روحانية رمضان
شهر رمضان هو شهر الإيمان والقرآن، وشهر العبادة والهداية والأعمال الصالحات، شهر عظيم جعله الله عز وجل مظهراً عظيماً لرحمته بعباده، فجدير بكل مسلم أن ينفتح له قلبه وأن يصغي إليه فؤاده وأن يسد به منافذ الشيطان، وفي هذا الشهر المبارك شرع الله جملة من العبادات التي يتخذها المؤمن وسيلة للتقرب إليه، وعنواناً على التعلق به، وتعبيراً صادقاً عن الخضوع له، والشعور بسلطانه عليه، وهو شعور منبعه الإيمان بعظمته سبحانه وتعالى والإيمان بجلاله وقدرته وتلك هي العبادة، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ" . ولقد خص الإسلام من الصلاة شهرَ رمضان بصلاة التراويح، وهي ما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم في شهر رمضان، ودرجوا عليها من بعده، واستمر المسلمون عليها إلى يومنا هذا -ولله الحمد والمنة- يحيون بها ليالي رمضان ويؤدونها جماعة في المساجد، فيستمعون القرآن ويتعظون به وينتفعون به ويتدبرونه، وبذلك كانت صلاة التراويح شعاراً تعبدياً خاصاً بشهر رمضان، به تستنير القلوب وبه تتلذذ الأسماع وبه تضاء المساجد، وأين تكون روحانية رمضان وروحه وبهجته إن لم تكن في المساجد وفِي صفوف المصلين وفِي صلاة التراويح، وأصل تسميتها؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات فيفصلون بين الركعات باستراحة. صلاة التراويح هي شعار هذا الشهر وعلامته الفارقة، وبها يتحقق إحياء رمضان وقيامه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ فرضَ صيامَ رمضانَ وسنَنتُ قيامَهُ ، فمَن صامَهُ وقامَهُ احتسابًا خرجَ منَ الذُّنوبِ كيومِ ولدتهُ أمُّهُ"
صلاة التراويح عبادة عظيمة وتزكية شرعها الله تعالى في رمضان شكراً له على نعمه وأفضاله، وتعويداً للنفس على ما يقويها ويرفع روحانيتها، ومادة تغذي الإيمان وأثراً واضحاً يرشد إليه، وهي إلى ذلك رياضة للجسد وراحة للروح ومدعاة للأجر، قال تعالى: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"
هنيئا لمن صام رمضان وقام ليله وناجى ربه ووقف ببابه ولازم تقواه واحتسب الأجر عند الله، فالاحتساب هو روح التقوى الذي يتقبل به الطاعات، وإنما يتقبل الله من المتقين.