أسمع طبول الحرب على الوكلاء.. والسجون السرية دروع بشرية
صوت الطبول الأمريكية يقرع في آذاني وكأنه يصدر من المياه الإقليمية ليصل صداه إلى العراق وربما سوريا وبدرجة أقل للبنان واليمن، وبحسب ما أسمعه فإن الصوت قد لا يصل إلى طهران على الأقل في الوقت الراهن أو بحسب ما يصدر من أصوات لهذه الطبول حاليا، ومن لا يسمع هذا الصوت عليه بمراجعة أقرب مقر لفصيل مسلح مدعوم إيرانيا ليرى ويسمع تبدل ألوان الوجوه وتسارع نبضات دقات القلوب.
لا نقبل اللون الرمادي فإما معنا أو مع إيران، هذا ما نقلته مصادر صحفية وسياسية قريبة من مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي زار بغداد بطريقة مفاجئة أو بالطريقة التي يفضّل قادة الصف الأول في الإدارة الأمريكية الذين اعتادوا على ركل الباب والدخول دون التكلف بطرقه أو حتى إصدار أي صوت قبل دخولهم، ما نقلته المصادر شبه الرسمية عن بومبيو أنه أخبر رئيس الوزراء بضرورة إخضاع الفصائل المسلحة للحكومة، ومن أي تصرفات طائشة ستضعها تحت مرمى النيران الأمريكية المباشرة، ويبدو أن الاستخبارات الأمريكية رصدت تحركات جدية لضرب المصالح الأمريكية داخل العراق وخارجه، واستخدام منصات إطلاق لصواريخ بالستيَّة من الأراضي العراقية، حيث نشرت تقارير سابقة أن عشرات الصواريخ مع منصاتها تم نشرها في مناطق متفرقة من البلاد لكن الولايات المتحدة لم تحرك ساكنا إزاء تلك الأنباء، ويبدو أن التقارير الأخيرة دفعت وزير الخارجية الأمريكي لهذه الزيارة المفاجئة والتي تقاطعت مع زيارة رسمية إلى برلين، لكن قبل ذلك بساعات قررت الإدارة الأمريكية إرسال قوة بحرية ضاربة متكونة من حاملة الطائرات العملاقة "إبراهام لنكولن" وبصحبتها أربع سفن حربية مدمرة، وتضم هذه القوة البحرية فرقاطتين ومدمرتين وقرابة سبعين طائرة مقاتلة وقاصفة، وقبلها بشهر تقريبا أرسلت واشنطن سربين لطائرات إلى الإمارات، كل تلك القوات والتي تعد جميعها قوة جوية ضاربة بما فيها طائرات B52 المدمرة، ما يؤكد أن نية الإدارة الأمريكية هي ضرب أهداف محددة كما حصل في وقت سابق مع العراق قبل الغزو الأمريكي واحتلاله، ولعل مخاوف واشنطن من وكلاء إيران في العراق مبررة، لا سيما بعد أن استهدف صاروخ أطلق من قبل مجهولين على قوة عسكرية أمريكية أثناء وجودها في قاعدة التاجي شمالي بغداد إضافة إلى اشتباك مسلح حصل بين قوات أمريكية وقوات تتبع للشرطة الاتحادية التي تتكون معظم عناصرها من قوات فيلق بدر بقيادة هادي العامري قرب مدينة كركوك النفطية، وأصيب على إثر ذلك ثلاثة من عناصر الشرطة الاتحادية، وسبق ذلك كله تهديدات لقيادات في الحشد الشعبي وفصائل مسلحة للقوات الأمريكية داخل العراق في حال أعادت انتشارها على الأرض العراقية، وبعض تلك التهديدات ذهبت إلى أبعد من ذلك لتحذر من استهداف إيران أو تضييق الخناق عليها، ما يؤكد أن الأمور ستكون معقدة على حكومة عبد المهدي وقيادة الحشد وحتى القيادة الأمريكية حيث تفرض المواجهة نفسها على الجميع، لاسيما في ظل الاستماتة في الدفاع عن النظام الإيراني داخل العراق، على الرغم من شبه الإجماع الدولي على كبح جماح النفوذ الإيراني في المنطقة.
رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي صرح في أكثر من بيان رسمي أن العراق لن يكون جزءاً من العقوبات الأمريكية على إيران، في وقت تبدو فيه إدارة ترمب حازمة تجاه فرض عقوبات لكل من يخالف قرارتها ضد طهران وخصوصاً العراق الذي يعد في السنوات الأخيرة الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني، وهذا الموقف الذي بدا عبدالمهدي المنحدر من فكر نشأ في إيران متشبثاً به قد يضطر إلى التراجع عنه أو أن يجد نفسه وحكومته والنظام السياسي في العراق برمته في مواجهة أكبر قوة سياسية وعسكرية في العالم، ويبدو أنه سمع شيئاً من هذا القبيل خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكي الذي ركل عليه باب قصره في المنطقة الخضراء واجتمع معه لمدة نصف ساعة أوجز خلالها ما تريده الإدارة الأمريكية خلال الأيام القليلة المقبلة، وإلا فستكون الأمور أسوأ مما تتصوره الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، حيث سبق لبعض الجهات السياسية المتنفذة في الحكم أن رفضت إدراج عددٍ من الفصائل المسلحة والشخصيات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على لائحة الإرهاب، إضافة إلى رفضها العقوبات الأمريكية على إيران ومطالبتها البرلمان والحكومة بإصدار قانون إخراج القوات الأمريكية من العراق
القوات الأمريكية البحرية الضاربة التي وصلت إلى الخليج العربي قد تقوم بضربات جوية لأهداف محددة لها في العراق، وغالبا تلك الأهداف تتبع لفصائل مسلحة قريبة من إيران، حيث تضم مقار لمعظم تلك الفصائل وخصوصاً المقار التي تحوي مراكز تدريب عسكري وضباطاً وعناصر استخبارات إيرانية وعناصر من الحرس الثوري الذين يشرفون على التدريب والتوجيه، وخصوصاً في المعسكرات التي تقع في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد داعش، وتضم معظم هذه المقار إضافة إلى المعسكرات سجوناً سرية تحوي داخلها آلاف المعتقلين المغيبين قسراً من أهالي المناطق التي كان يسيطر عليها داعش، وخصوصا في مناطق صلاح الدين والأنبار وبابل وحزام بغداد وديالى وكركوك ونينوى، حيث رفضت هذه الفصائل التي تنضوي معظمها ضمن هيئة الحشد الشعبي التي من المفترض أنها تخضع لسلطة رئيس الوزراء، رفضت إطلاق سراح المعتقلين أو المغيبين لديها على الرغم من انتهاء المعارك ضد داعش منذ عدة شهور وفِي بعض المناطق مثل جرف الصخر أكثر من أربع سنوات، إذ باءت جميع الجهود السياسية والوساطات لإطلاق سراح هؤلاء بالفشل كما لم يتدخل التحالف الدولي الذي اقتيد هؤلاء أمام أنظار قواته وطائراته إلى المجهول دون أن يحرك ساكنا، حيث قتل الآلاف ودفنوا في مقابر جماعية بحسب ما سرَّبَ لي ذلك أقارب أحد قيادات الحشد، بعد إخراج داعش من إحدى المناطق الريفية، ينما اقتيد آخرون إلى السجون السرية، ويبدو أنه جاء وقت استثمارهم من قبل الخاطفين، إذ سيكونون دروعاً بشرية للمقار والمعسكرات التي من المحتمل أن تكون أهدافاً للطيران الأمريكي، ولكن من تابع معارك الموصل وغيرها سيعرف أن الطيران لن يكترث سوى بإفراغ حمولته على الهدف المخصص له.
الأيام القليلة جداً المقبلة ستشهد تغيراً في مواقف بعض الجهات السياسية واختفاءً لأخرى، في حين ستصعِّد الأطراف القريبة من طهران في خطابها الإعلامي، وسنشهد كما هو معتاد ظهور جماعات بمسميات جديدة ووجوه مخفية على الإعلام تهدد وتتوعد المصالح الأمريكية في حال التعرض لإيران أو وكلائها في العراق، في الوقت ذاته ستحاول حكومة عادل عبدالمهدي والأطراف السياسية المتنفذة التأخير قدر الإمكان في إعلان الموقف الرسمي النهائي لها، إذا كانت قد اختارت حليب البقر الأمريكي أو الساهون الإيراني، في محاولةٍ لكسب الوقت والمناورة لإيجاد وساطة وحل يبعد الحرَج ويأتي لإيران بالفرَج، لكن يبدو أن هذه المرة لا صوتَ يعلو على صوت طبول الحرب، ولا مكان للوكلاء في المنطقة، فهل سمع بومبيو أو سيده ترمب أغنية لطيفة التونسية ليرفضوا الرمادي؟ أم أنه زمن غلبة الروم وانتهاء مغامرة عودة هيمنة بلاد فارس في شرق الأرض؟