمة ثانية في متاهة الانتقالي والحزام الأمني، ووثبت مأرب بزيها السبئي ووشاحها الحميري حيث الحضارة والعمران تتزعم مشهد التاريخ اليمني حالياً ويثبت أبناؤها أحقيتهم بهذا النهوض وهذا التقدم الذي حرمت منه طيلة العقود المنصرمة من عمر الجمهورية وظلت مدفونة في الصحراء .
ويفترض علينا ونحن في ثنايا دهشتنا بها كمدينة ناشئة أن نبدي رأياً توجب علينا طرحه يتمثل بأن تتخلص وهي في طريقها للنهوض الاقتصادي والعمراني من العبثية والعشوائية، وأن تضع المخططات الملائمة لأشكال الشوارع والحارات حتى لا تظهر أمامها مشكلات التوسع في المداخل والمخارج والجولات وتضيق على نفسها دون أن تنتبه لذلك، وتبدو كمدينة مغلقة متخذة كل التدابير اللازمة للتخلص من عشوائية التوسع وأن تردف ذلك التوسع بتعبيد الشوارع المستحدثة بالإسفلت والرصف وزرع الأشجار للتخفيف من الحرارة وتزيين الشوارع , كما ينقص المدينة والحارات المجاورة للمدينة حقاً وبشكل جلي وواضح الاهتمام الجاد بمسألة النظافة إذ بدت مهملة بشكل غير مرغوب فيه حيث تتوزع المخلفات في كثير من الأماكن، وتشكل عائقاً مستفزاً لكل من يزور المدينة ولو تم معالجة هذه القضية ستكتمل الفرحة بمأرب وسيتم الشعور بالبهجة، ولا أظن أن الجهات المسؤولة تعاني من عجز يمنعها من حل قضية النظافة ولكن لدي أمل أنها ستلتفت لهذا الأمر وتتخذ ما بوسعها لزحزحة هذه الإشكالية والتخلص منها إلى مالانهاية ..
ولست هنا معاتباً أو ناقداً لما عليه الحال في مأرب وإنما من باب الاستحسان بشكل المدينة وانذهالي بمنجزها التاريخي الآسر وحبي الشغوف بمدينة صارت هي قبلتنا ووجتهنا اليمنية حيث الجذر التاريخي لاسم اليمن وحميريتها السبئية , إنها المجد إنها التاريخ إنها المستقبل ..سلام عليك من القلب يا مأرب